ناديا المير محمود
«عرفتي شو هالغنية لفيروز ولا أنت متل أبوكي بتسمعي عتابا من الصبح»، سؤال باغتني به طبيب الأسنان. منذ 23 عاماً، لم أتمكن حينها من حسم نيته وما إذا كان مازحاً أم جادّاً.
رغم ألم أسناني في تلك اللحظات. إلا أن سؤاله وبكل نواياه كان كفيلاً لأبادر بفتح فمي على الفور، فنويت العودة للمنزل. وتحليل ما قاله للكشف عن نواياه، والهدف الأكبر أن أعرف ماهي “العتابا”.
في منزلنا حيث تضم مكتبة صغيرة عشرات أشرطة الكاسيت، دوّن عليها “حفلة عادل خضور أم الطيور ١٩٨٥. محمد صادق حديد عالربابة حفلة السعن، مرة أخرى عادل خضور حفلة قفيلون 1990، فؤاد غازي حفلة حماة الحاضر”. كأسماء حفظتها ذاكرتي لتسعفني بها في مثل هذه اللحظات.
بعد سماع بعض منها، لم أدرك سوى أنها عبارة عن مفردات تدور معانيها حول الحب والشوق والفراق. يرافقها صوت آلة موسيقية واحدة تكون في معظم الأحيان العود أو الربابة.
العتابا .. بين آهات الرجال و غصات النساء
ولأن الفضول بالمعرفة كان دافعاً أساسياً بتُّ أكرّس حضوري بأي مناسبة على فقرة “العتابا” التي يؤديها المطرب. وينصبّ تركيزي على تلك اللحظة التي تصدح فيها أصوات الحاضرين بـ”أوف” و”آه” على وقعِ الوصلة رافعين أقداحهم كعلامة نصر.
وبدى أن ما ردده المغني من أبيات عتابا، قد نجحت في التعبير عما سكن كل واحد فيهم، فقد روت قلب العاشق. وأفرغت المخزون في قلب المشتاق والفاقد.
وعلى المقلب الآخر كانت دموع وغصات السيدات صوراً رافقت أنين المؤدي، كوسيلة تعبير شهدتها في غالبية الجلسات التي راقبتها. وكأنها تؤدي مهمة “الأوف والآه وكؤوس العرق” وتركت لعينيها مهمة التعبير عن الحزن والتأثر.
حادي العيس في العتابا السورية
كان “حادي العيس” قاسماً مشتركاً ناداه معظم مطربي العتابا الذين سمعتهم، سواء “برهوم رزق، فؤاد غازي، عادل خضور. محمد صادق حديد، بسام بيطار” وغيرهم.
فمن قريته “بري الشرقي” بمدينة “سلمية” ناداه “حديد” بوتر ربابته علّه يهدأ من لوعة قلبه المتعطش لرؤية من أحب قائلاً: «صرت ابكي على ماصار بيا.. ايييه أمانة يا حوادي العيس روحو لمن اهواه قولولو عليا، حزين و دمعة العينين تجري. تصبّر يا قلب و أحمل شويا».
أما “برهوم رزق” فكان “الحادي” يملك جواباً لحيرته جراء ما يعتليه من هم وتعب حين قال: «ياحادي وين بدي الخيل صفا. ودمي عسروج الخيل صفا، وقلبي من الضنا و الهم صفى، مانو عارف لو توعى أي باب».
«ياحادي العيس لحبابي روحلهم، وخلف جبالنا نزّل رحلهم، وكل ما بقول عن قلبي راح الهم، بلاقي الهم واقف عالبواب». بتلك العتابا ذكره الراحل “فؤاد غازي”.
و”حادي العيس” هو الشخص الذي يقود قافلة الإبل. ويحدو لها أي يغنّي لها كي تواصل مشيها. وقد اعتاد الشعراء ذكره بأنه مرسالٌ إلى من يحبّون.
ياحادي وين بدي الخيل صفا. ودمي عسروج الخيل صفا، وقلبي من الضنا و الهم صفى، مانو عارف لو توعى أي باب..
برهوم رزق
غياب النساء عن أداء العتابا
قلة هنّ الإناث المؤديات لهذا النوع الغنائي، وذلك ما أوضحه الأستاذ في كلية التربية الموسيقية “رامي درويش”. بسبب احتياج أدائها لصوت قوي وجهوري، وهذا ما يميز الرجال عن النساء في تركيبتهم الفيزيولوجية. ولأن من بدأ بها كان رجلاً «فباتت القصة على التواتر دون أسباب معللة».
ولفت “درويش” إلى أنه ورغم الجمالية التي يتسم بها هذا النمط الفني، إلا أنه لم يحظَ بالدعم المطلوب. مشيراً إلى ضرورة حماية العتابا من الاندثار من قبل المؤسسات المعنية. وضرورة إعادة تنشيطها كنوع من التراث اللامادي، الذي دخلته الألوان الغربية، ما انعكس على الفلكور بشكل عام.
يجب إعادة تنشيط العتابا كنوع من التراث اللامادي، الذي دخلته الألوان الغربية، ما انعكس على الفلكور بشكل عام.
الأستاذ رامي درويش
وحول عزوف بعض من جيل الشباب على أداء هذا النوع الفني، أكد “درويش” أن الأمر عائد لاستسهال النجومية. والجري وراء النوع الرائج دون النظر إلى مضمونه، وبات مقصدهم الوصول إلى أكبر شريحة جماهيرية على حساب ما يقدمونه.
يشار إلى أن العتابا السورية تعدّ واحدة من ألوان الغناء الشعبي التراثي. ويقوم هذا الفن على كتابة 3 أبيات شعرية ينتهي كل بيت منها بكلمة تتفق مع آخر كلمة من البيت التالي في اللفظ وتختلف في المعنى. بما يعرف لغوياً باسم “الجناس”. أما البيت الرابع والأخير من العتابا فيجب أن ينتهي بكلمة آخرها حرفا الألف والباء كما جرت العادة في معظم قطع العتابا.
«عرفتي شو هالغنية لفيروز ولا أنت متل أبوكي بتسمعي عتابا من الصبح»، سؤال باغتني به طبيب الأسنان. منذ 23 عاماً، لم أتمكن حينها من حسم نيته وما إذا كان مازحاً أم جادّاً.
رغم ألم أسناني في تلك اللحظات. إلا أن سؤاله وبكل نواياه كان كفيلاً لأبادر بفتح فمي على الفور، فنويت العودة للمنزل. وتحليل ما قاله للكشف عن نواياه، والهدف الأكبر أن أعرف ماهي “العتابا”.
في منزلنا حيث تضم مكتبة صغيرة عشرات أشرطة الكاسيت، دوّن عليها “حفلة عادل خضور أم الطيور ١٩٨٥. محمد صادق حديد عالربابة حفلة السعن، مرة أخرى عادل خضور حفلة قفيلون 1990، فؤاد غازي حفلة حماة الحاضر”. كأسماء حفظتها ذاكرتي لتسعفني بها في مثل هذه اللحظات.
بعد سماع بعض منها، لم أدرك سوى أنها عبارة عن مفردات تدور معانيها حول الحب والشوق والفراق. يرافقها صوت آلة موسيقية واحدة تكون في معظم الأحيان العود أو الربابة.
العتابا .. بين آهات الرجال و غصات النساء
ولأن الفضول بالمعرفة كان دافعاً أساسياً بتُّ أكرّس حضوري بأي مناسبة على فقرة “العتابا” التي يؤديها المطرب. وينصبّ تركيزي على تلك اللحظة التي تصدح فيها أصوات الحاضرين بـ”أوف” و”آه” على وقعِ الوصلة رافعين أقداحهم كعلامة نصر.
وبدى أن ما ردده المغني من أبيات عتابا، قد نجحت في التعبير عما سكن كل واحد فيهم، فقد روت قلب العاشق. وأفرغت المخزون في قلب المشتاق والفاقد.
وعلى المقلب الآخر كانت دموع وغصات السيدات صوراً رافقت أنين المؤدي، كوسيلة تعبير شهدتها في غالبية الجلسات التي راقبتها. وكأنها تؤدي مهمة “الأوف والآه وكؤوس العرق” وتركت لعينيها مهمة التعبير عن الحزن والتأثر.
حادي العيس في العتابا السورية
كان “حادي العيس” قاسماً مشتركاً ناداه معظم مطربي العتابا الذين سمعتهم، سواء “برهوم رزق، فؤاد غازي، عادل خضور. محمد صادق حديد، بسام بيطار” وغيرهم.
فمن قريته “بري الشرقي” بمدينة “سلمية” ناداه “حديد” بوتر ربابته علّه يهدأ من لوعة قلبه المتعطش لرؤية من أحب قائلاً: «صرت ابكي على ماصار بيا.. ايييه أمانة يا حوادي العيس روحو لمن اهواه قولولو عليا، حزين و دمعة العينين تجري. تصبّر يا قلب و أحمل شويا».
أما “برهوم رزق” فكان “الحادي” يملك جواباً لحيرته جراء ما يعتليه من هم وتعب حين قال: «ياحادي وين بدي الخيل صفا. ودمي عسروج الخيل صفا، وقلبي من الضنا و الهم صفى، مانو عارف لو توعى أي باب».
«ياحادي العيس لحبابي روحلهم، وخلف جبالنا نزّل رحلهم، وكل ما بقول عن قلبي راح الهم، بلاقي الهم واقف عالبواب». بتلك العتابا ذكره الراحل “فؤاد غازي”.
و”حادي العيس” هو الشخص الذي يقود قافلة الإبل. ويحدو لها أي يغنّي لها كي تواصل مشيها. وقد اعتاد الشعراء ذكره بأنه مرسالٌ إلى من يحبّون.
ياحادي وين بدي الخيل صفا. ودمي عسروج الخيل صفا، وقلبي من الضنا و الهم صفى، مانو عارف لو توعى أي باب..
برهوم رزق
غياب النساء عن أداء العتابا
قلة هنّ الإناث المؤديات لهذا النوع الغنائي، وذلك ما أوضحه الأستاذ في كلية التربية الموسيقية “رامي درويش”. بسبب احتياج أدائها لصوت قوي وجهوري، وهذا ما يميز الرجال عن النساء في تركيبتهم الفيزيولوجية. ولأن من بدأ بها كان رجلاً «فباتت القصة على التواتر دون أسباب معللة».
ولفت “درويش” إلى أنه ورغم الجمالية التي يتسم بها هذا النمط الفني، إلا أنه لم يحظَ بالدعم المطلوب. مشيراً إلى ضرورة حماية العتابا من الاندثار من قبل المؤسسات المعنية. وضرورة إعادة تنشيطها كنوع من التراث اللامادي، الذي دخلته الألوان الغربية، ما انعكس على الفلكور بشكل عام.
يجب إعادة تنشيط العتابا كنوع من التراث اللامادي، الذي دخلته الألوان الغربية، ما انعكس على الفلكور بشكل عام.
الأستاذ رامي درويش
وحول عزوف بعض من جيل الشباب على أداء هذا النوع الفني، أكد “درويش” أن الأمر عائد لاستسهال النجومية. والجري وراء النوع الرائج دون النظر إلى مضمونه، وبات مقصدهم الوصول إلى أكبر شريحة جماهيرية على حساب ما يقدمونه.
يشار إلى أن العتابا السورية تعدّ واحدة من ألوان الغناء الشعبي التراثي. ويقوم هذا الفن على كتابة 3 أبيات شعرية ينتهي كل بيت منها بكلمة تتفق مع آخر كلمة من البيت التالي في اللفظ وتختلف في المعنى. بما يعرف لغوياً باسم “الجناس”. أما البيت الرابع والأخير من العتابا فيجب أن ينتهي بكلمة آخرها حرفا الألف والباء كما جرت العادة في معظم قطع العتابا.