الفيزيولوجية الحيوانية والبيئة Animal physiology and the environment

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الفيزيولوجية الحيوانية والبيئة Animal physiology and the environment

    الفيزيولوجية الحيوانية والبيئة

    تعيش الكائنات الحية ضمن بيئات تتفاعل فيها مؤثرة ومتأثرة بما يحيط بها من مخلوقات حية وأخرى غير حية. ويهتم علماء الأحياء بدراسة البيئة والعلاقات المتبادلة بينها وبين الكائنات الحية فيها. وتعددت مجالات البحث في هذا العلم، ومنها علم البيئة الفيزيولوجي ecophysiology الذي يهتم بدراسة أثرالعوامل البيئية في وظائف الكائنات الحية والعلاقات الكائنة بينها.
    تعد بيئة الحيوان عموماً كثيرة التغير، ومنها على سبيل المثال تغير درجات الحرارة ومدى وفرة الماء والغذاء وظروف الإيواء أو المرض والمعاملة وغيرها. فكيف يتمكن الحيوان من تنظيم حياته في بيئة دائمة الحركة والتبدل؟ وكيف يتأثر بالتغيرات البيئية؟ وكيف يواجه هذه التغيرات؟ وكيف يتكيف معها؟.
    تجيب عن هذه التساؤلات وغيرها فروع أخرى من علوم الحياة كعلم السلوك behavior وعلم وظائف الأعضاء physiology بمجالاته المتعددة، ومنها:
    الشكل (1) بعض الوظائف الحيوية عند الحيوانات
    ـ علم وظائف الاتصال: ويبحث في العلاقة بين الكائنات الحية والوسط الذي تعيش فيه، ومحور هذه العلاقة هي أعضاء الحس والجهاز العصبي والفاعلات(عضلات وغدد). فأعضاء الحس في الحيوان صممت لاستقبال المعلومات عن حالة البيئة وتبدلاتها، بحيث تترجم المستقبلات الحسية أنواع الطاقة البيئية إلى إشارات كهربائية تنتقل عبر الأعصاب الحسية إلى الجهاز العصبي المركزي الذي يستقبل هذه المعلومات ويحللها ويدركها على هيئة حس شعوري يُقدّر الحيوان من خلالها التغيرات التي تحيط به. ويُرسل على أثر ذلك الجهاز العصبي إيعازاته إلى الجملة الفاعلة عبر الأعصاب الحركية ويدفعها إلى تنفيذ استجابات ملائمة. فتستجيب الغدد بإفراز محتوياتها من الهرمونات والأنزيمات وغيرها من المواد. وتستجيب العضلات بالتقلص والانبساط، ومن ثم تأمين الحركة التي يحتاجهاالحيوان في التنقل للبحث عن الطعام والشراب والشريك الجنسي، وكذلك الدفاع عن النفس والهرب من الأعداء، ولاتقتصر أهمية الحركة على تنقل الحيوان فحسب بل تتعداها لتُمكِّنه من إنجاز معظم وظائفه الحيوية من اغتذاء ودوران وتنفس واطراح وإصدار أصوات (الشكل1).
    ـ علم وظائف التغذية: ويبحث في العلاقة بين المادة التي يتناولها الكائن الحي وبين الطاقة energy وتحولاتهما في جسمه. إذ يحتاج كل حيوان إلى إمداد مستمر من الطاقة يصرفها في أنشطته الحيوية المختلفة. ويعود مصدر هذه الطاقة إلى المواد الغذائية التي يتناولها الحيوان بدافع الجوع. تنتقل العناصر الغذائية بعد أن يتم هضمها وامتصاصها في جهاز الهضم إلى جهاز الدوران الذي يضمن توزيعها على كل خلية من خلايا الجسم، ويطرأ عليها عدد من التبدلات والتفاعلات الكيمياوية الحيوية يعرف مجموعها بالاستقلاب metabolism، وهذا قد يكون للبناء anabolism أو يكون للهدم catabolism.
    ـ علم وظائف تنظيم الوسط الداخلي: كتنظيم درجة حرارة الجسم وتنظيم الضغط الحلولي osmosis للأوساط المختلفة في الجسم وغيرها من الثوابت النسبية الأساسية للجسم. وقد أثبتت الأبحاث أن الحيوانات عموماً قادرة على المحافظة على ملامحها البنيوية وتركيبها الكيمياوي على الرغم من التبدلات التي تطرأ على بيئاتها وعلى مجرى التبادل في المادة والطاقة بين الحيوانات والوسط المحيط، وعلى استبقاء وسطها الداخلي ثابتاً، وهو شرط الحياة المستقلة، وتدعى ظاهرة ثبات الوسط الداخلي باسم الاستتباب homeostasis. وتجدر الإشارة إلى أن ثبات الفعاليات الاستقلابية التي تحدث داخل خلايا الجسم، ولايمكنها الاستمرار إلا إذا بقيت هذه الخلايا وما حولها ثابتة التكوين ليحميها من التقلبات الكبيرة بدرجات الحرارة، ومن تغيرات الموردين المائي والغذائي والنواتج الاستقلابية المنتجة للحرارة. ومادامت هذه العوامل عرضة للتغير تبعاً لتغيرات البيئة ولنشاط الحيوان، فإن العديد منها يهدد النظام الواقي للخلية وتوازنه، لذلك فإن نسبة مهمة من الفعاليات الخلوية مكرَّسة لصيانة هذا الاستتباب. وعندما يضطرب الاستتباب فإن مجموعة من الاستجابات الفيزيولوجية والسلوكية تُفعَّل بغية إبطال أفعال وآثار القوى المسببة للاضطراب والعودة إلى حالة الاستقرار. وقد تبدو هذه الاضطرابات على هيئة ضغوط نفسية(كرب stress) كالقلق أوالأرق أوالحذر أوالخوف أواضطراب المزاج، وغيرها.
    يتحقق الاستتباب فيزيولوجياً عبر الأنشطة المتناسقة بين جهاز الدوران والجهاز العصبي والجهاز الحركي والوظائف الهرمونية، وقيام أعضاء عمليات التبادل مع البيئة الخارجية مثل الكليتين والرئتين والقناة الهضمية والجلد بوظائفها على أكمل وجه، إذ يتم عبرها تبادل الماء والغذاء والأملاح المعدنية ونواتج الاستقلاب والغازات التنفسية والحرارة.
    من هذه العلاقات، على سبيل المثال، حالة الاستتباب المائي ـ الملحي عند الثدييات والتي تتمثل بالتوازن بين ما يتناوله الحيوان من الماء والأملاح وبين ما يفقده بالاطراح، أي إن حيوانات اليابسة تتعرض على نحو مستمر لخطر خسارة الماء من سوائل أجسامها بسبب البخر السطحي لأجسامها، ومن السطوح التنفسية والإطراح في البول والبراز. وتعوِّض هذه الحيوانات الكميات المفقودة من الماء بشربه وتناول الطعام إضافة إلى ماء الاستقلاب الذي ينتج من أكسدة المواد العضوية في الخلايا. ويزداد فقدان الجسم للماء كلما ارتفعت درجة حرارة الوسط المحيط وتناقصت رطوبة الجو.
    تتمكّن الحيوانات من إقلال خسارتها المائية بوسائل سلوكية وفيزيولوجية، فمعظم حيوانات الصحراء تختبئ نهاراً تحاشياً من حرارة الشمس الحارقة وللحد من فقدان أجسامها للماء عبر السطوح التنفسية وسطح الجسم، وتنشط ليلاً للبحث عن الماء والطعام. وهناك مصدر آخرللماء يستفيد منه جميع الحيوانات، هو الماء الناتج من أكسدة السكريات والدهون المخزنة في الجسم، إذ ينتج منها الماء وغاز ثاني أكسيد الكربون CO2 الذي يتخلص منه الجسم عبر هواء الزفير، أما الماء فيستخدم لتلبية حاجات الجسم. ويقدر الباحثون أن أكسدة 100غ من السكريات في خلايا الجسم ينتج نحو 56غ من الماء، في حين ينتج من أكسدة 100غ من الدهون نحو 107غ من الماء. وإن مثل هذه الأكسدة تساعد بعض الحيوانات على الاستغناء عن شرب الماء مدة طويلة من الزمن.
    الشكل (2)
    وفيما يتعلق بالإطراح البولي فهو ضروري لتخليص الجسم من نواتج الاستقلاب السامة، ويرافق ذلك فقدان الجسم كميات من الماء. فمن المعروف أن الكليتين تسهمان في تنظيم التوازن المائي-الملحي لسوائل الجسم، ويقدر الباحثون أن نحو 99% من ماء بلاسما الدم المرتشحة في الكليتين تعاد إلى الدم. كما يمكنها التحكم في إعادة امتصاص ماء البول المرتشح عبر أنبيبات الكلية nephrons، وإعادته إلى الجسم بما يضمن حالة الاستتباب المائي للجسم (الشكل 2).
    وفيما يتصل بالآلية الفيزيولوجية التي تمكن من التحكم بثبات التوازن المائي ـ الملحي والضغط الحلولي osmotic pressure في الوسط الداخلي للجسم فإن الجسم يفقد جزءاًً من الماء عن طريق الإطراح، مما يؤدي إلى نقص في حجم السائل الخارج الخلوي وارتفاع تركيز العناصر الذوابة في الماء وخاصة شوارد الصوديوم، ومن ثمَّ إلى إثارة المستقبلات الحلولية osmoreceptors الموجودة في منطقة الوطاء hypothalamus من الدماغ، فتعمل على تحريض الفص الخلفي للغدة النخامية pituitary gland على إطلاق الهرمون المضاد للإدرار antidiuretic hormon (ADH) في الدم فيزيد من قدرة الكلى على امتصاص الماء وإعادته إلى الدم، وينتج من ذلك تكوين بول عالي التركيز يحوي كميات كبيرة من المواد المعدة للاطراح مع أقل خسارة ممكنة من الماء. كما تعمل المستقبلات الحلولية على تنبيه مركز العطش في الوطاء، مما يدفع الحيوان إلى البحث عن الماء وشربه، وكلا الأمرين يعملان على إعادة الضغط الحلولي لسوائل الجسم إلى وضعه الطبيعي. ومن ثم تبدأ عملية تكثيف الصوديوم مرة أخرى نتيجة خسارة الجسم للماء، ويشعر الحيوان بالعطش، ويعود إلى شرب الماء من جديد. وتستمر هذه العمليات مادام الحيوان حياً ومادام وضعه الصحي طبيعياً.
    وإذا شرب الحيوان كمية زائدة من الماء ينتج منه خلل في التوازن المائي ـ الملحي لسوائل الجسم وانخفاض الضغط الحلولي للدم، الأمر الذي يؤدي بالكليتين تحت تأثير آليات تنظيم ذاتية عصبية وهرمونية إلى زيادة كمية الماء المطروحة في البول، وينجم عن ذلك تكوين بول ممدد، ويعودالضغط الحلولي إلى وضعه الطبيعي.
    الشكل (3)
    هذا ويتحكم الإطراح الكلوي أيضاً في تركيز الصوديوم في سوائل الجسم بتأثير هرمون الألدوستيرون aldosterone الذي تفرزه خلايا قشرة الغدة الكظرية بآليات تنظيم ذاتي تؤدي فيها بعض المركبات التي تنتجها خلايا الكبد والكليتين دوراً أساسياً إثر نقص الصوديوم في الدم. فإذا انخفض حجم الدم أو انخفض تركيز الصوديوم في السائل خارج الخلايا إلى دون الحد الطبيعي تُثار آليات التنظيم الذاتي لتزيد من إفراز الألدوستيرون إلى الدم، ويحرض بدوره أنيبيبات الكلية على امتصاص كميات زائدة من الصوديوم والماء المرتشح مع البول وإعادته إلى الدم، مما يعيد التوازن المائي-الملحي للوسط الداخلي إلى السواء (الشكل 3).
    تتأثر التفاعلات الاستقلابية في خلايا الجسم بدرجة الحرارة، فتتباطأ مع انخفاضها، وتزداد مع ارتفاعها إلى حدود معينة، ويؤدي ارتفاعها الزائد إلى خلل في التفاعلات الاستقلابية التي قد تتوقف نهائياً. وفي حين يعمل بعض الحيوانات بنجاح في مجال محدد من درجة الحرارة يراوح بين -2 ْو+40 ْم، فإن المدى الحراري المفضل لحيوانات أخرى كالماشية مثلاً يراوح بين 15ـ25 ْم. وإذا ارتفعت الحرارة عن ذلك أو انخفضت، فإنها تحتاج إلى توفير البيئة المناسبة من أجل ضمان حياتها.
    الشكل (4)
    تقسم الحيوانات وفقاً لذلك إلى حيوانات متبدلة الحرارة وأخرى متجانسة الحرارة. تضم المجموعة الأولى اللافقاريات والأسماك والبرمائيات من الفقاريات، وهي الحيوانات التي تتغير درجة حرارة أجسامها حسب حرارة الوسط. أما الحيوانات متجانسة الحرارة فتضم الطيور والثدييات، ولأجسامها حرارة ثابتة لاتتغير حسب درجة حرارة الوسط. وتراوح في الثدييات بين 36و38 ْم. ويتم الحفاظ على درجة الحرارة ثابتة للجسم بوساطة جهاز تنظيم حراري متطور لديها. وهذا مايفسر وجودها في جميع بقاع الأرض من المنطقة الاستوائية إلى المنطقة الأكثر برودة (الشكل 4).
    يقع مركزالتنظيم الحراري في الوطاء، ويبقى عمله مرتبطاً بدرجة حرارة ثابتة موروثة تدعى بنقطة البدء set-point يعمل على ضبطها، وهي بحدود 37 ْم عند معظم الثدييات، وخارج هذه الدرجة زيادةً أو نقصاناً تحدث تغيرات واضحة في فقد الجسم للحرارة أو إنتاجها بإشراف المركز المنظم للحرارة، حيث يتلقى هذا المركز على نحو دائم سيلاً من المعلومات الحسية الحرارية القادمة من مستقبلات السخونة ومستقبلات البرودة الموزعة في الجسم. فعندما ترتفع درجة حرارة الجسم من جراء التعرض للأوساط الحارة أو في أثناء قيام الفرد بمجهود عضلي، تزداد عندئذٍ المعلومات القادمة من مستقبلات السخونة، الأمر الذي ينبّه مركز التنظيم الحراري، ويدفعه إلى إرسال إيعازات عصبية إلى أعضاء مختلفة من الجسم تعمل بمجملها على تنشيط آليات إنقاص الحرارة منها:
    1ـ تثبيط المراكز العصبية الودية والذي ينتج منه توسع في الأوعية الدموية السطحية مما يزيد من معدل نقل الحرارة إلى الجلد لطرحها بالإشعاع والتماس.
    2ـ تحريض الغدد العرقية على إفراز العرق للتخلص من الحرارة الزائدة، وفي هذه الحالة يكون معدل فقد الجسم للحرارة أكبر من إنتاجها، ولذلك تهبط درجة حرارته إلى الحد المناسب. أما في حالة انخفاض درجة الحرارة من جراء التعرض للأوساط الباردة، فتزداد معها السيالات الحسية القادمة من مستقبلات البرودة، وتحرض مركز تنظيم الحرارة على إرسال إيعازات عصبية تعمل بمجملها على الحد من فقدان الجسم للحرارة وتنشط آليات إنتاج الحرارة منها:
    1ـ تحريض الغدة الدرقيّة على زيادة إنتاج التيروكسين thyroxine.
    2ـ تحريض الغدة الكظريّة على زيادة إنتاج الأدرينالين adrenaline، وكلاهما يزيد النشاط الاستقلابي المنتج للحرارة.
    3ـ تحريض الرجفة العضلية (القشعريرةshivering )؛ وبالنتيجة يكون معدل إنتاج الحرارة أكبر من معدل خسارتها فترتفع درجة حرارة الجسم.
    كما تلجأ الحيوانات إلى أفعال سلوكية لضبط حرارة أجسامها، ففي البيئة الحارة، تُهيئ بعض الثدييات لنفسها مخابئ ذات حرارة منخفضة ورطوبة عالية، تلجأ إليها نهاراً عند اشتداد الحر فيقيها ذلك من فقدان الماء بالبخر. ويسعى بعضها الآخر كالجمال والظباء إلى الربط بين منع ارتفاع حرارة الجسم والتحكم في خسارة الماء، بأن تصبح من متبدلات الحرارة جزئياً.
    أما في البيئة الباردة فتستخدم الحيوانات الثديية وسائل للحفاظ على الثبات الحراري وهي:
    1ـ تقليل فقدان الجسم للحرارة، وذلك بزيادة العزل بتراكم الدهون تحت الجلد وزيادة سمك الفراء.
    2ـ زيادة النشاط العضلي بالقشعريرة.
    3ـ تتجنب بعض الثدييات درجات الحرارة المنخفضة، بالقيام بهجرات طويلة المدى أو بالدخول في حالة سبات يومي أو سبات شتوي hibernation. فالخفاش يتحول إلى حيوان متبدّل الحرارة في أثناء النوم، ويبقى متجانس الحرارة في أثناء نشاطه. ويستعد السنجاب الأرضي للدخول في السبات الشتوي بتخزين كمية من دهون الجسم.
    وهكذا فإن الثدييات تمتلك وسائل فعَّالة لتنظيم فعالياتها الاستقلابية ومواجهة التحدي الذي تفرضه تغيرات البيئة وذلك بتنظيم مباشر من الجهازين العصبي والهرموني وبمشاركة معظم أعضاء الجسم.
    محمد علي الخطيب
يعمل...
X