ال بيت
Ahl al-Bayt - Ahl al-Bayt
آل البيت
الآل لغةً: من الإل، وهي القرابة، أو من الأَول وهو الرجوع واللجوء، ومنه إِلةُ الرجل: أهل بيته الذين يرجع إليهم، أي يلجأ.
وآل الرجل: ذو قرابته وأخص الناس به، والآل: الأتباع، ويستعمل المعنى فيما فيه شرف غالباً. وأهل البيت سكانه، وأهل الرجل عشيرته وذو قرباه، وقيل الأهل والآل واحد، إلا أنّ الآل لذوي الشأن دون النكرات.
وعند الكوفيين: آل أصلها أهل، فقلبت الهاء همزة بدليل تصغيرها على أهيل.
وحين يكون المراد بآل البيت آل النبيe فإن مفهوم الآل يختلف تبعاً للموضوع المتصل به.
فمن الحقائق التاريخية الثابتة أن عبد مناف هو الجد الرابع للنبيe، وقد أعقب أربعة أبناء هم: هاشم والمطلب ونوفل وعبد شمس، ثم إن هاشماً أعقب أربعة أبناء أيضاً انقطع نسلهم جميعاً إلا عبد المطلب فإنه أعقب اثني عشر رجلاً، آخرهم عبد الله والد النبيe.
ومن المتفق عليه أن جميع هؤلاء المذكورين هم آل بيت النبيe من جهة الإطلاق اللغوي الجاري على قواعد النسب والقرابة.
أما من جهة الاصطلاح الشرعي:
ـ فإن جميع العلماء متفقون على أن البطون الخمسة النازلة من هاشم الجد الثالث للنبيe وهم: آل العباس وآل علي وآل جعفر وآل عقيل وآل الحارث ابن عبد المطلب هم من آل البيت إلا الذين أبطل النص قرابتهم كأبي لهب وبنيه، فقد قال صلى الله عليه وسلم في شأنه: «لا قرابة بيني وبين أبي لهب، فإنه آثر علينا الأفجرين».
ـ وجمهور العلماء خلافاً للحنفية عدّوا أبناء عبد المطلب في آل البيت كأبناء هاشم سواء بسواء، وأجروا عليهم أحكام آل البيت فحرموا عليهم الزكاة وأعطوهم من خمس الغنيمة، مستدلين بقولهe: «إنا وبنو المطلب لم نفترق في جاهلية ولا إسلام، إنما نحن شيء واحد».
ـ وجمهور العلماء ذهبوا إلى أن زوجات النبيe، نلن شرف الانتساب إلى آل بيت النبيe، وطُهِّرن كما طُهِّر آل البيت، بدليل قوله تعالى: )يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنْ النِّسَاءِ إِنْ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً. وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً. وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا( (الأحزاب32-34).
فهن المخاطبات في هذه الآيات، وفيها نص صريح على أنهن من أهل البيت ونص على تطهيرهنَّ من الرجس.
وإضافة إلى مصطلح «آل البيت» الذي يعني آل بيت النبيe وقرابته هناك مصطلحات أخرى، منها العام الذي يدل على عموم آل البيت مثل: «أهل البيت» و«العترة الطاهرة» و«آل طه» و«أولوا القربى» ومنها الخاص الذي يطلق على أفراد منهم مثل «الهاشميون» ويطلق على المنحدرين من «هاشم» الجد الثالث للنبيe خصوصاً وعلى المنحدرين من «المطلب» تجاوزاً، ومثل «أهل الكساء» و«أهل العباء» ويطلقان على خواص من آل البيت وهم علي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله تعالى عنهم، فقد غطاهم النبيe بكساء في غير مناسبة ودعا لهم وقال: هؤلاء هم أهلي. وهم الذين جمعهم للمباهلة، وهي الملاعنة التي دعا إليها بعض أهل الكتاب ليفضح كذبهم وافتراءهم، وفيها نزل قوله تبارك وتعالى: )فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ( (آل عمران61). ففي صحيح مسلم وغيره: لما نزلت هذه الآية دعا رسول اللهe علياً وفاطمة والحسن والحسين فقال لهم: اللهم هؤلاء أهلي.
الأحكام الشرعية المتعلقة بآل البيت
يتصل بهذا المصطلح بعض الأحكام الشرعية المتعلقة بالزكاة المفروضة، والصدقات النافلة والنذور، والكفارات، وجزاء الصيد، والوصايا، والأوقاف، والغنائم، والصلاة على آل محمدe تبعاً للصلاة عليه، والإمامة الكبرى، ولا يسع هذا المقام استيعابها وأهمها:
ـ من المتفق عليه أن آل البيت بالنظر لشرفهم وعلو منزلتهم نزههم الله كما نزه نبيهe عن أخذ الزكاة، لأنها أوساخ الناس، ففي حديث مسلم: «إن هذه الصدقة إنما هي أوساخ الناس، وإنها لا تحل لمحمدٍ ولا لآلِ محمدٍ".
ـ من المتفق عليه أيضاً أن الله تعالى عوض آل البيت، وقد نزههم عن أخذ الزكاة، بإعطائهم خمس الخمس من الغنائم المأخوذة من أهل الحرب على سبيل القهر والغلبة، فتقسم خمسة أقسام أربعة منها يوزع على من شهد الواقعة من المجاهدين، والخمس الباقي يقسم خمسة سهام حددت مستحقيها الآية الكريمة: )وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبيلِ( (الأنفال41).
ولا خلاف بين العلماء في هذين الحكمين في الجملة، إلا أنهم اختلفوا عند التطبيق في أمرين:
الأول: مَنْ الذي ينزه عن أخذ الزكاة من آل البيت فتحرم عليه؟ ومن لا ينزه عنها، فتحل له؟.
الثاني: مَنْ مِن آل البيت يستحق سهم ذوي القربى من خمس الغنيمة؟ ومن لا يستحقه؟.
كما اختلفوا بعد انقطاع مصادر الغنيمة، هل يترك آل البيت يعانون الحاجة بانقطاع سهمهم في الغنيمة، أو يرخص لهم في أخذ الزكاة تعويضاً لهم وسداً لحاجتهم؟
بعض العلماء قال: حكم المنع من أخذ الزكاة ثابت ومستقر حتى اليوم، ولا يعالج قعود المسلمين وتقصيرهم بتقصير آخر. وبعضهم قال: مادام حقهم في الغنيمة لا يصل إليهم فلا بأس بإعطائهم من الزكاة سداً للحاجة الواقعة.
ـ ومن المتفق عليه أيضاً أن الصلاة على آل محمدe تبعاً للصلاة عليه في الصلاة الإبراهيمية بعد التشهد مطلوبة في الجملة، لكن الخلاف جرى في حكمها هل هي واجبة أو سنة مستحبة؟.
كما جرى الخلاف فيمن هو المقصود بآل محمد فيها، هل كل آل البيت مع الزوجات أو بعضهم أو جميع المؤمنين، أو الأتقياء والصالحون والعلماء من أمة محمدe.
ـ يبقى الخلاف الأكبر والأخطر، الذي جرى بين المسلمين منذ أوائل التاريخ الإسلامي حول موضوع الإمامة الكبرى ومن يستحقها؟.
فعلى حين أجمع علماء أهل السنة على أنه لا يشترط في صاحب الإمامة الكبرى أن يكون هاشمياً أو من آل البيت، فكل من توافرت له شروطها وكان أهلاً لها استحقها سواء أكان من آل البيت أم من غيرهم إذا كان قرشياً، ذهب بعض العلماء إلى أنه لا بد أن يكون الإمام من آل علي كرم الله وجهه بالذات، وقد أدى هذا الخلاف إلى نتائج مؤسفة وصراعات وحروب مزقت الأمة وفرقت وحدتها وأضعفت شوكتها.
فضل آل البيت وشرفهم
ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة جملة وافرة من النصوص الدالة على فضل آل البيت وشرفهم.
ـ ومن ذلك الوصية بهم:
فقد أوصى بهم رسول اللهe في غير مناسبة، فقال: أنشدكم الله ـ أي أسألكم بالله وأقسم عليكم به ـ أهلَ بيتي ثلاثاً. والمراد: لا تنسوا حقوقهم ورعايتهم والإحسان إليهم والشفقة عليهم.
وفي البخاري: يقول أبو بكر الصديق رضي الله عنه: «ارقبوا محمداً في أهل بيته»، يعني احفظوا محمداً وحقه عليكم في أهل بيته وذلك بالرعاية والإكرام.
وفي الأحاديث التي ورد فيها ذكر ما تركهe فينا من الكتاب والعترة ورد فيها قوله: «فانظروا كيف تخلفوني فيهما».
وسئل ابن عباس رضي الله عنهما عن قوله تعالى )قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى( (الشورى23) فقال سعيد بن جبير: قربى آلِ محمدe، فقال ابن عباس: عجلتَ إن النبيe لم يكن بطن من قريش إلا كان له فيهم قرابة، فقال: إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة.
ـ ومن ذلك عدّهم أئمة هدي معصومين من الضلال، قال e: «إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما».
ـ ومن ذلك الأمر بحبهم، قال e «أحبوا الله لما يغذوكم ـ يرزقكم ـ من نعمه، وأحبوني بحب الله، وأحبوا أهل بيتي بحبي»، وفي حديث العباس رضي الله عنه قال: يا رسول الله ما لنا ولقريش إذا تلاقوا بينهم بوجوه مُبْشَرةٍ؟ وإذا لقونا بغير ذلك، قال: فغضب رسول اللهe حتى احمرّ وجهه، ثم قال: «والذي نفسي بيده لا يدخل قلب رجل الإيمان حتى يحبكم لله ولرسوله، ثم قال: يا أيها الناس من آذى عمي فقد آذاني، فإنما عم الرجل صنو أبيه". وأخذ النبيe بيد الحسن والحسين فقال: «من أحبني وأحب هذين وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة".
ـ ومن ذلك تكرر دعواته e لآل البيت
روى البخاري وغيره أنه e كان يأخذ أسامة بن زيد والحسن ويقول: «اللهم إني أحبهما فأحبهما»، وقال للعباس: إذا كان غداة الاثنين فأتني أنت وولدك حتى أدعو لهم بدعوة ينفعك الله بها وَوَلَدَكَ، فغدا وغدونا معه فألبسنا كساءً ثم قال: «اللهم اغفر للعباس وولده». ولما نزلت )إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تطْهِيراً( (الأحزاب 33) دعا فاطمة وحسناً وحسيناً فجللهم بكساء، وعلي خلف ظهره، ثم قال: «اللهم هؤلاء أهل بيتي، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً». ونظر النبيe إلى علي والحسن والحسين وفاطمة فقال: «أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم».
ـ ومن ذلك ورود الأمر بالصلاة عليهم تبعاً للصلاة على النبيe.
فقد روى مسلم عن ابن أبي ليلى قال: لقيني كعب بن عجرة فقال لي: ألا أهدي لك هدية؟ خرج علينا رسول اللهe فقلنا: قد عرفنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك؟ قال: «قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد».
هذه المعاني وأمثالها وكثرة الأحاديث الواردة بشأنها جعلت الناس يتعاملون مع آل البيت معاملة خاصة ومتميزة، وفي كتب التراث الكثير من الأخبار والوقائع المؤكدة لذلك والمشيرة إلى أمرين: التعامل مع آل البيت بغاية الأدب، والحرص على شرف الانتساب إليهم بالمصاهرة فهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه يقول: ـ كما جاء في البخاري ـ والذي نفسي بيده لقرابة رسول اللهe أحبُّ إليَّ أن أصل من قرابتي. وعثمان رضي الله عنه سمي بذي النورين لأنه اقترن باثنتين من كريمات النبيe، وجاء عروة بن الزبير مع أناس من بني زهرة إلى خالته عائشة رضي الله عنها، فكانت أرق شيء عليهم لقرابتهم من رسول اللهe.
وروي أن مالكاً رحمه الله لما ضربه جعفر بن سليمان، ونال منه ما نال وحمل مغشياً عليه دخل عليه الناس فأفاق فقال: أشهدكم أني جعلت ضاربي في حلٍ، فسئل بعد ذلك فقال: خفت أن أموت فألقى النبيe، فاستحيي منه أن يدخل بعض آله النار بسببي، وقيل إن المنصور أقاده من جعفر فقال له: أعوذ بالله والله ما ارتفع منها سوط عن جسمي إلا وقد جعلته في حلٍ لقرابته من رسول اللهe.
ولهذا أيضاً: أجمع الفقهاء على أن من شتم أو سب أو حقَّر واحداً من آل بيت النبيe يضربه القاضي ضرباً شديداً ويعزره بما يراه من وسائل تردعه وأمثاله.
وقالوا من انتسب زوراً إلى آل البيت وانتمى إليهم بغير حق، فقد افترى فرية عظيمة واقترف جرماً كبيراً، وإذا كان انتساب الإنسان إلى غير أبيه محرم في الشرع وفيه من التهديد والوعيد ما يدل عليه قوله e «من ادعى إلى غير أبيه، لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة خمسمئة عام» وقوله e «من انتسب إلى غير أبيه، أو تولى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين"، فلا شك أن جرم الانتساب زوراً إلى آل بيت النبيe أكبر إثماً وأشد عذاباً وأعظم مقتاً.
ولمنع هذا العبث، ومن أجل العناية بالأنساب وسلامتها عامة وبنسب آل البيت خاصة نشأت في حياة المسلمين جهات متخصصة أطلق على القائم بشؤونها اسم «نقيب السادة الأشراف» مهمته التحقيق والتثبت والتوثيق لتصفية النسب الشريف من الأدعياء والدخلاء، وليس ثمة إحصاء دقيق لأعداد المنتسبين إلى آل البيت الطاهر المنتشرين في أرجاء العالم الإسلامي المترامي الأطراف، ولا يمكن التكهن بحقيقته إلا بعد وقت طويل وجهد متواصل وغيرة صادقة يقوم به رجال من آل البيت أنفسهم ومن غيرهم من أهل العدالة والغيرة.
محمد هشام البرهاني
Ahl al-Bayt - Ahl al-Bayt
آل البيت
الآل لغةً: من الإل، وهي القرابة، أو من الأَول وهو الرجوع واللجوء، ومنه إِلةُ الرجل: أهل بيته الذين يرجع إليهم، أي يلجأ.
وآل الرجل: ذو قرابته وأخص الناس به، والآل: الأتباع، ويستعمل المعنى فيما فيه شرف غالباً. وأهل البيت سكانه، وأهل الرجل عشيرته وذو قرباه، وقيل الأهل والآل واحد، إلا أنّ الآل لذوي الشأن دون النكرات.
وعند الكوفيين: آل أصلها أهل، فقلبت الهاء همزة بدليل تصغيرها على أهيل.
وحين يكون المراد بآل البيت آل النبيe فإن مفهوم الآل يختلف تبعاً للموضوع المتصل به.
فمن الحقائق التاريخية الثابتة أن عبد مناف هو الجد الرابع للنبيe، وقد أعقب أربعة أبناء هم: هاشم والمطلب ونوفل وعبد شمس، ثم إن هاشماً أعقب أربعة أبناء أيضاً انقطع نسلهم جميعاً إلا عبد المطلب فإنه أعقب اثني عشر رجلاً، آخرهم عبد الله والد النبيe.
ومن المتفق عليه أن جميع هؤلاء المذكورين هم آل بيت النبيe من جهة الإطلاق اللغوي الجاري على قواعد النسب والقرابة.
أما من جهة الاصطلاح الشرعي:
ـ فإن جميع العلماء متفقون على أن البطون الخمسة النازلة من هاشم الجد الثالث للنبيe وهم: آل العباس وآل علي وآل جعفر وآل عقيل وآل الحارث ابن عبد المطلب هم من آل البيت إلا الذين أبطل النص قرابتهم كأبي لهب وبنيه، فقد قال صلى الله عليه وسلم في شأنه: «لا قرابة بيني وبين أبي لهب، فإنه آثر علينا الأفجرين».
ـ وجمهور العلماء خلافاً للحنفية عدّوا أبناء عبد المطلب في آل البيت كأبناء هاشم سواء بسواء، وأجروا عليهم أحكام آل البيت فحرموا عليهم الزكاة وأعطوهم من خمس الغنيمة، مستدلين بقولهe: «إنا وبنو المطلب لم نفترق في جاهلية ولا إسلام، إنما نحن شيء واحد».
ـ وجمهور العلماء ذهبوا إلى أن زوجات النبيe، نلن شرف الانتساب إلى آل بيت النبيe، وطُهِّرن كما طُهِّر آل البيت، بدليل قوله تعالى: )يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنْ النِّسَاءِ إِنْ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً. وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً. وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا( (الأحزاب32-34).
فهن المخاطبات في هذه الآيات، وفيها نص صريح على أنهن من أهل البيت ونص على تطهيرهنَّ من الرجس.
وإضافة إلى مصطلح «آل البيت» الذي يعني آل بيت النبيe وقرابته هناك مصطلحات أخرى، منها العام الذي يدل على عموم آل البيت مثل: «أهل البيت» و«العترة الطاهرة» و«آل طه» و«أولوا القربى» ومنها الخاص الذي يطلق على أفراد منهم مثل «الهاشميون» ويطلق على المنحدرين من «هاشم» الجد الثالث للنبيe خصوصاً وعلى المنحدرين من «المطلب» تجاوزاً، ومثل «أهل الكساء» و«أهل العباء» ويطلقان على خواص من آل البيت وهم علي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله تعالى عنهم، فقد غطاهم النبيe بكساء في غير مناسبة ودعا لهم وقال: هؤلاء هم أهلي. وهم الذين جمعهم للمباهلة، وهي الملاعنة التي دعا إليها بعض أهل الكتاب ليفضح كذبهم وافتراءهم، وفيها نزل قوله تبارك وتعالى: )فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ( (آل عمران61). ففي صحيح مسلم وغيره: لما نزلت هذه الآية دعا رسول اللهe علياً وفاطمة والحسن والحسين فقال لهم: اللهم هؤلاء أهلي.
الأحكام الشرعية المتعلقة بآل البيت
يتصل بهذا المصطلح بعض الأحكام الشرعية المتعلقة بالزكاة المفروضة، والصدقات النافلة والنذور، والكفارات، وجزاء الصيد، والوصايا، والأوقاف، والغنائم، والصلاة على آل محمدe تبعاً للصلاة عليه، والإمامة الكبرى، ولا يسع هذا المقام استيعابها وأهمها:
ـ من المتفق عليه أن آل البيت بالنظر لشرفهم وعلو منزلتهم نزههم الله كما نزه نبيهe عن أخذ الزكاة، لأنها أوساخ الناس، ففي حديث مسلم: «إن هذه الصدقة إنما هي أوساخ الناس، وإنها لا تحل لمحمدٍ ولا لآلِ محمدٍ".
ـ من المتفق عليه أيضاً أن الله تعالى عوض آل البيت، وقد نزههم عن أخذ الزكاة، بإعطائهم خمس الخمس من الغنائم المأخوذة من أهل الحرب على سبيل القهر والغلبة، فتقسم خمسة أقسام أربعة منها يوزع على من شهد الواقعة من المجاهدين، والخمس الباقي يقسم خمسة سهام حددت مستحقيها الآية الكريمة: )وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبيلِ( (الأنفال41).
ولا خلاف بين العلماء في هذين الحكمين في الجملة، إلا أنهم اختلفوا عند التطبيق في أمرين:
الأول: مَنْ الذي ينزه عن أخذ الزكاة من آل البيت فتحرم عليه؟ ومن لا ينزه عنها، فتحل له؟.
الثاني: مَنْ مِن آل البيت يستحق سهم ذوي القربى من خمس الغنيمة؟ ومن لا يستحقه؟.
كما اختلفوا بعد انقطاع مصادر الغنيمة، هل يترك آل البيت يعانون الحاجة بانقطاع سهمهم في الغنيمة، أو يرخص لهم في أخذ الزكاة تعويضاً لهم وسداً لحاجتهم؟
بعض العلماء قال: حكم المنع من أخذ الزكاة ثابت ومستقر حتى اليوم، ولا يعالج قعود المسلمين وتقصيرهم بتقصير آخر. وبعضهم قال: مادام حقهم في الغنيمة لا يصل إليهم فلا بأس بإعطائهم من الزكاة سداً للحاجة الواقعة.
ـ ومن المتفق عليه أيضاً أن الصلاة على آل محمدe تبعاً للصلاة عليه في الصلاة الإبراهيمية بعد التشهد مطلوبة في الجملة، لكن الخلاف جرى في حكمها هل هي واجبة أو سنة مستحبة؟.
كما جرى الخلاف فيمن هو المقصود بآل محمد فيها، هل كل آل البيت مع الزوجات أو بعضهم أو جميع المؤمنين، أو الأتقياء والصالحون والعلماء من أمة محمدe.
ـ يبقى الخلاف الأكبر والأخطر، الذي جرى بين المسلمين منذ أوائل التاريخ الإسلامي حول موضوع الإمامة الكبرى ومن يستحقها؟.
فعلى حين أجمع علماء أهل السنة على أنه لا يشترط في صاحب الإمامة الكبرى أن يكون هاشمياً أو من آل البيت، فكل من توافرت له شروطها وكان أهلاً لها استحقها سواء أكان من آل البيت أم من غيرهم إذا كان قرشياً، ذهب بعض العلماء إلى أنه لا بد أن يكون الإمام من آل علي كرم الله وجهه بالذات، وقد أدى هذا الخلاف إلى نتائج مؤسفة وصراعات وحروب مزقت الأمة وفرقت وحدتها وأضعفت شوكتها.
فضل آل البيت وشرفهم
ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة جملة وافرة من النصوص الدالة على فضل آل البيت وشرفهم.
ـ ومن ذلك الوصية بهم:
فقد أوصى بهم رسول اللهe في غير مناسبة، فقال: أنشدكم الله ـ أي أسألكم بالله وأقسم عليكم به ـ أهلَ بيتي ثلاثاً. والمراد: لا تنسوا حقوقهم ورعايتهم والإحسان إليهم والشفقة عليهم.
وفي البخاري: يقول أبو بكر الصديق رضي الله عنه: «ارقبوا محمداً في أهل بيته»، يعني احفظوا محمداً وحقه عليكم في أهل بيته وذلك بالرعاية والإكرام.
وفي الأحاديث التي ورد فيها ذكر ما تركهe فينا من الكتاب والعترة ورد فيها قوله: «فانظروا كيف تخلفوني فيهما».
وسئل ابن عباس رضي الله عنهما عن قوله تعالى )قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى( (الشورى23) فقال سعيد بن جبير: قربى آلِ محمدe، فقال ابن عباس: عجلتَ إن النبيe لم يكن بطن من قريش إلا كان له فيهم قرابة، فقال: إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة.
ـ ومن ذلك عدّهم أئمة هدي معصومين من الضلال، قال e: «إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما».
ـ ومن ذلك الأمر بحبهم، قال e «أحبوا الله لما يغذوكم ـ يرزقكم ـ من نعمه، وأحبوني بحب الله، وأحبوا أهل بيتي بحبي»، وفي حديث العباس رضي الله عنه قال: يا رسول الله ما لنا ولقريش إذا تلاقوا بينهم بوجوه مُبْشَرةٍ؟ وإذا لقونا بغير ذلك، قال: فغضب رسول اللهe حتى احمرّ وجهه، ثم قال: «والذي نفسي بيده لا يدخل قلب رجل الإيمان حتى يحبكم لله ولرسوله، ثم قال: يا أيها الناس من آذى عمي فقد آذاني، فإنما عم الرجل صنو أبيه". وأخذ النبيe بيد الحسن والحسين فقال: «من أحبني وأحب هذين وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة".
ـ ومن ذلك تكرر دعواته e لآل البيت
روى البخاري وغيره أنه e كان يأخذ أسامة بن زيد والحسن ويقول: «اللهم إني أحبهما فأحبهما»، وقال للعباس: إذا كان غداة الاثنين فأتني أنت وولدك حتى أدعو لهم بدعوة ينفعك الله بها وَوَلَدَكَ، فغدا وغدونا معه فألبسنا كساءً ثم قال: «اللهم اغفر للعباس وولده». ولما نزلت )إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تطْهِيراً( (الأحزاب 33) دعا فاطمة وحسناً وحسيناً فجللهم بكساء، وعلي خلف ظهره، ثم قال: «اللهم هؤلاء أهل بيتي، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً». ونظر النبيe إلى علي والحسن والحسين وفاطمة فقال: «أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم».
ـ ومن ذلك ورود الأمر بالصلاة عليهم تبعاً للصلاة على النبيe.
فقد روى مسلم عن ابن أبي ليلى قال: لقيني كعب بن عجرة فقال لي: ألا أهدي لك هدية؟ خرج علينا رسول اللهe فقلنا: قد عرفنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك؟ قال: «قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد».
هذه المعاني وأمثالها وكثرة الأحاديث الواردة بشأنها جعلت الناس يتعاملون مع آل البيت معاملة خاصة ومتميزة، وفي كتب التراث الكثير من الأخبار والوقائع المؤكدة لذلك والمشيرة إلى أمرين: التعامل مع آل البيت بغاية الأدب، والحرص على شرف الانتساب إليهم بالمصاهرة فهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه يقول: ـ كما جاء في البخاري ـ والذي نفسي بيده لقرابة رسول اللهe أحبُّ إليَّ أن أصل من قرابتي. وعثمان رضي الله عنه سمي بذي النورين لأنه اقترن باثنتين من كريمات النبيe، وجاء عروة بن الزبير مع أناس من بني زهرة إلى خالته عائشة رضي الله عنها، فكانت أرق شيء عليهم لقرابتهم من رسول اللهe.
وروي أن مالكاً رحمه الله لما ضربه جعفر بن سليمان، ونال منه ما نال وحمل مغشياً عليه دخل عليه الناس فأفاق فقال: أشهدكم أني جعلت ضاربي في حلٍ، فسئل بعد ذلك فقال: خفت أن أموت فألقى النبيe، فاستحيي منه أن يدخل بعض آله النار بسببي، وقيل إن المنصور أقاده من جعفر فقال له: أعوذ بالله والله ما ارتفع منها سوط عن جسمي إلا وقد جعلته في حلٍ لقرابته من رسول اللهe.
ولهذا أيضاً: أجمع الفقهاء على أن من شتم أو سب أو حقَّر واحداً من آل بيت النبيe يضربه القاضي ضرباً شديداً ويعزره بما يراه من وسائل تردعه وأمثاله.
وقالوا من انتسب زوراً إلى آل البيت وانتمى إليهم بغير حق، فقد افترى فرية عظيمة واقترف جرماً كبيراً، وإذا كان انتساب الإنسان إلى غير أبيه محرم في الشرع وفيه من التهديد والوعيد ما يدل عليه قوله e «من ادعى إلى غير أبيه، لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة خمسمئة عام» وقوله e «من انتسب إلى غير أبيه، أو تولى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين"، فلا شك أن جرم الانتساب زوراً إلى آل بيت النبيe أكبر إثماً وأشد عذاباً وأعظم مقتاً.
ولمنع هذا العبث، ومن أجل العناية بالأنساب وسلامتها عامة وبنسب آل البيت خاصة نشأت في حياة المسلمين جهات متخصصة أطلق على القائم بشؤونها اسم «نقيب السادة الأشراف» مهمته التحقيق والتثبت والتوثيق لتصفية النسب الشريف من الأدعياء والدخلاء، وليس ثمة إحصاء دقيق لأعداد المنتسبين إلى آل البيت الطاهر المنتشرين في أرجاء العالم الإسلامي المترامي الأطراف، ولا يمكن التكهن بحقيقته إلا بعد وقت طويل وجهد متواصل وغيرة صادقة يقوم به رجال من آل البيت أنفسهم ومن غيرهم من أهل العدالة والغيرة.
محمد هشام البرهاني