كنده (قبيله) Kinda tribe - Tribu de Kinda
كندة (قبيلة ـ)
قبيلة عظيمة في اليمن تنتسب إلى كِندة بن عُفير، وكِندة لقبه؛ لأنَّه كنَّد أباه: أي كفرَ نعمته، ولحق بأخواله، وقيل: بل كنَّد على أخيه فقتله. واسمه ثور بن عفير بن عدي بن الحارث بن مرَّة بن أُدد بن زيد بن يشجب بن عريب ابن زيد بن كَهلان.
وثور بن عُفير هو كندة الملوك. أعقب كندة من فخذين: معاوية وأشرس ابنيه. فولدَ أشرسُ بن كندة: السَّكاسك والسَّكون، وولدَ السَّكونُ: عُقبةَ وشبيباً، وولدَ شبيب: أشرسَ وشُكامة، وولدَ أشرس بن شبيب: سعداً وعديًّا (أمهما تُجيب بنت ثوبان بن سُلَيم بن رُهاء، من مَذْحِج؛ نسب إليها بنو تُجيب).
كندة من قبائل حضرموت البرّ، كانت تسكن من الغَمْر إلى ذاتِ عِرْق، تسمَّى منازلهم غَمْر كندة، ومن قُراهم: الكَسْرُ، وهي قرى كثيرة بحضرموت يقال لها: كسر قشاقش.
من مياههم المشهورة: خَبت، ومن أيامهم المشهورة يوم النَّجير، وروى خبره الطَّبريُّ في تاريخه، كانوا يعبدون صنماً في الجاهليَّة بحضرموت يدعى الجَلْسَد (قال شاعرهم: كبَّرَ مَنْ يمشي إلى الجَلْسَد)، وكانت سدنته بني شُكامة بن شبيب بن السَّكون. وانتشرت في كندة النصرانية، ومنهم من كان على اليهودية أيضاً.
ورث بنو كندة الملك كابراً عن كابر، وتظلَّلوا في أفيائه. سُئل الشعبي عن اليمن فقال: «سيفها قُضاعة، وفرسانها هَمْدان، ولسانها مَذْحِج، وملوكها كِندة»، وكان الشعبي يقول: «كندة هامة اليمن».
كانت كندة لا تزوِّج بناتها بأقل من مئة من الإبل، وربما أمهرت الواحدة منهن ألفاً منها، فصارت مهور كندة مثلاً في الغلاء، حتى قال رسول اللّه r: «اللهمَّ أذهِبْ مُلكَ غسَّان، وضَعْ مهور كِنْدة» ومِمَّا يُضاف إلى القبائل: إيلافُ قريش، تِيهُ بني مخزوم، جود طيء، لؤم باهلة، رُماة بني ثعل، قِيافة بني مدلج، عيافة بني لهب، خطباء إياد، ثريدة غسَّان، حرة بني سليم، مهور كندة.
من قبائلهم: السَّكاسك والسَّكون؛ قبيلتانِ عظيمتان، وهما ابنا أشرس بن ثَور، والسَّكُون من سكَنَ في الموضع. والسَّكاسِكُ من قولهم: تسككَ الرَّجلُ، كأنَّه ضربٌ من التضرُّع، ومن بطون السَّكاسك: خِداشٌ وصَعب وضِمامٌ والأَخْدَر وهَجْعَم وبطونٌ سوى هذه. أمَّا السكاسك بنو زيد - بطن من حمير من القحطانية، وهم بنو زيد بن وائلة بن حمير بن سبأ- فهؤلاء غير سكاسك كندة، فلا يُخْلَطُ بينهما. فمن السَّكون: بنو شُكَامة، ومن رجالهم قَيْسَبة بن كُلثوم بن حُبَاشة بن عَمرو ابن وائل، كان من سادتهم في الجاهليِّة.
من آباء كندة الملوك آكل المُرارِ حجر ابن عمرو، وأولادُه يُسمّون بني آكلِ المُرار، وآكل المرار لقبه، قيل لقِّب بذلك؛ لأنَّه غضب غضبةً، فجعل يأكل المُرار - نبْتٌ شديد المرارة - فلا يحسُّ به من غضبه، وقيل: إنما سمِّي بذلك لكِبْره، والمتكبِّر كأنَّه مقلَّص الشَّفة، وقريبٌ منه قولُهم: إنه سِّمي بذلك؛ لأنه كان أفوهَ، والبعير إذا أكل المُرار تقلَّص مشفراه؛ فشبِّه به، وقيل غيره.
ومن أشراف بني الحارث بن مُعاوية ابن ثَوْر: الشَّاعر الملك الضِّلِّيل امرؤ القيس بن حجر صاحب المُعلَّقة[ر] وكانت حكومة فارس ناقمة على مُلْكِ بني آكل المُرار - آباء امرئ القيس- فأوعزت إلى المُنذر ملك العراق بحربهم.
من رجال كندة من نسل الحارث الولاَّدة: المقنَّعُ الكِندي الشَّاعر[ر] محمد بن ظفر بن عمير بن أبي شمر ابن فرعان بن قيس بن الأسود بن عبد الله بن الحارث الولاَّدة، وسمِّي الحارث الولاَّدة بذلك لكثرة وَلَدِهِ.
ومن ملوك كندة الأوَّلين مُرتِّعٌ عمرو ابن ثور، وسُمِّي مرتِّعاً؛ لأنَّه كان يجعل لمن أتاهُ من قومه مَرْتَعاً له ولماشيته. إذ كان يأتيه الرَّجل يسأله أنْ يقطعَ له من أرضه قطيعةً؛ ليرتع فيها سائمته من إبله وغنمه، فيفعل.
من قبائل كندة: مُعاوية بن كنديّ، وكندي هو ثور بن عمرو، والنَّسَّابون يلقبُّونه كندي الأصغر، فمن بني معاوية: بنو الرّائش، فمن بني الرَّائش هؤلاء: القاضي شُرَيحٌ بن الحارث بن قيس بن الجَهْم بن مَعاوية بن عامر ابن الرَّائش، ليس بالكوفة منهم غيره، من كبار التابعين، شاعرٌ محسنٌ، ومحدِّثٌ ثقةٌ، من أشهر القضاة في صدر الإسلام، ولي قضاء الكوفة في عهد عمر ابن الخطاب t، وظلَّ على ذلك إلى عهد الحجَّاج، فاستعفاه من القضاء، فأعفاه. ويُذكر أنَّه ولِيَ القضاء من كِندة بالكوفة أربعة: جَبْر بن القَشْعم، ثم شُرَيح، ثمَّ عمرو بن أبي قُرَّة، ثم حسين بن حسن الحُجْريُّ.
ومن كندة: بنو مُعاوية الأكْرَمِين، الذين مَدَحهم الأعْشى. ومنهم: حُجْر الفرْد، سُمِّي بذلك لجُوده، وأهلُ اليمن يُسمُّون الجَوَاد الفَرْد. ومنهم: مُعاوية مُقطّع النُّجد، كان لا يَتقلّد أحدٌ معه سَيفاً إلا قطع نِجَاده. فمن بني حُجر الفَرْد الملوك الأربعة المذكورون في الرِّدة مِخْوس ومِشرح وجَمْد وأبْضعة، وأُختهم العَمَرّدة -قُتلوا جميعاً- وهم الذين يقول فيهم الشاعر:
نحنُ قَتلنا بالنُّجَيرِ أَرْبعَــــهْ
مِخْوَس مِشْرَحاً وَجَمْداً أَبْضَعه
ومن كندة: بنو جَبَلة، ومن رجال بني جَبَلة: شُرَحبيل بن السِّمط بن الأسود، أدركَ الإسلامَ وشهد القادسيّة، وهو الذي قسمَ منازلَ حِمْصَ بين أهلها حين افتتحَها. ومنهم هانئ بن شمِر ابن جبلة من أشراف قومه في الجاهلية، ومن ولده إياس بن أوس بن هانئ؛ وهو أبو الكُباس، كان عالماً بنسب كِندة، ومنه أخذ محمد بن السائب الكلبي نسب كندة.
ومن رجالهم: كَبْس بن هانئ، كان من فُرسانهم، ولقبه المُطَّلِع؛ لأنه كان في الجاهليَّة طليعة قومه إذا أرادوا الغزو، ومنهم: القَشْعم بن يزيد بن الأرقم، كان أحدَ رؤسائهم.
ومن السَّكون: مُعاوية بن حُدَيج[ر]، قاتِل محمد بن أبي بَكْر. ومنهم: الجَوْن ابن يَزيد، وهو أَوّل مَن عَقَد الحِلْف بين كِنْدة وبين بكر بن وائل. ومنهم: حُصَين ابن نُمير السكونيّ؛ صاحب الجيش بعد مُسلم بن عُقبة صـاحب الحَرّة. ومن السَّكون: تُجيب[ر] البطن المشهورة، وهما عَدِيّ وسَعْد ابنا أَشْرس ابن شبِيب بن السَّكون، وأمُّهما تُجِيب بنت ثوبان بن سليم بن رهاء بن منبّه ابن حرب بن علة بن جلد بن مَذْحِج، وإليها يُنْسبون. كانوا يسكنون الكَسْرَ في وسط حضرموت، و كثيرٌ فيهم الفرسان، وكانت لهم خطَّة بمصر تُعرف باسمهم، ومن تُجيب: ابن غَزَالة الشاعر، وهو رَبيعةُ بن عبد الله؛ وحارثة بن سَلَمة، كان على بني السَّكون يوم مُحياة، وهو يومَ اقتتل فيه شعب مُعاوية بنِ كِنْدة، ومن تُجيب كِنانةُ بن بشر الذي ضَرَب عثمان t يوم الدَّار بالعمود، قال فيه الوليدُ بن عُقبة:
ألا إنَّ خيرَ النَّاس بعدَ ثلاثةٍ
قَتيلُ التُّجِيبِيِّ الذي جاءَ من مصرِ
ثم كانت لبني تُجيب دولة بالأندلس، ودارُهم بها: سرقسطة والمريَّة، وقد غلب آل صُمادح من رجالهم على بعض الأندلس، وبنو صُمادح هم وَلَدُ عدي بن أشرس بن شبيب السَّكون ابن أشرس بن ثور (كندة). وأول من دخل الأندلس منهم مهاجراً عُميرة بن المهاجر بن نجدة، دخلها مع موسى بن نصير، وولي برشلونة.
دخلت كندة في الإسلام تباعاً، وفي سنة تسع للهجرة فتح رسول الله r دومة الجندل، وكان فيها ملك لكندة من بني السَّكون، هو أكيدر بن عبد الملك بن عبد الجِنّ - ويقال عبد الحَيّ- فبعث الرسولُ r إليهم خالدَ بن الوليد t، فأتاه بأكيدر أسيراً، فحقن رسول الله r دمه، وصالحه على الجزية، ثم خلَّى سبيله، فرجع إلى قريته.
قدم على رسول الله r من رجالهم مُسلِماً مفارقاً لملوك كندة ومباعداً لهم فروةُ بن مسيك المرادي، وفي ذلك قال:
لمِّا رأيتُ ملوك كندةَ أعرضت
كالرجل خان الرِّجل عِرق نسائها
قرّبت راحلتي أؤمُّ محمّــداً
أرجو فواضلَها وحســن ثنائِها
واستعمله النبي r على مراد ومَذْحِج، وبعث معه خالد بن سعيد بن العاص على الصَّدقة، فكان معه في بلاده حتى تُوفِّي رسول الله r. وقدم على رسول الله r من رجالهم الأشعث بن قيس[ر] في وفد في ثمانين راكباً من كندة فدخلوا على رسول الله r في مسجده وعليهم جبب الحبرة وقد كففوها بالحرير، فقال r: ألم تسلموا؟ قالوا: بلى، قال: فما بال هذا الحرير في أعناقكم؟ فقال: فشقُّوه منها، فألقوه، ثم قال الأشعث بن قيس بن معد يكرب: يا رسول الله: نحن بنو آكل المُرار، وأنت ابن آكل المرار، قال: فتبسم رسول الله r، وقال: ناسـبوا بهذا النسب العباس بن عبد المطلب وربيعة ابن الحارث - وكان العباس وربيعة رجلين تاجرين، وكانا إذا شاعا في بعض العرب؛ فَسُئلا ممَّن هما؟ قالا: نحن بنو آكل المرار؛ يتعزَّزان بذلك، وذلك أن كندة كانوا ملوكاً- فقال لهم r: لا بل نحن بنو النَّضر بن كِنانة لا نقفو أمَّنا، ولا ننتفي من أبينا، فقال الأشعث: هل فرغتم يا معشر كندة؟ والله لا أسمع رجلاً يقولها إلا ضربته ثمانين، والأشعث هذا ارتدَّ بعد وفاة النبيِّ r. وممَّن قدم على رسول الله r أيضاً من كندة عمرو بن معد يكرب في أناس من بني زبيد، فأسلم، وارتدَّ أيضاً بعد وفاة رسول الله r، وقدم على النبي r وفد من تجيب وعدد رجاله ثلاثة عشر.
ولما مات النبيّ r ارتدَّت كِندة، وثبتَ على الإسلام منها قليل، فحاربهم أبو بكر الصِّدِّيق t. ومن أعلامهم ممَّن لم يرتدَّ وممَّن أنكروا على المرتدين فِعلتهم الشاعرُ امرؤ القيس بن عابس ابن المنذر الكِندي، ثبت على إسلامه، وأنكر على الأشعث بن قيس ارتداده، وأسمعه كلاماً غليظاً، خرج إلى الشام مجاهداً وشهد اليرموك، وكان نازلاً ببيسان من الشام، فلما وقع طاعون عمواس أسرع في كندة. ومن رجال كندة في الإسلام من بني امرئ القيس بن مُعاوية: رجَاء بن حَيْوة بن خَنْزَل، أقام بالشام، وكان من فقهائها.
مما يذكر من وصايا الملوك وصية كندة جدّ الملوك المتوَّجة، وصى بَنِيْه؛ فقال: «يا بَنِيَّ احفظوا أنفسكم عمَّا يشينها، وحثُّوها على ما يزينها. يا بَنِيَّ، ما أفلح غادرٌ قط، ولا سادَ خائن، ولا عاش كريمٌ إلا حميداً، ولا مات جوادٌ إلا فقيراً، ولست أرى شيئاً أذلَّ من البخل، ولا أحسن من المنفرد الوحيد».
أسـامة اختيار
كندة (قبيلة ـ)
قبيلة عظيمة في اليمن تنتسب إلى كِندة بن عُفير، وكِندة لقبه؛ لأنَّه كنَّد أباه: أي كفرَ نعمته، ولحق بأخواله، وقيل: بل كنَّد على أخيه فقتله. واسمه ثور بن عفير بن عدي بن الحارث بن مرَّة بن أُدد بن زيد بن يشجب بن عريب ابن زيد بن كَهلان.
وثور بن عُفير هو كندة الملوك. أعقب كندة من فخذين: معاوية وأشرس ابنيه. فولدَ أشرسُ بن كندة: السَّكاسك والسَّكون، وولدَ السَّكونُ: عُقبةَ وشبيباً، وولدَ شبيب: أشرسَ وشُكامة، وولدَ أشرس بن شبيب: سعداً وعديًّا (أمهما تُجيب بنت ثوبان بن سُلَيم بن رُهاء، من مَذْحِج؛ نسب إليها بنو تُجيب).
كندة من قبائل حضرموت البرّ، كانت تسكن من الغَمْر إلى ذاتِ عِرْق، تسمَّى منازلهم غَمْر كندة، ومن قُراهم: الكَسْرُ، وهي قرى كثيرة بحضرموت يقال لها: كسر قشاقش.
من مياههم المشهورة: خَبت، ومن أيامهم المشهورة يوم النَّجير، وروى خبره الطَّبريُّ في تاريخه، كانوا يعبدون صنماً في الجاهليَّة بحضرموت يدعى الجَلْسَد (قال شاعرهم: كبَّرَ مَنْ يمشي إلى الجَلْسَد)، وكانت سدنته بني شُكامة بن شبيب بن السَّكون. وانتشرت في كندة النصرانية، ومنهم من كان على اليهودية أيضاً.
ورث بنو كندة الملك كابراً عن كابر، وتظلَّلوا في أفيائه. سُئل الشعبي عن اليمن فقال: «سيفها قُضاعة، وفرسانها هَمْدان، ولسانها مَذْحِج، وملوكها كِندة»، وكان الشعبي يقول: «كندة هامة اليمن».
كانت كندة لا تزوِّج بناتها بأقل من مئة من الإبل، وربما أمهرت الواحدة منهن ألفاً منها، فصارت مهور كندة مثلاً في الغلاء، حتى قال رسول اللّه r: «اللهمَّ أذهِبْ مُلكَ غسَّان، وضَعْ مهور كِنْدة» ومِمَّا يُضاف إلى القبائل: إيلافُ قريش، تِيهُ بني مخزوم، جود طيء، لؤم باهلة، رُماة بني ثعل، قِيافة بني مدلج، عيافة بني لهب، خطباء إياد، ثريدة غسَّان، حرة بني سليم، مهور كندة.
من قبائلهم: السَّكاسك والسَّكون؛ قبيلتانِ عظيمتان، وهما ابنا أشرس بن ثَور، والسَّكُون من سكَنَ في الموضع. والسَّكاسِكُ من قولهم: تسككَ الرَّجلُ، كأنَّه ضربٌ من التضرُّع، ومن بطون السَّكاسك: خِداشٌ وصَعب وضِمامٌ والأَخْدَر وهَجْعَم وبطونٌ سوى هذه. أمَّا السكاسك بنو زيد - بطن من حمير من القحطانية، وهم بنو زيد بن وائلة بن حمير بن سبأ- فهؤلاء غير سكاسك كندة، فلا يُخْلَطُ بينهما. فمن السَّكون: بنو شُكَامة، ومن رجالهم قَيْسَبة بن كُلثوم بن حُبَاشة بن عَمرو ابن وائل، كان من سادتهم في الجاهليِّة.
من آباء كندة الملوك آكل المُرارِ حجر ابن عمرو، وأولادُه يُسمّون بني آكلِ المُرار، وآكل المرار لقبه، قيل لقِّب بذلك؛ لأنَّه غضب غضبةً، فجعل يأكل المُرار - نبْتٌ شديد المرارة - فلا يحسُّ به من غضبه، وقيل: إنما سمِّي بذلك لكِبْره، والمتكبِّر كأنَّه مقلَّص الشَّفة، وقريبٌ منه قولُهم: إنه سِّمي بذلك؛ لأنه كان أفوهَ، والبعير إذا أكل المُرار تقلَّص مشفراه؛ فشبِّه به، وقيل غيره.
ومن أشراف بني الحارث بن مُعاوية ابن ثَوْر: الشَّاعر الملك الضِّلِّيل امرؤ القيس بن حجر صاحب المُعلَّقة[ر] وكانت حكومة فارس ناقمة على مُلْكِ بني آكل المُرار - آباء امرئ القيس- فأوعزت إلى المُنذر ملك العراق بحربهم.
من رجال كندة من نسل الحارث الولاَّدة: المقنَّعُ الكِندي الشَّاعر[ر] محمد بن ظفر بن عمير بن أبي شمر ابن فرعان بن قيس بن الأسود بن عبد الله بن الحارث الولاَّدة، وسمِّي الحارث الولاَّدة بذلك لكثرة وَلَدِهِ.
ومن ملوك كندة الأوَّلين مُرتِّعٌ عمرو ابن ثور، وسُمِّي مرتِّعاً؛ لأنَّه كان يجعل لمن أتاهُ من قومه مَرْتَعاً له ولماشيته. إذ كان يأتيه الرَّجل يسأله أنْ يقطعَ له من أرضه قطيعةً؛ ليرتع فيها سائمته من إبله وغنمه، فيفعل.
من قبائل كندة: مُعاوية بن كنديّ، وكندي هو ثور بن عمرو، والنَّسَّابون يلقبُّونه كندي الأصغر، فمن بني معاوية: بنو الرّائش، فمن بني الرَّائش هؤلاء: القاضي شُرَيحٌ بن الحارث بن قيس بن الجَهْم بن مَعاوية بن عامر ابن الرَّائش، ليس بالكوفة منهم غيره، من كبار التابعين، شاعرٌ محسنٌ، ومحدِّثٌ ثقةٌ، من أشهر القضاة في صدر الإسلام، ولي قضاء الكوفة في عهد عمر ابن الخطاب t، وظلَّ على ذلك إلى عهد الحجَّاج، فاستعفاه من القضاء، فأعفاه. ويُذكر أنَّه ولِيَ القضاء من كِندة بالكوفة أربعة: جَبْر بن القَشْعم، ثم شُرَيح، ثمَّ عمرو بن أبي قُرَّة، ثم حسين بن حسن الحُجْريُّ.
ومن كندة: بنو مُعاوية الأكْرَمِين، الذين مَدَحهم الأعْشى. ومنهم: حُجْر الفرْد، سُمِّي بذلك لجُوده، وأهلُ اليمن يُسمُّون الجَوَاد الفَرْد. ومنهم: مُعاوية مُقطّع النُّجد، كان لا يَتقلّد أحدٌ معه سَيفاً إلا قطع نِجَاده. فمن بني حُجر الفَرْد الملوك الأربعة المذكورون في الرِّدة مِخْوس ومِشرح وجَمْد وأبْضعة، وأُختهم العَمَرّدة -قُتلوا جميعاً- وهم الذين يقول فيهم الشاعر:
نحنُ قَتلنا بالنُّجَيرِ أَرْبعَــــهْ
مِخْوَس مِشْرَحاً وَجَمْداً أَبْضَعه
ومن كندة: بنو جَبَلة، ومن رجال بني جَبَلة: شُرَحبيل بن السِّمط بن الأسود، أدركَ الإسلامَ وشهد القادسيّة، وهو الذي قسمَ منازلَ حِمْصَ بين أهلها حين افتتحَها. ومنهم هانئ بن شمِر ابن جبلة من أشراف قومه في الجاهلية، ومن ولده إياس بن أوس بن هانئ؛ وهو أبو الكُباس، كان عالماً بنسب كِندة، ومنه أخذ محمد بن السائب الكلبي نسب كندة.
ومن رجالهم: كَبْس بن هانئ، كان من فُرسانهم، ولقبه المُطَّلِع؛ لأنه كان في الجاهليَّة طليعة قومه إذا أرادوا الغزو، ومنهم: القَشْعم بن يزيد بن الأرقم، كان أحدَ رؤسائهم.
ومن السَّكون: مُعاوية بن حُدَيج[ر]، قاتِل محمد بن أبي بَكْر. ومنهم: الجَوْن ابن يَزيد، وهو أَوّل مَن عَقَد الحِلْف بين كِنْدة وبين بكر بن وائل. ومنهم: حُصَين ابن نُمير السكونيّ؛ صاحب الجيش بعد مُسلم بن عُقبة صـاحب الحَرّة. ومن السَّكون: تُجيب[ر] البطن المشهورة، وهما عَدِيّ وسَعْد ابنا أَشْرس ابن شبِيب بن السَّكون، وأمُّهما تُجِيب بنت ثوبان بن سليم بن رهاء بن منبّه ابن حرب بن علة بن جلد بن مَذْحِج، وإليها يُنْسبون. كانوا يسكنون الكَسْرَ في وسط حضرموت، و كثيرٌ فيهم الفرسان، وكانت لهم خطَّة بمصر تُعرف باسمهم، ومن تُجيب: ابن غَزَالة الشاعر، وهو رَبيعةُ بن عبد الله؛ وحارثة بن سَلَمة، كان على بني السَّكون يوم مُحياة، وهو يومَ اقتتل فيه شعب مُعاوية بنِ كِنْدة، ومن تُجيب كِنانةُ بن بشر الذي ضَرَب عثمان t يوم الدَّار بالعمود، قال فيه الوليدُ بن عُقبة:
ألا إنَّ خيرَ النَّاس بعدَ ثلاثةٍ
قَتيلُ التُّجِيبِيِّ الذي جاءَ من مصرِ
ثم كانت لبني تُجيب دولة بالأندلس، ودارُهم بها: سرقسطة والمريَّة، وقد غلب آل صُمادح من رجالهم على بعض الأندلس، وبنو صُمادح هم وَلَدُ عدي بن أشرس بن شبيب السَّكون ابن أشرس بن ثور (كندة). وأول من دخل الأندلس منهم مهاجراً عُميرة بن المهاجر بن نجدة، دخلها مع موسى بن نصير، وولي برشلونة.
دخلت كندة في الإسلام تباعاً، وفي سنة تسع للهجرة فتح رسول الله r دومة الجندل، وكان فيها ملك لكندة من بني السَّكون، هو أكيدر بن عبد الملك بن عبد الجِنّ - ويقال عبد الحَيّ- فبعث الرسولُ r إليهم خالدَ بن الوليد t، فأتاه بأكيدر أسيراً، فحقن رسول الله r دمه، وصالحه على الجزية، ثم خلَّى سبيله، فرجع إلى قريته.
قدم على رسول الله r من رجالهم مُسلِماً مفارقاً لملوك كندة ومباعداً لهم فروةُ بن مسيك المرادي، وفي ذلك قال:
لمِّا رأيتُ ملوك كندةَ أعرضت
كالرجل خان الرِّجل عِرق نسائها
قرّبت راحلتي أؤمُّ محمّــداً
أرجو فواضلَها وحســن ثنائِها
واستعمله النبي r على مراد ومَذْحِج، وبعث معه خالد بن سعيد بن العاص على الصَّدقة، فكان معه في بلاده حتى تُوفِّي رسول الله r. وقدم على رسول الله r من رجالهم الأشعث بن قيس[ر] في وفد في ثمانين راكباً من كندة فدخلوا على رسول الله r في مسجده وعليهم جبب الحبرة وقد كففوها بالحرير، فقال r: ألم تسلموا؟ قالوا: بلى، قال: فما بال هذا الحرير في أعناقكم؟ فقال: فشقُّوه منها، فألقوه، ثم قال الأشعث بن قيس بن معد يكرب: يا رسول الله: نحن بنو آكل المُرار، وأنت ابن آكل المرار، قال: فتبسم رسول الله r، وقال: ناسـبوا بهذا النسب العباس بن عبد المطلب وربيعة ابن الحارث - وكان العباس وربيعة رجلين تاجرين، وكانا إذا شاعا في بعض العرب؛ فَسُئلا ممَّن هما؟ قالا: نحن بنو آكل المرار؛ يتعزَّزان بذلك، وذلك أن كندة كانوا ملوكاً- فقال لهم r: لا بل نحن بنو النَّضر بن كِنانة لا نقفو أمَّنا، ولا ننتفي من أبينا، فقال الأشعث: هل فرغتم يا معشر كندة؟ والله لا أسمع رجلاً يقولها إلا ضربته ثمانين، والأشعث هذا ارتدَّ بعد وفاة النبيِّ r. وممَّن قدم على رسول الله r أيضاً من كندة عمرو بن معد يكرب في أناس من بني زبيد، فأسلم، وارتدَّ أيضاً بعد وفاة رسول الله r، وقدم على النبي r وفد من تجيب وعدد رجاله ثلاثة عشر.
ولما مات النبيّ r ارتدَّت كِندة، وثبتَ على الإسلام منها قليل، فحاربهم أبو بكر الصِّدِّيق t. ومن أعلامهم ممَّن لم يرتدَّ وممَّن أنكروا على المرتدين فِعلتهم الشاعرُ امرؤ القيس بن عابس ابن المنذر الكِندي، ثبت على إسلامه، وأنكر على الأشعث بن قيس ارتداده، وأسمعه كلاماً غليظاً، خرج إلى الشام مجاهداً وشهد اليرموك، وكان نازلاً ببيسان من الشام، فلما وقع طاعون عمواس أسرع في كندة. ومن رجال كندة في الإسلام من بني امرئ القيس بن مُعاوية: رجَاء بن حَيْوة بن خَنْزَل، أقام بالشام، وكان من فقهائها.
مما يذكر من وصايا الملوك وصية كندة جدّ الملوك المتوَّجة، وصى بَنِيْه؛ فقال: «يا بَنِيَّ احفظوا أنفسكم عمَّا يشينها، وحثُّوها على ما يزينها. يا بَنِيَّ، ما أفلح غادرٌ قط، ولا سادَ خائن، ولا عاش كريمٌ إلا حميداً، ولا مات جوادٌ إلا فقيراً، ولست أرى شيئاً أذلَّ من البخل، ولا أحسن من المنفرد الوحيد».
أسـامة اختيار