بحيرة الملح للمواهب الشابة عنوان رواية خماسية القاص والروائي نبيه الحسننادي ملتقى الثلاثاء الثقافي الأدبي بحمص
30 نوفمبر 2018 ·
بقلم : الناقد السوري علي الصيرفي
دراسة نقدية في قصص ( سنابل في رحم الصخور ) للقاص والروائي السوري " نبيه إسكندر الحسن " .
الناقد السوري علي الصيرفي
كثيراً ما يقف المرء أمام مؤلفات يمر بها ، وتتلاشى معها تلك الوقفة دون أن تترك أثراً فاعلاً يذكر، و القص الذي قدمته مجموعة سنابل في رحم الصخور ، يعمل في دفق يثير القدرة على التفكير و التركيز وهو عمل إبداعي عالي الجودة ، يقف أمام القارئ متغلغلاً في تفكيره حتى الصميم ، ومفهوم دور الوعي هذا يعتبر الخطوة المضيئة في كتابة الأديب " نبيه إسكندر الحسن " فهو يلفت انتباه المتلقي من خلال العبارات التي يوضح فيها قصه فهو في كل كلمة يسردها جملة جديدة وحدث مثير غريب عن فكرنا الواعي يريد أن يبرز إلى النور . الأمر الذي يعني بالطبع أن المبادرة في الكتابة من خصائص القص عند الأديب ، و من الصعب أن نحكم على وضع الأحداث المتلاحقة ، حيث أنها تتضافر لتدخل نشاطنا المركز و تدغدغ مفاهيم الآخرين ففي كتاباته يتبع حداً رائعاً من الإدراك ، و يهتم للأمور التي تظهرها حال شخوصه حيث يكمن عنده تحرك القص الغرائبي فهو لا يستعيد قراءة نفسه لأن من مخاطر هذا الموقف الاغتباط و الفرح بالنفس و الانصراف إلى السرد مما يفقد الوصف خط سيره ، و من الأكيد أن الكاتب تمكن من التقدم و عدم الانكفاء إلى الوراء و هو ما ينبغي أن يتصف به الموقف الفكري لمتلقي يستعجل بحق التقدم أكثر فأكثر في قلب العوالم المجهولة و هو يدرك بأنه ينبغي للوعي أن يتم في آلية الكتابة ، و أن يتواصل في داخلها ، و أنظاره تتجه إلى الماضي و المستقبل ، فهو يجد أنّ الكتابة تتقدم كما السفينة تتقدم الماء و تشقه خلفها ، و يرى الكاتب المبدع " الحسن " أن الكتابة هي تجارب عديدة ميزتها الجدل و التحول ، و هي وعي خالص لعالم الإنسانية عنده ، يعمرها التفكير الخالص من جهة ، كتابة قوامها الوعي و هذا الأمر يفضي بالكتابة إلى المعنى الذي أراده الأديب " الحسن " و يستحيل انفصامها عن تفكير الكاتب فهو يغرف من مخزون يحمله في ذاكرته ، تنصهر فيه الفكرة ضمن الصورة لتدخل في زمن الأسطورة و المثولوجيا و المنطق الذي يعيد للكتابة آليتها العلمية التي تمكنه من استعادة إملاء الحدث الذي قد يجيء مجزأً في دفعته الأولى و مليئاً بالرموز و المشفرات إلاّ أنّ تفكيكه يدخل القارئ بالتجربة الفكرية التي يتمركز فيها الإشعاع المتأصل في الكتابة و ربما أوجز حقيقة لمجموعة القصص التي تبناها .
هذا و إذا كانت الدفعة الأولى ، تشكل المقياس القطعي للأصالة في عمل الكاتب فالأمر بعيد عن الغلو فهو يلجأ إلى أساليب كتابته قليلة التعقيد بعيدة كل البعد عن الإملاء البحت ، فهو يخيّر قارئه أن يتقبل هذه الأحكام السريعة التي تتشابك في مشكلات قصه لترتبط بوعينا لكل ما كتبه و هذا ارتباط مشروع يوصلنا إلى القبول بتنوع التجربة عند الكاتب لتظهر القيمة الوفيرة في فنية العمل الذي يقدمه دون الوصول إلى الرفض أو الشعور بالتورط فيما وصل إليه ، فالمقاييس الموضوعية التي تحدد طرائق كتابات الأديب تغري المتلقي أن يطلق الأنوار التي تضيء كل الأماكن المعتمة في القص ، فهو يدل على إحساس مرهف بشروط الوحي الشعري للقص الأساسي ، عندها ينتبه الأديب " الحسن " إلى الابتعاد عن الجملة المفرطة في الوضوح لأنه يريد أن نفسر و أن نتعامل مع قدراتنا المعرفية لفهم كل ما كتب ، و نرى أن الأديب لا يتوخى الإبهام للإبهام و لا يستعدي نمطاً معيناً من الوضوح ، بل هو يستعمل الوضوح الذي يثير حماسة المتلقي ، فلا تبدو المعاني المألوفة و تعابير الأمثال في الغالب قديمة بل و كأنها تستعمل لأول مرة ، فهي كمطلع النهار و دقة المفهوم يبرز لكل من ينفذ إلى عالم " نبيه الحسن " ضمن مواضيعه و في سمائه الأسطورية و كلما اقتربنا من أعماله الكتابية أكثر فأكثر نحمل كل المفاهيم التي صنعها التحليل الذي يستدل به القارئ على ما يريده الأديب وهكذا فإن وجود عوالم غامضة داخل القص من المظاهر الكلامية الواضحة التي تحدد رقعاً متضمنة حقولاً تفتح لنا فعالية ما تعمد الكاتب من تعتيمه ، إن هذا الوجود المتصاعد هو أساس القيمة الأصلية في الأثر الكتابي عند الأديب لأنه يرسل صيحة حرة عالية عندما يؤكد في كتابته متسائلاً أية أهمية للواقع وثقله الذي يخنق الأنفاس هل أنام أو أتصرف تجاه هذا الواقع كي أخضعه؟ .
أنه يفعل الكثير ليعلل بشكل واف ما أراد فمهما بلغت ملاحظاته النظرية حول الأحداث التي تسير القص فهو يوضح الكثير من كتاباته و يؤكد بأن قصه قارة جديدة لم يكتشف منها إلا ّ القليل لذلك نجده يكرس نفسه إلى كتابات لا حدود لها و يترك تفسيرها للآخرين كي يتفوق من الناحية التجربية ، مما يدفع بالكتابة إلى الارتقاء من تلقاء ذاتها ، و كأنها ثمار نضجت و دخلت كتاباته لتثير عنده عالم الأحلام و التخلص من غلو التسلط حيث تحتاج الأمور في تلك اللحظة إلى موجة من الخوارق القوية لتسد خيبات الأمل الاقتصادية والاجتماعية و الجنسية وكأنها ثورة أمواج عاتية تدفع الكاتب إلى البحث عن هذه الأشياء شبه الحلم التي تجذبه
دوماً للكتابة العظيمة الملهمة التي يتمحور حولها تفكيره .
الناقد السوري :علي الصيرفي