لماذا نيرون حرق روما؟
أصبح نيرون (37-68 م) إمبراطورا للإمبراطورية الرومانية بعد وفاة والده بالتبني الإمبراطور كلوديوس في 54 بعد الميلاد، وكان آخر حاكم لما يسميه المؤرخون سلالة جوليو كلوديان، وقد حكم الإمبراطور نيرون حتى انتحر في يونيو عام 68 م، واشتهرت القصة الملفقة التي عبث بها بينما كانت روما تحترق في حريق كبير، وأصبح الإمبراطور نيرون أحد أكثر الرجال شهرة على الإطلاق، وخلال فترة حكمه قتل والدته وزوجته الأولى اوكتافيا، ويزعم أنها زوجته الثانية بوبايا سابينا، وبالإضافة إلى ذلك يدعي الكتاب القدامى أنه أشعل حريق روما العظيم عام 64 بعد الميلاد حتى يتمكن من إعادة بناء وسط المدينة.
ومع ذلك، على الرغم من الإتهامات العديدة التي وجهها الكتاب القدامى، هناك أدلة على أن الإمبراطور نيرون يتمتع بمستوى معين من الدعم الشعبي، وكان لديه شغف بالموسيقى والفنون، وهو اهتمام بلغ ذروته في عرض عام قدمه في روما عام 65 بعد الميلاد، وأيضا، أثناء إلقاء اللوم عليه لإشعال النار، أخذ على عاتقه تنظيم جهود الإغاثة والكتاب القدامى إبداء تلميحات أخرى للأعمال الخيرية التي قام بها.
وفي الآونة الأخيرة تم نشر قصيدة مترجمة حديثا، وهي تصور الإمبراطور نيرون في ضوء إيجابي، ويحكي عن تأليه زوجته المتوفاة، واختتمها بمراقبة نيرون من السماء، وفوجئ العلماء باكتشاف أن النص الذي ينص على أن نيرون رجل مساو للآلهة يعود إلى حوالي قرنين من الزمان بعد وفاة الإمبراطور نيرون، مما يشير إلى أن بعض الأفراد في الإمبراطورية الرومانية كانوا يؤيدونه بعد فترة طويلة من وفاته.
وقت مبكر من حياة الإمبراطور نيرون:
ولد الإمبراطور نيرون في أنتيوم إيطاليا في 15 ديسمبر، 37 م لأمه أغريبينا الصغرى ووالده جناوس دوميتيوس أهينوا باربوس، وتوفي والده وهو قنصل روماني سابق عندما كان يبلغ من العمر حوالي 3 سنوات، ونفى الإمبراطور كاليجولا والدته، وتركه في رعاية عمه، وكان اسمه عند الولادة لوسيوس دوميتيوس أهينوا باربوس.
وبعد مقتل كاليجولا في يناير 41 بعد الميلاد، وصعود الإمبراطور كلوديوس بعد ذلك بوقت قصير تم لم شمل الأم والإبن، وستواصل والدته الطموحة الزواج من كلوديوس (الذي كان أيضا عمها) في عام 49 بعد الميلاد، ورأت أنه يتبنى ابنها، ومنحه اسما جديدا يبدأ بنيرو، وكان من بين أساتذته الفيلسوف الشهير سينيكا، الرجل الذي سيواصل تقديم المشورة لنيرون في عهده، وأخذ الإبن المتبنى حديثا يد أخته غير الشقيقة أوكتافيا، في الزواج، وأصبح الوريث الواضح كلوديوس.
وقد اختاره الإمبراطور على ابنه البيولوجي بريتانيكوس (الذي توفي بعد فترة وجيزة من تولي نيرو إمبراطورا)، وبعد وفاة كلوديوس في 54 بعد الميلاد (ربما بالتسمم بالفطر)، أصبح نيرون بدعم من الحرس الإمبراطوري في سن 17 إمبراطورا، وفي العامين الأولين من حكم الإمبراطور نيرون صورته عملاته المعدنية جنبا إلى جنب مع والدته أغريبينا.
قتل والدة الإمبراطور نيرون:
يبدو أن الإمبراطور نيرون ووالدته قد اختلفا في غضون عامين تقريبا من توليه إمبراطورا، وتوقف وجهها عن الظهور على العملات المعدنية الرومانية بعد 55 بعد الميلاد، ويبدو أنها فقدت قوتها لصالح كبار مستشاري نيرو سينيكا وبوروس، وقائد الحرس الإمبراطوري الذي نصحه في الشؤون العسكرية، ورسميا، السبب المعطى لأوامر الإمبراطور نيرون بقتل والدته في 59 بعد الميلاد هو أنها كانت تخطط لقتله.
ومهما كانت الأسباب عرف الإمبراطور نيرون أنه كان يتخذ قرارا قد يعود لمطاردته، وكانت هذه جريمة ستثير الإشمئزاز في العالم الروماني، لأن الأم كانت أكثر الأيقونات قداسة في العائلة الرومانية، وكان الإمبراطور نيرون لا يثق في حرسه الإمبراطوري لتنفيذ القتل، وأمر القوات البحرية بإغراق قارب كانت تبحر به، وفشلت هذه المحاولة الأولى، حيث استطاعت والدته أن تسبح إلى الشاطئ ثم أمر نيرون القوات بالقيام بالمهمة مباشرة.
قتل الإمبراطور نيرون زوجته الأولى:
لم يكن زواجه من أوكتافيا سعيدا، ولم تعطه وريثا، وتباعد الإثنان بحلول عام 62 م، وفي ذلك العام طلقها ثم اتهمها بالزنا وقتلها، وربما اتخذ الإمبراطور نيرون خطوة قتلها كطريقة لحماية منصبه كإمبراطور، وإن جزءا كبيرا من شرعية نيرون كإمبراطور كان قائما، وليس فقط على حقيقة أنه كان الإبن المتبنى كلوديوس، ولكن أنه كان متزوجا من ابنته.
وبعد عدة محاولات عبثية لخنقها، قام بتطليقها على أرض قاحلة، وعندما وبخه الناس علانية، طردها إلى جانب ذلك، وأخيرا أمر بإعدامها بتهمة الزنا التي كانت وقحة ولا أساس لها من الصحة، لدرجة أنه عندما تمسك كل من تعرضوا للتعذيب ببراءتها قام برشوة معلمه السابق أنيس تيوس ليقدم اعترافا مزعوما بأنه انتهكها.
زواج الإمبراطور نيرون من بوباي:
تزوج الإمبراطور نيرون من بوباي سابيتا الحامل بالفعل في نفس العام، وكانت ستلد ابنتهما (التي عاشت حوالي ثلاثة أشهر فقط) في يناير 63 م، وفي عام 65 بعد الميلاد بينما كانت بوباي حاملا مرة أخرى ماتت، ويقول الكتاب القدماء إن الإمبراطور نيرون قتلها بركلة في البطن.
حرق الإمبراطور نيرون روما:
في ليلة 18 يوليو (تموز)، 64 بعد الميلاد اندلع حريق في سيرك ماكسيموس خرج عن السيطرة، ولم يمس سوى القليل من المدينة، وفي الوقت الذي حدث فيه كان الإمبراطور نيرون في أنتيوم لكنه عاد على الفور إلى روما للإشراف على جهود الإغاثة، وبينما يميل الكتاب القدامى إلى إلقاء اللوم على الإمبراطور نيرون لإشعال النار، فإن هذا بعيد كل البعد عن اليقين، وكان جزء كبير من روما مصنوعا من مواد قابلة للإحتراق وكانت المدينة مكتظة، وبعد أن خمدت النيران على ما يبدو حاول نيرون إلقاء اللوم على المسيحيين، في ذلك الوقت كانت طائفة صغيرة إلى حد ما، وشدد الإمبراطور نيرون الذنب وألحق أفخم أشكال التعذيب بفئة مكروهة من رجاساتهم، ويطلق عليهم المسيحيون من قبل العامة، والسخرية من كل نوع كانت تضاف إلى وفاتهم.
رحلة الإمبراطور نيرون إلى اليونان:
لم تنته جميع تعاملات الإمبراطور نيرون في جميع أنحاء الإمبراطورية بالعنف، وفي عام 66 بعد الميلاد، شرع نيرون، وهو عاشق الثقافة اليونانية في رحلة إلى اليونان التي كانت تحت السيطرة الرومانية لمدة قرنين تقريبا في وقته، وشارك الإمبراطور نيرون في العديد من المهرجانات اليونانية، وحصل على 1808 جائزة أولى عروضه الفنية، ووافق اليونانيون أيضا على تأجيل الألعاب الأولمبية لمدة عام واحد حتى يتمكن الإمبراطور نيرون من المنافسة فيها، ولم يكن هذا كل ما اتفقوا على القيام به، فقد تمت إضافة المسابقات الرياضية لأول مرة، والتي تضمنت الغناء والتمثيل من أجل نيرون.
نهاية الإمبراطور نيرون:
بحلول عام 68 بعد الميلاد، تراكمت المشاكل التي واجهها الإمبراطور نيرون، فقد قتل والدته، وزوجته الأولى، وزوجته الثانية حسب بعض الروايات، بالإضافة إلى ذلك، فإن إعادة بناء روما ناهيك عن بناء قصره الذهبي كان يضع ضغطا ماليا على الإمبراطورية، وأجبره هذا على رفع الضرائب حيثما استطاع، بل وأخذ الكنوز الدينية، وبدأ دعم الإمبراطور نيرون في الإنهيار.
وفي أبريل من عام 64، تخلى حاكم روماني في بلاد الغال يدعى جايوس يوليوس فينديكس عن الإمبراطور نيرون وعلى الرغم من انتحار فينديكس بعد هزيمة قواته من قبل الجيوش الألمانية في مايو، إلا أنه كان كافيا للتراجع، وبعد ذلك بوقت قصير، تخلى الحرس الإمبراطوري القوة المكلفة بحراسة الإمبراطور نفسه عن دعمهم لنيرون وأعلن مجلس الشيوخ عن الإمبراطور السابق عدوا للشعب في 8 يونيو وفي اليوم التالي انتحر.
موت الإمبراطور نيرون:
بعد وفاة الإمبراطور نيرون انغمست الإمبراطورية الرومانية في الفوضى حيث حاولت سلسلة من الأباطرة الذين لم يعمروا طويلا السيطرة على الإمبراطورية، ويلاحظ سوتر أن نيرون لا يزال يتمتع بقدر كبير من الدعم الشعبي، حتى أن أحد هؤلاء الأباطرة أوتو أعاد تسمية نفسه نيرو أوتو تكريما له.