صورة من كفر برعم
ربيع عيد 25 يوليه 2023
اجتماع
(تصوير ضفّة ثالثة/ ربيع عيد)
شارك هذا المقال
حجم الخط
يزور أهالي قرية كفر برعم الفلسطينية المُهجّرة قريتهم منذ أن هُجّروا منها عام 1948 بشكل دائم. شاهدوا تدميرها بقنابل الطائرات الإسرائيليّة بعد أن استيقظوا في ساعات الفجر على أصوات الانفجارات معتقدين أن حربًا جديدة تعيشها البلاد، ليكتشفوا وهم يشاهدون من على تلة في قرية الجش في الجليل الأعلى عام 1953، أن المستهدف منازلهم. لم يبق من القرية سوى الكنيسة وساحتها، أمّا البيوت فتحولت إلى ركام. ومنذ يومها وهم يحفظون في قلوبهم حلم العودة ويعودون إليها بما استطاعوا إلى العودة سبيلًا، في مناسبات دينيّة وأعياد ومخيمات صيفية، كما يعودون إليها لدفن الأموات.
خلال مشاركتي في جولة بالقرية الأسبوع الماضي مع مجموعة من الطلاب الباحثين الأجانب الذين يعملون ضمن مشروع بحثي حول الأماكن الأثريّة في البلاد، استوقفني مشهد لشاب وصبية مع طاقم تصوير من إحدى مدن الداخل الفلسطيني وهما يأخذان صورًا لهما قبل عرسهما. يختار العرسان في البلاد أخذ صور ما قبل حفل الزفاف لوضعها في ألبوم صور العرس، وهي عادة متّبعة في فلسطين وأماكن أخرى، وغالبًا ما تكون في الطبيعة أو عند معالم أثريّة وأحيانًا ما تكون في قرى مهجّرة.
"ليس ذنب العروسين أبناء الجيل الثالث للنكبة أنهما لا يعرفان قصة المكان، فسياسات التجهيل الإسرائيليّة بتاريخ المكان لأصحاب البلاد ممنهجة" |
عند رؤيتنا مشهد العروسين اللذين احتضنا بعضهما في صورة حميميّة وهما واقفان على عتبة منزل مهدّم، بدأت المجموعة المشاركة في الجولة عن تاريخ القرية والهدم الحاصل عام النكبة، في التقاط صور للعروسين. كان مشهد العروسين على ذلك المنزل الضخم غير متوقع، بل كاسر لصمت الركام المُخيِّم منذ سبعة عقود في شوارع كفر برعم. قالت إحدى الطالبات في الجولة: "كم هما جميلان وكم هو مؤلمٌ هذا المشهد".
خلق مشهد العروسين تناقضًا في المكان. صور تذكاريّة فَرِحة لألبوم العرس على أنقاض قرية مهجّرة لا يستطيع أهلها العودة إليها. تُثيرُ الصورة للوهلة الأولى أسئلة عن المعنى والسياقات والمكان، فهل يجوز لنا أن نمارس هذا الشكل من الفرح عند عتبة منزل تهدّم بفعل التطهير العرقي؟ يمارس أهالي كفر برعم أفراحهم في القرية تأكيدًا منهم على ملكيتهم للمكان وحقهم في العودة واستمراريّة التواصل رغم أنف السلطات الإسرائيليّة التي ارتكبت الجريمة، ويأتي ناسٌ من غير أهل القرية أحيانًا لأخذ الصور عند ساحة الكنيسة والآثار الرومانيّة المتبقية في مدخل القرية. هل تحمل الصورة نفس المعنى لو أخذها فلسطينيون من خارج كفر برعم؟ من المؤكد أن لو قام بذلك إسرائيليون لخلقت الصورة معنى آخر من سيطرة المستعمر على المكان.
ليس ذنب العروسين أبناء الجيل الثالث للنكبة أنهما لا يعرفان قصة المكان، فسياسات التجهيل الإسرائيليّة بتاريخ المكان لأصحاب البلاد ممنهجة، ومناهج التعليم تخلو من الرواية الفلسطينيّة، ولعل العروسين يعودان يومًا ما للقرية الموعودة بقرار رسمي من المحكمة الإسرائيليّة العليا بالعودة منذ عقود وممنوعة من تنفيذ ذلك من الحاكم العسكري، وقد يجدان المنزل أعيد بناؤه ضمن تصوّرات العودة التي اشتغل عليها أهالي برعم ومناصروهم، ويأخذان حينها صورة جديدة عند نفس المنزل ويخبران أطفالهما قصة عن المكان في ألبوم العرس.