الخطاط السوري منير الشعراني لـ”وطن”: التطور والإبداع هما روح الفن وحياته
كتب خالد الأحمد
شاركالخطاط منير الشعراني ترك بصمة مميزة في تاريخ الخط العربي المعاصر
- Advertisement -
الفنان منير الشعراني مبدع سوري. استطاع أن يترك بصمة مميزة في تاريخ الخط العربي المعاصر من خلال كشفه عما هو مخبىء من مكنونات هذا الفن وجمالياته التشكيلية. التي لا تخفى على ذائقة المتلقي. ومحاولته وصل ما انقطع من حلقات تطوره بأسلوب معاصر زاوج فيه بين خصوصيات الخط العربي والقيم والأسس الجوهرية الناظمة للفنون التشكيلية.
وهنا حوار حول بداياته الدراسية وآرائه في قضايا الخط العربي والحداثة والإبداع.
بدايات نشأته وطفولته وموهبته
عن طفولته وبدايات نشأته يقول الفنان الكبير منير الشعراني لـ”وطن” ولدت في مدينة السلمية عام 1952. ومن التفاصيل التي لا تُنسى من طفولتيظن دراستي في الكتّاب عند الشيخ (مزين) الذي كان مشهوراً في البلدة آنذاك. وكانت هذه المرحلة المبكرة حافلة بالشقاوات الطفولية والليل الساجي وأمسيات الصيف والربيع في السلمية. التي تقع على كتف الصحراء وخاصرة المدينة، وانتقلت مع أسرتي إلى حمص حيث بقيت فيها سنتين قبل أن انتقل إلى دمشق والتحق بجامعتها في كلية الفنون الجميلة – شعبة الإعلان (التصميم الغرافيكي) عام 1971.
من إبداعات الخطاط السوري منير الشعرانيدراسته الجامعية
ويستعيد الفنان المتحدر من مدينة السلمية بريف حماة الشرقي. جوانب من ذكرياته الجامعية أثناء دراسته في جامعة دمشق، حيث كانت الجامعة في بداية السبعينات تمور بالحيوية والنشاط. وكان طلابها وأساتذتها يعيشون حالة مشتركة من الانسجام والتفاهم داخل الجامعة وخارجها.
يضيف قائلا: “لا زلت أتذكر من أساتذتنا الكبار الفنانين “محمود حماد” و “نصير شورى” و “إلياس زيات” و “ميلاد الشايب” و “عبد القادر أرناؤوط” و “فاتح المدرس” و “نذير نبعة” والمصري “صلاح كامل” و “غياث الأخرس” و “وديع رحمة ” و “إحسان عنتابي” و “حلمي حباب” الذي كان يدرسنا الخط العربي. وكانت هناك علاقات شبابية وشيجة بين الطلبة أنفسهم. وحوارات متنوعة بين الطلاب والأساتذة. إلى جانب وجود مكتبة ضخمة في جامعة دمشق. كانت ترفدنا بجانب كبير من الثقافة والمعرفة. إضافة إلى ما كان الطلاب يتلقونه من هؤلاء الأساتذة على مقاعد الدراسة.
ويتابع الشعراني أن الفنان والخطاط الكبير الراحل “حلمي حباب” خيّره آنذاك بين أن يحضر الدروس في الجامعة أو لا يحضر. عندما لمس نضج موهبته.
- Advertisement -
وروى الشعراني أن تعلم الخط العربي حسب أصوله المعروفة كان قبل دخوله إلى الجامعة. ولم يكن قد تجاوز العاشرة من عمره آنذاك على يد الفنان الكبير”بدوي الديراني”. الذي رافقه حتى أواخر حياته عام 1967.
ويضيف الشعراني: “كان الفنان الديراني على مستوى عالٍ من الموهبة والأخلاق والتواضع، وقد أعطاني كل ما يستلزم العمل من دواة حبر وأقلام قصب وغيرها. وكان – رحمه الله – يهتم بموهبتي. ويتنبأ لي بمستقبل مشرق في مجال الخط. وكان يقوم بكتابة نماذج من خطه على كراسة صغيرة ويترك لي حرية نقلها على ما أشياء من الصفحات في دفتري الكبير”.
من بيروت إلى قبرص
كان مشروع تخرج منير الشعراني حول موضوع (القمع والتسلط العسكري) وهو عبارة عن 19 ملصقاً تعبّرُ عن هذا الموضوع في مختلف أنحاء العالم. ومن بين هذه الملصقات-كما يقول- صورة حامل للأطلس في أعلاه جزمة عسكرية بدلاً من الكرة الأرضية.
وبعد تخرجه من الجامعة التحق بالخدمة العسكرية وهناك تم فرزه إلى الإدارة السياسية ليعمل كمخرج فني لمجلة “جيش الشعب”.
ويضيف الشعراني أنه ترك الخدمة العسكرية بعدها بسبب ملاحقته سياسياً واضطراره للتخفي. وسافر إلى لبنان وعمل هناك باسم مستعار وهو “عماد حليم”.
يقول الشعراني: “كنت أقوم بتصميم أغلفة الكتب لدى عدد من دور النشر المعروفة في بيروت. وتوليت منصب المدير الفني في المؤسسة العربية للدراسات عام 1979. كما صممت عدداً من أغلفة المجلات السياسية والثقافية هناك ومنها مجلة ” الكرمل ” للشاعر الكبير الراحل محمود درويش”.
ويتابع الشعراني أنه أنجز حينها تصميماً لخطين طباعيين. بالإضافة إلى تصميمه لمئات الملصقات الجدارية وعدداً كبيراً من شعارات دور النشر والمؤسسات الثقافية وغيرها.
وبعد الاجتياح الإسرائيلي لبيروت انتقل إلى قبرص حيث عمل في الصحافة العربية التي كانت تصدر فيها آنذاك. ومنها جريدة (اللقاء) ومجلة (بلسم) التي يصدرها الهلال الأحمر الفلسطيني. ومجلة (الجيل) للفلسطيني مازن البندك. وكان مديراً فنياً لهاتين المجلتين.
الضالّون ذوو البدع
ويستقرىء الشعراني حال الخط العربي حيث يسود على ساحته اليوم –كما يقول- اتجاهان أولهما: ماضوي سلفي تقليدي يُحنط الخط العربي ويضعه في قفص ذهبي بمتحف الفولكلور وفنون المحاكاة والتقليد. بدعوى القدسية تارة، وبدعوى وصوله إلى الذروة في العصر العثماني على أيدي الخطاطين الأتراك تارة أخرى، وثانيهما حروفي حداثوي يستعير أثواباً براقة من الألوان والتقنيات الحديثة لفنون أخرى. ويُلبسها لخطوطه وحروفه واهماً، أو محاولاً إيهامنا، أنه فتح فتحاً مبيناً في فن الخط العربي.
ويستدرك محدثنا: “على هامش هذين الاتجاهين نأتي نحن – الضالّون ذوو البدع – لنطرح الأسئلة ونثير الشكوك بصحة أطروحات كل من الاتجاهين. ومدى تهافت حججهما، وهشاشتهما إذا ما وُضعت في ميزان التطور والإبداع اللذين هما روح الفن وحياته – لا في غيره من الموازين –. ولندرك-كما يقول- مشروعية وضرورة وحتمية سؤالنا للوصول إلى حداثة خطية، تستمد نسغها من دوحة الخط العربي. وتتنشق أنفاسها من الفضاء الرحب الحرّ الذي تتنفس هواءه الفنونُ الأخرى، وأنواع الإبداع كافة.
ميزان فن الخط العربي
وحول معوقات تطور هذا الفن ومنع لحاقه بركب الحداثة. يوضح الشعراني أن كلا الإتجاهين الماضوي السلفي التقليدي، والحروفي الحداثوي الجديد لعبا دوراً كبيراً في تعويق مسيرة فن الخط العربي نحو الحداثة، الأول بقفله باب الاجتهاد ومصادرته حق الخطاطين في الإضافة والتجديد والتطوير. والثاني بالإطاحة بخصوصياته الفنية وابتذاله في أعمال هجينة لا تستطيع أن تَرجَحَ في ميزان فن الخط العربي. ولا في ميزان غيره من الفنون. ناهيك عن ميزان النقد التشكيلي الحقّ.
في غضون ذلك قال بأن جهوده الفنية انصبت في السنوات الماضية على تقديم إجابة ومثال عملي على ما يمكن تطويره وتجديده وتحديثه واشتقاقاته وتوليده من رحم الخط العربي. وهذه –حسب قوله- دعوة لكل المبدعين من الخطاطين لتوظيف مهاراتهم ومواهبهم وخبراتهم ومعرفتهم. في سبيل الوصول إلى حداثة تليق بفن الخط العربي. وتعيد إليه ألقه وتجدده وحيويته ومكانته المميزة بين الفنون.
وختم الشعراني معبراً عن علاقته بالخط العربي الذي اختارته اليونسكو منذ أيام على قائمة التراث العالمي الإنساني. أن الخط العربي هو غرامه الأول الذي وجد نفسه منحازاً بكليته إليه. ووجد روحه تستجيب لإلحاحه فظل مرافقاً له في كل أعماله.
(المصدر: وطن)
كتب خالد الأحمد
شاركالخطاط منير الشعراني ترك بصمة مميزة في تاريخ الخط العربي المعاصر
- Advertisement -
الفنان منير الشعراني مبدع سوري. استطاع أن يترك بصمة مميزة في تاريخ الخط العربي المعاصر من خلال كشفه عما هو مخبىء من مكنونات هذا الفن وجمالياته التشكيلية. التي لا تخفى على ذائقة المتلقي. ومحاولته وصل ما انقطع من حلقات تطوره بأسلوب معاصر زاوج فيه بين خصوصيات الخط العربي والقيم والأسس الجوهرية الناظمة للفنون التشكيلية.
وهنا حوار حول بداياته الدراسية وآرائه في قضايا الخط العربي والحداثة والإبداع.
بدايات نشأته وطفولته وموهبته
عن طفولته وبدايات نشأته يقول الفنان الكبير منير الشعراني لـ”وطن” ولدت في مدينة السلمية عام 1952. ومن التفاصيل التي لا تُنسى من طفولتيظن دراستي في الكتّاب عند الشيخ (مزين) الذي كان مشهوراً في البلدة آنذاك. وكانت هذه المرحلة المبكرة حافلة بالشقاوات الطفولية والليل الساجي وأمسيات الصيف والربيع في السلمية. التي تقع على كتف الصحراء وخاصرة المدينة، وانتقلت مع أسرتي إلى حمص حيث بقيت فيها سنتين قبل أن انتقل إلى دمشق والتحق بجامعتها في كلية الفنون الجميلة – شعبة الإعلان (التصميم الغرافيكي) عام 1971.
من إبداعات الخطاط السوري منير الشعرانيدراسته الجامعية
ويستعيد الفنان المتحدر من مدينة السلمية بريف حماة الشرقي. جوانب من ذكرياته الجامعية أثناء دراسته في جامعة دمشق، حيث كانت الجامعة في بداية السبعينات تمور بالحيوية والنشاط. وكان طلابها وأساتذتها يعيشون حالة مشتركة من الانسجام والتفاهم داخل الجامعة وخارجها.
يضيف قائلا: “لا زلت أتذكر من أساتذتنا الكبار الفنانين “محمود حماد” و “نصير شورى” و “إلياس زيات” و “ميلاد الشايب” و “عبد القادر أرناؤوط” و “فاتح المدرس” و “نذير نبعة” والمصري “صلاح كامل” و “غياث الأخرس” و “وديع رحمة ” و “إحسان عنتابي” و “حلمي حباب” الذي كان يدرسنا الخط العربي. وكانت هناك علاقات شبابية وشيجة بين الطلبة أنفسهم. وحوارات متنوعة بين الطلاب والأساتذة. إلى جانب وجود مكتبة ضخمة في جامعة دمشق. كانت ترفدنا بجانب كبير من الثقافة والمعرفة. إضافة إلى ما كان الطلاب يتلقونه من هؤلاء الأساتذة على مقاعد الدراسة.
ويتابع الشعراني أن الفنان والخطاط الكبير الراحل “حلمي حباب” خيّره آنذاك بين أن يحضر الدروس في الجامعة أو لا يحضر. عندما لمس نضج موهبته.
- Advertisement -
وروى الشعراني أن تعلم الخط العربي حسب أصوله المعروفة كان قبل دخوله إلى الجامعة. ولم يكن قد تجاوز العاشرة من عمره آنذاك على يد الفنان الكبير”بدوي الديراني”. الذي رافقه حتى أواخر حياته عام 1967.
ويضيف الشعراني: “كان الفنان الديراني على مستوى عالٍ من الموهبة والأخلاق والتواضع، وقد أعطاني كل ما يستلزم العمل من دواة حبر وأقلام قصب وغيرها. وكان – رحمه الله – يهتم بموهبتي. ويتنبأ لي بمستقبل مشرق في مجال الخط. وكان يقوم بكتابة نماذج من خطه على كراسة صغيرة ويترك لي حرية نقلها على ما أشياء من الصفحات في دفتري الكبير”.
من بيروت إلى قبرص
كان مشروع تخرج منير الشعراني حول موضوع (القمع والتسلط العسكري) وهو عبارة عن 19 ملصقاً تعبّرُ عن هذا الموضوع في مختلف أنحاء العالم. ومن بين هذه الملصقات-كما يقول- صورة حامل للأطلس في أعلاه جزمة عسكرية بدلاً من الكرة الأرضية.
وبعد تخرجه من الجامعة التحق بالخدمة العسكرية وهناك تم فرزه إلى الإدارة السياسية ليعمل كمخرج فني لمجلة “جيش الشعب”.
ويضيف الشعراني أنه ترك الخدمة العسكرية بعدها بسبب ملاحقته سياسياً واضطراره للتخفي. وسافر إلى لبنان وعمل هناك باسم مستعار وهو “عماد حليم”.
يقول الشعراني: “كنت أقوم بتصميم أغلفة الكتب لدى عدد من دور النشر المعروفة في بيروت. وتوليت منصب المدير الفني في المؤسسة العربية للدراسات عام 1979. كما صممت عدداً من أغلفة المجلات السياسية والثقافية هناك ومنها مجلة ” الكرمل ” للشاعر الكبير الراحل محمود درويش”.
ويتابع الشعراني أنه أنجز حينها تصميماً لخطين طباعيين. بالإضافة إلى تصميمه لمئات الملصقات الجدارية وعدداً كبيراً من شعارات دور النشر والمؤسسات الثقافية وغيرها.
وبعد الاجتياح الإسرائيلي لبيروت انتقل إلى قبرص حيث عمل في الصحافة العربية التي كانت تصدر فيها آنذاك. ومنها جريدة (اللقاء) ومجلة (بلسم) التي يصدرها الهلال الأحمر الفلسطيني. ومجلة (الجيل) للفلسطيني مازن البندك. وكان مديراً فنياً لهاتين المجلتين.
الضالّون ذوو البدع
ويستقرىء الشعراني حال الخط العربي حيث يسود على ساحته اليوم –كما يقول- اتجاهان أولهما: ماضوي سلفي تقليدي يُحنط الخط العربي ويضعه في قفص ذهبي بمتحف الفولكلور وفنون المحاكاة والتقليد. بدعوى القدسية تارة، وبدعوى وصوله إلى الذروة في العصر العثماني على أيدي الخطاطين الأتراك تارة أخرى، وثانيهما حروفي حداثوي يستعير أثواباً براقة من الألوان والتقنيات الحديثة لفنون أخرى. ويُلبسها لخطوطه وحروفه واهماً، أو محاولاً إيهامنا، أنه فتح فتحاً مبيناً في فن الخط العربي.
ويستدرك محدثنا: “على هامش هذين الاتجاهين نأتي نحن – الضالّون ذوو البدع – لنطرح الأسئلة ونثير الشكوك بصحة أطروحات كل من الاتجاهين. ومدى تهافت حججهما، وهشاشتهما إذا ما وُضعت في ميزان التطور والإبداع اللذين هما روح الفن وحياته – لا في غيره من الموازين –. ولندرك-كما يقول- مشروعية وضرورة وحتمية سؤالنا للوصول إلى حداثة خطية، تستمد نسغها من دوحة الخط العربي. وتتنشق أنفاسها من الفضاء الرحب الحرّ الذي تتنفس هواءه الفنونُ الأخرى، وأنواع الإبداع كافة.
ميزان فن الخط العربي
وحول معوقات تطور هذا الفن ومنع لحاقه بركب الحداثة. يوضح الشعراني أن كلا الإتجاهين الماضوي السلفي التقليدي، والحروفي الحداثوي الجديد لعبا دوراً كبيراً في تعويق مسيرة فن الخط العربي نحو الحداثة، الأول بقفله باب الاجتهاد ومصادرته حق الخطاطين في الإضافة والتجديد والتطوير. والثاني بالإطاحة بخصوصياته الفنية وابتذاله في أعمال هجينة لا تستطيع أن تَرجَحَ في ميزان فن الخط العربي. ولا في ميزان غيره من الفنون. ناهيك عن ميزان النقد التشكيلي الحقّ.
في غضون ذلك قال بأن جهوده الفنية انصبت في السنوات الماضية على تقديم إجابة ومثال عملي على ما يمكن تطويره وتجديده وتحديثه واشتقاقاته وتوليده من رحم الخط العربي. وهذه –حسب قوله- دعوة لكل المبدعين من الخطاطين لتوظيف مهاراتهم ومواهبهم وخبراتهم ومعرفتهم. في سبيل الوصول إلى حداثة تليق بفن الخط العربي. وتعيد إليه ألقه وتجدده وحيويته ومكانته المميزة بين الفنون.
وختم الشعراني معبراً عن علاقته بالخط العربي الذي اختارته اليونسكو منذ أيام على قائمة التراث العالمي الإنساني. أن الخط العربي هو غرامه الأول الذي وجد نفسه منحازاً بكليته إليه. ووجد روحه تستجيب لإلحاحه فظل مرافقاً له في كل أعماله.
(المصدر: وطن)