اناضوليه (لغات)
Anatolian languages - langues anatoliennes
الأناضولية (اللغات ـ)
اللغات الأناضولية Anatolian Languages هي مجموعة من اللغات القديمة الميتة ظهرت في مناطق مختلفة من الأناضول في الألفين الثاني والأول قبل الميلاد ثم تلاشت واختفت في أزمنة متباينة متباعدة حتى انقرض آخرها في العصر الروماني. وقد دعيت سابقاً باسم اللغات الآسيانية Asianic Languages نسبة إلى آسيا الصغرى وهو الاسم القديم لتركية الآسيوية.
وكانت المعارف بهذه اللغات محدودة جداً في السابق ولا تتعدى كلمات وإشارات وأسماء أعلام وردت في المصادر الكلاسيكية وفي الكتاب المقدس، حتى جاءت الكشوف الأثرية الحديثة التي زودت الباحثين بآلاف الوثائق والنصوص التي مكنتهم من دراستها على أسس علمية ومعرفة طبيعتها وتصنيفها. وقد تبين نتيجة الأبحاث اللغوية والتاريخية أنها تنتمي في معظمها إلى ما شاعت تسميته أسرة اللغات الهندية - الأوربية Indo-European Languages.
ولكن بعض هذه اللغات - المنعزلة - استعصى على التصنيف ولم يتمكن الباحثون من نسبتها إلى أي مجموعة لغوية معروفة كالقفقاسية مثلاً ويقترح بعضهم تخصيص التسمية القديمة «آسيانية» بها.
وبما أن لغة الحثيين كانت أهم هذه اللغات قاطبة من الناحية التاريخية فقد نشأ علم خاص يتولاها بالدراسة والبحث يدعى علم الحثيات Hethitolog ويرتبط بعلم اللغات الهندية - الأوربية من الناحية اللغوية بقدر ما ينتمي حضارياً إلى العلوم والدراسات الشرقية القديمة. وقد توسع مجال هذا العلم ليشمل دراسة كل اللغات التي انتشرت في الأناضول قبل الحقبة الإغريقية الرومانية بما في ذلك تاريخها وحضارتها سواء أكانت هندية - أوربية أم لا.
ويأتي تنوع هذه اللغات وعددها الكبير من تنوع بلاد الأناضول جغرافياً وبشرياً وتعدد أقاليمها وشعوبها وانعدام الوحدة السياسية فيما بينها، إذ كانت كل منطقة منها كياناً مستقلاً قائماً بذاته.
والأناضول Anatolia تسمية (إغريقية الأصل تعني المشرق) تطلق على القسم الآسيوي من تركية Anadolu، ويستخدمها علماء الآثار والتاريخ للدلالة على الحضارات الأولى التي قامت في هذه المنطقة. وتعود أولى الروايات التاريخية التي تتحدث عن الأناضول وشعوبها إلى عصر الامبراطورية الأكدية (2350 - 2150ق.م) وذلك عندما قام الملك صرغون الكبير وحفيده نارام سين بحملات وصلت إلى جبال طوروس وألهبت خيال الشعراء والكتاب الذين مجدوا أعمالهما وبطولاتهما في أشعارهم الملحمية الرافدية.
ولكن العصور التاريخية بالمعنى الحقيقي للكلمة لم تبدأ في الأناضول إلا في أوائل الألف الثاني قبل الميلاد عندما قامت في منطقة كبدوكية الغنية بمعادنها مستوطنات وجاليات تجارية آشورية وأمورية عرفت باسم كاروم Karum التي كانت تتولى الإشراف على استخراج النحاس وتصنيع البرونز وتنظيم المبادلات التجارية مع بلاد الرافدين وسورية كما كانت تشرف على الأمراء المحليين في المنطقة باسم ملوك آشور. وقد ترك أولئك التجار الآشوريون آلاف الوثائق المعروفة باسم «الألواح الكبدوكية» التي اكتشفت في أشهر مراكزهم وهي مدينة كانيش Kanesh (كول تبه حالياً) وكلها مكتوبة باللغة الآشورية وبالخط المسماري الرافدي وهي تعود إلى القرنين التاسع عشر والثامن عشر قبل الميلاد.
ولكن حضارة كاروم - كانيش المزدهرة انهارت فجأة وسط سلسلة من الدمار أصاب المنطقة نتيجة صراعات محلية على ما يبدو، واختفى معها استعمال الكتابة المسمارية قرناً من الزمن حتى عادت ثانية إلى الظهور في أرشيف الامبراطورية الحثية نحو عام 1620ق.م.
وهكذا فإن اللغة الآشورية كانت أول لغة مدونة ظهرت في الأناضول. كما تضم رُقُم كانيش مجموعة كبيرة من أسماء الأشخاص ذوي الأصول المختلفة: فهناك فئة تحمل أسماء حاتية، وأخرى أسماء حورية ولكن العدد الأكبر يتمثل في أسماء حثية - لوفية وهي أقدم الوثائق الكتابية التي ظهرت في الأناضول.
غير أن أهم حدث في تاريخ اللغات الأناضولية كان اكتشاف العاصمة الحثية حاتوشا Hattusa (بوغازكوي Bogazköy اليوم، نحو 150 كم إلى الشرق من أنقرة) وبدء التنقيبات الأثرية فيها منذ عام 1906، بإشراف هـ.فينكلر H.Winkeler، حتى عام 1912 وتابعها عدد من كبار الباحثين الألمان ولا تزال مستمرة حتى اليوم.
وقد أظهرت التنقيبات آلاف الوثائق المدونة بالكتابة المسمارية (نحو 25 ألف رقيم فخاري) وبلغات مختلفة منها:
الأكدية لغة المراسلات الدولية في الألف الثاني ق.م، والحورية والحاتية واللوفية والبالائية، ولكن غالبيتها العظمى كانت باللغة الحثية التي عكف العلماء على دراستها وفك رموزها. وقد تمكن الباحث التشيكي روزني Rozny في عام 1915 من إثبات انتماء الحثية إلى اللغات الهندية - الأوربية، عن طريق مقارنتها بالإغريقية واللاتينية والهندية السنسكريتية، واضعاً بذلك حجر الأساس لولادة علم الحثيات. ثم تتابعت الأبحاث التاريخية واللغوية التي أظهرت قرابة الحثية من اللغات الأناضولية الأخرى المكتشفة وخاصة البالائية واللوفية. ولكن لا يزال النقاش دائراً في الأوساط العلمية حول موقع اللغة الأناضولية ضمن أسرة اللغات الهندية - الأوربية عامة، وموقع اللغة الحثية في تلك الأسرة اللغوية خاصة. فهناك من يرى أن اللغة الأناضولية الأم (المفترضة) ما هي إلا شقيقة للغة الهندية - الأوربية الأم (المفترضة أيضاً)، ويقول من ثم بوجود أسرة اللغات الهندية - الحثية. ولكن معظم الباحثين يرى أنها تمثل أحد فروع اللغات الهندية - الأوربية، ولكن نظراً لقدمها وخصائصها المتميزة فلا بد أنها انفصلت عنها في وقت مبكر قبل بقية اللغات والفروع الأخرى.
وقد قام العلماء بتصنيف اللغات التي ظهرت في الأناضول في مجموعتين: تضم الأولى اللغات الأناضولية الهندية - الأوربية، وأهمها: الحثية واللوفية والبالائية واللوفية الهيروغليفية واللوقية والليدية، وتضم المجموعة الثانية لغات ليست هندية - أوربية، وأبرزها: الحاتية والحورية والأورارتية.
اللغة الحثية Hittite
هي أهم اللغات الأناضولية وأكثرها تطوراً وأفضل ممثل لها في النحو والصرف والمفردات. وتعد في نظر من يرى انتماءها إلى الهندية - الأوربية أقدم لغة في هذه الأسرة مدونة وموثقة بالنصوص التي تعود إلى القرن السابع عشر قبل الميلاد.
لقد كانت لغة الامبراطورية الحثية التي بسطت سيطرتها على معظم أنحاء الأناضول وشمالي سورية أكثر من أربعة قرون حتى انهيارها بفعل غزوات شعوب البحر المدمرة في أواخر القرن الثالث عشر ق.م.
وتعود تسميتها بالحثية، التي وردت في المصادر المصرية القديمة والآشورية وكذلك العهد القديم، إلى العالم وليم رايت William Wright الذي أطلقها على نص حثي هيروغليفي اكتشف في حماة عام 1872 ثم انتشرت في الأوساط العلمية. وهي مستقاة أصلاً من اسم البلاد (حاتي) الذي سبق الوجود الحثي في الأناضول. أما الحثيون فكانوا يسمون لغتهم نيشية Nesili (تعني حرفياً: في لغة نيشا) نسبة إلى مدينة نيشا (كانيش) عاصمتهم القديمة قبل حاتوشا. وقد مرت اللغة الحثية بمرحلتين أساسيتين هما:
1ـ الحثية القديمة: من القرن السابع عشر إلى القرن الخامس عشر ق.م، ولم يصل إلينا سوى مجموعة صغيرة من النصوص.
2 - الحثية الحديثة (الكلاسيكية): واستمرت من القرن الخامس عشر إلى نهاية القرن الثالث عشر ق.م. وكتبت بها معظم النصوص المكتشفة في أرشيف حاتوشا. كما اكتشف بعض النصوص والرقم الحثية في أغاريت Ugarit وفي إيمار (مسكنة) وألالاخ Alalakh وأماكن أخرى.
أما عن مضمونها فهي تضم وثائق تاريخية ومعاهدات ومراسلات دبلوماسية ونصوصاً إدارية واقتصادية وقانونية وأدبية ودينية وأسطورية، وتقدم من ثم مادة ثرية للباحثين والدارسين.
وقد كتبت الحثية بالخط المسماري ولكن ليس ذاك الذي كان مستعملاً في المستوطنات الآشورية (كانيش) وإنما بخط مسماري أقدم عهداً يشبه الخطوط المسمارية المستخدمة في آلالاخ وأغاريت وقَطْنة، مما يدل على أن الحثيين قد اقتبسوا نمط كتابتهم من إحدى «مدارس الكتابة» في شمالي سورية، ولعل ذلك تم في عهد الملك حاتوشيلي في النصف الثاني من القرن السابع عشر ق.م. ولكن الحثيين استخدموا في نقوشهم وتماثيلهم وأختامهم كتابة تصويرية دعيت بالهيروغليفية الحثية واختفت مع زوال مملكتهم، ثم عادت إلى الظهور في مطلع الألف الأول ق.م.
اللغة البالائية Palaic
هي لغة منطقة «بالا» الواقعة إلى الشمال الغربي من حاتوشا. وأثبتت الأبحاث أنها شقيقة الحثية واللوفية وشديدة القرب منهما وأنها تأثرت باللغة الحاتية، ولكن لم يصل إلينا منها سوى آثار لغوية ضئيلة (نحو مئتي كلمة ومئة نصف كلمة) وكلها تتعلق بالديانة والطقوس والأساطير. وقد انقرضت البالائية في وقت مبكر وخاصة بعد هجوم قبائل الكاسكا من منطقة البحر الأسود. ولكن النصوص القانونية الحثية بقيت تذكر بالا إلى جانب خاتي ولوفية حتى العصور الأخيرة بوصفها الأقاليم الرئيسة في المملكة.
اللغة اللوفية المسمارية Cuneiform Luwian:
هي شقيقة الحثية وترد كثيراً في رُقُم حاتوشا المسمارية ولاسيما الدينية منها. وهي معروفة أفضل من سابقتها وعاشت زمناً أطول وكان لها تأثير قوي في الحثية وخاصة في العصر المتأخر كما يظهر في الكثير من المفردات المقتبسة منها. وقد انتشرت هذه اللغة في القسم الجنوبي والشرقي من الأناضول وتفرعت إلى عدة لهجات ظهرت في الألف الأول قبل الميلاد. كما أنها ذات صلة وثيقة بلغات غرب الأناضول.
اللوفية الهيروغليفية Hiroglyphic Luwian
وهي لهجة لوفية متأخرة كتبت بالهيروغليفية الحثية المذكورة آنفاً وظهرت على كثير من النقوش التي تركتها تلك الممالك الصغيرة التي قامت في جنوبي الأناضول وشمالي سورية في أوائل الألف الأول قبل الميلاد واستمر بعضها حتى القرن الثامن ق.م، حين سقطت على أيدي الآشوريين وعرفت باسم الدول الحثية الحديثة. وقد دخل اللوفية في هذه المرحلة كثير من الكلمات الأمورية - الكنعانية من شمالي سورية.
بدأت محاولات فك رموز هذه الكتابة الهيروغليفية منذ أن اكتشف أول نقش دوِّن فيها، ولكنها بقيت مستغلقة زمناً طويلاً مع تحقيق بعض النجاح حتى اكتشف في عام 1947 نص مزدوج اللغة في موقع قره تبه Karatepe من قبل العالم الألماني بوسيرت H.Bossert يعود إلى القرن الثامن قبل الميلاد ومكتوب باللغتين الفينيقية (الكنعانية) واللوفية الهيروغليفية. وكذلك اكتشفت أختام جديدة في أوغاريت عام 1953 بنقوش تصويرية ساعدت في تذليل الصعاب القائمة بعد تسعين سنة من البحث الدؤوب وتكللت جهود الباحثين بالنجاح وأصبحت اللغة اللوفية الهيروغليفية وكتابتها التصويرية معروفة إلى حد كبير.
Anatolian languages - langues anatoliennes
الأناضولية (اللغات ـ)
اللغات الأناضولية Anatolian Languages هي مجموعة من اللغات القديمة الميتة ظهرت في مناطق مختلفة من الأناضول في الألفين الثاني والأول قبل الميلاد ثم تلاشت واختفت في أزمنة متباينة متباعدة حتى انقرض آخرها في العصر الروماني. وقد دعيت سابقاً باسم اللغات الآسيانية Asianic Languages نسبة إلى آسيا الصغرى وهو الاسم القديم لتركية الآسيوية.
وكانت المعارف بهذه اللغات محدودة جداً في السابق ولا تتعدى كلمات وإشارات وأسماء أعلام وردت في المصادر الكلاسيكية وفي الكتاب المقدس، حتى جاءت الكشوف الأثرية الحديثة التي زودت الباحثين بآلاف الوثائق والنصوص التي مكنتهم من دراستها على أسس علمية ومعرفة طبيعتها وتصنيفها. وقد تبين نتيجة الأبحاث اللغوية والتاريخية أنها تنتمي في معظمها إلى ما شاعت تسميته أسرة اللغات الهندية - الأوربية Indo-European Languages.
ولكن بعض هذه اللغات - المنعزلة - استعصى على التصنيف ولم يتمكن الباحثون من نسبتها إلى أي مجموعة لغوية معروفة كالقفقاسية مثلاً ويقترح بعضهم تخصيص التسمية القديمة «آسيانية» بها.
وبما أن لغة الحثيين كانت أهم هذه اللغات قاطبة من الناحية التاريخية فقد نشأ علم خاص يتولاها بالدراسة والبحث يدعى علم الحثيات Hethitolog ويرتبط بعلم اللغات الهندية - الأوربية من الناحية اللغوية بقدر ما ينتمي حضارياً إلى العلوم والدراسات الشرقية القديمة. وقد توسع مجال هذا العلم ليشمل دراسة كل اللغات التي انتشرت في الأناضول قبل الحقبة الإغريقية الرومانية بما في ذلك تاريخها وحضارتها سواء أكانت هندية - أوربية أم لا.
ويأتي تنوع هذه اللغات وعددها الكبير من تنوع بلاد الأناضول جغرافياً وبشرياً وتعدد أقاليمها وشعوبها وانعدام الوحدة السياسية فيما بينها، إذ كانت كل منطقة منها كياناً مستقلاً قائماً بذاته.
والأناضول Anatolia تسمية (إغريقية الأصل تعني المشرق) تطلق على القسم الآسيوي من تركية Anadolu، ويستخدمها علماء الآثار والتاريخ للدلالة على الحضارات الأولى التي قامت في هذه المنطقة. وتعود أولى الروايات التاريخية التي تتحدث عن الأناضول وشعوبها إلى عصر الامبراطورية الأكدية (2350 - 2150ق.م) وذلك عندما قام الملك صرغون الكبير وحفيده نارام سين بحملات وصلت إلى جبال طوروس وألهبت خيال الشعراء والكتاب الذين مجدوا أعمالهما وبطولاتهما في أشعارهم الملحمية الرافدية.
ولكن العصور التاريخية بالمعنى الحقيقي للكلمة لم تبدأ في الأناضول إلا في أوائل الألف الثاني قبل الميلاد عندما قامت في منطقة كبدوكية الغنية بمعادنها مستوطنات وجاليات تجارية آشورية وأمورية عرفت باسم كاروم Karum التي كانت تتولى الإشراف على استخراج النحاس وتصنيع البرونز وتنظيم المبادلات التجارية مع بلاد الرافدين وسورية كما كانت تشرف على الأمراء المحليين في المنطقة باسم ملوك آشور. وقد ترك أولئك التجار الآشوريون آلاف الوثائق المعروفة باسم «الألواح الكبدوكية» التي اكتشفت في أشهر مراكزهم وهي مدينة كانيش Kanesh (كول تبه حالياً) وكلها مكتوبة باللغة الآشورية وبالخط المسماري الرافدي وهي تعود إلى القرنين التاسع عشر والثامن عشر قبل الميلاد.
ولكن حضارة كاروم - كانيش المزدهرة انهارت فجأة وسط سلسلة من الدمار أصاب المنطقة نتيجة صراعات محلية على ما يبدو، واختفى معها استعمال الكتابة المسمارية قرناً من الزمن حتى عادت ثانية إلى الظهور في أرشيف الامبراطورية الحثية نحو عام 1620ق.م.
وهكذا فإن اللغة الآشورية كانت أول لغة مدونة ظهرت في الأناضول. كما تضم رُقُم كانيش مجموعة كبيرة من أسماء الأشخاص ذوي الأصول المختلفة: فهناك فئة تحمل أسماء حاتية، وأخرى أسماء حورية ولكن العدد الأكبر يتمثل في أسماء حثية - لوفية وهي أقدم الوثائق الكتابية التي ظهرت في الأناضول.
غير أن أهم حدث في تاريخ اللغات الأناضولية كان اكتشاف العاصمة الحثية حاتوشا Hattusa (بوغازكوي Bogazköy اليوم، نحو 150 كم إلى الشرق من أنقرة) وبدء التنقيبات الأثرية فيها منذ عام 1906، بإشراف هـ.فينكلر H.Winkeler، حتى عام 1912 وتابعها عدد من كبار الباحثين الألمان ولا تزال مستمرة حتى اليوم.
وقد أظهرت التنقيبات آلاف الوثائق المدونة بالكتابة المسمارية (نحو 25 ألف رقيم فخاري) وبلغات مختلفة منها:
الأكدية لغة المراسلات الدولية في الألف الثاني ق.م، والحورية والحاتية واللوفية والبالائية، ولكن غالبيتها العظمى كانت باللغة الحثية التي عكف العلماء على دراستها وفك رموزها. وقد تمكن الباحث التشيكي روزني Rozny في عام 1915 من إثبات انتماء الحثية إلى اللغات الهندية - الأوربية، عن طريق مقارنتها بالإغريقية واللاتينية والهندية السنسكريتية، واضعاً بذلك حجر الأساس لولادة علم الحثيات. ثم تتابعت الأبحاث التاريخية واللغوية التي أظهرت قرابة الحثية من اللغات الأناضولية الأخرى المكتشفة وخاصة البالائية واللوفية. ولكن لا يزال النقاش دائراً في الأوساط العلمية حول موقع اللغة الأناضولية ضمن أسرة اللغات الهندية - الأوربية عامة، وموقع اللغة الحثية في تلك الأسرة اللغوية خاصة. فهناك من يرى أن اللغة الأناضولية الأم (المفترضة) ما هي إلا شقيقة للغة الهندية - الأوربية الأم (المفترضة أيضاً)، ويقول من ثم بوجود أسرة اللغات الهندية - الحثية. ولكن معظم الباحثين يرى أنها تمثل أحد فروع اللغات الهندية - الأوربية، ولكن نظراً لقدمها وخصائصها المتميزة فلا بد أنها انفصلت عنها في وقت مبكر قبل بقية اللغات والفروع الأخرى.
وقد قام العلماء بتصنيف اللغات التي ظهرت في الأناضول في مجموعتين: تضم الأولى اللغات الأناضولية الهندية - الأوربية، وأهمها: الحثية واللوفية والبالائية واللوفية الهيروغليفية واللوقية والليدية، وتضم المجموعة الثانية لغات ليست هندية - أوربية، وأبرزها: الحاتية والحورية والأورارتية.
اللغة الحثية Hittite
هي أهم اللغات الأناضولية وأكثرها تطوراً وأفضل ممثل لها في النحو والصرف والمفردات. وتعد في نظر من يرى انتماءها إلى الهندية - الأوربية أقدم لغة في هذه الأسرة مدونة وموثقة بالنصوص التي تعود إلى القرن السابع عشر قبل الميلاد.
لقد كانت لغة الامبراطورية الحثية التي بسطت سيطرتها على معظم أنحاء الأناضول وشمالي سورية أكثر من أربعة قرون حتى انهيارها بفعل غزوات شعوب البحر المدمرة في أواخر القرن الثالث عشر ق.م.
وتعود تسميتها بالحثية، التي وردت في المصادر المصرية القديمة والآشورية وكذلك العهد القديم، إلى العالم وليم رايت William Wright الذي أطلقها على نص حثي هيروغليفي اكتشف في حماة عام 1872 ثم انتشرت في الأوساط العلمية. وهي مستقاة أصلاً من اسم البلاد (حاتي) الذي سبق الوجود الحثي في الأناضول. أما الحثيون فكانوا يسمون لغتهم نيشية Nesili (تعني حرفياً: في لغة نيشا) نسبة إلى مدينة نيشا (كانيش) عاصمتهم القديمة قبل حاتوشا. وقد مرت اللغة الحثية بمرحلتين أساسيتين هما:
1ـ الحثية القديمة: من القرن السابع عشر إلى القرن الخامس عشر ق.م، ولم يصل إلينا سوى مجموعة صغيرة من النصوص.
2 - الحثية الحديثة (الكلاسيكية): واستمرت من القرن الخامس عشر إلى نهاية القرن الثالث عشر ق.م. وكتبت بها معظم النصوص المكتشفة في أرشيف حاتوشا. كما اكتشف بعض النصوص والرقم الحثية في أغاريت Ugarit وفي إيمار (مسكنة) وألالاخ Alalakh وأماكن أخرى.
أما عن مضمونها فهي تضم وثائق تاريخية ومعاهدات ومراسلات دبلوماسية ونصوصاً إدارية واقتصادية وقانونية وأدبية ودينية وأسطورية، وتقدم من ثم مادة ثرية للباحثين والدارسين.
وقد كتبت الحثية بالخط المسماري ولكن ليس ذاك الذي كان مستعملاً في المستوطنات الآشورية (كانيش) وإنما بخط مسماري أقدم عهداً يشبه الخطوط المسمارية المستخدمة في آلالاخ وأغاريت وقَطْنة، مما يدل على أن الحثيين قد اقتبسوا نمط كتابتهم من إحدى «مدارس الكتابة» في شمالي سورية، ولعل ذلك تم في عهد الملك حاتوشيلي في النصف الثاني من القرن السابع عشر ق.م. ولكن الحثيين استخدموا في نقوشهم وتماثيلهم وأختامهم كتابة تصويرية دعيت بالهيروغليفية الحثية واختفت مع زوال مملكتهم، ثم عادت إلى الظهور في مطلع الألف الأول ق.م.
اللغة البالائية Palaic
هي لغة منطقة «بالا» الواقعة إلى الشمال الغربي من حاتوشا. وأثبتت الأبحاث أنها شقيقة الحثية واللوفية وشديدة القرب منهما وأنها تأثرت باللغة الحاتية، ولكن لم يصل إلينا منها سوى آثار لغوية ضئيلة (نحو مئتي كلمة ومئة نصف كلمة) وكلها تتعلق بالديانة والطقوس والأساطير. وقد انقرضت البالائية في وقت مبكر وخاصة بعد هجوم قبائل الكاسكا من منطقة البحر الأسود. ولكن النصوص القانونية الحثية بقيت تذكر بالا إلى جانب خاتي ولوفية حتى العصور الأخيرة بوصفها الأقاليم الرئيسة في المملكة.
اللغة اللوفية المسمارية Cuneiform Luwian:
هي شقيقة الحثية وترد كثيراً في رُقُم حاتوشا المسمارية ولاسيما الدينية منها. وهي معروفة أفضل من سابقتها وعاشت زمناً أطول وكان لها تأثير قوي في الحثية وخاصة في العصر المتأخر كما يظهر في الكثير من المفردات المقتبسة منها. وقد انتشرت هذه اللغة في القسم الجنوبي والشرقي من الأناضول وتفرعت إلى عدة لهجات ظهرت في الألف الأول قبل الميلاد. كما أنها ذات صلة وثيقة بلغات غرب الأناضول.
اللوفية الهيروغليفية Hiroglyphic Luwian
وهي لهجة لوفية متأخرة كتبت بالهيروغليفية الحثية المذكورة آنفاً وظهرت على كثير من النقوش التي تركتها تلك الممالك الصغيرة التي قامت في جنوبي الأناضول وشمالي سورية في أوائل الألف الأول قبل الميلاد واستمر بعضها حتى القرن الثامن ق.م، حين سقطت على أيدي الآشوريين وعرفت باسم الدول الحثية الحديثة. وقد دخل اللوفية في هذه المرحلة كثير من الكلمات الأمورية - الكنعانية من شمالي سورية.
بدأت محاولات فك رموز هذه الكتابة الهيروغليفية منذ أن اكتشف أول نقش دوِّن فيها، ولكنها بقيت مستغلقة زمناً طويلاً مع تحقيق بعض النجاح حتى اكتشف في عام 1947 نص مزدوج اللغة في موقع قره تبه Karatepe من قبل العالم الألماني بوسيرت H.Bossert يعود إلى القرن الثامن قبل الميلاد ومكتوب باللغتين الفينيقية (الكنعانية) واللوفية الهيروغليفية. وكذلك اكتشفت أختام جديدة في أوغاريت عام 1953 بنقوش تصويرية ساعدت في تذليل الصعاب القائمة بعد تسعين سنة من البحث الدؤوب وتكللت جهود الباحثين بالنجاح وأصبحت اللغة اللوفية الهيروغليفية وكتابتها التصويرية معروفة إلى حد كبير.
تعليق