نشأة التصوير التشكيلي
التصوير التشكيلي في عصور ما قبل التاريخ:
اكتشف العلماء لوحات في فرنسا وأسبانيا يعود تاريخها إلى مايقرب من 20,000 عام ق.م. وتدل جودة هذه اللوحات ودقتها على أن التصوير التشكيلي قد نشأ قبل ذلك التاريخ بفترة طويلة.
التصوير التشكيلي المصري القديم:
يعود تاريخ أقدم تصويرتشكيلي إلى ماقبل 5,000 سنة بقليل، وقد طوّر قدماء المصريين أسلوبًا خاصًا بهم ومميزًا لهم زيّنوا به معابدهم وقصورهم ومقابرهم. فقد صوروا الأشخاص صورًا جانبية. ورتبوا الناس حسب وظائفهم فكلما علت رتبة الشخص كَبُر حجمه في الصورة. وقد زينوا مقابرهم بصور كثيرة.
التصوير التشكيلي الكريتي:
ازدهرت الحضارة الكريتية نحو عام 3000 ق.م، وقد تأثر الفنانون الكريتيون بالفنانين المصريين في أساليبهم غير أنهم اختلفوا عنهم في ناحيتين: الأولى هي أن الأشخاص الذين قاموا بتصويرهم كانوا أكثر حركة من أولئك الذين صورهم قدماء المصريين، والثانية هي أن الموضوعات التي صوّروها كانت تركّز على الحياة، وكانت لتزيين المنازل والقصور بدلاً من المقابر.
التصوير التشكيلي الإغريقي:
اهتم الإغريق القدماء بفن العمارة والنحت، أما التصوير فكان مقصورًا على سطوح الخزف. وكانت هذه الصور التي تزين القطع الخزفية تستمد موضوعاتها من الحياة اليومية ومن قصص أبطالهم وآلهتهم الأُسطورية. وكان تصويرهم مثل نحتهم يُشْبه الواقع إلى حدٍّ بعيد، وهو ماسمِّي لاحقًا بالكلاسيكية الإغريقية والرومانية.
التصوير التشكيلي الروماني:
تميز التصوير التشكيلي الروماني عن الإغريقي بوجود لوحات كثيرة مكنت الدارسين من معرفة أصُول هذا الفن. وتتميز اللوحات الرومانية بأنها تُشْبه الواقع إلى حدٍّ كبير، وتهتم بإيجاد إيحاء بالعمق في اللوحة وبالظلال وبالأضواء وانعكاساتها. والرومانيون هم أول من فكر في تطوير المنظور (إيجاد الشعور بالعمق على مساحة مُسطّحة)
التصوير التشكيلي الهندي:
يشمل التصوير الهندي فنون الهند وبورما وكمبوديا وإندونيسيا ونيبال وسريلانكا وتايلاند والتِّـيبت. وقد ارتبط الفن الهندي ـ الذي ساد في كل هذه الأماكن ـ بالأديان المتعددة فيها وهي البوذية والهندوسية واليانية وغيرها. ولهذا فقد كانت أغلب الموضوعات التي تناولها الفنانون في الهند تدور حول قصص الآلهة، وقصص القديسين، وكان أغلب تصويرهم التشكيلي مُنفّذًا على الجدران وعلى المعلقات والأعلام، إضافة إلى المخطوطات.
التصوير التشكيلي الصيني:
يُطلق لفظ التصوير الصيني على فنون كل من الصين واليابان وكوريا. يرى كثير من المؤرخين أن فترة أسرة سونج (960-1279م) قمة ماوصل إليه التصوير الصيني، فقد تأثّرت بها كل الفترات اللاحقة. وهذا لايعني أن التصوير الصيني قد بدأ في هذه الفترة، فهناك أعمال فنية رائعة تعود إلى ماقبل 2000 سنة.
والفن الصيني لايقلد الطبيعة وله أسلوب محدّد ومبسّط اتبعه كل الفنانين التقليديين في تلك البلاد حتى بداية القرن العشرين. وبما أن كل المعتقدات الدينية الصينية ركّزت على حبِّ الطبيعة فإن الفنانين قد اهتموا بتصوير المناظر الطبيعية، والطيور والزهور والجبال والبحار. وقد استخدم كثير منهم اللون الأسود فقط بدرجاته المختلفة. وقد اهتم المصورون الصينيون بلمسات الفرشاة ووضعها أكثر من اهتمامهم بالموضوع نفسه، وصوروا لوحاتهم على الحرير، وعلى المراوح الورقيّة والجدران.واللوحة الصينية التقليدية تكون في شكل ملفوفة طويلة، وعند المشاهدة يبدأ الناظر إليها بفتح الجزء الأول ثم يبدأ في لفِّ الجزء الذي شاهده بيده اليمنى ويفتح الجزء الذي لم يشاهده بيده اليسرى حتى يُكمل مشاهدة كل اللوحة.
التصوير التشكيلي الياباني:
تأثّر الفن الياباني بالفن الصيني إلى حدِّ كبير. وكان ذلك بعد أول صلة لليابانيين بالصينيين في القرن السادس الميلادي عندما دخلت الديانة البوذية إلى اليابان. فقد صور اليابانيون موضوعات بوذية على جدران المعابد التي أنشأوها وعلى المطوّيات وغيرها واهتموا بتصوير موضوعات من حياتهم اليومية في القصور، وعند العامة.
وفي الفترة مابين القرنين السادس عشر والتاسع عشر الميلاديين، ركز المصوّرون التشكيليون اليابانيون على الألوان والتصميم فأهملوا التفاصيل والتظليل واهتموا بالخطوط الخارجية.
التصوير التشكيلي العربي الإسلامي:
اهتمّ المصورون التشكيليون في العالم الإسلامي قديمًا بتصوير الكتب وتجميلها بالصور والخطوط الجميلة. فقد خطّ الفنانون الكتب بخطوط جميلة ورشيقة وزيّنها المصورون بلوحات تتناسب والخط الجميل. واقتصر الفنانون المسلمون الأوائل على الزخرفة المجردة والتذهيب لنصوص القرآن الكريم بينما أضاف بعض المصورين المتأخرين في بلاد فارس، صورًا لأناس وحيوانات.
والتصوير الإسلامي يتمثل في تزيين كتب القصص والتاريخ والعلوم الطبيعية. ومما اتصف به التصوير الإسلامي أن الفنان كان يرفع الخلفية ليمكّن المشاهد من رؤية كل أجزاء المنظر بوضوح، والمصوّر الإسلامي لايحاول تصوير الواقع كما هو بكل تفاصيله، ولكنه يختار منه الوضع المناسب المترف الذي يعطي المشاهد متعة، ويثير خياله.
ولعل عبقرية الفن الإسلامي تتجلى بوضوح في فنون الخط العربي والعمارة والزخرفة والنقش، أكثر مما تتجلى في تصوير الأشخاص والحيوانات.
لمزيد من التفاصيل عن الفنون عند العرب والمسلمين، ★ تَصَفح: الفن التشكيلي العربي ؛ الفنون الإسلامية ؛الخط العربي ؛ الآثار الإسلامية.
الإسلام والتصوير:
تَعرَّض كثير من الفقهاء القدامى والمحدثين لهذا الموضوع. وقد تُنوزِع بين الحِلّ والتحريم مرة وبين الحظر والإباحة مرة، ولكل فريق رأيه وأدلته وشواهده التي يسوقها برهانًا لرأيه وفتواه. والكل يستند إلى مدى فهمه لأحاديث الرسول صلي الله عليه وسلم الواردة في الكتب الصِحاح. فالدكتور يوسف القرضاوي على سبيل المثال يرى في كتاب الحلال والحرام في الإسلام (1985م) أن أشد أنواع الصور في الحرمة والإثم صور ما يُعبد من دون الله كالمسيح عند معظم النصارى أو البقرة عند الهندوس، يلي ذلك في الإثم الصور المجسَّمه لما لا يُعبد، والصور المجسمة لكل ذي روح مما لا يُقدَّس ولا يُعَظَّم، يستثنى من ذلك ما يمتهن كلعب الأطفال ومثلها مما يؤكل من تماثيل الحلوى. أما صور غير ذي الروح من الشجر والنخيل والبحار والسفن والجبال ونحوها من المناظر الطبيعية، فلا جناح على من صوَّرها أو اقتناها ما لم تشغل عن طاعة أو تُؤدِّ إلى ترف فتُكرَه.
ومن الشائع الآن تدريس الفنون التشكيلية في المدارس والجامعات العربية والإسلامية واستخدام الرسوم والتصاوير لأغراض عملية وتعليمية وإعلامية في الصحف والمجلات والتلفاز والمطبوعات بوجه عام، وذلك في جميع أنحاء المجتمعات العربية والإسلامية.
التصوير التشكيلي في القرون الوسطى
يشمل تصوير القرون الوسطى في أوروبا أغلب الفن الذي أُنتج في الفترة التي تمتدّ من سقوط الإمبراطورية الرومانية في القرنين الرابع والخامس الميلاديين، إلى عصر النهضة الذي بدأ في القرن الرابع عشر الميلادي. واهتم المصورون في تلك الفترة باستخدام الرموز، ولجأوا إلى التسطيح في رسومهم، وأهملوا المنظور، ولوّنوا السماء بألوان ذهبية، واهتمت كل الفنون -ومنها التصوير- بتثبيت الديانة النَّصرانية. وقد ظهرت عدة أساليب أهمها:
البيزنطية:
نشأت بعد أن انقسمت الكنيسة إلى قسمين فتأسّس قسم شرقي في القرن الرابع الميلادي وجعل عاصمته بيزنطة (إسطنبول حاليًا) وفي القرن السادس عشر الميلادي أصبح لهذه الكنيسة الشرقية فنّ تشكيلي مميز بها. اهتم هذا الفن بالألوان الجميلة لكنه خالف الكنيسة في روما بأنه لم يلجأ إلى تصوير الأشخاص، كما هم في الحياة بكل تفاصيلهم.
الرومانسكية التقليدية:
ازدهر خلال القرنين الحادي عشر والثاني عشر الميلاديين في أوروبا الغربية أسلوب أطلق عليه اسم الرومانسكية. وهذا الأسلوب مزيج من الأسلوب الروماني القديم والبيزنطي وغير ذلك من الأساليب السابقة له. وقد ازدهر لانتشار النصرانية في تلك الفترة. وتميّز التصوير التشكيلي الرومانسكي بالمهارة في التكوين رغم عدم الاهتمام بالمنظور.
التصوير التشكيلي القوطي:
انتشر خلال القرن الثالث عشر الميلادي. وكان أغلبه في مجال تزيين المخطوطات القيِّمة بلوحات جميلة. وقد تأثر التصوير التشكيلي القوطي بفن الزجاج الملون الذي انتشر في ذلك العصر لدرجة أن اللوحات الفنية كانت تُقسّم إلى أجزاء كما كان الحال في الزجاج الملون.
التصوير التشكيلي في عصر النهضة
بلغ التصوير التشكيلي ذروته في أوروبا في القرن الخامس عشر الميلادي ؛ في الفترة التي تُسَمَّى بعصر النهضة. وتبنَّى الفنانون فكرة جيوتو الذي عاش في القرن الثالث عشر الميلادي والذي كان يعدّ اللوحة نافذة على العالم الخارجي، وكان يحاول جاهدًا تقليد الطبيعة ويجعل إطار اللوحة نفسه شبيهًا بإطار النافذة الحقيقية. وفكرة عصر النهضة كانت إحياء الفن الروماني القديم. ولهذا قلّد الفنانون الإيطاليون في هذه الفترة أعمال الرومانيين القدامى. ويمكن تَتبّع التصوير التشكيلي في عصر النهضة في ثلاثة مراكز هي:
عصر النهضة في فلورنسا:
ظهرت المجموعة الأولى من الفنانين التشكيليين الفلورنسيين في عشرينيات القرن الخامس عشر وتأثّرت بأسلوب جيوتو. وكانت بمثابة حلقة وصل بين فنون العصور الوسطى وفنون عصر النهضة. ومن هؤلاء جنتايل دافابريانو وماساشيو، وقد استخدما المنظور الذي تعلّماه من المهندس المعماري فِلبُّو بروناليشي، وأجادا استخدام الظل والضوء فأعطيا الأشكال أحجامًا تجعلها كقطع النحت في قوة تكوينها. ومنهم أيضًا فرا أنجيليكو وماتينا وبوتيشيللي. وأعظم مصوري القرن الخامس عشر الميلادي في إيطاليا هو ليوناردو دافينشي وله لوحات عدة أشهرها الموناليزا.
عصر النهضة في شمالي أوروبا:
بدأ الفنانون في شمال أوروبا يركّزون على الطريقة الواقعية الإيطالية في القرن الخامس عشر الميلادي، والفرق الوحيد بينهما أن الإيطاليين كانوا يرسمون بطريقة الفريسكو، أما الفرنسيون والبلجيكيون فكانوا يستخدمون الألوان الزيتية، ويهتمون بتفاصيل الملابس الرقيقة والمجوهرات. وبرزت في تلك الفترة شخصيات فنية في الشمال مثل جان فان إيك، وروجيير فان دير ويدن، وبييتر بروجيل الأكبر الذي اهتم بالموضوعات اليومية في الحياة وتأثّر به الهولنديون والفنلنديون فيما بعد.
التصوير التشكيلي في أواخر عصر النهضة:
بلغ التصوير التشكيلي ذروته في عصر النهضة في روما في بداية القرن السادس عشر الميلادي وأصبحت روما مركز الفنون لاستقرار البابا فيها ولأن أبرز فنانيْن في التاريخ بعد ليوناردو دافنشي ـ وهما رفائيل ومايكل أنجلو ـ قد عملا هناك. وقد جمع الأسلوب التشكيلي في تلك الفترة كل إيجابيات الأساليب السابقة له واستفاد منها، فجاءت الأشكال المرسومة رشيقة الحركة ولها قوة الأعمال الرومانية الكلاسيكية وواقعيتها.
اتسمت رسوم رفائيل بالتصميمات المتّزنة والمنسجمة التي تعبر عن طريقة الحياة الهادئة العظيمة. وقد أخذ نظام التصميم الهرمي للّوحة من الفنان ليوناردو دافينشي أمّا مايكل أنجلو فقد اهتم بالنحت، كما رسم المحاكمة الأخيرة وكانت صورة قوية البناء. وأشكاله متحرّرة بعض الشيء من الكلاسيكية القديمة.
النمطية (الأسلوب التكلفي). انتشرت في أوروبا في الفترة ما بين 1520-1600م، وهي طريقة جمعت أسلوبي رفائيل ومايكل أنجلو، ولم تلتزم بتقليد الواقع بل عمد فنانوها إلى المبالغة والتصرف في الأشكال بتطويل بعض أجزائها. وأشهرهم بارمغيانو الذي رسم العذراء ذات العنق الطويل.
التصوير في البندقية. تكون الأسلوب الفينيسي في هذه المدينة التجارية، واختلف عن الأساليب السابقة لأنه لم يكن يهدف إلا إلى إمتاع المشاهد وإسعاده. فلم يكن هدفه أن يدفعه لعمل أشياء عظيمة أو يحثه على بطولات. وأهم فناني البندقية هم جيورجيوني، وتنتوريتو، وإل غريكو الأسباني الذي كان من أشهر الفنانين في أواخر عصر النهضة ؛ والذي بالغ في النمطية، ومهَّد بذلك لظهور مدرسة الباروك.
بداية الباروك. تأثّر التصوير التشكيلي ـ والفن عامة ـ خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر الميلاديين بعاملين: أولهما الانقسامات الكنسية، وثانيهما ظهور القوميات في أوروبا. وقد ظهر أسلوب الباروك في التصوير عندما بدأت الكاثوليكية في الرد على البروتستانتية وأمرت الفنانين أن يرسموا الموضوعات الدينية بطريقة واقعية وميسرة ومباشرة ليفهمها كل الناس. وكانت هذه هي أسس مدرسة الباروك ومكوّناتها. وبدأت الطريقة في روما سنة 1600م تقريبًا، وانتشرت في بقية الأقطار. وكانت القومية من الأسباب الرئيسية لانتشارها لأن كثيرًا من الأمم شعرت بذاتيتها وعملت على نشرها عن طريق الفن. وأهم فناني الباروك روبنز وكرافاجيو وكراشي ودييغو فيلازكيز الأسباني.
واهتم الفن في هولندا في هذه الفترة برسم مناظر من الحياة اليومية. فكان الفنانون يرسمونها تلبية لرغبات أفراد الطبقة المتوسطة الذين كانوا يقتنونها.واشتهر في هولندا جان فيرمير ورمبرانت الذي أصبح أعظم فنان هولندي، ورسم موضوعات دينية باختياره لا بتوجيه من أحد، وكذلك بوسان الفرنسي.
فن الروكوكو. بلغ ذروته في فرنسا في الفترة ما بين 1720-1780م. اتسمت رسوم الفنانين بالناحية الزخرفية كالباروك غير أن لوحاتهم كانت أصغر في أحجامها. وكانت الأعمال التشكيلية في الروكوكو شاعرية وخفيفة الظل وأغلبها خيالية وتعكس ذوق النخبة الفرنسية وقتذاك، وتُعد أعمال جين أونوري فراجونارد، ومنها لوحة الفتاة المتأرجحة خير مثال لهذه المدرسة.
لوحة كهوف عصر ماقبل التاريخ (كهف لاسكو) وهي من عمل فنان غير معروف حوالي سنة 15000ق.م. يبلغ طول الحصان حوالي 142سم. |
اكتشف العلماء لوحات في فرنسا وأسبانيا يعود تاريخها إلى مايقرب من 20,000 عام ق.م. وتدل جودة هذه اللوحات ودقتها على أن التصوير التشكيلي قد نشأ قبل ذلك التاريخ بفترة طويلة.
حصاد العنب، لفنان مصري قديم غير معروف، رسمها على الجدران حوالي عام 1425ق.م، بارتفاع 31سم تقريبًا. |
يعود تاريخ أقدم تصويرتشكيلي إلى ماقبل 5,000 سنة بقليل، وقد طوّر قدماء المصريين أسلوبًا خاصًا بهم ومميزًا لهم زيّنوا به معابدهم وقصورهم ومقابرهم. فقد صوروا الأشخاص صورًا جانبية. ورتبوا الناس حسب وظائفهم فكلما علت رتبة الشخص كَبُر حجمه في الصورة. وقد زينوا مقابرهم بصور كثيرة.
التصوير التشكيلي الكريتي:
ازدهرت الحضارة الكريتية نحو عام 3000 ق.م، وقد تأثر الفنانون الكريتيون بالفنانين المصريين في أساليبهم غير أنهم اختلفوا عنهم في ناحيتين: الأولى هي أن الأشخاص الذين قاموا بتصويرهم كانوا أكثر حركة من أولئك الذين صورهم قدماء المصريين، والثانية هي أن الموضوعات التي صوّروها كانت تركّز على الحياة، وكانت لتزيين المنازل والقصور بدلاً من المقابر.
التصوير التشكيلي الإغريقي:
اهتم الإغريق القدماء بفن العمارة والنحت، أما التصوير فكان مقصورًا على سطوح الخزف. وكانت هذه الصور التي تزين القطع الخزفية تستمد موضوعاتها من الحياة اليومية ومن قصص أبطالهم وآلهتهم الأُسطورية. وكان تصويرهم مثل نحتهم يُشْبه الواقع إلى حدٍّ بعيد، وهو ماسمِّي لاحقًا بالكلاسيكية الإغريقية والرومانية.
التصوير التشكيلي الروماني:
تميز التصوير التشكيلي الروماني عن الإغريقي بوجود لوحات كثيرة مكنت الدارسين من معرفة أصُول هذا الفن. وتتميز اللوحات الرومانية بأنها تُشْبه الواقع إلى حدٍّ كبير، وتهتم بإيجاد إيحاء بالعمق في اللوحة وبالظلال وبالأضواء وانعكاساتها. والرومانيون هم أول من فكر في تطوير المنظور (إيجاد الشعور بالعمق على مساحة مُسطّحة)
ركتاياماري - الشكل الأحمر ليامانتاكا لفنان من التيبت غير معروف، في القرن السادس عشر، غواش على القطن. 72x82سم. |
يشمل التصوير الهندي فنون الهند وبورما وكمبوديا وإندونيسيا ونيبال وسريلانكا وتايلاند والتِّـيبت. وقد ارتبط الفن الهندي ـ الذي ساد في كل هذه الأماكن ـ بالأديان المتعددة فيها وهي البوذية والهندوسية واليانية وغيرها. ولهذا فقد كانت أغلب الموضوعات التي تناولها الفنانون في الهند تدور حول قصص الآلهة، وقصص القديسين، وكان أغلب تصويرهم التشكيلي مُنفّذًا على الجدران وعلى المعلقات والأعلام، إضافة إلى المخطوطات.
التصوير التشكيلي الصيني:
يُطلق لفظ التصوير الصيني على فنون كل من الصين واليابان وكوريا. يرى كثير من المؤرخين أن فترة أسرة سونج (960-1279م) قمة ماوصل إليه التصوير الصيني، فقد تأثّرت بها كل الفترات اللاحقة. وهذا لايعني أن التصوير الصيني قد بدأ في هذه الفترة، فهناك أعمال فنية رائعة تعود إلى ماقبل 2000 سنة.
والفن الصيني لايقلد الطبيعة وله أسلوب محدّد ومبسّط اتبعه كل الفنانين التقليديين في تلك البلاد حتى بداية القرن العشرين. وبما أن كل المعتقدات الدينية الصينية ركّزت على حبِّ الطبيعة فإن الفنانين قد اهتموا بتصوير المناظر الطبيعية، والطيور والزهور والجبال والبحار. وقد استخدم كثير منهم اللون الأسود فقط بدرجاته المختلفة. وقد اهتم المصورون الصينيون بلمسات الفرشاة ووضعها أكثر من اهتمامهم بالموضوع نفسه، وصوروا لوحاتهم على الحرير، وعلى المراوح الورقيّة والجدران.واللوحة الصينية التقليدية تكون في شكل ملفوفة طويلة، وعند المشاهدة يبدأ الناظر إليها بفتح الجزء الأول ثم يبدأ في لفِّ الجزء الذي شاهده بيده اليمنى ويفتح الجزء الذي لم يشاهده بيده اليسرى حتى يُكمل مشاهدة كل اللوحة.
تفاصيل حريق قصر سانجو لفنان ياباني غير معروف. أواخر القرن الثالث عشر الميلادي. لوحة بالحبر على الورق بارتفاع 41سم. |
تأثّر الفن الياباني بالفن الصيني إلى حدِّ كبير. وكان ذلك بعد أول صلة لليابانيين بالصينيين في القرن السادس الميلادي عندما دخلت الديانة البوذية إلى اليابان. فقد صور اليابانيون موضوعات بوذية على جدران المعابد التي أنشأوها وعلى المطوّيات وغيرها واهتموا بتصوير موضوعات من حياتهم اليومية في القصور، وعند العامة.
وفي الفترة مابين القرنين السادس عشر والتاسع عشر الميلاديين، ركز المصوّرون التشكيليون اليابانيون على الألوان والتصميم فأهملوا التفاصيل والتظليل واهتموا بالخطوط الخارجية.
أحد المعالم الجمالية في مدينة تبوك السعودية كتب عليها « لا إله إلا الله » بشكل زخرفي جميل. |
لوحة فنية تمثل روعة الخط العربي وأسفلها بعض الأواني الزجاجية القديمة المزخرفة. |
اهتمّ المصورون التشكيليون في العالم الإسلامي قديمًا بتصوير الكتب وتجميلها بالصور والخطوط الجميلة. فقد خطّ الفنانون الكتب بخطوط جميلة ورشيقة وزيّنها المصورون بلوحات تتناسب والخط الجميل. واقتصر الفنانون المسلمون الأوائل على الزخرفة المجردة والتذهيب لنصوص القرآن الكريم بينما أضاف بعض المصورين المتأخرين في بلاد فارس، صورًا لأناس وحيوانات.
والتصوير الإسلامي يتمثل في تزيين كتب القصص والتاريخ والعلوم الطبيعية. ومما اتصف به التصوير الإسلامي أن الفنان كان يرفع الخلفية ليمكّن المشاهد من رؤية كل أجزاء المنظر بوضوح، والمصوّر الإسلامي لايحاول تصوير الواقع كما هو بكل تفاصيله، ولكنه يختار منه الوضع المناسب المترف الذي يعطي المشاهد متعة، ويثير خياله.
ولعل عبقرية الفن الإسلامي تتجلى بوضوح في فنون الخط العربي والعمارة والزخرفة والنقش، أكثر مما تتجلى في تصوير الأشخاص والحيوانات.
لمزيد من التفاصيل عن الفنون عند العرب والمسلمين، ★ تَصَفح: الفن التشكيلي العربي ؛ الفنون الإسلامية ؛الخط العربي ؛ الآثار الإسلامية.
الإسلام والتصوير:
تَعرَّض كثير من الفقهاء القدامى والمحدثين لهذا الموضوع. وقد تُنوزِع بين الحِلّ والتحريم مرة وبين الحظر والإباحة مرة، ولكل فريق رأيه وأدلته وشواهده التي يسوقها برهانًا لرأيه وفتواه. والكل يستند إلى مدى فهمه لأحاديث الرسول صلي الله عليه وسلم الواردة في الكتب الصِحاح. فالدكتور يوسف القرضاوي على سبيل المثال يرى في كتاب الحلال والحرام في الإسلام (1985م) أن أشد أنواع الصور في الحرمة والإثم صور ما يُعبد من دون الله كالمسيح عند معظم النصارى أو البقرة عند الهندوس، يلي ذلك في الإثم الصور المجسَّمه لما لا يُعبد، والصور المجسمة لكل ذي روح مما لا يُقدَّس ولا يُعَظَّم، يستثنى من ذلك ما يمتهن كلعب الأطفال ومثلها مما يؤكل من تماثيل الحلوى. أما صور غير ذي الروح من الشجر والنخيل والبحار والسفن والجبال ونحوها من المناظر الطبيعية، فلا جناح على من صوَّرها أو اقتناها ما لم تشغل عن طاعة أو تُؤدِّ إلى ترف فتُكرَه.
ومن الشائع الآن تدريس الفنون التشكيلية في المدارس والجامعات العربية والإسلامية واستخدام الرسوم والتصاوير لأغراض عملية وتعليمية وإعلامية في الصحف والمجلات والتلفاز والمطبوعات بوجه عام، وذلك في جميع أنحاء المجتمعات العربية والإسلامية.
التصوير التشكيلي في القرون الوسطى
النــزول إلى سـيـثرا للفنــان أنطـوان واتو 1717م. رُسمت بالزيت على القماش. 1,93x 1,28م. |
ما قبل الفجر 1965م بالأكريليك على قماش 1,42x1,92م لهيلين فرانكنثالر. |
البيزنطية:
نشأت بعد أن انقسمت الكنيسة إلى قسمين فتأسّس قسم شرقي في القرن الرابع الميلادي وجعل عاصمته بيزنطة (إسطنبول حاليًا) وفي القرن السادس عشر الميلادي أصبح لهذه الكنيسة الشرقية فنّ تشكيلي مميز بها. اهتم هذا الفن بالألوان الجميلة لكنه خالف الكنيسة في روما بأنه لم يلجأ إلى تصوير الأشخاص، كما هم في الحياة بكل تفاصيلهم.
الرومانسكية التقليدية:
ازدهر خلال القرنين الحادي عشر والثاني عشر الميلاديين في أوروبا الغربية أسلوب أطلق عليه اسم الرومانسكية. وهذا الأسلوب مزيج من الأسلوب الروماني القديم والبيزنطي وغير ذلك من الأساليب السابقة له. وقد ازدهر لانتشار النصرانية في تلك الفترة. وتميّز التصوير التشكيلي الرومانسكي بالمهارة في التكوين رغم عدم الاهتمام بالمنظور.
التصوير التشكيلي القوطي:
انتشر خلال القرن الثالث عشر الميلادي. وكان أغلبه في مجال تزيين المخطوطات القيِّمة بلوحات جميلة. وقد تأثر التصوير التشكيلي القوطي بفن الزجاج الملون الذي انتشر في ذلك العصر لدرجة أن اللوحات الفنية كانت تُقسّم إلى أجزاء كما كان الحال في الزجاج الملون.
التصوير التشكيلي في عصر النهضة
مناولة الطفل زال إلى والده. رسمها فنان فارسي غير معروف منتصف القرن السادس عشر بالألوان المائية على الورق. 31x45سم. |
عصر النهضة في فلورنسا:
ظهرت المجموعة الأولى من الفنانين التشكيليين الفلورنسيين في عشرينيات القرن الخامس عشر وتأثّرت بأسلوب جيوتو. وكانت بمثابة حلقة وصل بين فنون العصور الوسطى وفنون عصر النهضة. ومن هؤلاء جنتايل دافابريانو وماساشيو، وقد استخدما المنظور الذي تعلّماه من المهندس المعماري فِلبُّو بروناليشي، وأجادا استخدام الظل والضوء فأعطيا الأشكال أحجامًا تجعلها كقطع النحت في قوة تكوينها. ومنهم أيضًا فرا أنجيليكو وماتينا وبوتيشيللي. وأعظم مصوري القرن الخامس عشر الميلادي في إيطاليا هو ليوناردو دافينشي وله لوحات عدة أشهرها الموناليزا.
عصر النهضة في شمالي أوروبا:
بدأ الفنانون في شمال أوروبا يركّزون على الطريقة الواقعية الإيطالية في القرن الخامس عشر الميلادي، والفرق الوحيد بينهما أن الإيطاليين كانوا يرسمون بطريقة الفريسكو، أما الفرنسيون والبلجيكيون فكانوا يستخدمون الألوان الزيتية، ويهتمون بتفاصيل الملابس الرقيقة والمجوهرات. وبرزت في تلك الفترة شخصيات فنية في الشمال مثل جان فان إيك، وروجيير فان دير ويدن، وبييتر بروجيل الأكبر الذي اهتم بالموضوعات اليومية في الحياة وتأثّر به الهولنديون والفنلنديون فيما بعد.
هيلو للفنان جوزيف رفائيل 1975م. رسمت بالزيت على القماش. 1,68x2,29م. |
صورة صامتة للفنان وليم كليس هيدا 1634م. رسم بالزيت على الخشب. 57x43سم. |
لوحة لتشارلز الأول في رحلة صيد للفنان أنطون فان دايك، حوالي 1635م بالألوان الزيتية على القماش. 2,12x2,72م. |
بلغ التصوير التشكيلي ذروته في عصر النهضة في روما في بداية القرن السادس عشر الميلادي وأصبحت روما مركز الفنون لاستقرار البابا فيها ولأن أبرز فنانيْن في التاريخ بعد ليوناردو دافنشي ـ وهما رفائيل ومايكل أنجلو ـ قد عملا هناك. وقد جمع الأسلوب التشكيلي في تلك الفترة كل إيجابيات الأساليب السابقة له واستفاد منها، فجاءت الأشكال المرسومة رشيقة الحركة ولها قوة الأعمال الرومانية الكلاسيكية وواقعيتها.
اتسمت رسوم رفائيل بالتصميمات المتّزنة والمنسجمة التي تعبر عن طريقة الحياة الهادئة العظيمة. وقد أخذ نظام التصميم الهرمي للّوحة من الفنان ليوناردو دافينشي أمّا مايكل أنجلو فقد اهتم بالنحت، كما رسم المحاكمة الأخيرة وكانت صورة قوية البناء. وأشكاله متحرّرة بعض الشيء من الكلاسيكية القديمة.
النمطية (الأسلوب التكلفي). انتشرت في أوروبا في الفترة ما بين 1520-1600م، وهي طريقة جمعت أسلوبي رفائيل ومايكل أنجلو، ولم تلتزم بتقليد الواقع بل عمد فنانوها إلى المبالغة والتصرف في الأشكال بتطويل بعض أجزائها. وأشهرهم بارمغيانو الذي رسم العذراء ذات العنق الطويل.
التصوير في البندقية. تكون الأسلوب الفينيسي في هذه المدينة التجارية، واختلف عن الأساليب السابقة لأنه لم يكن يهدف إلا إلى إمتاع المشاهد وإسعاده. فلم يكن هدفه أن يدفعه لعمل أشياء عظيمة أو يحثه على بطولات. وأهم فناني البندقية هم جيورجيوني، وتنتوريتو، وإل غريكو الأسباني الذي كان من أشهر الفنانين في أواخر عصر النهضة ؛ والذي بالغ في النمطية، ومهَّد بذلك لظهور مدرسة الباروك.
بداية الباروك. تأثّر التصوير التشكيلي ـ والفن عامة ـ خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر الميلاديين بعاملين: أولهما الانقسامات الكنسية، وثانيهما ظهور القوميات في أوروبا. وقد ظهر أسلوب الباروك في التصوير عندما بدأت الكاثوليكية في الرد على البروتستانتية وأمرت الفنانين أن يرسموا الموضوعات الدينية بطريقة واقعية وميسرة ومباشرة ليفهمها كل الناس. وكانت هذه هي أسس مدرسة الباروك ومكوّناتها. وبدأت الطريقة في روما سنة 1600م تقريبًا، وانتشرت في بقية الأقطار. وكانت القومية من الأسباب الرئيسية لانتشارها لأن كثيرًا من الأمم شعرت بذاتيتها وعملت على نشرها عن طريق الفن. وأهم فناني الباروك روبنز وكرافاجيو وكراشي ودييغو فيلازكيز الأسباني.
واهتم الفن في هولندا في هذه الفترة برسم مناظر من الحياة اليومية. فكان الفنانون يرسمونها تلبية لرغبات أفراد الطبقة المتوسطة الذين كانوا يقتنونها.واشتهر في هولندا جان فيرمير ورمبرانت الذي أصبح أعظم فنان هولندي، ورسم موضوعات دينية باختياره لا بتوجيه من أحد، وكذلك بوسان الفرنسي.
فن الروكوكو. بلغ ذروته في فرنسا في الفترة ما بين 1720-1780م. اتسمت رسوم الفنانين بالناحية الزخرفية كالباروك غير أن لوحاتهم كانت أصغر في أحجامها. وكانت الأعمال التشكيلية في الروكوكو شاعرية وخفيفة الظل وأغلبها خيالية وتعكس ذوق النخبة الفرنسية وقتذاك، وتُعد أعمال جين أونوري فراجونارد، ومنها لوحة الفتاة المتأرجحة خير مثال لهذه المدرسة.