محمد بن مردنيش ملك شرقي الأندلس

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • محمد بن مردنيش ملك شرقي الأندلس

    مردنيش (محمد سعد)

    Ibn Mardanish (Mohammad ibn Sad-) - Ibn Mardanish (Mohammad ibn Sad-)

    ابن مردنيش (محمد بن سعد ـ)
    (518ـ567هـ/1124ـ1171م)

    أبو عبد الله، محمد بن سعد بن محمد بن أحمد بن مردنيش، التجيبي، الجذامي ولاءً، ملك شرقي الأندلس، من أسرة إسبانية ـ مولّدي ـ اعتنقت الإسلام، وحسن إسلام بعض أفرادها؛ فجده الزاهد المجاهد محمد بن أحمد بن مردنيش صاحب المغازي والفضائل، ويعود أصل التسمية (ابن مردنيش) إلى Martinez المشتق من تسمية بيزنطية قديمة.
    ولد في مدينة بنسكولا Peniscola في الولاية الجديدة لـ Castellon de la plana (واد خصب شماليّ بلنسية، في الشاطئ الشرقي لإسبانيا).
    ظهر في فترة انتقالية حرجة انهار فيها حكم المرابطين للأندلس، إذ بدأت تزداد الغارات الإسبانية والاعتداءات على الأراضي الخاضعة لسلطان المرابطين، وبدأ الموحدون يباشرون استعداداتهم للدخول في المعركة الفاصلة ضد المرابطين المقصرين في الذود عن أراضي الأمة، فانتقضت الأندلس كلها على المرابطين، وظهرت دويلات طوائف المرابطين التي بدأ الجند فيها يستولون على زمام الحكم؛ فآل حكم شرقي الأندلس إلى القائد الورع المجاهد ابن عياض الذي خدم لديه ابن مردنيش زمناً، فلحظ عزته وشجاعته التي رُوي عنها القصص العجيبة، فظنَّ به الخير، ونال ثقته، فجعله كاتباً عنده، ثم صهراً له، ثم أصبح نائباً له، إلى أن استشهد سنة 542هـ/1147م بعد حكم دام سنتين، فأجمع أجناده على تولية ابن مردنيش في بلنسية ـ على الرغم من صغر سنه ـ وقيل إن ابن عياض استخلفه على الناس قبل وفاته لظاهر نجدته وبأسه.
    اتخذ ابن مردنيش من مرسية Murcie عاصمةً له، فحظيت بعنايته واهتمامه، وانعمرت في زمانه حتى صارت قاعدة الأندلس، وقد اهتم بجمع الصنَّاع لآلات الحروب وللبناء والترخيم واشتغل ببناء القصور العجيبة، والنزه والبساتين العظيمة، وربط نفسه بتحالفات مع القوّاد المجاورين له من الثوار على المرابطين، وصاهر بعضهم؛ ليزيد من نفوذه، وكان من أشهر هؤلاء القواد إبراهيم بن محمد بن مفرج بن همشك ـ وهمشك Hemochico الجد إسباني الأصل أسلم على يد مَلكٍ من بني هود ـ وقد ولاه ابن مردنيش جيان لخدماته التي أسداها.
    لكن سيرة محمد بن سعد بن مردنيش في الحكم خالفت ظنون سيده فكان بعيداً عن الإسلام في حياته اليومية، إسباني اللباس والانتماء والولاء والسياسة، فتنكّر أكثر قواده لسلطانه، وبان له انتقاض ولائهم، فقتل وعذّب كثيراً منهم، واستعان بالفرنج والنصارى، وجعلهم أجناداً له، وأخرج كثيراً من أهل مرسية من معارضيه، وأسكن النصارى من أهل الولاء له دُورَهم، فأمدّه كلٌ من ملك قشتالة وملك أراغون بجنودٍ من الإسبان، فهيّأ ابن مردنيش لهم أجواءهم من كنائس وحانات، وأقطع لقوادهم منطقة شنتمرية، وسمح بإقامة أسقفية خاصة بهم، وأجزل لهم العطاء من الضرائب التي ابتدعها كضرائب الأعراس والاحتفالات والماشية، وضرائب السلع التي بلغت مقدار أثمانها، وضرائب الأرض التي ارتفعت مُكوسُها فوق مقدارِ مردودِها، فهجرها أهلها، وصودرت لمصلحة بيت المال، وكان على ذلك يدفع لألفونسو السابع Alfonso VII ملك قشتالة، ولرامون بيرنغوير Ramon Berenguer صاحب برشلونة جزية بلغت خمسين ألف مثقال.
    وكان ابن مردنيش يحكم المرية Almeria باسم ألفونسو السابع منذ وقت احتلالها 542هـ/1147م، فازدادت شوكته، وسعى إلى توسيع نطاق إمارته، فولى ابن مردنيش أخاه يوسف بلنسية، وضمّ إلى ملكه شاطبة ودانية، وطمع بإشبيلية، ونازل قرطبة، وغدر بقرمونة وملكها، وهزم ابن بكيت وقتله وكاد يستولي بفضل قائده إبراهيم بن همشك على جميع الأندلس.
    فما كان من الأمير عبد المؤمن بن علي ـ مؤسس دولة الموحدين ـ إلا أن أرسل سنة 546هـ ابنه أبا سعيد مع أبي حفص عمر بن يحيى الهنتاتي بعشرين ألفاً من الفرسان إلى الأندلس لإعادة ما امتلكه ابن مردنيش وإعادة فتح المرية وبياسة وأبدة، فدخل كثير من أصحاب ابن مردنيشـ وكان ابن همشك منهم ـ في طاعة الموحدين، فاستعان ابن مردنيش بصاحب برشلونة لإعاقةِ تقدم الموحدين وفكِّ حصارهم الأول لمدينة المرية التي لم تُفتح إلا في الحصار الثاني ـ في السنة التالية ـ إذ أخفق ابن مردنيش وحلفاؤه من الفرنج أمام الأسوار التي ابتناها الموحدون أثناء حصارهم للمدينة.
    وتكرر الصدام مع الموحدين سنة 557هـ بعد أن نقض ابن همشك ولاءه للموحدين بدخوله إلى غرناطة استجابةً لبعض أهلها من المعارضين لحكم الموحدين، فامتنع أنصار الموحدين فيها في حصونهم، فاستنجد بابن مردنيش الذي استطاع بمعونة أعوانه من يهود أهل المدينة أن يبسط سيطرته عليها، لكن عبد المؤمن سرعان ما أرسل نجله أبا يعقوب يوسف بن عبد المؤمن (ت 580هـ) الذي أعاد سيطرة الموحدين على المدينة في باقي السنة نفسها، ولاذ ابن مردنيش وابن همشك بالفرار.
    وكانت وفاة عبد المؤمن سنة 558هـ بالنسبة لابن مردنيش حافزاً لإعادة سيطرته على المنطقة فقوي جانبه، لكن يوسف بن عبد المؤمن الأمير الموحدي الجديد شعر بخطر ابن مردنيش، فأرسل سنة 560هـ إلى أخيه أبي سعيد عثمان بن عبد المؤمن والي مدينة غرناطة أن يتجه بجنده إلى مدينة مرسية، فخرج إليه ابن مردنيش في جموع عظيمة ومعه من الفرنج ثلاثة عشر ألفاً، وحدثت بينهما وقعة بموضع يدعى «الجلاب» على أربعة أميال من مرسية، فقتل من أتباع ابن مردنيش كثير، وفرّ إلى مرسية مترقّباً الحصار الذي استمر ثماني سنوات.
    وفي أثناء الحصار وجّه يوسف بن عبد المؤمن سنة 566هـ عشرين ألف فارس بقيادة أبي حفص إلى الأندلس، فاستعادوا أكثر البلاد التي خضعت لابن مردنيش، وعقدوا صلحاً مع ابن ألفونس ملك الفرنج، فعاد إلى طاعتهم كثير من أصحاب ابن مردنيش وبينهم ابن همشك ـ مرةً أخرى ـ الذي سار معهم إلى مرسية، ولما وصلت هذه الأخبار إلى يوسف بن عبد المؤمن جمع الوفود من إفريقيا، ودخل الأندلس، ونزل في إشبيلية بحشدٍ كبيرٍ من الفرسان قيل إنه بلغ مئة ألف فارس، وجهّز جيشاً عظيماً للخروج إلى مرسية، ولما وصل الخبر إلى محمد بن مردنيش خاف، فمرض، وبقي في مرضه حتى تُوفِّي، وقيل: إن أمه سقته السمّ؛ لأنه كان قد أساء العشرة مع أهله وخواصه وكبراء دولته، فنصحته، وأغلظت عليه في القول، فتهددها، وخافت بطشه.
    ولما ورد خبر وفاته إلى أخيه يوسف بن سعد بن مردنيش (ت 582هـ) صاحب بلنسية الذي كان عوناً له في حروبه، اجتمع مع أكابر البلاد لتسليمها إلى الموحدين، فسلّموا إليهم جميع بلاد شرقي الأندلس التي كانت لأبيهم، فأحسن إليهم الأمير يوسف، وتزوّج أختهم، وأصبحوا عنده في أعزّ مكان. وقيل: إن محمد بن سعد حين حضرته الوفاة جمع بنيه وأوصاهم بتسليم البلاد للموحدين لغلبتهم. ودفن في بلنسية.
    هبة ترجمان

يعمل...
X