كرامي (عبد حميد) Karami (Abdul Hamid-) - Karami (Abdul Hamid-)
كرامي (عبد الحميد ـ)
(1890 ـ 1950م)
عبد الحميد كرامي، مفتي طرابلس وحاكمها قبل الاستقلال، سياسي لبناني، وكان رئيساً لوزراء لبنان في الفترة من 10 كانون الثاني/يناير حتى 20 آب/أغسطس 1945. يعد من الزعماء الأوائل الذين ناضلوا في سبيل الاستقلال اللبناني ومن دعاماته الكبرى، قضى حياته كلها مناضلاً مكافحاً في سبيل إجلاء الأجنبي عن أرض لبنان.
ولد عبد الحميد كرامي في طرابلس، من عائلة آل كرامي التي تعود جذورها إلى بيت المقدس بفلسطين، وقد استقرت في طرابلس التي وصلت إليها عبر دمشق، وأنجبت عائلة كرامي ثلاث رؤساء وزارات منذ استقلال لبنان عن فرنسا عام 1943. وعبد الحميد كرامي هو والد الرئيس الشهيد رشيد كرامي[ر]، وأما ابنه الثاني هو الرئيس عمر كرامي الذي استقال عام 2005 بعد اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري.
درس عبد الحميد كرامي العلوم الدينية في طرابلس ثم تعلم في مدارسها، وألقيت إليه مهام منصب الإفتاء (وهو في السابعة عشرة من عمره) والذي ورثه عن أجداده، وهذا المركز الديني المرموق استحوذت عليه الأسرة الكرامية منذ نحو 400 سنة، فقام بالمهمة أحسن قيام وكان آخر مفتٍ في العهد العثماني إذ استقال ورفض أن يتعاون مع الدولة المنتدبة. وقد بدأ نجمه في الصعود منذ الحكومة العربية في دمشق، وبالرغم من حداثة سنه فقد عينه الملك فيصل حاكماً لطرابلس، والواقع أن عبد الحميد كرامي ارتبط منذ سنة 1918 بسياسة فيصل وبالموالاة للإنكليز ومناهضة الفرنسيين، ومثَّل كرامي ظاهرة جديدة في العشرينات من القرن الماضي لم تعرفها المدن من قبل وهي ظاهرة الزعامة الشعبية. وحين فرض الانتداب الفرنسي على لبنان عام 1920، شهدت طرابلس صراعاً مريراً وحركة مقاومة شديدة ضد الانتداب بقيادة الزعيم عبد الحميد كرامي، وأبى أن يتعاون مع المستعمر وترك مركز الحاكمية، وقاسى اضطهاد الدولة المنتدبة ونفي مراراً لكنه رفض كل عروض الدولة الفرنسية للتعاون معها، ولم يرض بديلاً من الاستقلال التام وانسحاب الجيوش الأجنبية عن أراضي لبنان.
بقي لبنان من دون تمثيل نيابي خلال السنتين الأوليين من الحرب العالمية الثانية. وعندما جاءت حكومة الجنرال ديغول وأعلنت استقلال لبنان وجرى انتخاب أول مجلس نواب في عهد الاستقلال عام 1943، كان نصيب طرابلس مقعدين، وانتخب الرئيس عبد الحميد كرامي والرئيس سعيد المنلا بالإجماع، وكان كرامي أكثر النواب المنتخبين من الوطنيين الشديدي الحماس للقضايا الوطنية والعربية، وانتخب المجلس النيابي الرئيس بشارة الخوري رئيساً للجمهورية، وكلف الرئيس رياض الصلح أول وزارة. وكان أول عمل قامت به الوزارة تعديل الدستور لحذف بعض المواد التي تمس السيادة وتقيِّد الاستقلال، لكن المندوب السامي جان هللو (Jan Hallo) لم يرض بهذا التعديل وأرسل في ليلة 12 تشرين الثاني/نوڤمبر 1943 عدداً من الجنود السنغال ألقوا القبض على رئيس الجمهورية بشارة الخوري ورئيس الوزراء رياض الصلح وفي طرابلس على الرئيس عبد الحميد كرامي فاقتادوه بملابس النوم، وسجنت قوات الانتداب الزعماء الثلاثة في قلعة راشيا وكان توقيفهم شرارة إعلان الاستقلال، شهد لبنان إضراباً شاملاً وطافت المظاهرات في شوارع المدن وقراها، وأُعلنت حكومة مؤقتة في قرية بشامون، وتدخل الإنكليز في القضية، فأذعنت فرنسا للواقع وأفرجت عنهم في 22 تشرين الثاني وهو اليوم الذي اتخذ فيما بعد عيداً للاستقلال. وعادوا يمارسون سلطاتهم القانونية فعادت الحياة الدستورية إلى البلاد مرة ثانية.
وفي عام 1945 كلف الرئيس بشارة الخوري عبد الحميد كرامي رئاسة الوزراء ونالت حكومته ثقة البرلمان، وقام كرامي بالمهمة أحسن قيام ومثَّل لبنان في تأسيس الجامعة العربية في آذار/مارس 1945، وكان أحد الموقعين على ميثاقها، والواقع أن لبنان كان له دور رئيسي في وضع ميثاق الجامعة، وفي داخل الجامعة كان دوماً الوسيط بين الدول المتنازعة أو المختلفة في الرأي، وبتاريخ 16/8/1945 قدَّم رئيس الحكومة كرامي استقالته شفهياً لرئيس الجمهورية الذي أعاد تكليفه ولكنه اعتذر عن قبول التكليف لأنه شعر أنه يعمل في «مزرعة» وليس في دولة. ولهذه الأسباب لم يخض الانتخابات النيابية في عام 1947 والتي تميزت بتزوير فاضح.
وفي سنة 1950 أصيب عبد الحميد كرامي بمرض عضال لم يستطع أطباء لندن وباريس شفاءه منه، فتوفي ملبياً نداء ربه، فأقفلت أسواق طرابلس وعم الحزن لبنان كله، وسار وراء نعشه الوزراء والنواب ومندوبو الدول، وكان في طليعة المشيعين رئيس الجمهورية بشارة الخوري الذي أبَّنه في الجامع الكبير المنصوري ورثاه قائلاً «علوت إلى خير الظهور، ونشأت وترعرعت في بيت كان الإفتاء فيه ميراثاً فعاد إليك، وسُدت العشيرة أمردَ، وحملك مواطنوك عن حق إلى الندوة اللبنانية، فكنت الفارس الذي لا يشق له غبار».
وفي سنة 1963 احتفلت طرابلس ولبنان بإقامة تمثال للرئيس عبد الحميد كرامي في مدخل طرابلس وحضر الحفلة الرئيس شهاب وسائر الوزراء والوفود وذلك اعترافاً بفضله وتخليداً لكفاحه في سبيل الاستقلال.
لم يترك الرئيس كرامي آثاراً مكتوبة سوى خطبه المحفوظة في سجلات مجلس النواب اللبناني في بيروت.
محمد أحمد
كرامي (عبد الحميد ـ)
(1890 ـ 1950م)
عبد الحميد كرامي، مفتي طرابلس وحاكمها قبل الاستقلال، سياسي لبناني، وكان رئيساً لوزراء لبنان في الفترة من 10 كانون الثاني/يناير حتى 20 آب/أغسطس 1945. يعد من الزعماء الأوائل الذين ناضلوا في سبيل الاستقلال اللبناني ومن دعاماته الكبرى، قضى حياته كلها مناضلاً مكافحاً في سبيل إجلاء الأجنبي عن أرض لبنان.
ولد عبد الحميد كرامي في طرابلس، من عائلة آل كرامي التي تعود جذورها إلى بيت المقدس بفلسطين، وقد استقرت في طرابلس التي وصلت إليها عبر دمشق، وأنجبت عائلة كرامي ثلاث رؤساء وزارات منذ استقلال لبنان عن فرنسا عام 1943. وعبد الحميد كرامي هو والد الرئيس الشهيد رشيد كرامي[ر]، وأما ابنه الثاني هو الرئيس عمر كرامي الذي استقال عام 2005 بعد اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري.
درس عبد الحميد كرامي العلوم الدينية في طرابلس ثم تعلم في مدارسها، وألقيت إليه مهام منصب الإفتاء (وهو في السابعة عشرة من عمره) والذي ورثه عن أجداده، وهذا المركز الديني المرموق استحوذت عليه الأسرة الكرامية منذ نحو 400 سنة، فقام بالمهمة أحسن قيام وكان آخر مفتٍ في العهد العثماني إذ استقال ورفض أن يتعاون مع الدولة المنتدبة. وقد بدأ نجمه في الصعود منذ الحكومة العربية في دمشق، وبالرغم من حداثة سنه فقد عينه الملك فيصل حاكماً لطرابلس، والواقع أن عبد الحميد كرامي ارتبط منذ سنة 1918 بسياسة فيصل وبالموالاة للإنكليز ومناهضة الفرنسيين، ومثَّل كرامي ظاهرة جديدة في العشرينات من القرن الماضي لم تعرفها المدن من قبل وهي ظاهرة الزعامة الشعبية. وحين فرض الانتداب الفرنسي على لبنان عام 1920، شهدت طرابلس صراعاً مريراً وحركة مقاومة شديدة ضد الانتداب بقيادة الزعيم عبد الحميد كرامي، وأبى أن يتعاون مع المستعمر وترك مركز الحاكمية، وقاسى اضطهاد الدولة المنتدبة ونفي مراراً لكنه رفض كل عروض الدولة الفرنسية للتعاون معها، ولم يرض بديلاً من الاستقلال التام وانسحاب الجيوش الأجنبية عن أراضي لبنان.
بقي لبنان من دون تمثيل نيابي خلال السنتين الأوليين من الحرب العالمية الثانية. وعندما جاءت حكومة الجنرال ديغول وأعلنت استقلال لبنان وجرى انتخاب أول مجلس نواب في عهد الاستقلال عام 1943، كان نصيب طرابلس مقعدين، وانتخب الرئيس عبد الحميد كرامي والرئيس سعيد المنلا بالإجماع، وكان كرامي أكثر النواب المنتخبين من الوطنيين الشديدي الحماس للقضايا الوطنية والعربية، وانتخب المجلس النيابي الرئيس بشارة الخوري رئيساً للجمهورية، وكلف الرئيس رياض الصلح أول وزارة. وكان أول عمل قامت به الوزارة تعديل الدستور لحذف بعض المواد التي تمس السيادة وتقيِّد الاستقلال، لكن المندوب السامي جان هللو (Jan Hallo) لم يرض بهذا التعديل وأرسل في ليلة 12 تشرين الثاني/نوڤمبر 1943 عدداً من الجنود السنغال ألقوا القبض على رئيس الجمهورية بشارة الخوري ورئيس الوزراء رياض الصلح وفي طرابلس على الرئيس عبد الحميد كرامي فاقتادوه بملابس النوم، وسجنت قوات الانتداب الزعماء الثلاثة في قلعة راشيا وكان توقيفهم شرارة إعلان الاستقلال، شهد لبنان إضراباً شاملاً وطافت المظاهرات في شوارع المدن وقراها، وأُعلنت حكومة مؤقتة في قرية بشامون، وتدخل الإنكليز في القضية، فأذعنت فرنسا للواقع وأفرجت عنهم في 22 تشرين الثاني وهو اليوم الذي اتخذ فيما بعد عيداً للاستقلال. وعادوا يمارسون سلطاتهم القانونية فعادت الحياة الدستورية إلى البلاد مرة ثانية.
وفي عام 1945 كلف الرئيس بشارة الخوري عبد الحميد كرامي رئاسة الوزراء ونالت حكومته ثقة البرلمان، وقام كرامي بالمهمة أحسن قيام ومثَّل لبنان في تأسيس الجامعة العربية في آذار/مارس 1945، وكان أحد الموقعين على ميثاقها، والواقع أن لبنان كان له دور رئيسي في وضع ميثاق الجامعة، وفي داخل الجامعة كان دوماً الوسيط بين الدول المتنازعة أو المختلفة في الرأي، وبتاريخ 16/8/1945 قدَّم رئيس الحكومة كرامي استقالته شفهياً لرئيس الجمهورية الذي أعاد تكليفه ولكنه اعتذر عن قبول التكليف لأنه شعر أنه يعمل في «مزرعة» وليس في دولة. ولهذه الأسباب لم يخض الانتخابات النيابية في عام 1947 والتي تميزت بتزوير فاضح.
وفي سنة 1950 أصيب عبد الحميد كرامي بمرض عضال لم يستطع أطباء لندن وباريس شفاءه منه، فتوفي ملبياً نداء ربه، فأقفلت أسواق طرابلس وعم الحزن لبنان كله، وسار وراء نعشه الوزراء والنواب ومندوبو الدول، وكان في طليعة المشيعين رئيس الجمهورية بشارة الخوري الذي أبَّنه في الجامع الكبير المنصوري ورثاه قائلاً «علوت إلى خير الظهور، ونشأت وترعرعت في بيت كان الإفتاء فيه ميراثاً فعاد إليك، وسُدت العشيرة أمردَ، وحملك مواطنوك عن حق إلى الندوة اللبنانية، فكنت الفارس الذي لا يشق له غبار».
وفي سنة 1963 احتفلت طرابلس ولبنان بإقامة تمثال للرئيس عبد الحميد كرامي في مدخل طرابلس وحضر الحفلة الرئيس شهاب وسائر الوزراء والوفود وذلك اعترافاً بفضله وتخليداً لكفاحه في سبيل الاستقلال.
لم يترك الرئيس كرامي آثاراً مكتوبة سوى خطبه المحفوظة في سجلات مجلس النواب اللبناني في بيروت.
محمد أحمد