محمد (ص)
٥٧٠ م - ٦٣٢ م
إن اختيار المؤلف لمحمد (ص) ليكون في رأس القائمة التي تضم الاشخاص الذين كان لهم أعظم تأثير عالمي في مختلف المجالات ، ان هذا الاختيار ربما أدهش كثيرا من القراء إلى حد أنه قد يثير بعض التساؤلات ولكن في اعتقاد المؤلف ان محمدا ( ص ) كان الرجل الوحيد في التاريخ الذي نجح بشكل أسمى وأبرز في كلا المستويين الديني والدنيوي . لقد أسس محمد ( ص ) ونشر أحد أعظم الأديان في العالم، وأصبح أحد الزعماء العالميين السياسيين العظام . ففي هذه الايام وبعد مرور ثلاثة عشر قرناً تقريباً على وفاته ، فان تأثيره لا يزال قويا وعارماً . ان أكثر الاشخاص الذين سيقابلهم القارىء في هذا الكتاب كان لهم ميزات فائقة بكونهم قد ولدوا ودرجوا في مراكز حضارية وترعرعوا في أحضان أمم ذات سمات ثقافية وسياسية واجتماعية بالغة الأهمية . أما محمد (ص) فقد ولد في عام ٥٧٠ م في مدينة مكة جنوبي شبه الجزيرة العربية التي كانت في ذلك الوقت منطقة نائية : وبعيدة عن المراكز الحيوية ، سواء كانت تجارية أو فنية أو علمية في العالم. ولما كان قد ذاق مرارة اليتم وهو في السادسة من العمر فانه قد في محيط متواضع وعرف عنه انه كان أميا . وقد تحسنت حالته الاقتصادية عندما تزوج وهو في الخامسة والعشرين من أرملة ثرية .
لقد كان معظم العرب في ذلك الزمن وثنيين يؤمنون بتعدد الآلهة ، ولكن محمداً (ص) بدأ ينادي بوجود إله واحد قاهر قادر يسيطر على الكون بأسره . وعندما بلغ الاربعين جاءه الوحي الذي أخبره ان الله قد اختاره لنشر الدين القويم .
ولمدة ثلاث سنوات كان محمد (ص) يدعو الى الإسلام أصدقاءه المقربين وحوالي عام ٦١٣ م بدأ بالدعوة العلنية .
وحالما بدأ اتباعه يزدادون ، شعرت قبائل قريش بالخطر ، وبدأت تعتبره شخصا مهددا لنفوذها ، مما اضطر للهجرة في عام ٦٢٢م من مكة الى المدينة ( وهي على بعد ۲۰۰ ميل شمالي مكة ) حيث رحب به أهلها وقدموا له الاجلال والتأييد واصبح له نفوذ سياسي لا بأس به .
نقطة الانطلاق بالنسبة لحياة محمد ( ص ) فقد كان لديه في مكة أتباع قلائل ، أما في المدينة فقد كثر أتباعه وسرعان ما حصل على نفوذ جعله الحاكم المطلق هناك (۱) ، وفي خلال السنوات القليلة التي تلت ، وبينما كانت سلطة محمد (ص) تنمو بسرعة متزايدة ، حصلت سلسلة من المعارك بين مكة والمدينة انتهت بانتصار محمد ( ص ) الساحق وفتحه مكة ورجوعه اليها في عام ٦٣٠ م .
وقد شهدت السنتان والنصف اللتان بقيتا له وهو على قيد الحياة دخول الاعداد الضخمة من القبائل العربية الى الدين الجديد .
وعندما توفي محمد ( ص ) في عام ٦٣٢ م كان هو الحاكم الفعلي لجميع شبه جزيرة العرب الجنوبية .
ولكن عددهم كانت وكان للقبائل العربية في الجزيرة شهرة بتمرس فنون القتال والحروب كان ضئيلابا وكانوا مبتلين بالتفرقة والحروب القبلية الضروس ، ولذا لم يكن من السهل أن يكونوا أنداداً للجيوش الجرارة التي كانت تمتلكها الممالك في المناطق الزراعية المستقرة في الشمال . ومع هذا فانهم عندما توحدوا تحت راية محمد ( ص ) لأول مرة في التاريخ وارتشفوا تعاليم الدين الجديد، الذي زادهم حماسا وايمانا بالإله الواحد، فان هذه الجيوش العربية الصغيرة قامت بسلسلة من فتوحات ليس لها مثيل في تاريخ البشرية . وكان يقع على تخوم بلاد العرب الشمالية الامبراطورية الفارسية الساسانية الجديدة ، والى الشمال الغربي تقع الامبراطورية البيزنطية أو الامبراطورية الرومانية الشرقية وعاصمتها القسطنطينية . واذا اعتبرنا القيمة العددية فإن العرب لم يكونوا بأية حال أندادا لخصومهم ولكن هؤلاء العرب الملهمون استطاعو او بسرعة أن يفتحوا كل منطقة ما بين النهرين وفلسطين وسوريا . وفي عام ٦٤٢ م استطاعوا ان ينتزعوا مصر من حكم الامبراطورية البيزنطية ، بينما سحقت جيوشهم في معارك حاسمة الجيوش الفارسية في القادسية ونينوى عام ٦٤٢ م . هذه الانتصارات الضخمة التي تمت على أيدي وتحت قيادة خلفاء محمد ( ص ) وأصحابه المخلصين ، أبي بكر وعمر ابن الخطاب فان هذه الانتصارات لم تكن خاتمة المد العربي . ففي عام ۷۱۱م كانت الجيوش العربية قد اجتاحت وبشكل كامل شمالي افريقية ووصلت الى المحيط الاطلسي وهنالك اتجهوا شمالا ، وبعد أن عبروا مضيق جبل طارق تغلبوا على مملكة القوط الغربيين في اسبانيا .
ولبرهة من الزمن كان يبدو وكأن العرب سوف يجتاحون جميع أوربا المسيحية . ولكن وفي عام ۷۳۲م وفي معركة تورز إنكسر الجيش الاسلامي الذي كان قد تقدم ووصل الى أواسط فرنسا على يد جيش الفرنجة وبالرغم من ذلك ، فانه وفي قرن شحيح من القتال استطاعت هذه القبائل البدوية التي كان تلهمها كلمات الرسول (ص) أن تظفر بتأسيس امبراطورية تمتد من حدود الهند حتى المحيط الأطلسي وهي أعظم امبراطورية شهدها العالم حتى ذلك الوقت . وحيثما كانت تصل الفتوحات كان يتبعها اعتناق عدد كبير من الناس للدين الجديد على أوسع نطاق.
ولكن لم تكن كل هذه الفتوحات لتثبت مع الزمن فان الفرس مع أنهم ظلوا مخلصين للدين الجديد ، الا انهم استعادوا استقلالهم عن العرب . أما في اسبانيا فان سبعة قرون ونيف مضت في حروب انتهت باستعادة المسيحيين لجميع أرجاء شبه الجزيرة ، ولكن منطقة الرافدين ومصر وهما مهدا الحضارة القديمة بقيتا عربيتين كما بقي الساحل الشمالي الافريقي بأكمله عربيا ، وقد استمر الدين الجديد بالانتشار في القرون التالية الى ما وراء تخوم الفتوحات الاسلامية فهنالك في الوقت الحاضر الملايين من معتنقي الدين الاسلامي في آسيا الوسطى وحتى أكثر منهم في الباكستان وشمال الهند واندونيسيا . عشرات من
وفي اندونيسيا كان الايمان الجديد عاملا من عوامل الوحدة . واما في شبه القارة الهندية فان النزاع المستمر بين المسلمين والهندوس هو أحد العشرات في سبيل الوحدة .
إذن كيف يمكننا ان نقيم أثر محمد (ص ) الكلي على التاريخ البشري؟ وكجميع الاديان ان الاسلام له نفوذ هائل على اتباعه وحياتهم.
ولهذا السبب فإن القارىء سوف يجد ا أسماء مؤسسي معظم الأديان في هذا الكتاب . وبما أن هنالك من المسيحيين ضعف عدد المسلمين في العالم فائه من الطبيعي ان يبدو غريبا تصنيف محمد ( ص ) في مرتبة أعلى من يسوع المسيح . ولكن هنالك سببين رئيسيين لذلك القرار ، أولهما أن محمداً (ص) لعب دورا أكثر أهمية في تطوير الاسلام من الدور الذي لعبه المسيح في تطوير المسيحية ، مع ان المسيح كان مسؤولا عن المبادىء الأدبية والاخلاقية للديانة المسيحية ) في النواحي التي تختلف بها هذه المبادىء عن الديانة اليهودية ) إلا أن القديس بولس كان المطور الرئيسي للاهوت المسيحي وكان الهادي الرئيسي للمعتقدات المسيحية والمؤلف لجزء كبير من العهد الجديد في التوراة . ثانيا : ان محمداً (ص) كان مسؤولا عن العقيدة الاسلامية ومبادئها الرئيسية الادبية والاخلاقيه . وبالاضافة الى ذلك فقد لعب دوراً قيادياً، في الهدي للدين الجديد وتأسيس الفروض الدينية في الاسلام وهو الذي أنزل عليه القرآن الكتاب الاسلامي المقدس) وهو مجموعة من الآيات ذات البصيرة النافذة التي أوحيت اليه مباشرة من قبل الله . ومعظم هذه الأقوال دونت وسجلت خلال حياة محمد (ص) ثم انها جمعت بشكل رسمي موثوق بعد وفاته بفترة وجيزة . ولذلك فان القرآن يمثل الافكار والتعاليم التي أوحاها الله للرسول ( ص ) ، ولكن لم يبق أي أثر يشبه هذا . وبما ان القرآن له تأثير على المسلمين يشبه تأثير الكتاب المقدس المسيحي على المسيحيين ، فان نفوذ محمد ( ص ) من خلال القرآن أصبح ضخماً جدا وهائلا . ومن المحتمل ان تأثير محمد ( ص ) على الاسلام اكبر بكثير من التأثير المزدوج للمسيح والقديس بولس على المسيحية ، ولهذا فانه من وجهة النظر الدينية الصرفة يبدو بأن محمداً ( ص ) كان له تأثير على البشرية عبر التاريخ كما كان للمسيح . من آثار المسيح .
وفوق ذلك فان محمدا ( ص ) يختلف عن المسيح بأنه كان زعيما دنيويا فضلا زعيم ديني ، وفي الحقيقة اذا أخذنا بعين الاعتبار القوى الدافعة وراء الفتوحات الاسلامية ، فان محمداً (ص) يصبح أعظم قائد سياسي على مدى الاجيال .
هنالك كثير من الحوادث التاريخية الهامة من المحتمل ان يقول المرء أنها حتمية الحدوث وكانت ستحدث رغم عدم وجود الزعيم الذي قادها ، وعلى سبيل المثال فان المستعمرات الاميركية في أميركا الجنوبية كانت ستنال استقلالها حتى ولم لم يعش سيمون بوليفار ، ولكن هذا لا ينطبق على الفتوحات العربية وذلك لأنه لم يحدث أي شيء مشابه لهذا قبل محمد ( ص ) وليس هنالك من سبب يحدونا للاعتقاد انها كانت سوف تحرز بدونه. فالفتوحات المشابهة في تاريخ البشرية هي فتوحات المغول في القرن الثالث عشر التي كانت ناتجة بشكل أساسي عن شخصية جنكيز خان ، الا ان هذه الفتوحات . انها كانت أوسع من الفتوحات العربية ، إلا أنها لم تكن دائمة وراسخة كتلك ، وفي الوقت الحاضر ان المناطق التي يحتلها المغول . فقط تلك المناطق التي كانوا يشغلونها قبل جنگیز خان .
وهنا يختلف الحال تماما عنه بالنسبة للفتوحات العربية ، فابتداء من العراق حتى مراكش تمتد سلسلة كاملة. الامم العربية يوحدها ليس فقط الدين الاسلامي ولكن أيضا اللغة العربية والتاريخ والثقافة المشتركة ، وان مركز القرآن في الدين الاسلامي وكونه مكتوبا باللغة العربية ، كان له أكبر الأثر في منع تفتت اللغة العربية الى لهجات لا يفهم بعضها بعضا ، مما كان حدوثه ممكنا جدا لولا وجود القرآن خلال الثلاثة عشر قرنا الماضية . وان هناك اختلافات وانقسامات بين تلك الدول العربية موجودة ولها اعتباراتها الخاصة ولكن هذه الانقسامات الجزئية يجب أ عنا العناصر الهامة للوحدة التي استمرت في الوجود عبر السنين ، وعلى سبيل المثال فانه لا ايران ولا اندونيسيا وكلاهما من الدول المنتجة للبترول و کلاهما دولتان اسلامیتان ، قد اشتركت وانضمت الى الحظر الذي فرض على البترول في شتاء عام ١٩٧٣ - - ١٩٧٤ وانه ليس من عامل الصدفة ان الدول العربية والدول العربية فقط هي التي اشتركت في نرى جميع ذلك الحظر .
هذا ومن نری أن الفتوحات العربية التي تمت في القرن السابع استمرت لتلعب دوراً هاماً في تاريخ البشرية حتى يومنا هذا ، وان هذا الاتحاد الفريد الذي لا نظير له للتأثير الديني والدينوي معا مما يخول محمداً ( ص ) ان يعتبر أعظم شخصية مفردة ذات تأثير في تاريخ البشرية .
٥٧٠ م - ٦٣٢ م
إن اختيار المؤلف لمحمد (ص) ليكون في رأس القائمة التي تضم الاشخاص الذين كان لهم أعظم تأثير عالمي في مختلف المجالات ، ان هذا الاختيار ربما أدهش كثيرا من القراء إلى حد أنه قد يثير بعض التساؤلات ولكن في اعتقاد المؤلف ان محمدا ( ص ) كان الرجل الوحيد في التاريخ الذي نجح بشكل أسمى وأبرز في كلا المستويين الديني والدنيوي . لقد أسس محمد ( ص ) ونشر أحد أعظم الأديان في العالم، وأصبح أحد الزعماء العالميين السياسيين العظام . ففي هذه الايام وبعد مرور ثلاثة عشر قرناً تقريباً على وفاته ، فان تأثيره لا يزال قويا وعارماً . ان أكثر الاشخاص الذين سيقابلهم القارىء في هذا الكتاب كان لهم ميزات فائقة بكونهم قد ولدوا ودرجوا في مراكز حضارية وترعرعوا في أحضان أمم ذات سمات ثقافية وسياسية واجتماعية بالغة الأهمية . أما محمد (ص) فقد ولد في عام ٥٧٠ م في مدينة مكة جنوبي شبه الجزيرة العربية التي كانت في ذلك الوقت منطقة نائية : وبعيدة عن المراكز الحيوية ، سواء كانت تجارية أو فنية أو علمية في العالم. ولما كان قد ذاق مرارة اليتم وهو في السادسة من العمر فانه قد في محيط متواضع وعرف عنه انه كان أميا . وقد تحسنت حالته الاقتصادية عندما تزوج وهو في الخامسة والعشرين من أرملة ثرية .
لقد كان معظم العرب في ذلك الزمن وثنيين يؤمنون بتعدد الآلهة ، ولكن محمداً (ص) بدأ ينادي بوجود إله واحد قاهر قادر يسيطر على الكون بأسره . وعندما بلغ الاربعين جاءه الوحي الذي أخبره ان الله قد اختاره لنشر الدين القويم .
ولمدة ثلاث سنوات كان محمد (ص) يدعو الى الإسلام أصدقاءه المقربين وحوالي عام ٦١٣ م بدأ بالدعوة العلنية .
وحالما بدأ اتباعه يزدادون ، شعرت قبائل قريش بالخطر ، وبدأت تعتبره شخصا مهددا لنفوذها ، مما اضطر للهجرة في عام ٦٢٢م من مكة الى المدينة ( وهي على بعد ۲۰۰ ميل شمالي مكة ) حيث رحب به أهلها وقدموا له الاجلال والتأييد واصبح له نفوذ سياسي لا بأس به .
نقطة الانطلاق بالنسبة لحياة محمد ( ص ) فقد كان لديه في مكة أتباع قلائل ، أما في المدينة فقد كثر أتباعه وسرعان ما حصل على نفوذ جعله الحاكم المطلق هناك (۱) ، وفي خلال السنوات القليلة التي تلت ، وبينما كانت سلطة محمد (ص) تنمو بسرعة متزايدة ، حصلت سلسلة من المعارك بين مكة والمدينة انتهت بانتصار محمد ( ص ) الساحق وفتحه مكة ورجوعه اليها في عام ٦٣٠ م .
وقد شهدت السنتان والنصف اللتان بقيتا له وهو على قيد الحياة دخول الاعداد الضخمة من القبائل العربية الى الدين الجديد .
وعندما توفي محمد ( ص ) في عام ٦٣٢ م كان هو الحاكم الفعلي لجميع شبه جزيرة العرب الجنوبية .
ولكن عددهم كانت وكان للقبائل العربية في الجزيرة شهرة بتمرس فنون القتال والحروب كان ضئيلابا وكانوا مبتلين بالتفرقة والحروب القبلية الضروس ، ولذا لم يكن من السهل أن يكونوا أنداداً للجيوش الجرارة التي كانت تمتلكها الممالك في المناطق الزراعية المستقرة في الشمال . ومع هذا فانهم عندما توحدوا تحت راية محمد ( ص ) لأول مرة في التاريخ وارتشفوا تعاليم الدين الجديد، الذي زادهم حماسا وايمانا بالإله الواحد، فان هذه الجيوش العربية الصغيرة قامت بسلسلة من فتوحات ليس لها مثيل في تاريخ البشرية . وكان يقع على تخوم بلاد العرب الشمالية الامبراطورية الفارسية الساسانية الجديدة ، والى الشمال الغربي تقع الامبراطورية البيزنطية أو الامبراطورية الرومانية الشرقية وعاصمتها القسطنطينية . واذا اعتبرنا القيمة العددية فإن العرب لم يكونوا بأية حال أندادا لخصومهم ولكن هؤلاء العرب الملهمون استطاعو او بسرعة أن يفتحوا كل منطقة ما بين النهرين وفلسطين وسوريا . وفي عام ٦٤٢ م استطاعوا ان ينتزعوا مصر من حكم الامبراطورية البيزنطية ، بينما سحقت جيوشهم في معارك حاسمة الجيوش الفارسية في القادسية ونينوى عام ٦٤٢ م . هذه الانتصارات الضخمة التي تمت على أيدي وتحت قيادة خلفاء محمد ( ص ) وأصحابه المخلصين ، أبي بكر وعمر ابن الخطاب فان هذه الانتصارات لم تكن خاتمة المد العربي . ففي عام ۷۱۱م كانت الجيوش العربية قد اجتاحت وبشكل كامل شمالي افريقية ووصلت الى المحيط الاطلسي وهنالك اتجهوا شمالا ، وبعد أن عبروا مضيق جبل طارق تغلبوا على مملكة القوط الغربيين في اسبانيا .
ولبرهة من الزمن كان يبدو وكأن العرب سوف يجتاحون جميع أوربا المسيحية . ولكن وفي عام ۷۳۲م وفي معركة تورز إنكسر الجيش الاسلامي الذي كان قد تقدم ووصل الى أواسط فرنسا على يد جيش الفرنجة وبالرغم من ذلك ، فانه وفي قرن شحيح من القتال استطاعت هذه القبائل البدوية التي كان تلهمها كلمات الرسول (ص) أن تظفر بتأسيس امبراطورية تمتد من حدود الهند حتى المحيط الأطلسي وهي أعظم امبراطورية شهدها العالم حتى ذلك الوقت . وحيثما كانت تصل الفتوحات كان يتبعها اعتناق عدد كبير من الناس للدين الجديد على أوسع نطاق.
ولكن لم تكن كل هذه الفتوحات لتثبت مع الزمن فان الفرس مع أنهم ظلوا مخلصين للدين الجديد ، الا انهم استعادوا استقلالهم عن العرب . أما في اسبانيا فان سبعة قرون ونيف مضت في حروب انتهت باستعادة المسيحيين لجميع أرجاء شبه الجزيرة ، ولكن منطقة الرافدين ومصر وهما مهدا الحضارة القديمة بقيتا عربيتين كما بقي الساحل الشمالي الافريقي بأكمله عربيا ، وقد استمر الدين الجديد بالانتشار في القرون التالية الى ما وراء تخوم الفتوحات الاسلامية فهنالك في الوقت الحاضر الملايين من معتنقي الدين الاسلامي في آسيا الوسطى وحتى أكثر منهم في الباكستان وشمال الهند واندونيسيا . عشرات من
وفي اندونيسيا كان الايمان الجديد عاملا من عوامل الوحدة . واما في شبه القارة الهندية فان النزاع المستمر بين المسلمين والهندوس هو أحد العشرات في سبيل الوحدة .
إذن كيف يمكننا ان نقيم أثر محمد (ص ) الكلي على التاريخ البشري؟ وكجميع الاديان ان الاسلام له نفوذ هائل على اتباعه وحياتهم.
ولهذا السبب فإن القارىء سوف يجد ا أسماء مؤسسي معظم الأديان في هذا الكتاب . وبما أن هنالك من المسيحيين ضعف عدد المسلمين في العالم فائه من الطبيعي ان يبدو غريبا تصنيف محمد ( ص ) في مرتبة أعلى من يسوع المسيح . ولكن هنالك سببين رئيسيين لذلك القرار ، أولهما أن محمداً (ص) لعب دورا أكثر أهمية في تطوير الاسلام من الدور الذي لعبه المسيح في تطوير المسيحية ، مع ان المسيح كان مسؤولا عن المبادىء الأدبية والاخلاقية للديانة المسيحية ) في النواحي التي تختلف بها هذه المبادىء عن الديانة اليهودية ) إلا أن القديس بولس كان المطور الرئيسي للاهوت المسيحي وكان الهادي الرئيسي للمعتقدات المسيحية والمؤلف لجزء كبير من العهد الجديد في التوراة . ثانيا : ان محمداً (ص) كان مسؤولا عن العقيدة الاسلامية ومبادئها الرئيسية الادبية والاخلاقيه . وبالاضافة الى ذلك فقد لعب دوراً قيادياً، في الهدي للدين الجديد وتأسيس الفروض الدينية في الاسلام وهو الذي أنزل عليه القرآن الكتاب الاسلامي المقدس) وهو مجموعة من الآيات ذات البصيرة النافذة التي أوحيت اليه مباشرة من قبل الله . ومعظم هذه الأقوال دونت وسجلت خلال حياة محمد (ص) ثم انها جمعت بشكل رسمي موثوق بعد وفاته بفترة وجيزة . ولذلك فان القرآن يمثل الافكار والتعاليم التي أوحاها الله للرسول ( ص ) ، ولكن لم يبق أي أثر يشبه هذا . وبما ان القرآن له تأثير على المسلمين يشبه تأثير الكتاب المقدس المسيحي على المسيحيين ، فان نفوذ محمد ( ص ) من خلال القرآن أصبح ضخماً جدا وهائلا . ومن المحتمل ان تأثير محمد ( ص ) على الاسلام اكبر بكثير من التأثير المزدوج للمسيح والقديس بولس على المسيحية ، ولهذا فانه من وجهة النظر الدينية الصرفة يبدو بأن محمداً ( ص ) كان له تأثير على البشرية عبر التاريخ كما كان للمسيح . من آثار المسيح .
وفوق ذلك فان محمدا ( ص ) يختلف عن المسيح بأنه كان زعيما دنيويا فضلا زعيم ديني ، وفي الحقيقة اذا أخذنا بعين الاعتبار القوى الدافعة وراء الفتوحات الاسلامية ، فان محمداً (ص) يصبح أعظم قائد سياسي على مدى الاجيال .
هنالك كثير من الحوادث التاريخية الهامة من المحتمل ان يقول المرء أنها حتمية الحدوث وكانت ستحدث رغم عدم وجود الزعيم الذي قادها ، وعلى سبيل المثال فان المستعمرات الاميركية في أميركا الجنوبية كانت ستنال استقلالها حتى ولم لم يعش سيمون بوليفار ، ولكن هذا لا ينطبق على الفتوحات العربية وذلك لأنه لم يحدث أي شيء مشابه لهذا قبل محمد ( ص ) وليس هنالك من سبب يحدونا للاعتقاد انها كانت سوف تحرز بدونه. فالفتوحات المشابهة في تاريخ البشرية هي فتوحات المغول في القرن الثالث عشر التي كانت ناتجة بشكل أساسي عن شخصية جنكيز خان ، الا ان هذه الفتوحات . انها كانت أوسع من الفتوحات العربية ، إلا أنها لم تكن دائمة وراسخة كتلك ، وفي الوقت الحاضر ان المناطق التي يحتلها المغول . فقط تلك المناطق التي كانوا يشغلونها قبل جنگیز خان .
وهنا يختلف الحال تماما عنه بالنسبة للفتوحات العربية ، فابتداء من العراق حتى مراكش تمتد سلسلة كاملة. الامم العربية يوحدها ليس فقط الدين الاسلامي ولكن أيضا اللغة العربية والتاريخ والثقافة المشتركة ، وان مركز القرآن في الدين الاسلامي وكونه مكتوبا باللغة العربية ، كان له أكبر الأثر في منع تفتت اللغة العربية الى لهجات لا يفهم بعضها بعضا ، مما كان حدوثه ممكنا جدا لولا وجود القرآن خلال الثلاثة عشر قرنا الماضية . وان هناك اختلافات وانقسامات بين تلك الدول العربية موجودة ولها اعتباراتها الخاصة ولكن هذه الانقسامات الجزئية يجب أ عنا العناصر الهامة للوحدة التي استمرت في الوجود عبر السنين ، وعلى سبيل المثال فانه لا ايران ولا اندونيسيا وكلاهما من الدول المنتجة للبترول و کلاهما دولتان اسلامیتان ، قد اشتركت وانضمت الى الحظر الذي فرض على البترول في شتاء عام ١٩٧٣ - - ١٩٧٤ وانه ليس من عامل الصدفة ان الدول العربية والدول العربية فقط هي التي اشتركت في نرى جميع ذلك الحظر .
هذا ومن نری أن الفتوحات العربية التي تمت في القرن السابع استمرت لتلعب دوراً هاماً في تاريخ البشرية حتى يومنا هذا ، وان هذا الاتحاد الفريد الذي لا نظير له للتأثير الديني والدينوي معا مما يخول محمداً ( ص ) ان يعتبر أعظم شخصية مفردة ذات تأثير في تاريخ البشرية .
تعليق