كوخ (روبرت) Koch (Robert-) - Koch (Robert-)
كوخ (روبرت ـ)
(1843 ـ 1910)
روبرت كوخ Robert Koch طبيب ألماني وواحد من كبار المشاركين في الثورة العلمية التي تظاهرت في أواخر القرن التاسع عشر باكتشاف الأحياء الدقيقة ومعرفة تأثيراتها في الطب والجراحة والصحة العامة.
ولد روبرت كوخ في بلدة قرب هانوفر Hanovre وتوفي في بادن بادن Baden Baden، وهو ثالث ولد لأبويه اللذين أنجبا أحد عشر طفلاً، وكان أبوه موظفاً رفيع المستوى في مصلحة المناجم. قضى روبرت كوخ طفولته وفجر شبابه في وسط يتصف بالثقافة والمعرفة مما وفّر له سبيلاً لتفتح ذكائه، لكن كثرة عدد أفراد أسرته أوقعها في ضائقة مادية عرّضت حياته التعليمية لصعوبات جمة.
درس كوخ الطب في جامعة غوتنغن (1862 - 1866) Göttingen، ثم راح يسعى إلى شقّ طريقه معتمداً على نفسه، فعمل طبيباً مساعداً في مدينة هامبورغ، ثم مارس الطب في مناطق عدة في ألمانيا من دون أن يستقر في مكان واحد، إذ كان يبحث عن مورد للرزق يكفيه للعيش، ويتشوق في الوقت نفسه إلى التفرغ للبحث العلمي.
أقام كوخ بعد ذلك في فولشتاين Wollstein في سيليزيا من سنة 1872 حتى 1880، وكان يعالج مرضاه ويجري في أوقات فراغه بمفرده بحوثاً تتصل بأحد الطحالب algue، الذي كان الحديث يدور عنه يومئذ في الأوساط العلمية، وتبين فيما بعد أن هذا الطحلب ما هو إلا جرثومة جمرة الخراف Bacteridium anthracis. وكان لويس باستور[ر] Pasteur الفرنسي يجري في الوقت نفسه بحوثاً حول الموضوع ذاته، غير أن كلاً منهما كان يجهل ما يقوم به الآخر، لأن التسابق العلمي بين ألمانيا وفرنسا ساير يومئذ التنافس السياسي والعسكري بينهما. ونتيجة لذلك كانت البحوث والدراسات تحاط بكتمان شديد أينما جرت على طرفي نهر الراين.
دُعي كوخ عام 1880 إلى العمل في القسم الامبراطوري للصحة في برلين، بعد أن اشتهرت بحوثه عن الجمرة، ومُنح في عمله حرية كبيرة، فأحاط نفسه بعدد من الذين أصبحوا فيما بعد من مشاهير العلماء كفردريش لوفلر (1852 - 1915) F.Löffler الذي صـار أستاذاً في جامعة برلين وعمل مع كـوخ على زرع جرثومة الخناق (الدفتريا)، وكـارل يوزف إيبرت (1835 - 1925) K.J.Eberth الذي اكتشف جرثومة الحمى التيفية، وأُغست فون ڤاسرمان (1866 - 1925) Á.von Wasserman الذي وضع التفـاعل المصلي لتشخيص الإفرنجي والذي يحمل اسـمه، والبارون الياباني شـيبا سبورو كيتازاتو (1852 - 1931) S.Kitasato الذي اكتشف مع يرسن Yersin عصيّة الطاعون وأدخل علم الجراثيم إلى اليابان، وغيورغ غافكي (1850 - 1918) G.Gaffky أول من زرع العصية التيفية. ومن كثرة المكتشفات التي توصل إليها هؤلاء قيل يومئذ عن كوخ: إنه أستاذ علَّم زملاءه وطلابه كيف يجعلون الجراثيم تفصح عن نفسها.
ومن أوائل أعمال روبرت كوخ إيجاد التقنيات اللازمة لدراسة الجراثيم والتي كانت تحبو في طورها البدائي قبله. فهو الذي وضع أسس مستنبتات الزرع المصلية، واكتشف طريقه لأخذ النماذج المرضية وتهيئة لطاخات منها على صفائح بلورية، وأرسى قواعد تلوين الأحياء المجهرية، ودرس أخماج الجروح وتأثير المطهرات فيها، مما أتاح فيما بعد للجراح البريطاني جوزيف ليستر (1827 - 1912) J.Lister معرفة أهمية التعقيم، وأفضى إلى ترسيخ أسس الجراحة الحديثة. كما أن كوخ هو الذي وضع اللبنات الأولى لتشخيص المرض الخمجي والتي بقيت السند الوحيد حتى اكتشفت التفاعلات المصلية.
أعلن كوخ في 24 آذار/مارس 1882 في «الجمعية الفيزيولوجية» في برلين اكتشافه للعصيّة السلِّية عامل التدرن، وطريقة زرعها، ومن ثم استحصاله على السلِّين (التوبركلين). وفي عام 1883 انتشرت الهيضة (الكوليرا) في الإسكندرية فأُوفد إلى مصر لدراسة الوباء ومعرفة أسبابه التي كانت مجهولة. ولم يمضِ على إقامته شهر واحد حتى اكتشف الجرثوم المسبب، وطريقة انتشاره، وسبل انتقال عدواه. وسمي كوخ بعد عودته إلى برلين عام 1885 أستاذاً في الجامعة والمشرف الأول على الصحة في ألمانيا، كما كُلّف رئاسة «معهد الأمراض الخمجية»، الذي كان حديث التأسيس وأُطلق عليه بعد وفاة كوخ اسم «معهد روبرت كوخ».
افترق كوخ سنة 1893 عن زوجته ليقترن بعد شهرين بممثلة شابة، مما أثار ضجة كبيرة في الأوساط العلمية التي كانت تتصف في ذاك الزمان بالمحافظة على التقاليد والأعراف والتقيد بها. ثم دفعه حبه للسفر والترحال إلى ترك ألمانيا مدة طويلة (من 1896 حتى 1908) أمضى منها سبع سنوات في إفريقيا والهند وجاوة. وكان يوزع اهتماماته في أسفاره بين المتعة والبحث في أصول السلالات البشرية والقيام بدراسات علمية. وعلى الرغم من أن هذه المرحلة من حياته غير معروفة تمام المعرفة فقد تبين أنه أسهم في أثنائها في حلّ مشكلات وبائية كثيرة تتصل بطاعون البقر وطاعون الخيل والبرداء (الملاريا)، ومرض النوم الإفريقي.
مُنح كوخ جائزة نوبل للطب والفيزيولوجيا عام 1905 تقديراً لأعماله وبحوثه؛ لكن الحياة التي عاشها المثقلة بالجهد والتنقل المستمر، أنهكت صحته فشاخت عضويته بسرعة، حتى إنه ترك أعماله الرسمية كلها حينما بلغ الستين من العمر. ومع هذا بقي شغوفاً بالسياحة والتنقل ولاسيما عندما رأى نفسه طليقاً متحرراً، فذهب إلى الولايات المتحدة الأمريكية حيث استقبل في نيويورك استقبالاً حافلاً، ثم انتقل إلى اليابان. وكان من شدة الحفاوة به أن دعاه الميكادو إلى قصره، وهو شرف لا يحظى به إلا القليلون.
أصيب روبرت كوخ بعد عودته إلى ألمانيا بنوبات متكررة من خناق الصدر، قضت عليه فجاءة عواقبها عن عمر لا يزيد على ستة وستين عاماً.
عدنان تكريتي
كوخ (روبرت ـ)
(1843 ـ 1910)
روبرت كوخ Robert Koch طبيب ألماني وواحد من كبار المشاركين في الثورة العلمية التي تظاهرت في أواخر القرن التاسع عشر باكتشاف الأحياء الدقيقة ومعرفة تأثيراتها في الطب والجراحة والصحة العامة.
ولد روبرت كوخ في بلدة قرب هانوفر Hanovre وتوفي في بادن بادن Baden Baden، وهو ثالث ولد لأبويه اللذين أنجبا أحد عشر طفلاً، وكان أبوه موظفاً رفيع المستوى في مصلحة المناجم. قضى روبرت كوخ طفولته وفجر شبابه في وسط يتصف بالثقافة والمعرفة مما وفّر له سبيلاً لتفتح ذكائه، لكن كثرة عدد أفراد أسرته أوقعها في ضائقة مادية عرّضت حياته التعليمية لصعوبات جمة.
درس كوخ الطب في جامعة غوتنغن (1862 - 1866) Göttingen، ثم راح يسعى إلى شقّ طريقه معتمداً على نفسه، فعمل طبيباً مساعداً في مدينة هامبورغ، ثم مارس الطب في مناطق عدة في ألمانيا من دون أن يستقر في مكان واحد، إذ كان يبحث عن مورد للرزق يكفيه للعيش، ويتشوق في الوقت نفسه إلى التفرغ للبحث العلمي.
أقام كوخ بعد ذلك في فولشتاين Wollstein في سيليزيا من سنة 1872 حتى 1880، وكان يعالج مرضاه ويجري في أوقات فراغه بمفرده بحوثاً تتصل بأحد الطحالب algue، الذي كان الحديث يدور عنه يومئذ في الأوساط العلمية، وتبين فيما بعد أن هذا الطحلب ما هو إلا جرثومة جمرة الخراف Bacteridium anthracis. وكان لويس باستور[ر] Pasteur الفرنسي يجري في الوقت نفسه بحوثاً حول الموضوع ذاته، غير أن كلاً منهما كان يجهل ما يقوم به الآخر، لأن التسابق العلمي بين ألمانيا وفرنسا ساير يومئذ التنافس السياسي والعسكري بينهما. ونتيجة لذلك كانت البحوث والدراسات تحاط بكتمان شديد أينما جرت على طرفي نهر الراين.
دُعي كوخ عام 1880 إلى العمل في القسم الامبراطوري للصحة في برلين، بعد أن اشتهرت بحوثه عن الجمرة، ومُنح في عمله حرية كبيرة، فأحاط نفسه بعدد من الذين أصبحوا فيما بعد من مشاهير العلماء كفردريش لوفلر (1852 - 1915) F.Löffler الذي صـار أستاذاً في جامعة برلين وعمل مع كـوخ على زرع جرثومة الخناق (الدفتريا)، وكـارل يوزف إيبرت (1835 - 1925) K.J.Eberth الذي اكتشف جرثومة الحمى التيفية، وأُغست فون ڤاسرمان (1866 - 1925) Á.von Wasserman الذي وضع التفـاعل المصلي لتشخيص الإفرنجي والذي يحمل اسـمه، والبارون الياباني شـيبا سبورو كيتازاتو (1852 - 1931) S.Kitasato الذي اكتشف مع يرسن Yersin عصيّة الطاعون وأدخل علم الجراثيم إلى اليابان، وغيورغ غافكي (1850 - 1918) G.Gaffky أول من زرع العصية التيفية. ومن كثرة المكتشفات التي توصل إليها هؤلاء قيل يومئذ عن كوخ: إنه أستاذ علَّم زملاءه وطلابه كيف يجعلون الجراثيم تفصح عن نفسها.
ومن أوائل أعمال روبرت كوخ إيجاد التقنيات اللازمة لدراسة الجراثيم والتي كانت تحبو في طورها البدائي قبله. فهو الذي وضع أسس مستنبتات الزرع المصلية، واكتشف طريقه لأخذ النماذج المرضية وتهيئة لطاخات منها على صفائح بلورية، وأرسى قواعد تلوين الأحياء المجهرية، ودرس أخماج الجروح وتأثير المطهرات فيها، مما أتاح فيما بعد للجراح البريطاني جوزيف ليستر (1827 - 1912) J.Lister معرفة أهمية التعقيم، وأفضى إلى ترسيخ أسس الجراحة الحديثة. كما أن كوخ هو الذي وضع اللبنات الأولى لتشخيص المرض الخمجي والتي بقيت السند الوحيد حتى اكتشفت التفاعلات المصلية.
أعلن كوخ في 24 آذار/مارس 1882 في «الجمعية الفيزيولوجية» في برلين اكتشافه للعصيّة السلِّية عامل التدرن، وطريقة زرعها، ومن ثم استحصاله على السلِّين (التوبركلين). وفي عام 1883 انتشرت الهيضة (الكوليرا) في الإسكندرية فأُوفد إلى مصر لدراسة الوباء ومعرفة أسبابه التي كانت مجهولة. ولم يمضِ على إقامته شهر واحد حتى اكتشف الجرثوم المسبب، وطريقة انتشاره، وسبل انتقال عدواه. وسمي كوخ بعد عودته إلى برلين عام 1885 أستاذاً في الجامعة والمشرف الأول على الصحة في ألمانيا، كما كُلّف رئاسة «معهد الأمراض الخمجية»، الذي كان حديث التأسيس وأُطلق عليه بعد وفاة كوخ اسم «معهد روبرت كوخ».
افترق كوخ سنة 1893 عن زوجته ليقترن بعد شهرين بممثلة شابة، مما أثار ضجة كبيرة في الأوساط العلمية التي كانت تتصف في ذاك الزمان بالمحافظة على التقاليد والأعراف والتقيد بها. ثم دفعه حبه للسفر والترحال إلى ترك ألمانيا مدة طويلة (من 1896 حتى 1908) أمضى منها سبع سنوات في إفريقيا والهند وجاوة. وكان يوزع اهتماماته في أسفاره بين المتعة والبحث في أصول السلالات البشرية والقيام بدراسات علمية. وعلى الرغم من أن هذه المرحلة من حياته غير معروفة تمام المعرفة فقد تبين أنه أسهم في أثنائها في حلّ مشكلات وبائية كثيرة تتصل بطاعون البقر وطاعون الخيل والبرداء (الملاريا)، ومرض النوم الإفريقي.
مُنح كوخ جائزة نوبل للطب والفيزيولوجيا عام 1905 تقديراً لأعماله وبحوثه؛ لكن الحياة التي عاشها المثقلة بالجهد والتنقل المستمر، أنهكت صحته فشاخت عضويته بسرعة، حتى إنه ترك أعماله الرسمية كلها حينما بلغ الستين من العمر. ومع هذا بقي شغوفاً بالسياحة والتنقل ولاسيما عندما رأى نفسه طليقاً متحرراً، فذهب إلى الولايات المتحدة الأمريكية حيث استقبل في نيويورك استقبالاً حافلاً، ثم انتقل إلى اليابان. وكان من شدة الحفاوة به أن دعاه الميكادو إلى قصره، وهو شرف لا يحظى به إلا القليلون.
أصيب روبرت كوخ بعد عودته إلى ألمانيا بنوبات متكررة من خناق الصدر، قضت عليه فجاءة عواقبها عن عمر لا يزيد على ستة وستين عاماً.
عدنان تكريتي