كيت ييتس
غالبا ما تجبرنا حياتنا الحديثة على الغوص في بحر الاختيارات، فهل من المنطقي السماح لعامل خارجي بمساعدتنا في اتخاذ قرارات صعبة؟
إذا كنت مثلي، فقد تواجه ما يسمى بالشلل التحليلي (العجز عن اتخاذ القرار بسبب التحليل المفرط)، عند محاولة الاختيار من بين قائمة طويلة.
بالنسبة لي، تتسم شخصيتي بعدم الحسم، لدرجة أن النادل يضطر في كثير من الأحيان إلى العودة بعد بضع دقائق من تسجيل طلبات الآخرين لمعرفة طلبي أخيرا. ورغم أن إتاحة العديد من الخيارات يبدو أمرا جيدا، لكن محاولة التأكد من اختيار أفضلها على الإطلاق، تجعلني أخاطر بفقدان الفرصة تماما في هذا الاختيار.
وحتى قبل أن يتيح الإنترنت أمام المستهلكين خيارات غير مسبوقة ليتخذوا قراراتهم من المنازل مباشرة أو من هواتفهم المحمولة، كان يُنظر إلى الاختيار منذ فترة طويلة على أنه القوة الدافعة للرأسمالية.
إن قدرة المستهلكين على الاختيار بين المنتجات والخدمات المتنافسة، هي ما تحدد الشركات التي تزدهر أو تضمحل، أو هكذا هو الاعتقاد الراسخ. ومن المفترض أن تؤدي البيئة التنافسية التي تولدها حرية الاختيار لدى المستهلك إلى الابتكار والكفاءة، ما يوفر تجربة أفضل للمستهلك بشكل عام.
ومع ذلك، تفيد النظريات الأحدث بأن زيادة الخيارات قد تثير مخاوف لدى المستهلكين، تتراوح من الخوف من تفويت فرصة أفضل، إلى الخوف من تفويت الانخراط في نشاط آخر مع الندم على سوء الاختيار؛ فما الذي جعلني أفعل هذا عندما كان بإمكاني أن أفعل شيئا آخر؟!
إن التوقعات المتزايدة بسبب الخيارات الواسعة، قد تؤدي ببعض المستهلكين إلى الشعور بعدم وجود تجربة مُرضية، أو المعاناة من "الشلل التحليلي". والمزيد من الخيارات تؤدي إلى تجربة استهلاكية دون المستوى، وتقلل من احتمال إتمام العملاء المحتملين عملية الشراء، في فرضية تُعرف باسم "مفارقة الاختيار".
وقد أشارت التجارب التي أجريت على سلوك المستهلك إلى أن الخيارات المفرطة يمكن أن تجعل المستهلك يشعر بالجهل والتردد وعدم القدرة على الحسم عند اتخاذ قرار الشراء.
الأفضل عدو الجيد
وجود حل مثالي لمشكلة ما، لا سيما في الأمور الشخصية، يعرف باسم "مغالطة النيرفانا" أو "الكتالوغ المثالي"، وهي مقارنة الأشياء الواقعية بالبدائل المثالية غير الواقعية.
وفي الواقع، قد لا يكون هناك حل يتوافق مع تصوراتنا المثالية المسبقة. فعندما نتراجع قليلا عن القرار الذي نحاول اتخاذه، يتضح لنا عادة أنه على الرغم من أننا قد نكون أمام الخيار الأفضل، إلا أن هناك أيضا العديد من الخيارات الجيدة التي سنكون راضين عنها.
إن اختيار البديل الذي قد لا يكون الأفضل، لكنه على الأقل جيد بما فيه الكفاية، يسمى الخيار "المُرضي" ويطلق عليه في الإنجليزية "satisficing" في مزج لكلمتي "satisfying" التي تعني المُرضي، و "suffice" التي تعني الكافي.
وكما يقول المثل الإيطالي الذي سجله الكاتب والفيلسوف الفرنسي فولتير في قاموسه الفلسفي: "الأفضل عدو الجيد".
لحسن الحظ، وكما ذكرت بالتفصيل في كتابي الجديد "كيف نتوقع غير المتوقَّع"، تقدم لنا العشوائية طريقة بسيطة للتغلب على الشلل التحليلي الناجم عن الاختيار.
فعندما تواجه العديد من الخيارات، والتي يسعدك قبول العديد منها، قد يكون الخيار الأفضل هو استخدام عملة معدنية على طريقة "صورة أم كتابة" أو ترك النرد يقرر لك.
في بعض الأحيان يكون اتخاذ قرار جيد وسريع أفضل من اتخاذ خيار مثاليّ وبطيء، وأفضل من أن تجد نفسك مشلولا في حالة تردد كامل.
فعندما تجاهد للاختيار من بين خيارات متعددة، فإن ترك مسألة اتخاذ قرار لمصدر عشوائي خارجي، قد يساعدك على التركيز على تفضيلاتك الحقيقية.
وقد أظهرت التجارب الأخيرة التي أجراها فريق من الباحثين في جامعة بازل بسويسرا، أن القرارات الذي تُتخذ بشكل عشوائي، قد تساعدنا على التعامل مع عبء المعلومات الزائدة الذي غالبا ما يؤدي إلى حدوث الشلل التحليلي.
بعد قراءة بعض المعلومات الأساسية، طُلب من ثلاث مجموعات من المشاركين اتخاذ قرار أوليّ بشأن فصل أو إعادة توظيف مدير متجر افتراضي.
بعد تكوين رأي مبدئي، تم إبلاغ مجموعتين من الثلاث أنه نظرا لصعوبة اتخاذ قرارات كهذه، يمكنهم الاستعانة بقرعة عشوائية بواسطة الكمبيوتر.
وبالاعتماد على الجانب الذي تسقط عليه العملة سيتم الالتزام بالقرار الأصلي أو التراجع عنه، ولكن مع التأكيد على إمكان تلك المجموعتين تجاهل نتيجة قرعة العملة إن أرادتا ذلك.
وسُئلت المجموعات الثلاث عن رغبتهم في مزيد من المعلومات (في مؤشر على الشلل التحليلي) أو إذا كانوا سعداء باتخاذ قرارهم بناءً على ما يعرفونه بالفعل. وبعد تقديم المعلومات المطلوبة لمن طَلب المزيد، طُلب من جميع المشاركين اتخاذ قرارهم النهائي.
كان المشاركون الذين استخدموا العملة أكثر رضا عن قرارهم الأصلي وأقل طلبا للمزيد من المعلومات، بثلاث مرات عمن لم يُعرض عليهم الاختيار العشوائي؛ فقد ساعدتهم النتيجة العشوائية للعملة على اتخاذ قرارهم من دون الحاجة إلى مزيد من البحث الذي يستغرق وقتا طويلا.
ومن المثير للاهتمام، أن المشاركين الذين اقترحت عليهم العملة التراجع عن قرارهم الأصلي، لم يطلبوا الحصول على معلومات إضافية، مقارنة بالمشاركين الذين أسفرت نتيجة العملة عن التأكيد على قرارهم.
إن الاضطرار إلى التفكير في وجهة النظر المعاكسة، جعل المشاركين أكثر ثقة في قرارهم الأصلي، مقارنة بمن عززت نتيجة العملة قرارهم الأولي.
ورغم أن الكثير منا قد يشعر بعدم الارتياح للسماح لعملة ما بالتحكم في المصير المهنيّ لإنسان ما، إلا أن من الأهمية بمكان أن تتذكر أنك لست مطالَبا باتباع نتيجة الاقتراع العشوائي بشكل أعمى. فالعامل الخارجي المقترح يضعك في موقف الاضطرار إلى التفكير بجدية في قبول الخيار المحدد أمامك، لكنه لا يفرض عليك النتيجة بطريقة أو بأخرى.
ومع ذلك، بالنسبة لأولئك الذين يعانون في سبيل اتخاذ القرارات، من المريح أن يعرفوا أنه عند التعامل مع مجموعة محددة من الخيارات، يمكننهم اللجوء إلى عملة معدنية والسماح لها بمساعدتهم. وحتى لو عقدنا العزم على رفض نتيجة رمي العملة، فإن الاضطرار إلى رؤية كلا الجانبين من أي أمر يمكن أن يؤدي في كثير من الأحيان إلى الشروع في اتخاذ القرار أو تسريع عملية صنع القرار.
غالبا ما تجبرنا حياتنا الحديثة على الغوص في بحر الاختيارات، فهل من المنطقي السماح لعامل خارجي بمساعدتنا في اتخاذ قرارات صعبة؟
إذا كنت مثلي، فقد تواجه ما يسمى بالشلل التحليلي (العجز عن اتخاذ القرار بسبب التحليل المفرط)، عند محاولة الاختيار من بين قائمة طويلة.
بالنسبة لي، تتسم شخصيتي بعدم الحسم، لدرجة أن النادل يضطر في كثير من الأحيان إلى العودة بعد بضع دقائق من تسجيل طلبات الآخرين لمعرفة طلبي أخيرا. ورغم أن إتاحة العديد من الخيارات يبدو أمرا جيدا، لكن محاولة التأكد من اختيار أفضلها على الإطلاق، تجعلني أخاطر بفقدان الفرصة تماما في هذا الاختيار.
وحتى قبل أن يتيح الإنترنت أمام المستهلكين خيارات غير مسبوقة ليتخذوا قراراتهم من المنازل مباشرة أو من هواتفهم المحمولة، كان يُنظر إلى الاختيار منذ فترة طويلة على أنه القوة الدافعة للرأسمالية.
إن قدرة المستهلكين على الاختيار بين المنتجات والخدمات المتنافسة، هي ما تحدد الشركات التي تزدهر أو تضمحل، أو هكذا هو الاعتقاد الراسخ. ومن المفترض أن تؤدي البيئة التنافسية التي تولدها حرية الاختيار لدى المستهلك إلى الابتكار والكفاءة، ما يوفر تجربة أفضل للمستهلك بشكل عام.
ومع ذلك، تفيد النظريات الأحدث بأن زيادة الخيارات قد تثير مخاوف لدى المستهلكين، تتراوح من الخوف من تفويت فرصة أفضل، إلى الخوف من تفويت الانخراط في نشاط آخر مع الندم على سوء الاختيار؛ فما الذي جعلني أفعل هذا عندما كان بإمكاني أن أفعل شيئا آخر؟!
إن التوقعات المتزايدة بسبب الخيارات الواسعة، قد تؤدي ببعض المستهلكين إلى الشعور بعدم وجود تجربة مُرضية، أو المعاناة من "الشلل التحليلي". والمزيد من الخيارات تؤدي إلى تجربة استهلاكية دون المستوى، وتقلل من احتمال إتمام العملاء المحتملين عملية الشراء، في فرضية تُعرف باسم "مفارقة الاختيار".
وقد أشارت التجارب التي أجريت على سلوك المستهلك إلى أن الخيارات المفرطة يمكن أن تجعل المستهلك يشعر بالجهل والتردد وعدم القدرة على الحسم عند اتخاذ قرار الشراء.
الأفضل عدو الجيد
وجود حل مثالي لمشكلة ما، لا سيما في الأمور الشخصية، يعرف باسم "مغالطة النيرفانا" أو "الكتالوغ المثالي"، وهي مقارنة الأشياء الواقعية بالبدائل المثالية غير الواقعية.
وفي الواقع، قد لا يكون هناك حل يتوافق مع تصوراتنا المثالية المسبقة. فعندما نتراجع قليلا عن القرار الذي نحاول اتخاذه، يتضح لنا عادة أنه على الرغم من أننا قد نكون أمام الخيار الأفضل، إلا أن هناك أيضا العديد من الخيارات الجيدة التي سنكون راضين عنها.
إن اختيار البديل الذي قد لا يكون الأفضل، لكنه على الأقل جيد بما فيه الكفاية، يسمى الخيار "المُرضي" ويطلق عليه في الإنجليزية "satisficing" في مزج لكلمتي "satisfying" التي تعني المُرضي، و "suffice" التي تعني الكافي.
وكما يقول المثل الإيطالي الذي سجله الكاتب والفيلسوف الفرنسي فولتير في قاموسه الفلسفي: "الأفضل عدو الجيد".
لحسن الحظ، وكما ذكرت بالتفصيل في كتابي الجديد "كيف نتوقع غير المتوقَّع"، تقدم لنا العشوائية طريقة بسيطة للتغلب على الشلل التحليلي الناجم عن الاختيار.
فعندما تواجه العديد من الخيارات، والتي يسعدك قبول العديد منها، قد يكون الخيار الأفضل هو استخدام عملة معدنية على طريقة "صورة أم كتابة" أو ترك النرد يقرر لك.
في بعض الأحيان يكون اتخاذ قرار جيد وسريع أفضل من اتخاذ خيار مثاليّ وبطيء، وأفضل من أن تجد نفسك مشلولا في حالة تردد كامل.
فعندما تجاهد للاختيار من بين خيارات متعددة، فإن ترك مسألة اتخاذ قرار لمصدر عشوائي خارجي، قد يساعدك على التركيز على تفضيلاتك الحقيقية.
وقد أظهرت التجارب الأخيرة التي أجراها فريق من الباحثين في جامعة بازل بسويسرا، أن القرارات الذي تُتخذ بشكل عشوائي، قد تساعدنا على التعامل مع عبء المعلومات الزائدة الذي غالبا ما يؤدي إلى حدوث الشلل التحليلي.
بعد قراءة بعض المعلومات الأساسية، طُلب من ثلاث مجموعات من المشاركين اتخاذ قرار أوليّ بشأن فصل أو إعادة توظيف مدير متجر افتراضي.
بعد تكوين رأي مبدئي، تم إبلاغ مجموعتين من الثلاث أنه نظرا لصعوبة اتخاذ قرارات كهذه، يمكنهم الاستعانة بقرعة عشوائية بواسطة الكمبيوتر.
وبالاعتماد على الجانب الذي تسقط عليه العملة سيتم الالتزام بالقرار الأصلي أو التراجع عنه، ولكن مع التأكيد على إمكان تلك المجموعتين تجاهل نتيجة قرعة العملة إن أرادتا ذلك.
وسُئلت المجموعات الثلاث عن رغبتهم في مزيد من المعلومات (في مؤشر على الشلل التحليلي) أو إذا كانوا سعداء باتخاذ قرارهم بناءً على ما يعرفونه بالفعل. وبعد تقديم المعلومات المطلوبة لمن طَلب المزيد، طُلب من جميع المشاركين اتخاذ قرارهم النهائي.
كان المشاركون الذين استخدموا العملة أكثر رضا عن قرارهم الأصلي وأقل طلبا للمزيد من المعلومات، بثلاث مرات عمن لم يُعرض عليهم الاختيار العشوائي؛ فقد ساعدتهم النتيجة العشوائية للعملة على اتخاذ قرارهم من دون الحاجة إلى مزيد من البحث الذي يستغرق وقتا طويلا.
ومن المثير للاهتمام، أن المشاركين الذين اقترحت عليهم العملة التراجع عن قرارهم الأصلي، لم يطلبوا الحصول على معلومات إضافية، مقارنة بالمشاركين الذين أسفرت نتيجة العملة عن التأكيد على قرارهم.
إن الاضطرار إلى التفكير في وجهة النظر المعاكسة، جعل المشاركين أكثر ثقة في قرارهم الأصلي، مقارنة بمن عززت نتيجة العملة قرارهم الأولي.
ورغم أن الكثير منا قد يشعر بعدم الارتياح للسماح لعملة ما بالتحكم في المصير المهنيّ لإنسان ما، إلا أن من الأهمية بمكان أن تتذكر أنك لست مطالَبا باتباع نتيجة الاقتراع العشوائي بشكل أعمى. فالعامل الخارجي المقترح يضعك في موقف الاضطرار إلى التفكير بجدية في قبول الخيار المحدد أمامك، لكنه لا يفرض عليك النتيجة بطريقة أو بأخرى.
ومع ذلك، بالنسبة لأولئك الذين يعانون في سبيل اتخاذ القرارات، من المريح أن يعرفوا أنه عند التعامل مع مجموعة محددة من الخيارات، يمكننهم اللجوء إلى عملة معدنية والسماح لها بمساعدتهم. وحتى لو عقدنا العزم على رفض نتيجة رمي العملة، فإن الاضطرار إلى رؤية كلا الجانبين من أي أمر يمكن أن يؤدي في كثير من الأحيان إلى الشروع في اتخاذ القرار أو تسريع عملية صنع القرار.