تؤدي الدورات التدريبية دوراً مهماً وكبيراً في تنمية المهارات لدى الأفراد في المجتمع، سواء كانت فنية أو تقنية، أو ثقافية، فهي كلها تُساعد على تطوير الذات وبناء الثقة بالنفس، إضافة إلى تحسين المستوى الوظيفي للفرد. كما تهدف إلى توسيع قاعدة المعرفة لدى جميع المتدرِّبين، وتعليمهم بعض المهارات الجديدة، وتطوير مهاراتهم القديمة.
فإلى أي مدى تلبي الدورات التدريبية حاجة الملتحقين بها في أي مجال كان، وهل يمكن أن تحل مكان الجامعات بشهاداتها المعتمدة، وما شروط الدورة الناجحة، وعلاقتها بالسيرة الذاتية المرفقة للوظيفة؟
عدّ دانيال جولمان، عالم النفس والأستاذ في هارفارد، التدريب واحداً من أنماط القيادة الستة الشهيرة، ولجعل نمطه مفيداً ونافعاً علينا أن نتعرف إلى خصائص التدريب الناجح، الذي يبدأ بتحديد الحاجة التدريبي بدقة والتحضير الجيد، ثم معرفة ودراسة الجمهور المستهدف، وبناء الطرق التدريبية لتلبية حاجاته بفاعلية.
يجد الدكتور عماد النهدي، المدرب ومستشار العلاقات الإنسانية، من جدة، أن الدورات وورش العمل ضروريةٌ للدخول إلى سوق العمل والنجاح فيه، ويبرر أهميتها بأنها تعمل على تنمية وتطوير وتوسيع آفاق المتدرِّب، من خلال زيادة المعرفة لديه، وتعزيز خبرته بالتطبيق العملي، وإكسابه المهارات اللازمة التي تسهم في رفع إنتاجيته، يعلّق قائلاً: «في كثيرٍ من التخصُّصات تختلف الدراسة العلمية عن السائد في سوق العمل، فما يُدرَّس عبارةٌ عن نظرياتٍ وفرضياتٍ وأسسٍ بنسبة كبيرة».
يكشف د. النهدي أن هناك ورش عملٍ، ودورات يأخذها المتدرِّب لتطوير مهارته، أو موهبته، لكن الأهم أن يلتزم بها؛ لأنها ستفيده في الحصول على الوظيفة، أو إتقان ما يعمل، بل وكذلك ستفيده في التميُّز على الآخرين، ونيل ترقياتٍ في العمل، يتابع قائلاً: «نحن في السعودية لدينا تنظيمٌ كبيرٌ في هذا المجال، وهناك كثيرٌ من الجهات والمؤسَّسات التي تمنح المدرب تصريحاً لعقد ورش العمل، كما يكون لها دورٌ في إصدار الشهادات المعتمدة؛ ما يسهِّل على المتدرِّب اختيار المدرب، وورشة العمل التي تحقق له أهدافه، وتحديد ما يحتاج إليه فيها، وتضيف إلى سيرته المهنية للاستفادة منها في التوظيف».
الفن ليس مجرد شيء أكاديمي يدرس
أنشأت سارة الشروقي، سيدة أعمال إماراتية، مركز رفلكت للفنون الإبداعية، وهي تنظم في المركز العديد من الدورات في مجال الفن والخط والتمثيل، بإشراف عدد من الفنانين المتخصصين؛ حيث ينتمي المستهدفون إلى كافة المراحل العمرية، وهو ما يحقق تقريب الناس من الفن، وصقل تجربة من لديه موهبة.
تتابع سارة: «نركز في مركز رفلكت على تطوير المواهب والمهارات الحياتية. برامجنا تتنوع بطبيعتها، فبعضها عبارة عن ورش قصيرة مكثفة المحتوى، تقدم خلال ساعات معدودة، وبعضها يمتد على مدى أسابيع متواصلة. نقدم من خلال هذه الدورات فرصة تعرف المشاركين إلى الفنانين وذوي الخبرة، إضافة إلى التعرف إلى النظريات والتقنيات المختلفة لإنجاز عمل ما. من دورات المهارات التي تلاقي إقبالاً من الجمهور دورات أساسيات الرسم والجسمونايت والموزاييك ورسم المناظر الطبيعية وغيرها. وقد قدمنا أخيراً دورات إدارة الوقت وتأسيس المشاريع والتدبير المنزلي، وغيرها من درات المهارات الحياتية».
أسلوبنا ترفيهي
برأي سارة، الفن ليس مجرد شيء أكاديمي يدرس، فهو تقنيات تكون وسيلة للتعبير، هناك من يعبر بالكلمات، أو بلغة الجسد، أو بالمظهر، وهناك من يعبر بالفن، فنحن لا نطلق الأحكام على مشاركنا المبتدئ، فليس هناك «فنان فاشل أو ناجح؛ حيث يختلف طرحنا عن مناهج الجامعات بأننا نتبع أسلوباً ترفيهياً أكثر من دون التقيد بمعايير أكاديمية. لا نقوم بتقييم أداء المشارك؛ لأننا نؤمن أن التعبير من خلال الفن لا يندرج تحت مقاييس الصواب والخطأ. هذا لا يعني أننا لا نتفق مع المناهج الأكاديمية، لكنه يعني أننا لا نهدف إلى إنتاج فنانين أكاديميين بقدر ما نهدف إلى مساعدة المجتمع على التعبير الإبداعي».
منذ أكثر من خمس سنوات، أطلقت نسرين الشودري، فنانة تشكيلية، من المغرب، مبادرة جميلة لتعليم فنون الرسم للأطفال، من خلال دورات تعليمية، امتدت للنساء والكبار من المتقاعدين والشباب، تقول الشودري: «أطلقت المبادرة لخلق جو من الفرح وتبادل خبرتي وتوظيفها لمساعدة الآخرين، خصصت لهم ولأجلهم هذه المبادرة بناء على عدد من الاقتراحات التي تلقيتها من أوساط قريبة مني، لاحظوا فعلاً مواهب فنية لدى أبنائهم، لتعليمهم فن التشكيل».
بعد مرور أكثر من 5 سنوات على التجربة، بدأت الشودري ترفق التخرج من الدورات، بشهادات معتمدة، من مكان قضى فيه المشاركون من مختلف الأعمار، أجمل تجربة، تستدرك قائلة: «أعلمهم ما تلقيته من مدرسة الفنون الجميلة بتطوان التي أعتز بالتخرج فيها. وهذا التعلم فرصة لتطوير المواهب، أو التأهيل لاجتياز مسابقات دخول كليات الهندسة، أو التمكن من تقنيات الرسم، كما أنها تتيح إيجاد فرصة عمل.
عرفت دورات الشودري التدريبية اهتماماً مميزاً، خاصة بعد كورونا؛ لأنها وفرت المتعة والاستفادة من تعلم مهارة فنية، وطورت ذوق الملتحقين وإحساسهم، الذين تمكنوا من التعبير عن أنفسهم أكثر بالرسم. وكما قلت، فالتفاعل الإيجابي الذي ألقاه مع هذه الورشات والدورات يمنحني الطاقة لمزيد من البذل والعطاء، وتقاسم خبرتي مع الآخرين في إطار تواصل فني وإبداعي وإنساني».
قد لا تقدّم فهماً عميقاً
فادي بدر، مدرّب معتمد من فريق جون ماكسويل العالمي للقيادة في الولايات المتحدة الأميركية، وهو مدرّب مختصّ في فن الخطابة والإلقاء، ورئيس تحرير موقع Beirut Tribune.
يرى فادي أنه لا يمكن للدورات التدريبية أن تعوض عن الدراسات الجامعية الأكاديمية، الأساس لأي تطوّر مهني، يتابع قائلاً: «تقدّم الدراسات الجامعية فهماً عميقاً وشاملاً لمواضيع محددة، سواء كانت الفنون الليبرالية، أو العلوم، أو المجالات التقنية. يضمن هذا العمق أن يحصل الطلاب على معرفة أساسية قوية؛ الأمر الذي لا تقدّمه ورش العمل بتصميمها. كما تعزّز الجامعات التفكير النقدي، وطرق البحث والقدرات التحليلية. وهذه التمارين الفكرية الصارمة غالباً ما لا تكون قابلة للتحقيق في دورات القدرات الشخصية قصيرة الأجل. والأهم أن الدراسة الجامعية تقوم على منهج معترف به من وزارات التربية في أي بلد؛ أي إن الدولة تصادق وتعترف بهذه الدراسة وتراقبها وتقيّمها دورياً، وهذا هو الأساس».
تركز الدورات غالباً على التعاطف ومهارات الاستماع والتواصل، التي تعد أساسية لبناء العلاقات الصحية والحفاظ عليها في أي إعداد، وعن سلبياتها يقول: «قد لا تقدّم فهماً عميقاً أو إتقاناً لمهارات معينة؛ ما قد يؤدي إلى فهم سطحي، إضافة إلى أنه لا يتم تصميم جميع ورش العمل وفقاً لحاجات الأفراد، وهذا قد يؤدي أحياناً إلى نصائح عامة قد لا تكون ذات صلة بالجميع».
يفترض فادي أن يكون لدى المدرب الماهر دراسات حالة وقصص من الحياة الواقعية تظهر الآثار التحويلية لتدريبهم، على أن يظل على اطلاع بأحدث الأبحاث والأساليب والأدوات. قد يحضر مؤتمرات عالمية، ويتواصل مع خبراء آخرين، وحتى يخضع لتقييم ذاتي دوري.