الصَّمصامة
أشهر سيوف العرب وأمْضاها، وأحكمها سَقْيًا، وأكرمها جوهرًا وأحسنها منظرًا ومخبرًا، وأَهْيَبها في النّفوس وأقطعها للقَوْنوس (القَوْنوس كالقَوْنَس: أعلى بيضة الحديد على الرّأس).
نُسِب إلى عمرو بن مَعْدِي كَرِب الزُّبَيْديّ، فقيل: صَمْصامة عمرو، وليس له بأوّل صاحب، وإنما نُسِب إليه لحُسْن استعماله له في الجاهليّة وعظيم غَنائه به في الإسلام. أمّا صاحبه الأوّل فعلقمة ابن ذي قَيْفان الحميريّ، صارَ إليه بقيّةً عظيمةَ الخَطَر من بقايا السّيوف التي أحدثها الملك الحميريّ شَمَّر يُرَعِّش، ثمّ صار إلى عمرو، فشهد به الغارات والوقائع، ولازمه ملازمةً طويلة حتّى عَرَف كلّ منهما صاحبه فعُرِف به ونُسِب إليه؛ فقيل: صَمْصامة عمرو، وقيل: عمرو صاحب الصَّمْصامة.
كان وزنه فيما ذُكِر ستة أرطال، حديدُهُ من جَبَل نُقُم (نُقُم: جبل مطلٌ على صنعاء)، له حدٌّ من جانب واحدٍ، وقد حُلِّي في بعض الأحيان بالذّهب، ومكتوبٌ عليه:
ذَكَرٌ على ذَكَرٍ بِكَفِّ مُضاربٍ
ذَكَرٌ يَمانٍ في يَمِينِ يماني
اشْتُهِر بشدّة مضائه، وفَرْيِه الخُوَذ والدّروع، وقطعه السّيوف من دون أن يُفَلّ حدّه؛ من ذلك أن هارون الرّشيد لمّا بعث إليه ملكُ الهند بسيوفٍ قَلْعية، وعرضها الوفد بين يديه وأخبروه ألاّ نظير لها، دعا بالصّمصامة، فقُطعتْ به السّيوف سيفًا سيفًا، كما يُقَطّ الفُجل، من غير أن تثني له شفرة، ثم عُرِض عليهم حدّ السّيف فإذا لا فلّ فيه.
اعتوره الأَذْواء والخلفاء والأمراء والأشراف، وطلبوه وقتَ خفائه أعظم طلب، واعتنوا به حين طلوعه أجمل عِناية، وأجزلوا العطاء لمن أحسن في وصفه من الشّعراء، فلَهِج بذكره خلقٌ عظيم منهم في الجاهليّة والإسلام، فسارت قوافيهم فيه أحسن مسيرٍ، وفَشَت في أحياء العرب فُشُوّ الشّمس، حتّى صار مُتَوارث الشّهرة عظيم النّسبة، وقد تمثّل به غير واحد من الشّعراء، فممّن تمثّل به من المتقدِّمين نَهْشَل ابن حَرِّيّ، أحد بني دارِم، في قوله:
أَخٌ ماجدٌ ما خانَني يومَ مَشْهدٍ
كما سيفُ عمرٍو لم تَخُنْهُ مَضاربُهْ
تملَّك علقمة بن ذي قَيْفان الصَّمْصامة دهرًا حتّى احتال عليه زيد بن مُرِبّ الهَمْدانيّ فأخذه منه وقتله به، في خبر طويل، فعَظَّمتِ هَمْدان زيدًا لذلك وسارت شهرته وفتكه فيهم. ثم دُفِع الصَّمْصامة إلى مَذْحِج عَقْلاً في فَضْل دماءٍ كانت لهم على هَمْدان، إذ لم تقبل مَذْحِج سائر ما طُرِح بين أيديهم من نفيس مال وحُمْر نَعَم عَقْلاً في دمائهم، حتى طُرِح الصَّمْصامة فرضيت به وقبلته؛ لمكانته في اليمن وعظم شأنه في نفوسهم، فاستأثر به مَعْدِي كَرِب وأرضى قومه زُبَيدًا من حُرِّ ماله وخالصه، ثم صار إلى ابنه عمرو بن معدي كَرِب، وفي ذلك يقول:
وسيفٌ لابن ذي قَيْفانَ عندي
تَخَيّرَهُ الفتى من طَبْعِ عادِ
فلمّا جاء الإسلام سأل سعيدُ بن أبي العاص (وقيل: خالدُ بن سعيد بن أبي العاص) عمرًا الصَّمْصامةَ بيعًا أو هِبةًَ، فوهبه له، وأنشأ يقول:
خليلٌ لم أَخُنْهُ ولم يَخُنِّي
إذا ما صابَ أوساطَ العِظامِ
حَبَوتُ به كريمًا من قريشٍ
فسُرَّ به وصِيْنَ عن اللِّئامِ
ووَدَّعْتُ الصَّفِيَّ صَفِيَّ نفسي
على الصَّمْصامِ أضْعافُ السَّلامِ
فلم يزل في آل سعيد حتّى اشتراه خالد بن عبد الله القَسْرِيّ بمال جسيمٍ خطير، وأنفذه إلى هشام بن عبد الملك، وكان قد كتب إليه فيه، فلم يزل في بني مروان حتى زالت دولتهم. ثمّ طُلب في دولة بني العبّاس فلم يُدْرَك حتّى جدّ في طلبه الهادي فظفر به، فجرّده وأَذِن للشّعراء بالدّخول عليه، ثم قال: ليَقُلْ كل رجلٍ منكم في هذا السّيف شعرًا ينعته به، فمن وقع عليه المعنى فهذه البَدرة له (البَدرة: كيس فيه ألف أو عشرة آلاف)، فقالوا ولم يأتوا بطائل حتّى ابتدر أبو الهَوْل الحميريّ (وقد يقال: ابن يامِين البصريّ. والثَّبْت أبو الهَوْل) يقول من قصيدة له:
حازَ صَمْصامةَ الزُّبَيديِّ عمرٍو
خيرُ هذا الأنامِ، موسى الأمينُ
سيفَ عمرٍو، وكان فيما عَلِمْنا
خيرَ ما أُغْمِدَتْ عليه الجُفونُ
ما يُبالي إذا الضَّريبةُ حانَتْ
أَشِمالٌ سَطَتْ بهِ أم يَمِينُ
فاهتزّ الهادي للمعاني الشريفة التي غَصّت بها هذه الكلمة، فقال لأبي الهَوْل: دونَك السّيف والبَدْرة، فلمّا خرج أبو الهَوْل قال للشعراء: دونكم البَدْرة ولي في السّيف العِوَض. فبعث إليه موسى الأمين بضعف ما اشتراه به من آل سعيد وصيّره في الخزانة. ثم تُوُورث في بني العبّاس، فانتهى إلى الواثق بالله، فقيل: إنه دعا له بصَيْقَل وأمره أن يسقيه، فلمّا فعل ذلك، ذهب ماؤه الأول ولم يعرف الصّيقل حقيقة سَقْيه ففسد وتغيّر. ثم احْتُجِب عنّا الصّمْصامة أوّل الربع الثاني من القرن الثالث الهجريّ وعَفَا أثرُه وبقي فينا خبرُه ما ذُكِرتِ السّيوف.
مُقْبِل التّامّ عامر الأحمدي
أشهر سيوف العرب وأمْضاها، وأحكمها سَقْيًا، وأكرمها جوهرًا وأحسنها منظرًا ومخبرًا، وأَهْيَبها في النّفوس وأقطعها للقَوْنوس (القَوْنوس كالقَوْنَس: أعلى بيضة الحديد على الرّأس).
نُسِب إلى عمرو بن مَعْدِي كَرِب الزُّبَيْديّ، فقيل: صَمْصامة عمرو، وليس له بأوّل صاحب، وإنما نُسِب إليه لحُسْن استعماله له في الجاهليّة وعظيم غَنائه به في الإسلام. أمّا صاحبه الأوّل فعلقمة ابن ذي قَيْفان الحميريّ، صارَ إليه بقيّةً عظيمةَ الخَطَر من بقايا السّيوف التي أحدثها الملك الحميريّ شَمَّر يُرَعِّش، ثمّ صار إلى عمرو، فشهد به الغارات والوقائع، ولازمه ملازمةً طويلة حتّى عَرَف كلّ منهما صاحبه فعُرِف به ونُسِب إليه؛ فقيل: صَمْصامة عمرو، وقيل: عمرو صاحب الصَّمْصامة.
كان وزنه فيما ذُكِر ستة أرطال، حديدُهُ من جَبَل نُقُم (نُقُم: جبل مطلٌ على صنعاء)، له حدٌّ من جانب واحدٍ، وقد حُلِّي في بعض الأحيان بالذّهب، ومكتوبٌ عليه:
ذَكَرٌ على ذَكَرٍ بِكَفِّ مُضاربٍ
ذَكَرٌ يَمانٍ في يَمِينِ يماني
اشْتُهِر بشدّة مضائه، وفَرْيِه الخُوَذ والدّروع، وقطعه السّيوف من دون أن يُفَلّ حدّه؛ من ذلك أن هارون الرّشيد لمّا بعث إليه ملكُ الهند بسيوفٍ قَلْعية، وعرضها الوفد بين يديه وأخبروه ألاّ نظير لها، دعا بالصّمصامة، فقُطعتْ به السّيوف سيفًا سيفًا، كما يُقَطّ الفُجل، من غير أن تثني له شفرة، ثم عُرِض عليهم حدّ السّيف فإذا لا فلّ فيه.
اعتوره الأَذْواء والخلفاء والأمراء والأشراف، وطلبوه وقتَ خفائه أعظم طلب، واعتنوا به حين طلوعه أجمل عِناية، وأجزلوا العطاء لمن أحسن في وصفه من الشّعراء، فلَهِج بذكره خلقٌ عظيم منهم في الجاهليّة والإسلام، فسارت قوافيهم فيه أحسن مسيرٍ، وفَشَت في أحياء العرب فُشُوّ الشّمس، حتّى صار مُتَوارث الشّهرة عظيم النّسبة، وقد تمثّل به غير واحد من الشّعراء، فممّن تمثّل به من المتقدِّمين نَهْشَل ابن حَرِّيّ، أحد بني دارِم، في قوله:
أَخٌ ماجدٌ ما خانَني يومَ مَشْهدٍ
كما سيفُ عمرٍو لم تَخُنْهُ مَضاربُهْ
تملَّك علقمة بن ذي قَيْفان الصَّمْصامة دهرًا حتّى احتال عليه زيد بن مُرِبّ الهَمْدانيّ فأخذه منه وقتله به، في خبر طويل، فعَظَّمتِ هَمْدان زيدًا لذلك وسارت شهرته وفتكه فيهم. ثم دُفِع الصَّمْصامة إلى مَذْحِج عَقْلاً في فَضْل دماءٍ كانت لهم على هَمْدان، إذ لم تقبل مَذْحِج سائر ما طُرِح بين أيديهم من نفيس مال وحُمْر نَعَم عَقْلاً في دمائهم، حتى طُرِح الصَّمْصامة فرضيت به وقبلته؛ لمكانته في اليمن وعظم شأنه في نفوسهم، فاستأثر به مَعْدِي كَرِب وأرضى قومه زُبَيدًا من حُرِّ ماله وخالصه، ثم صار إلى ابنه عمرو بن معدي كَرِب، وفي ذلك يقول:
وسيفٌ لابن ذي قَيْفانَ عندي
تَخَيّرَهُ الفتى من طَبْعِ عادِ
فلمّا جاء الإسلام سأل سعيدُ بن أبي العاص (وقيل: خالدُ بن سعيد بن أبي العاص) عمرًا الصَّمْصامةَ بيعًا أو هِبةًَ، فوهبه له، وأنشأ يقول:
خليلٌ لم أَخُنْهُ ولم يَخُنِّي
إذا ما صابَ أوساطَ العِظامِ
حَبَوتُ به كريمًا من قريشٍ
فسُرَّ به وصِيْنَ عن اللِّئامِ
ووَدَّعْتُ الصَّفِيَّ صَفِيَّ نفسي
على الصَّمْصامِ أضْعافُ السَّلامِ
فلم يزل في آل سعيد حتّى اشتراه خالد بن عبد الله القَسْرِيّ بمال جسيمٍ خطير، وأنفذه إلى هشام بن عبد الملك، وكان قد كتب إليه فيه، فلم يزل في بني مروان حتى زالت دولتهم. ثمّ طُلب في دولة بني العبّاس فلم يُدْرَك حتّى جدّ في طلبه الهادي فظفر به، فجرّده وأَذِن للشّعراء بالدّخول عليه، ثم قال: ليَقُلْ كل رجلٍ منكم في هذا السّيف شعرًا ينعته به، فمن وقع عليه المعنى فهذه البَدرة له (البَدرة: كيس فيه ألف أو عشرة آلاف)، فقالوا ولم يأتوا بطائل حتّى ابتدر أبو الهَوْل الحميريّ (وقد يقال: ابن يامِين البصريّ. والثَّبْت أبو الهَوْل) يقول من قصيدة له:
حازَ صَمْصامةَ الزُّبَيديِّ عمرٍو
خيرُ هذا الأنامِ، موسى الأمينُ
سيفَ عمرٍو، وكان فيما عَلِمْنا
خيرَ ما أُغْمِدَتْ عليه الجُفونُ
ما يُبالي إذا الضَّريبةُ حانَتْ
أَشِمالٌ سَطَتْ بهِ أم يَمِينُ
فاهتزّ الهادي للمعاني الشريفة التي غَصّت بها هذه الكلمة، فقال لأبي الهَوْل: دونَك السّيف والبَدْرة، فلمّا خرج أبو الهَوْل قال للشعراء: دونكم البَدْرة ولي في السّيف العِوَض. فبعث إليه موسى الأمين بضعف ما اشتراه به من آل سعيد وصيّره في الخزانة. ثم تُوُورث في بني العبّاس، فانتهى إلى الواثق بالله، فقيل: إنه دعا له بصَيْقَل وأمره أن يسقيه، فلمّا فعل ذلك، ذهب ماؤه الأول ولم يعرف الصّيقل حقيقة سَقْيه ففسد وتغيّر. ثم احْتُجِب عنّا الصّمْصامة أوّل الربع الثاني من القرن الثالث الهجريّ وعَفَا أثرُه وبقي فينا خبرُه ما ذُكِرتِ السّيوف.
مُقْبِل التّامّ عامر الأحمدي