امريكة جنوبية قارةSouth America - الامريكتين بشكل مثلث قاعدة للشمال وأس جنوب

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • امريكة جنوبية قارةSouth America - الامريكتين بشكل مثلث قاعدة للشمال وأس جنوب

    امريكهجنوبيه

    South America - Amérique du Sud

    أمريكة (قارة ـ)

    تتألف أمريكة America أو ما يعرف بالعالم الجديد من كتلتين بريتين كبيرتين تعرفان بقارة أمريكة الشمالية وقارة أمريكة الجنوبية. يشغل مجموع مساحتيهما مع أرخبيلات جزر بحر الكاريبي نحو 42.080.000كم2 أي مايعادل 28.2% من مساحة اليابسة. وتمتد على خطوط الطول من البحر (المحيط) المتجمد الشمالي في الشمال إلى التقاء مياه المحيط الأطلسي والمحيط الهادئ في الجنوب مسافة تزيد على 14650كم بين خطي عرض 83 درجة شمالاً و56 درجة جنوباً. ولكل من الأمريكتين شكل مثلث قاعدته نحو الشمال ورأسه نحو الجنوب مع فارق أن الكتلة الرئيسة لأمريكة الشمالية واقعة في النطاقات المناخية المعتدلة الباردة الشمالية وتصل سواحلها الشمالية حتى المنطقة القطبية الشمالية. في حين تقع الكتلة الرئيسة لأمريكة الجنوبية في النطاق المناخي الاستوائي والمداري وتمتد أراضيها على نصفي الكرة الشمالي والجنوبي مع انتشار الجزء الأعظم منها في المنطقة المدارية الجنوبية، وتؤلف اليابسة الأمريكية حاجزاً أرضياً ضخماً يفصل المحيط الأطلسي في الشرق عن المحيط الهادئ في الغرب، شُقت فيه قناة بنمة[ر] في أضيق أجزائه للربط بينهما مائياً.
    أما تسمية أمريكة فقد أطلقها على العالم الجديد بشقيه الشمالي والجنوبي في عام 1507 جمعية من العلماء والمختصين، عقدت اجتماعها في مدينة سان دييه الفرنسية وذلك تخليداً لاسم أمريكو فيسبوتشي (1454 - 1512م) Amrigo Vespuccei البحّار الفلورنسي الذي قام بين عامي 1497 و1504م بأربع رحلات إلى العالم الجديد، وترك وراءه تفاصيل رحلاته وأسرارها وخفاياها والأراضي التي مرّ بها مدونة.
    اختلفت آراء الباحثين من جغرافيين ومؤرِّخين وسياسيين حول تسمية الأمريكتين الشمالية والجنوبية والحدود الفاصلة بينهما، إذ تصادف تسميات مختلفة مثل تقسيم أمريكة إلى ثلاث وحدات قارية كُبْرى هي:
    أمريكة الشمالية وأمريكة الوسطى وأمريكة الجنوبية. تنتهي فيها حدود أمريكة الشمالية مع حدود الولايات المتحدة الأمريكية الجنوبية مع المكسيك، لتبدأ أمريكة الوسطى التي تنتهي في الجنوب عند حدود بنمة مع كولومبية وتضم جزر الكاريبي، ومنها نحو الجنوب تمتد قارة أمريكة الجنوبية. كذلك هناك تقسيم آخر يضيف إلى الوحدات المذكورة وحدة جزر الكاريبي وحدة رابعة.
    أما من الناحية الثقافية والاجتماعية والمذهبية الدينية والإثنية فما أكثر ما يُفَرَّقُ بين أمريكة الشمالية الأنغلوسكسونية، وتضم كندا والولايات المتحدة (إضافة إلى الأراضي ذات الغالبية الفرنسية)، وأمريكة اللاتينية التي يقصد بها البلدان المتكلمة بالإسبانية والبرتغالية وتضم جميع الأراضي والدول الواقعة جنوب الولايات المتحدة الأمريكية، بما فيها أرخبيلات بحر الكاريبي، حتى رأس هورن في أقصى جنوبي أمريكة الجنوبية.
    وقد تمعن بعض المصادر في التقسيم الثقافي - اللغوي، فتفرق في بلدان أمريكة اللاتينية بين أمريكة البرتغالية وتشتمل على البرازيل، وأمريكة الإِسْبانيّة وتضم بقية أنحاء أمريكة اللاتينية.
    وتفادياً لهذه التداخلات المربكة أحياناً وانسجاماً مع الاتجاه الجغرافي المعاصر يقسم هذا البحث أمريكة إلى قارتين هما قارة أمريكة الشمالية وقارة أمريكة الجنوبية، تفصل بينهما الحدود بين بنمة وكولومبية، مع إدخال أرخبيلات بحر الكاريبي في نطاق أمريكة الشمالية، واقتصار أمريكة الجنوبية على دول: كولومبية وفنزويلة وغويانة وسورينام وغويانة الفرنسية والبرازيل والإكوادور والبيرو وبوليفية والباراغواي والأورغواي والأرجنتين والتشيلي، وممتلكات هذه الدول في المحيطين الأطلسي والهادئ.
    لكن بعض الضرورات المرتبطة بطبيعة الموضوعات الجيولوجية والسكانية والتاريخية والحضارية قد يفرض نوعاً من التجاوز للحدود الجغرافية المذكورة تجاوزاً لا يغير في المبدأ المرسوم لهذا البحث، الذي يبدأ بدراسة قارة أمريكة الجنوبية بحسب التسلسل الهجائي.

    أمريكة الجنوبية
    تبدو أمريكة الجنوبية منزاحة شرقاً بالموازنة بينها وبين أمريكة الشمالية، بحيث لا تزيد معها المسافة الفاصلة بين أقصى شرقي البرازيل وسواحل غربي إفريقية على 3000 كم، وهنالك تكامل في المظهر الخارجي للسواحل الغربية لإفريقية وللسواحل الشرقية لأمريكة الجنوبية، حتى ليمكن المطابقة بين الكتلة البرازيلية المتقدمة في مياه المحيط الأطلسي وخليج غينية الإفريقي، إضافة إلى وجود تشابه كبير في البنية الجيولوجية، وإلى تماثل كبير في عناصر الأحياء النباتية والحيوانية لهذين القطاعين، وهذا ما يؤكد حقيقة أنهما كانتا متصلتين في فجر التاريخ الجيولوجي، وهذه النقاط بالذات هي التي استند إليها الألماني فيغنر A.Wegener عندما وضع أسس نظريته الشهيرة عن انزياح القارات.
    الحدود والمساحة: تبلغ مساحة أمريكة الجنوبية نحو 17700000 كم2 يضاف إليها مساحة مجموعة من الجزر المبعثرة قبالة سواحلها مثل جزر فوكلند (مالفين أومالوين) وخوان فرناندز وسان أمبروزيو وغالاباغوس، وعلى هذا تصل مساحتها الإجمالية إلى نحو 17.830.000 كم2، وهذا يعادل 12% من مساحة اليابسة، و تمتد أراضيها بين درجتي العرض 12 درجة و25 دقيقة شمالاً و56 درجة جنوباً ويخترقها كل من خط الاستواء ومدار الجدي، وعلى هذا تصل المسافة بين أقصى النقاط الشمالية لساحل فنزويلة شمالاً وأرض النار جنوباً إلى نحو 7600 كم، مقابل 6000كم للمسافة بين مدينة ريسيف البرازيلية الواقعة على ساحل المحيط الأطلسي شرقاً ومدينة غواياكيل الإكوادورية الواقعة على ساحل المحيط الهادئ غرباً، وتتصف هذه الرقعة المساحية بالتنوع الشديد في بيئتها الطبيعية، وعلى رأسها الشروط المناخية، وبتباينات بالغة الأهمية من ناحية الإعمار البشري، يضاف إلى ذلك وضعها التضاريسي الخاص المتصف بامتداد سلاسل الأنديز على طول سواحلها الغربية وذلك على شكل حاجز جبلي لا يقل ارتفاعه عن 3000م، ويصل في أقصى النقاط ارتفاعاً في قمة اكونكاغوا إلى 6960م، علماً بأن عرض هذه السلسلة يرواح بين 150كم في الإكوادور وفي بوليفية و700كم في منطقة الحدود بين البيرو وبوليفية. وإلى الشرق من هذه السلسلة تمتد مجموعة من السهول والهضاب والكتل القديمة، إلى جانب بعض الكتل الجبلية المتوسطة الارتفاع. يضاف إلى هذا الوضع التضاريسي الخاص، الدور الكبير الذي تقوم به التيارات المحيطية التي تساير سواحل أمريكة الجنوبية مثل تيار البيرو (همبولدت) البارد غرباً، وفوكلند البارد شرقاً، وتيار البرازيل الحار الذي يساير الأجزاء الشمالية لسواحل أمريكة الجنوبية، وتيار الاستوائي الشمالي (التيار الكاريبي) الحار الذي يساير السواحل الشمالية. وتعد السواحل الشرقية في أمريكة الجنوبية عموماً أكثر ملاءمة للاستثمار وللاستيطان إذا ووزنت بالسواحل الغربية، وباستثناء مسافة قصيرة جداً تتمثل بالحدود بين كولومبية وبنمة، فإن حدود أمريكة الجنوبية مسطحات مائية مهمة، تتمثل بالبحر الكاريبي والمحيط الأطلسي شمالاً، والمحيط الهادئ غرباً وممر درِك Drake الواصل بين المحيطين الأطلسي والهادئ جنوباً، والمحيط الأطلسي شرقاً.
    اكتشاف القارة والتوسع الاستيطاني والعمراني: إن جذور الحياة البشرية في القارة الأمريكية في حقبة ما قبل التاريخ، أقل تطوراً منها في بقية أنحاء العالم، كحوض البحر المتوسط والسواحل الجنوبية الشرقية للقارة الآسيوية مثلاً. ومع ذلك فإن الهنود الحمر أرسوا هنا قواعد حضارات راقية شملت مساحة واسعة من الأمريكتين على حد سواء. وما تزال بعض مجموعاتهم البشرية تعيش في مناطق الغابة الاستوائية في ظل الشروط الأولية التي كان يعيشها أسلافهم، وفي عزلة تامة عن معطيات الحضارة الحديثة، كما أن الغموض ما يزال يكتنف الكثير من جوانب الحياة البشرية الأمريكية في العهود السابقة للاكتشافات الجغرافية الكبرى للعالم الجديد. ويتفق الدارسون والباحثون كافة على أن أصل الهنود الحمر (أول من عمر القارة الأمريكية) هو من القارة الآسيوية. إذ وصلت مجموعات من الصيادين المتنقلين فوق جليديات سيبيرية الشرقية إلى مضيق برنغ (بهرنغ) الواصل بين آلاسكة وسيبيرية، ومنه إلى مناطق كندا والولايات المتحدة الأمريكية الشمالية التي كانت مغطاة بالجليديات الضخمة أيضاً، وذلك في حقب أكثر برودة من الحقب الجيولوجي الرابع الحديث إبان تقدم الزحوف الجليدية، وتحول الكثير من المسطحات المائية إلى كتل من الجليد الصلب، مما أدى إلى انخفاض مستوى البحار والمحيطات (مستوى الأساس العام) في حقبة جليدية ويسكونسن التي يعود عمرها إلى 70000 سنة، واستمرت نحو 60000 سنة دون المستوى الحالي (مستوى الأساس الحالي) بنحو 100م، ولما كان عمق مياه مضيق برنغ الفاصل بين أقصى شرقي القارة الآسيوية وبين آلاسكة والذي تكوَّن نتيجة لحركة انهدامية حديثة العهد نسبياً، لا يزيد على 100م إطلاقاً (عمقه الوسطي 50 م)، فإن المساحة التي يشغلها هذا المضيق كانت مغطاة تماماً بالجليد الذي انتشر على طول رقعة مساحية يصل عرضها إلى 1000كم مما أدى إلى اتصال سيبيرية الشرقية بآلاسكة مؤلفاً ما كان يعرف ببرنغية (بهرنغيه) التي غطتها أعشاب السهوب والتوندرة في معظم القطاعات، وهذا ما أتاح للصيادين المتجولين في شرقي القارة الآسيوية فرصة المرور إلى أراضي أمريكة الشمالية، ومنها انتشروا لبقية أنحاء القارة الجنوبية وصولاً إلى أرض النار جنوباً فعمروها. أما أقدم الآثار التي تشير إلى ظهور الإنسان في أمريكة الشمالية فقد أمكن تأريخها بوساطة الكربون 14 C14، إذ تبين أنها تعود إلى ما قبل 20000 - 35000 سنة، أما الآثار البشرية في أمريكة الجنوبية فإنها أحدث من ذلك بكثير، فقد حددت أعمارها بنحو 16000 سنة، في فنزويلة والبرازيل و14000 سنة في البيرو و 12000 سنة في تشيلي وبنحو 10000 سنة على أطراف مضيق ماجلان و9000 سنة في أرض النار. ولكن الدراسات المعاصرة قدمت معطيات مهمة في هذا المجال، إذ كشف العالم توم ديليهي T.D.Dillehay رئيس بعثة جامعة كنتكي الأمريكية للدراسات والحفريات التاريخية، النقاب عن آثار مهمة في مونت فيردي Monte Verde في تشيلي، تشير إلى وجود حياة بشرية تعود إلى 13000 سنة، وقد توصلت البعثة إلى اكتشاف حفرتين منخفضتين ومبطنتين بالغضار ضمن طبقة من الرماد العادي، على عمق يصل إلى مترين، وهما موقدان عثر فيهما على ما يكفي من الفحم النباتي أو من الخشب المتفحم لتحديد عمرهما بالكربون المشع، فكانت النتيجة 33000 سنة للأولى و 33000 - 40000 سنة للثانية، كما عثر في حفرة ثالثة وقرب الحفرتين الآنفتي الذكر على نحو 26 أداة حجرية من الأدوات التي كانت تستخدم على ما يبدو في معالجة النباتات بسلسلة من العمليات، وعلى هذا يمكن التأكيد أن بدايات وصول الإنسان إلى أمريكة الشمالية يرقى إلى أكثر من 50000 سنة. وبعد تراجع الجليديات الآنفة الذكر تمثلت الاتصالات بين العالمين القديم والجديد بوصول مجموعات من الأسكيمو من سيبيرية عابرين مضيق برنغ، مستخدمين قواربهم الخاصة المعروفة باسم كايّاك، كما وصلت بعد ذلك - عن طريق الملاحة البحرية - مجموعات بشرية من الشرق الأقصى ومن جنوب شرقي آسيا ومن أوقيانوسية إلى سواحل المحيط الهادئ في القارة الأمريكية، وقد دلت التحريات والدراسات الاختصاصية على أن أقدم هذه الاتصالات يرقى إلى نحو الألف الرابع قبل الميلاد، واستمرت حتى قبيل عصر الاكتشافات الجغرافية الكبرى. إن التنوع العرقي والثقافي للجماعات البشرية القديمة هنا يعطي دليلاً قاطعاً على تباينات أصولهم، وعلى تباينات نماذج تلاؤمهم مع الأحوال الطبيعية السائدة في القارة الجديدة، وأهم المناطق التي وفد منها هؤلاء هي: شمالي آسيا وجنوب شرقيها وميلانيزية وبولينيزية، وعلى هذا فإن كولومبوس وماجلان وجون كابوت وجاك كارتييه وغيرهم، عندما وصلوا إلى شواطئ العالم الجديد كان هذا العالم مأهولاً بالهنود الأمريكيين (الهنود الحمر) الذين قدّر عددهم بنحو 12 مليوناً، منهم نحو 6 - 8 ملايين في أمريكة الجنوبية والوسطى، وأسسوا حضارات متقدمة مثل حضارة الإنكا التي قامت في مناطق البيرو وبوليفية الحاليتين، والتي تعد من أرقى الحضارات التي قامت في القارة الأمريكية، إن لم تكن أرقاها على الإطلاق. يضاف إليها حضارة الأزتِك في المكسيك، والمايا في شبه جزيرة يوكاتان.
    أما حركة الاكتشافات الجغرافية للعالم الجديد فقد بدأها الفايكنغ المنطلقون من اسكندنافية، إذ تمكن إريك الأحمر من تأسيس مستعمرته الأولى على سواحل غرينلند عام 982م، كما تمكنوا من الوصول إلى سواحل اللابرادور بين عامي 1003 و 1006م إذ عثر على آثارهم في فاوندلاند. في حين أن الاكتشافات الفعلية للقارة بدأت في أواخر القرن الخامس عشر، الذي شهد تنافساً ملاحياً مثيراً بين القوى الأوروبية العظمى في ذلك الوقت، كبريطانية وفرنسة وهولندة وإسبانية والبرتغال، التي تمكنت من تأسيس مستعمرات مهمة في القارة الأمريكية، إضافة إلى هولندة التي تركت بصمات واضحة في جزر الهند الغربية عامة. وقد جاءت حركة الاكتشافات الآنفة الذكر في أثناء محاولات هذه القوى العثور على طريق ملاحي إلى الهند من غير المرور بالممتلكات الإسلامية، إذ تمكن كريستوف كولومبوس من الوصول إلى سان سلفادور في 11 تشرين الأول عام 1492م، بعد أن أبحر صبيحة 3 آب من العام نفسه. وبغية تجنُّب الخلافات المستقبليّة بين إسبانية والبرتغال تم توقيع اتفاقية توردسيلاس عام 1494م التي حددت مناطق نفوذ كل من الدولتين واكتشافاتها فتركت المناطق الواقعة إلى الشرق من خط الطول 50 درجة مئوية غرباً، للمكتشفين البرتغاليين، والأراضي الواقعة إلى الغرب منه للمكتشفين الإسبان. وفي عام 1497م تمكن البرتغالي فاسكودوغاما من الوصول إلى الهند مروراً بالرأس الأخضر وبرأس الرجاء الصالح، وهذا ما دفع البرتغاليين إلى صرف النظر مؤقتاً عن اكتشاف جزر الهند الغربية الواقعة في المحيط الأطلسي والتي سبقهم الإسبان إليها، ومع ذلك وفي عام 1500م أبحر بيدرو ألفارِسْ كابرال باتجاه الهند سالكاً الطريق الذي اختطه فاسكودوغاما، وعندما حاول كابرال تجنب مناطق السكون والهدوء الاستوائية دفعته الرياح التجارية والتيارات البحرية باتجاه الغرب، فوصل إلى سواحل البرازيل الاستوائية وأسس هنالك مستعمرة برتغالية بهذا الاسم اتسمت بالطابع البرتغالي لغوياً وثقافياً وحضارياً، ولاسيما أنها تقع ضمن القطاعات البرتغالية التي حددتها اتفاقية توردسيلاس. وقد دفع هذا النجاح البرتغالي الإسبان إلى زيادة الاهتمام بحركة الاكتشافات الجغرافية. وفي الوقت نفسه بدأت الاهتمامات الإنكليزية والفرنسية والهولندية بالتزايد مع رحلات جون كابوت (1497 - 1498م) وأمريكو فيسبوتشي (1497 - 1503م) والبرتغالي كورت ريال (1500 - 1502م).
    ونتيجة لما حققته هذه الرحلات، تأكد لدى الأوربيين أهمية مجموعة الجزر والأراضي الجديدة هذه بصفتها محطات واقعة على طريق الهند والصين شرقاً. وقد ترسخت هذه الفكرة تماماً عندما تمكن بلباو الإسباني من اجتياز برزخ بنمة للوصول إلى سواحل المحيط الهادئ عام 1513، ومنذ ذلك الحين وُجهت الاهتمامات الخاصة للعثور على ممر مائي يصل المحيطين الهادئ بالأطلسي. وحاول الإسبان البحث عن نظير لهذا الطريق باتجاه الجنوب الغربي، واعتقد دوسوليس أنه عثر عليه عام 1516 عندما وصل إلى مصب ريودولابلاتا الذي يصل عرضه إلى نحو 400 كم، ولكن صعوبة الأحوال الطبيعية التي واجهته منعته من التوغل ضمن مياه النهر غرباً، في حين تمكن ماجلان البرتغالي الذي أبحر لحساب ملك إسبانية بين عامي 1519 و1522م من الوصول إلى المضيق الذي يحمل اسمه اليوم، والذي يصل بين المحيطين الأطلسي شرقاً والهادئ غرباً باتجاه شبه القارة الهندية.
    كما تمكن كولومبوس من اكتشاف فنزويلة عام 1498م، وتمكن فيسبوتشي من الإبحار على طول السواحل الشرقية لأمريكة الجنوبية، ووصل حتى باتاغونية، وفي عام 1527م تمكن سيباستيان كابوت من توسيع حركة اكتشاف المناطق الداخلية مستغلاً ملاءمة نهري بارانا والباراغواي للملاحة النهرية، ونزل فرانشيسكو بيزارو في خليج غواياكيل على ساحل المحيط الهادئ، وتمكن من السيطرة على امبراطورية الإنكا المترامية الأطراف، وذلك عام 1533م وقام بتأسيس مدن ليمة (عاصمة الملوك) وأروكيبة وسانتياغو، وأرسل عدة بعثات لاكتشاف المناطق الداخلية، كما نزلت بعثة فيلينيون الفرنسية في منطقة ريودي جانيرو البرازيلية عام 1555م، وبقيت في صراع مع البرتغاليين فيها إلى أن تم طردها في القرن السابع عشر. وكان الماغرو قد وصل إلى سواحل تشيلي عام 1536م وتمكن فالديفيا من احتلالها عام 1540م، كما تمكن كيسادا من تأسيس سيوداد الكولومبية (قرب بوغوته) عام 1538م، ونزل المستعمرون الإسبان على السواحل الشمالية لفنزويلة عام 1546م. وفي زمن لاحق تم تأسيس رِدافة (نيابة ملكية) ريودولابلاتا التي ظلت تابعة للبيرو حتى 1778م، كما قامت رِدافة ملكية سانتافية التي شملت أراضي الإكوادور وفنزويلّة وكولومبية الحاليّة وجعلت بوغوته عاصمة لها، أما رِدافة ملكية البيرو فقد كانت تشمل كلاً من البيرو وتشيلي والسهول الجنوبية كافة. وفي مطلع القرن التاسع عشر، وبعد سلسلة من الأحداث والاضطرابات والمشاكل الداخلية التي شهدتها شبه جزيرة إيبرية تعاظمت الحركة الوطنية في المستعمرات الإسبانية والبرتغالية في أمريكة الجنوبية وطالبت بالاستقلال الكامل، وتمكن سيمون بوليفار عام 1808م من طرد القوات الإسبانية، وغدا بذلك محرراً لأمريكة اللاتينية بمجملها وقام بتأسيس جمهورية كولومبية الكبرى عام 1821م. وحاول تأسيس اتحاد فدرالي مع كل من البيرو وبوليفية من دون تحقيق نجاح يذكر. واندلعت سلسلة من الحروب الأهلية التي وقفت عائقاً أمام التطور الاقتصادي والاجتماعي الذي ما زالت تعانيه دول المنطقة. أما ملك البرتغال الذي كان قد لجأ إلى البرازيل عام 1808م، فقد عاد إلى وطنه الأم عام 1816م مخلفاً نجله حاكماً عاماً للبلاد، ولكن هذا الأخير أعلن استقلال امبراطورية البرازيل عام 1822م التي استمرت قائمة حتى عام 1889م حين أعلن قيام جمهورية البرازيل الاتحادية.
    ومنذ أن اكتشف الإسبان والبرتغاليون أمريكة الجنوبية واستعمروها عملوا على استغلال ثروات البلاد ونهب خيراتها ونقلها إلى الوطن الأم من دون الالتفات إلى الإصلاح الداخلي وإلى تطوير المستعمرات. ولهذا فقد اقتصر دورهم في إدارة البلاد على الإشراف على عمليات الإنتاج الزراعي (قصب السكر والقطن والتبغ بوجه خاص)، وعلى استغلال المعادن الثمينة كالذهب والفضة بتسخير اليد العاملة من السكان الأصليين ومن الزنوج الذين نُقلوا من إفريقية قسراً بوساطة تجارة الرقيق، إضافة إلى قيامهم بالتحكم العسكري بالنقاط وبالمواقع الاستراتيجية في أمريكة الجنوبية. وهكذا اقتصر دور المستعمرين على السلب والنهب وعلى فرض الضرائب الباهظة لرفد ميزانية الوطن الأم لدرجة أن خيرات مستعمرات أمريكة الجنوبية الإسبانية ألّفت 80% من الدخل القومي في القرن الثامن عشر.
    وبالمقابل فإن حركة إنشاء المدن والقرى وإعمارها شهدت نشاطاً ملحوظاً في المستعمرات الإسبانية ووضعت مخططاتها مماثلة لمخططات المجمعات السكانية الكبرى في حوض البحر المتوسط، حيث تتألف المدينة من ساحة مركزية تتوضع حولها المؤسسات الإدارية والدينية والمدارس الكبرى.

  • #2
    الأوضاع الجيولوجية
    مع البساطة النسبية لمظاهر سطح أمريكة الجنوبية فإن كتلتها القارية الضخمة تتألف من وحدات بنيوية وبنائية شديدة التشابك والتعقيد وتماثل في خطوطها الكبرى الأجزاء الغربية من إفريقية، وهذه الوحدات هي:
    1ـ الكتل القاعديّة القديمة (المجنّات القديمة): وتتألف من ثلاث كتل رئيسة مفصول بعضها عن بعض بسلسلة من الأحواض الانهدامية الكبرى، تحدها السهول الوسطى غرباً والسهول الساحلية المطلة على المحيط الأطلسي شرقاً وتضم هذه الكتل:
    آ - الكتلة الشمالية: وتعرف بكتلة غويانة وتشغل رقعة مساحية مهمة تمتد على طول غويانة وجنوبي فنزويلة وجنوب شرقي كولومبية وشمالي البرازيل، مشرفة على حوض الأمازون من ارتفاعات واضحة.
    ب - كتلة البرازيل الوسطى أو الكتلة البرازيلية الغربية: ويحدها حوض الأمازون شمالاً وحوضا بارناييبه وساوفرانسيسكو شرقاً.
    حـ - كتلة البرازيل الساحلية أو الكتلة الشرقية: وتمتد في المنطقة الواقعة بين سواحل المحيط الأطلسي شرقاً وحوضي بارناييبه وساوفرانسيسكو غرباً.
    وتؤلف هذه الكتل القاعدة أو الأساس الذي توضعت عليه أراضي أمريكة الجنوبية، كما تظهر صخورها على السطح في أماكن متفرقة خارج الكتل الآنفة الذكر كما هو الحال في باتاغونية وفي شمال غربي الأرجنتين، وأقدم التوضعات الجيولوجية التي تتألف منها هذه الكتل هي مجموعة من الصخور المتحولة تغلب عليها صخور الغنايس والأمفيبوليت والماغماتيت التي يعود عمرها إلى نحو 4 مليارات سنة، بالإضافة إلى بعض الصخور الغرانيتية التي تعود إلى الحركة الأولى المولدة للجبال المعروفة باسم الحركة الهيلينية. وقد تعرضت هذه الصخور بمجملها لأعمال حت وتعرية بالغة العنف وتوضعت فوقها وبشكل متنافر مجموعة أخرى من الصخور المتحولة ذات الأصل الرسوبي كصخور الشيست والكوارتزيت، إضافة إلى صخور أخرى ذات منشأ بركاني أو غرانيتي يعود عمرها إلى نحو 2700 مليون سنة، وهي وثيقة الصلة بحركة غويانة المولدة للجبال التي يعود عمرها إلى الحقبة نفسها. وتتوضع فوق الصخور السابقة مجموعة ثانية من صخور الشيست والأحجار الرملية الغنية بالعروق الغرانيتية والديوريتية التي يعود عمرها إلى عمر الحركة الكاريبية المولدة للجبال والتي نشطت على مرحلتين يعود أقدمها إلى 2200 مليون سنة، وأحدثها إلى 1900 مليون سنة. وفي كتلة غويانة تقبع فوق التوضعات السابقة كتل مهمة من الحطاميات الحمراء اللون، القارية المنشأ، تعرف باسم توضعات روريمة. أما الهوامش والأطراف الساحلية لهذه الكتل فهي مغطاة بسلسلة من الرسوبات والتوضعات القارية والبحيرية العائدة إلى العصر الكريتاسي من الحقب الجيولوجي الثاني، وإلى بداية الحقب الجيولوجي الثالث التي تغطيها أحياناً توضعات من الحقب الجيولوجي الرابع. وهذه الرسوبيات غنية عموماً بالألمنيوم الذي يعود عمره إلى أواخر الحقب الجيولوجي الثالث وإلى أوائل الحقب الجيولوجي الرابع.
    وفي الأحواض الانهدامية المحصورة بين هذه الكتل القديمة، تتكدس مجموعة من الصخور المتحولة كالغنايس والميكاشيست إضافة إلى صخور الغرانيت التي يعود الفضل في ظهورها إلى حركة مولدة للجبال عمرها 1350 مليون سنة تليها صخور أخرى من الميكاشيست والكلوريتوشيست الغنية جداً بالعروق الغرانيتية التي يعود عمرها إلى حركة مولدة للجبال حدثت قبل 500 مليون سنة. أما توضعات الحقب الجيولوجي الأول التي تقبع فوق البريكامبري (ما قبل الكامبري) بعدم توافق زاوي المظهر فتتألف من الحطاميات ومن الصخور الكلسية، وتوضعات تغلب عليها الصفة القارية ذات المنشأ الجليدي باتجاه القمة. وهي ناجمة من دون أدنى شك عن نشاط الجليديات الكبرى التي كانت تغطي أجزاء مهمة من قارة غوندوانة وخاصة إبان العصر الكربوني، في حين أن توضعات الحقب الجيولوجي الثاني ما هي إلا ركاميات حمراء ذات منشأ ريحي تكونت في شروط مناخية صحرواية جافة (صخر رملي أحمر عائد للعصر الترياسي) مماثلة تماماً لتوضعات الترياسي في غربي إفريقية التي كانت ما تزال متصلة بأمريكة الجنوبية. أما الانسياحات والأغشية البازلتية السائدة هنا، والتي تعد من أهم الأغشية وأكثرها اتساعاً على سطح الكرة الأرضية، إذ تغطي مساحة تزيد على 900000 كم2 وبثخانة تصل إلى 600م، فإنها تعود إلى العصر الجوراسي. ومع بداية العصر الكريتاسي، بدأت قارة غوندوانة بالتجزؤ، وسادت التوضعات القارية في أمريكة الجنوبية في هذا العصر مع ظهور رسوبيات بحرية باتجاه القمة، وبالمقابل فقد شهد الحقب الجيولوجي الثالث تعاقباً من التوضعات القارية والبحرية، إضافة إلى تزايد أهمية الرسوبيات واللحقيات النهرية التي تتزايد أهميتها وثخانتها باتجاه المناطق الشرقية التي كانت تتلقى حمولة الأنهار الهابطة من الأنديز التي شهدت نشاطاً حتياً مهماً، وقد استمرت هذه التوضعات اللحقية بالانتشار شرقاً وخاصة في حوض الأمازون طوال الحقب الجيولوجي الرابع.
    أما الحركات المولدة للجبال الآنفة الذكر والتي تعرضت لها هذه الكتل القديمة، فقد شهدت نشاطها الأولي انطلاقاً من أحواض رسوبية مهمة ذات اتجاه شرقي/غربي، ظهر أقدمها في منطقة غويانة وجنوبي فنزويلَّة الحالية، حيث حدثت الحركة الهيلينية قبل أربعة مليارات عام، تلتها الحركة الغويانية التي يعود عمرها إلى 2.6 – 2.7 مليار سنة، ونشطت ابتداءً من مقعر أو حوض رسوبي يقع إلى الشمال من المقعر السابق. أما الحركة الكاريبية فقد أثرت في مجمل الكتل القديمة في أمريكة الجنوبية، وقد نشطت هذه الحركة على مرحلتين يعود أقدمها إلى 2.2 مليار سنة وأحدثها إلى 1.9 مليار سنة. أما الصدوع والفوالق الكبرى ذات الأهمية القارية، التي كانت وراء نشوء الأحواض الانهدامية فقد بدأت بالنشاط بعد نهاية الحركة الكاريبية، في حين أن الرسوبيات التي تكدست ضمن هذه الأحواض تعرضت بدورها لحركات مولدة للجبال على مرحلتين يعود أقدمها إلى نحو 1.35 مليار سنة وأحدثها إلى نحو 500 مليون سنة. وفي أواخر الحقب الجيولوجي الثالث وبداية الحقب الرابع، حدث نشاط بنائي (تكتوني) بالغ الأهمية تمثل بحدوث مجموعة كبيرة من الفوالق ومن الصدوع التي أدت إلى تصاب محسوس لتضاريس المنطقة، أدى بدوره إلى حدوث نشاط حتي عنيف، وهذا ما يفسر شباب تضاريس الكتل القديمة والأحواض الفاصلة بينها مع أن الصخور التي تشكلها هي صخور قديمة جداً.
    2ـ سلسلة جبال الأنديز[ر] وهي سلسلة جبلية تمتد على طول سواحل المحيط الهادئ في أمريكة الجنوبية ويصل طولها من فنزويلة شمالاً إلى أرض النار جنوباً إلى نحو 6437كم.
    الجغرافية الطبيعية:
    وهي تشمل ما يأتي:
    1ـ التضاريس: يميز في أمريكة الجنوبية ثلاث وحدات تضريسية كبرى، تمتد متطاولة من الشمال إلى الجنوب، ففي أقصى الغرب، تمتد سلاسل جبال الأنديز وما يتبعها من سلاسل البحر الكاريبي الموازية للسواحل الشمالية لفنزويلّة بطول يصل إلى أكثر من 10000كم منها نحو 7500كم لسلاسل الأنديز وحدها، ويزيد عرض هذه السلاسل في قطاعاتها المركزية على 750كم ويتناقص هذا العرض تدريجياً نحو الشمال إلى 200كم ونحو الجنوب إلى 150 كم، وتتباين المظاهر العامة للسلسلة تبايناً محسوساً من قطاع إلى آخر، ففي كولومبية مثلاً، تتألف جبال الأنديز من ثلاث سلاسل تفصل بينها أغوار انهدامية واسعة، فهناك سلسلة غربية لا تتجاوز ارتفاعاتها 3900م، مقابل 5300م للسلسلة الشرقية، كما تتعدد المخاريط البركانية التي تتخذ مظاهر أعراف حادة تكلل قمم السلسلة المركزية فيها، وباتجاه الإكوادور تندمج السلسلتان الوسطى والشرقية لتشكلا سلسلة وحيدة تنفصل عن السلسلة الغربية بمجموعة من الأغوار الانهدامية العميقة، وتتخذ في كل من البيرو وبوليفية وشمالي تشيلي مظهر هضاب عالية تراوح معدلات ارتفاعها بين 3500م و4500م عليها قمم شاهقة، تحفها شرقاً وغرباً سلاسل جبلية غير مستقرة نسبياً تكثر فيها البراكين والزلازل شأنها شأن بقية أنحاء الأنديز، وفي أقصى الجنوب تتناقص الارتفاعات حتى تقتصر جبال الأنديز على سلسلة من القمم والأعراف التي لا يتجاوز معدل ارتفاعها 3000م فوق مستوى سطح البحر.
    أما في شرقي أمريكة الجنوبية فتمتد مجموعة الكتل القديمة المتمثلة بكتلة غويـانة التي تغلب عليها الصخور والحجارة الرملية وتصل ارتفاعاتها إلى 3000م، تليها كتلة البرازيل الشرقية التي تنحدر انحداراً خفيفاً من الشرق باتجاه الغرب، وتطل على السهول الساحلية الأطلسية بجروف صخرية شديدة الانحدار، وتتألف هذه الكتل من صخور متحولة وأخرى مُهْلِيِّة تعرضت لأعمال حت وتعرية بالغة العنف. وتتجزأ الكتل القديمة في أمريكة الجنوبية بسلسلة من الفوالق والصدوع المهمة التي أوجدت سلسلة من الأحواض الانهدامية كأودية بارناييبة وساوفرانسيسكو وسالتير وبارانا، وإلى الجنوب من الكتلة البرازيلية تمتد صبة اندفاعية بازلتية كبيرة مغطية صخور القاعدة القديمة ومنحدرة بلطف نحو سهول ريودي لابلاتا. كما تتخذ القاعدة القديمة في شرقي أمريكة الجنوبية ولاسيما قطاعها الممتد بين ولايتي باهية وريوغراندودوسول، مظهراً جبلياً متوسط الارتفاع، تخدده الأودية النهرية المتعمقة، وتتبعثر عليه القمم والأعراف الحادة.
    أما الوحدة التضاريسية الثالثة فتمتد بين سلاسل الأنديز غرباً، والكتل القديمة شرقاً، وتتألف من السهول اللحقية النهرية الخصبة التي تغطي ما يقرب من 35% من إجمالي مساحة قارة أمريكة الجنوبية، ولا يزيد معدل ارتفاعها العام على 200م فوق مستوى سطح البحر، ويميز فيها عادة بين سهول حوض الأورينوكو التي تعرف عادة باسم سهول اللانوس الفنزويلية في أقصى الشمال وهي سهول منبسطة تشهد فيضانات سنوية مهمة تتكدس فيها الأنقاض والرسوبيات القادمة من جبال الأنديز مكوّنة دلتا داخلية حقيقية، وإلى الجنوب يمتد حوض الأمازون بسهوله اللحقية الخصبة، التي تحفها المصاطب النهرية المؤلفة من توضعات رملية وغضارية وحصويَّة ولاسيما في الأجزاء العليا من الحوض المذكور. وفي الجنوب تمتد سهول ريودي لابلاتا التي تغلب عليها الطبيعة الرملية شمالاً والتي تعرف هنا باسم سهوب تشاكو Chaco القليلة السكان، وتتقاسمها كل من الأرجنتين والباراغواي، وتعرف أجزاؤها الجنوبية باسم سهول البامبا الشهيرة بزارعة القمح.
    وتتألف هذه السهول عموماً من توضعات ورسوبيات بحرية وقارية المنشأ ولحقيات نهرية، إضافة إلى الرماد البركاني الذي تزداد أهميته في المناطق الجنوبية خاصة، حيث تصل الثخانة الإجمالية لهذه التوضعات إلى نحو خمسة كيلومترات.
    2ـ المناخ: تتعدد النماذج المناخية السائدة في أمريكة الجنوبية، وذلك بسبب امتدادها الكبير على درجات العرض ومرور خط الاستواء ومدار الجدي من أراضيها، فإلى جانب المناخ الاستوائي النموذجي السائد على حوض الأمازون، تتدرج النماذج المناخية جنوباً، إذ يسود المناخ المداري الرطب فالمداري الجاف حتى خط العرض 30 درجة جنوباً ليبدأ المناخ المعتدل البارد نسبياً في جنوبي باتاغونية. والظاهرة اللافتة للانتباه هنا هي أن المسافر من مدينة بوغوتة الواقعة على خط العرض 40 درجة شمالاً وعلى ارتفاع 2600م عن سطح الأرض باتجاه مدينة نيويورك الواقعة على مستوى سطح البحر، وفي حدود درجة العرض 40 درجة شمالاً يشعر وكأن درجات الحرارة في تزايد محسوس وذلك خلافاً لإحدى القواعد الأساسية في توزع الحرارة على سطح الأرض والقاضية بارتفاع معدلاتها حين الاقتراب من خط الاستواء، ولتفسير هذه الظاهرة لا بد من إدخال تأثير العوامل الأخرى إلى جانب عامل الارتفاع عن سطح البحر، وعلى رأس هذه العوامل، الوضع التضاريسي، إذ إن السلاسل الجبلية الكبرى هنا تمتد على طول السواحل الغربية والشرقية على حد سواء، فضلاً عن تأثير الرياح التجارية والتيارات البحرية التي تقوم بدور بالغ الأهمية، كالدور الذي تقوم به التناقضات الحرارية بين درجة حرارة الكتل القارية والمسطحات المائية الكبرى.
    آ - دور السلاسل الجبلية: تقف سلاسل الأنديز الممتدة على طول سواحل المحيط الهادئ في أمريكة الجنوبية حاجزاً مستمراً يمنع وصول المؤثرات المناخية المحيطية القادمة من المحيط الهادئ، فيبقى تأثيرها محدوداً على طول شريط ساحلي ضيق للغاية، إلى جانب السفوح الغربية للسلاسل المذكورة. أما على طول السواحل الشرقية فتمتد مجموعة من الكتل المتفرقة والأقل ارتفاعاً وأهمية من جبال الأنديز، ومع ذلك فإنها تقوم بدور مناخي مهم، لأنها تتلقى الرياح المطيرة القادمة من المحيط الأطلسي فترتفع معدلات الهطل فيها ارتفاعاً ملموساً بالموازنة بينها وبين المناطق الداخلية، وبين هذين القطاعين الجبليين تمتد مجموعة السهول والأحواض الداخلية على شكل ممر عريض يسمح بتوغل الرياح القطبية الجنوبية الباردة باتجاه الشمال حتى حوض الأمازون، وتعرف هذه الرياح باسم بامبيرو في الأرجنتين وفرياجيم في البرازيل.
    إن العلاقة بين الأوضاع التضريسية والأحوال المناخية في أمريكة الجنوبية تتيح إمكانية النشاط الزراعي حتى ارتفاعات تصل إلى 4000م عن سطح البحر، أما حد الثلج الدائم فإنه يقع على ارتفاع 700م فقط في أرض النار في أقصى الجنوب، ويرتفع إلى 5000م في البرازيل الاستوائية، وبسبب اعتدال المناخ في مناطق الهضاب العليا في الأنديز فإنها تستقطب الجزء الرئيس من أعداد السكان وفعالياتهم الاقتصادية.
    ب - الرياح التجارية الموسمية: تعد الرياح التجارية من مميزات المناطق المدارية، إذ إنها تهب من المدارين باتجاه خط الاستواء منحرفة باتجاه اليمين في نصف الكرة الشمالي ونحو اليسار في نصف الكرة الجنوبي، وتعد هذه الرياح في أمريكة الجنوبية من أهم الكتل الهوائية التي تحمل الرطوبة إلى القارة، وذلك لأن الرياح التجارية الشمالية الشرقية تفرغ حمولتها من الرطوبة على أطراف الهضبة البرازيلية، أما الرياح الموسمية الرطبة، فهي النتيجة المباشرة للتباين بين التسخن الكبير للكتلة القارية بالموازنة بينه وبين حرارة مياه المحيط الأطلسي صيفاً، وهذا ما يؤدي إلى حدوث تباينات مهمة في الضغط الجوي السائد على كل منهما، ولهذا تهب الرياح الرطبة الباردة نسبياً باتجاه القارة، حيث تتلقى الأجزاء الجنوبية الشرقية والشمالية الشرقية كميات مهمة من الهطول التي تتوغل غرباً حتى السفوح الشرقية لجبال الأنديز مع وقوعها على مسافة 4000كم من سواحل المحيط الأطلسي.
    ج - التيارات البحرية: للتيارات البحرية شأن بالغ الأهمية في تغيير الأحوال المناخية وإيجاد تناقضات مناخية حادة، فعلى طول السواحل الغربية لأمريكة الجنوبية يمر تيار همبولدت البارد الذي يولد شروطاً مناخية خاصة تحول دون وصول المؤثرات المحيطية إلى القارة، مؤدية بذلك إلى تكوين صحراء أتاكاما التي تعد واحدة من أكثر صحاري العالم جفافاً. كما أن الأجزاء الجنوبية للسواحل الشرقية تتعرض لأحوال مماثلة نتيجة لمرور تيار فوكلند البارد المتجه شمالاً قبالة هذه السواحل، أما الأجزاء الشمالية من هذا الساحل الممتدة إلى الشمال من مصب ريودي لابلاتا فإنها تتأثر بمرور تيار البرازيل الحار الذي يسهم في زيادة معدلات الهطل السنوية، تماماً كحال السواحل الشمالية التي يحاذيها تيار البحر الكاريبي الدافئ (أو التيار الاستوائي الشمالي). ونتيجة لتفاعل العوامل الآنفة الذكر، فإن النماذج المناخية السائدة في أمريكة الجنوبية هي:
    ـ المناخ الاستوائي: يسود حوضي الأمازون والأورينوكو الأعلى على قطاع محدود المساحة من جنوبي كتلة غويانة، وتقع هذه المناطق بمجملها تحت تأثير الكتل الهوائية الاستوائية طول أيام السنة، ويصل المعدل الحراري السنوي هنا إلى 27 درجة مئوية، والمدى الحراري السنوي في مدينة بيليم إلى 1.6 درجة مئوية مقابل 1.7 درجة مئوية في مدينة ماناؤس، ويصل المعدل السنوي للأمطار إلى 2804 ملم تهطل على مدار 250 يوماً في السنة.
    ـ المناخ المداري ذو الفصل الجاف: تراوح معدلات الحرارة فيه بين 20 درجة مئوية و28 درجة مئوية تبعاً لتباينات درجات العرض ومعدلات الارتفاع عن سطح البحر، ويصل المدى الحراري السنوي هنا إلى 6.6 درجة مئوية في مدينة سانتوس البرازيلية، ويسود هذا النموذج المناخي الهضبة البرازيلية بدرجات متفاوتة، حيث تراوح معدلات الهطل بين 1500 ملم و2500 ملم، وتتلقى سواحل الأطلسي البرازيلية أمطاراً مهمة في المدة بين شهري تشرين الثاني وأيار، وعلى النقيض من ذلك تنحبس الأمطار في مناطق الهضبة الداخلية التي لا تتلقى سوى 10 ملم في المدة بين شهري حزيران وأيلول.

    تعليق


    • #3
      المناخ الجاف ونصف الجاف: يسود المناخ الجاف سواحل البيرو وشمالي تشيلي بسبب سيطرة الكتل الهوائية الجافة والناجمة عن تمركز المرتفع الجوي المداري الباسيفيكي (المحيط الهادئ) طوال أيام السنة، أما المناخ نصف الجاف، فيسود سهوب تشاكو التي تتلقى بعض الأمطار الصيفية على نقيض البامبا التي تتلقى بعض الأمطار الشتوية بفعل المنخفضات الجوية الناجمة عن الجبهة القطبية.
      ـ المناخ فوق المداري الرطب: يسود مناطق جنوبي البرازيل والأورغواي وشمال شرقي الأرجنتين ويتصف هذا النموذج المناخي بتوزع أمطاره على مدار السنة.
      ـ المناخ المتوسطي: الذي يمتاز بصيفه الحار الجاف وشتائه البارد والرطب، ويسود هذا النموذج منطقة محدودة تمتد بين مدينتي فالديفيه وسانتياغو على ساحل المحيط الهادئ التشيلي.
      ـ المناخ المحيطي البارد والرطب: ويسود أقصى جنوب تشيلي ويرتبط بسيطرة المنخفضات التي تسببها الجبهة القطبية الباسيفيكية.
      ـ المناخات الجبلية: وهي شديدة التنوع في أمريكة الجنوبية لتباين درجات العرض من جهة ولتباين معدلات الارتفاع عن سطح البحر من جهة ثانية، فعلى أقدام الأنديز الاستوائية تسود أحوال مناخية حارة ورطبة حتى ارتفاع 2000م فوق مستوى سطح البحر، تليها منطقة مناخية معتدلة في القطاع المحصور بين 2000م و 3500م فوق سطح البحر، ومناخ بارد فوق 3500م، ويسود الثلج الدائم اعتباراً من 5000م.
      3ـ المياه: ثمة قطاعات واسعة من الأجزاء الجنوبية لأمريكة الجنوبية محرومة من أشكال التصريف المائي المنظم، يتخللها بعض القطاعات التي تجري مياهها السطحية ضمن منخفضات مغلقة، في حين أن الواجهة المطلة على المحيط الأطلسي وأقصى شمالي أمريكة الجنوبية تحتضن أهم الأحواض النهرية الموجودة في أمريكة الجنوبية، وتتصف السفوح الغربية لسلاسل الأنديز عموماً بتعدد المجاري السيلية وقصرها وانحدارها، مسببة فيضانات مدمرة، وخاصة في الأجزاء الشمالية من أمريكة الجنوبية حيث ترتفع معدلات الهطل.
      وأهم أنهار أمريكة الجنوبية:
      آ - نهر الأُورينوكو: يبلغ طوله نحو 2740كم، وتقع منابعه الأولى في الأجزاء الجنوبية من هضبة غويانة وعلى ارتفاعات لا تتجاوز 400م. يتلقى النهر سلسلة معقدة من الروافد الهابطة من السفوح الشرقية لسلاسل الأنديز إضافة إلى نهر كاسيكيار الذي يصب أحياناً في نهر نيغرو رافد الأمازون، ويصب أحياناً أخرى في نهر الأورينوكو الذي يعد مجراه من أغنى المجاري بالجنادل (السقطات المائية) وبالشلالات التي يصل ارتفاعها في بعض المناطق إلى 30م وتستغل لتوليد الطاقة الكهرمائية. ويتجه المجرى الرئيس شمالاً، ثم شرقاً فشمالاً شرقياً لينتهي في المحيط الأطلسي بعد أن يكون دلتا بالغة الأهمية.
      ب - الأمازون: يعد من أهم أنهار الكرة الأرضية على الإطلاق، إذ يصل معدل صبيبه إلى 180000 - 200000م3/ثا، وطوله 6440 كم. يستمد هذا النهر العظيم منابعه الأولى من سلاسل الأنديز ومن ارتفاعات تصل حتى 5500م فوق مستوى سطح البحر تحت اسم نهر مارانيون وأوكايالي اللذين يلتقيان في عالية إيكيتوس. ويحفر الأمازون في هذه المناطق خوانق مهمة يصل عمقها إلى 2000م، كما يتلقى مجموعة من الروافد الرئيسة مثل جوروا (2150 كم) وبوروس (3207 كم)، ويصل عرض المجرى الرئيس للأمازون في القطاعات الوسطى إلى 25 كم. أما نهر نيغرو الذي يرفد ضفة الأمازون اليسرى بعد أن يقطع مسافة 2500كم فيقوم بتصريف مياه المنطقة الممتدة بين جنوب غربي كتلة غويانة وشرقي كولومبية، ويتناقص عرض مجرى الأمازون بعد أن يتلقى روافده المذكورة إلى خمسة كيلومترات، أما عمقه فيصل إلى 70م قبل أن يتلقى رافده مادييرا (3200 كم) الذي ينبع من مناطق الأنديز البوليفية كذلك نهر تاباجوس (1800 كم) وكسينغو (1500كم). أما قطاعات المجرى الأدنى التي يجري فيها الأمازون فهي مناطق سهلية يصل عرضها إلى أكثر من 350كم ويتفرع فيها النهر إلى شبكة معقدة من المجاري والأقنية التي تحصر فيما بينها مجموعة من الجُزيرات النهرية الواطئة. وتصل حمولة النهر السنوية من الطمي إلى أكثر من مليار طن، تساعده على تشييد دلتا ذات شأن. وتتحول هذه القطاعات في أوقات الفيضان إلى منطقة موحلة شديدة الخطورة تعرف باسم فارزية Varze ولا يزيد معدل انحدار المجرى الرئيس للنهر في الأراضي البرازيلية على 2/100000، والأمازون قادر، بسبب ارتفاع معدل صبيبه، على تعكير مياه المحيط الأطلسي حتى مسافة 100كم من مصبه، في حين أن مياهه العذبة التي تصب في المحيط تبقى مميزة حتى مسافة 300كم من المصب.
      ويتلقى الأمازون روافد قادمة من نصفي الكرة الأرضية، ولهذا فإنه يمتاز بجريانه المنتظم نسبياً، وقد يشهد أحياناً فيضانات شديدة تنجم عن تزامن الأمطار الغزيرة في القطاعات العليا من أحواض روافد ضفته اليمنى، مع الهطل الأعظمي لأحواض روافد ضفته اليسرى، كما أن حركة المد العليا تدفع بمياه المحيط الأطلسي حتى مسافة 1000كم من مصب النهر. ومجرى الأمازون صالح للملاحة ولدخول السفن الضخمة حتى مسافة 4379كم من السواحل البرازيلية.
      ج - نهر ساوفرانسيسكو: ويصل طوله إلى نحو 3198 كم، ويقوم بتصريف المياه السطحية لمناطق السافانا الواقعة في الهضاب الشرقية من القارة ويصب في المحيط الأطلسي.
      د - ريودي لابلاتا: يستمد هذا النهر منابعه من مناطق في شرقي البرازيل وطوله نحو 3000كم. وينتهي بمصب واسع على المحيط الأطلسي يصل عرضه إلى 400كم وينتهي فيه نهر بارانا (4700 كم)، كما يصب فيه نهر الباراغواي (2549كم) ونهر الأُرغواي (1500كم).
      أما أهم البحيرات في أمريكة الجنوبية فهي: بحيرة تيتي كاكا[ر] التي تقع على ارتفاع 3810م فوق مستوى سطح البحر، وتصل مساحتها إلى 8300كم2 ويتجاوز عمقها 350م. وبحيرة بوبو التي تصل مساحتها إلى 2530كم2 وتقع على ارتفاع 3690م، وبحيرة ماراكايبو المفتوحة ومساحتها 16300كم2 وعمقها 250م.
      4ـ النبيت والوحيش: تمتلك أمريكة الجنوبية غطاء نباتياً شديد التنوع والغنى، إذ تتوالى فيها التشكيلات النباتية التالية من الشمال إلى الجنوب:
      آ - الغابة الاستوائية والمدارية الرطبة: وهي غابة شديدة الكثافة تنتشر في المناطق التي تتلقى معدلات هطل لا يقل عن 2500 ملم موزعة على مدار السنة من دون وجود فصل جاف. وتتميز هذه الغابة بنظامها الطابقي الواضح المؤلف من أشجار متفاوتة الارتفاع، وتسود هذه الغابة في حوضي الأمازون الأعلى والأُورينوكو وتمتد حتى سواحل المحيط الهادئ الشمالية، ويعود ازدهارها إلى وفرة الشروط الضرورية من حرارة ورطوبة وضوء، التي تتيح تعدد الأصناف النباتية، فقد أحصي في مساحة هكتارين اثنين فقط في منطقة بيليم البرازيلية 49 صنفاً من الأشجار التي يزيد معدل ارتفاعها على 30 متراً و83 صنفاً يزيد ارتفاعها على 8 أمتار، وسبعة أصناف يزيد ارتفاعها على المترين و22 صنفاً يقل ارتفاعها عن متر إضافة إلى 30 صنفاً من النباتات المتسلقة و20 صنفاً من النباتات التي تعيش على الأشجار المختلفة من دون أن تكون متطفلة عليها، يضاف إليها ثمانية أصناف من النباتات الزاحفة. وتعيش ضمن هذه الغابة مئات الأصناف من الطيور، ومثلها من الحشرات المختلفة، والزواحف وغيرها، وأنواع خاصة من الثدييات التي تعيش على أرض الغابة أو على الأشجار وأهم حيوانات هذه الغابة على الإطلاق السمندل أو عروس الشتاء، وهو حيوان صغير يشبه التمساح إلى حد بعيد. وهناك أنواع مختلفة من القردة وبعض الحيوانات المفترسة والكثير من أصناف الضفادع. وتتناقص كثافة الأشجار تناقصاً ملحوظاً ويقل ارتفاعها في المناطق التي يسودها فصل جفاف طويل نسبياً كما هو الحال في جنوب شرقي البرازيل، وهنا تظهر الغابات الموسمية المؤلفة من أدغال شائكة تتبعثر فيها بعض الأشجار العملاقة.
      ب - حشائش السافانا وأعشابها: وتتخللها بعض الشجيرات المبعثرة التي تنمو في مناطق اللانوس الفنزويلية والكامبوس البرازيلية، وتتطلب هذه الأعشاب معدلات هطل سنوية لا تتجاوز 1000 ملم، أما الحيوانات التي تصادف في هذه البقاع فقد قدمت من المناطق الشمالية، وأهمها الظباء والأرانب وأنواع خاصة من النمل الكبير الذي يتغذى بديدان الأرض، كما تصادف بعض الأبقار الوحشية وكلاب المراعي وأنواع خاصة من البوم والحيوانات المفترسة بأنواعها المعروفة.
      جـ - إلى الجنوب من السافانا تنمو على التربة السوداء حشائش الأعشاب والمراعي الفقيرة المتوافقة مع الجفاف النسبي في مناطق تشاكو والبامبا، ويزداد فقرها وتبعثرها مع ازدياد الجفاف باتجاه جنوبي باتاغونية، حيث تعيش الكوباي أو ما يعرف بخنزير الهند الذي يمثل الحيوان الرئيس هنا، وأنواع القوارض المختلفة.
      د - غابات المناطق المعتدلة: وتنمو في أرض النار وجنوبي تشيلي، وتتألف من أشجار دائمة الخضرة نتيجة للهطولات المهمة هنا، حيث تغلب الغابات المخروطية المؤلفة من أشجار الصنوبر والأرز والزان والبلوط، وتكثر في هذه المناطق الثعالب والظباء والقوارض المختلفة، وعلى رأسها الأرانب والفئران وجرذان الحقل، وأصناف عدة من الطيور.
      هـ - إلى الشمال من الغابة السابقة يمتد على ساحل تشيلي الأوسط نطاق الغابة المتوسطية.
      و - وفي صحراء أتاكاما تتميز الحياة النباتية والحيوانية بتلاؤمها مع الجفاف الشديد، إذ تختزن النباتات المياه وتعمل على امتصاص الرطوبة، متبعة وسائل وأساليب مختلفة. ومع وجود الجفاف هنا فإن الحياة النباتية تمتاز بغناها النسبي بالأصناف الشمعية والشوكية وأشجار النخيل في واحاتها النادرة. أما الحيوانات المنتشرة هنا فإنها تختبئ في جحورها نهاراً بسبب الحرارة العالية لتنشط في أثناء الليل، باستثناء الحِرْذون الذي ينشط نهاراً. وأهم الحيوانات الأخرى القوارض، وعلى رأسها جربوع الكنغر الذي يتحمل العطش مدة طويلة جداً، إلى جانب أصناف أخرى لا تبول إطلاقاً كنوع من أنواع الاقتصاد في استهلاك المياه النادرة في هذا الوسط الصحراوي القاسي.
      ز - إضافة إلى ما تقدم، تعد مياه الأنهار في أمريكة الجنوبية كالأورينوكو والأمازون وبارانا والباراغواي من أغنى المياه العذبة في العالم بثروتها السمكية التي تضم ما يزيد على 2000 صنف من الأسماك والأحياء المائية المختلفة، وعلى رأسها سمك السلور والجمنوت gymnut الكهربائي الضخم الذي يصل طوله إلى أكثر من مترين وتشتهر به أمريكة الجنوبية بوجه خاص، فضلاً عن أسماك الدوع carassin أو الشفنين raie الذي ينتشر بكثرة في نهري الأمازون والأورينوكو، وفي هذه المياه أيضاً دلفين المياه العذبة وأسماك القرش التي تم اصطياد بعض منها على مسافة تصل إلى 3000كم من ساحل المحيط الأطلسي في إيكيتوس.
      5 - الأقاليم الجغرافية الطبيعية: تقسم أمريكة الجنوبية إلى أربعة أقاليم طبيعية كبرى هي:
      أ - إقليم كتلة غويانة المحصور بين نهري الأورينوكو والأمازون في أقصى الشمال، إضافة إلى الأجزاء الشرقية من فنزويلّة، وتتناثر هنا مجموعة من القمم الجبلية التي يصل أقصى ارتفاع لها إلى أكثر من 2600م أو أكثر، وقد تمتد ضمن مناطق اللانوس بين خطي العرض 4 درجة و 10 درجات شمالاً حيث تسود حشائش السافانا التي تتخللها بعض الأشجار المتفرقة وتنتهي على المحيط الأطلسي بسلسلة من السهول الساحلية الواسعة نسبياً.
      ب - إقليم الهضبة البرازيلية شرقاً وتتألف هذه الهضبة من صخور قديمة جداً نهضت بفعل العوامل البنائية إلى ارتفاعات تراوح بين 500م و1000م، وتخددها مجموعة مهمة من الأنهار وعلى رأسها بارناييبه (1000كم) وتوكانتين (2600كم). وتشرف على هذه الهضبة من الجنوب الشرقي مجموعة من القمم يراوح ارتفاعها بين 2000م و2700م في الشرق، وتنتهي على الأطلسي بسهل ساحلي ضيق نسبياً، وتتلقى هذه الهضبة هطول سنوية تصل إلى 2500مم، أما سطحها العام فينحدر متدرجاً باتجاه الغرب.
      حـ - إقليم أواسط أمريكة الجنوبية حيث تمتد مجموعة من السهول الواسعة أهمها سهل الأمازون الذي يمتد من حدود خط الاستواء حتى خط العرض 10 درجات جنوباً، ويمثل نهر الأمازون وروافده هنا شريان الحياة الاقتصادية.
      د - إقليم أقصى الغرب حيث تمتد سلاسل الأنديز على طول سواحل المحيط الهادئ، وتضم هذه السلاسل 30 قمة يتجاوز ارتفاعها 5000م ومجموعة مهمة من البراكين الخامدة، وتبدأ بسلسلة وحيدة في أقصى الجنوب، لتتحول إلى سلسلة مزدوجة في الوسط وإلى ثلاث سلاسل متوازية في الشمال تحصر فيما بينها مجموعة من الهضاب العليا والسهول الجبلية والأحواض الانهدامية، وتستقطب هذه السهول جزءاً مهماً من الفعاليات الاقتصادية والبشرية في المنطقة، كما أنها تضم أكبر بحيرتين في أمريكة الجنوبية هما بحيرتا تيتي كاكا، وبوبو. كما أنها تمتاز بغطائها النباتي الكثيف نسبياً، وعلى الأقدام الغربية للأنديز يمتد شريط ضيق من السهول الساحلية التي تضم في قطاعاتها الوسطى صحراء أتاكاما التي لا تتلقى أكثر من 8 ملم من الأمطار سنوياً.
      وتبعاً لتباين الأحوال الطبيعية في الأقاليم السابقة، تتباين أنواع الترب وتتباين معها طرق استثمار الأرض ونماذج استغلالها واستغلال الموارد الطبيعية في أمريكة الجنوبية.
      الجغرافية البشرية
      وهي تشمل ما يأتي:
      1 - عناصر السكان والهجرة: تؤلف أمريكة الجنوبية خليطاً بشرياً حقيقياً يستقطب معظم العروق البشرية المعروفة على اليابسة، وقد وصلت غالبية سكانها الأوائل عن طريق الهجرات الطوعية كهجرة الهنود الحمر والعناصر البيضاء، والهجرة القسرية المتمثلة في نقل العناصر الزنجية من القارة الإفريقية، كما حدث تزاوج كبير بين أفراد المجموعات العرقية هنا، مما أدى إلى إيجاد سلسلة من العروق الهجينة التي تختلف في صفاتها وخصائصها عن المجموعات العرقية الأم المتمثلة بالزنوج والبيض والهنود الحمر الذين يعدون أقدم عنصر بشري في القارة، وكذلك بالعرق الأصفر القادم من الشرق الأقصى ومن جنوب شرقي آسيا.
      ولا يميز في أمريكة الجنوبية سيادة عددية مطلقة لعرق من دون آخر خلافاً لما هو في أمريكة الشمالية حيث تؤلف العناصر البيضاء الغالبية التي تتحكم في مرافق الحياة كافة. وليست الأعداد الفعلية لكل مجموعة عرقية معروفة بدقة في أمريكة الجنوبية لعدم توفر الإحصائيات الدقيقة من ناحية، ولتمازج الحدود والسمات والملامح المميزة لكل عرق من ناحية أخرى، ونتيجة للتزاوج الذي شهدته أمريكة الجنوبية بعروقها البشرية المختلفة. ومع ذلك يمكن تحديد مناطق معينة تسود فيها مجموعات دون أخرى كبوليفية والبيرو حيث يؤلف الهنود الحمر العنصر الغالب، والبرازيل والأرجنتين حيث تسود العناصر البيضاء، والأورغواي والبارغواي وكولومبية وفنزويلّة حيث تسود العناصر الخلاسية.
      إن تناقص أعداد البيض في أمريكة الجنوبية بالموازنة بينها وبين أمريكة الشمالية يعزى بالدرجة الأولى إلى الأحوال المناخية السائدة إذ إن العناصر الأوروبية التي ألَّفت الأغلبية البيضاء لم تتلاءم مع العالم الجديد إلا في المناطق التي تتمتع بمناخ معتدل، ولما كانت أمريكة الجنوبية مدارية واستوائية في معظمها، فإن المهاجرين البيض الأوائل اتجهوا نحو أمريكة الشمالية.
      آ - السكان الأصليون: هم أحفاد الهنود الحمر الذين قدموا أصلاً من القارة الآسيوية عن طريق مضيق برنغ وما زالوا يقطنون مناطق خاصة بهم نسبياً، وتقطن بعض مجموعاتهم كثيراً من المناطق المنعزلة التي يصعب الوصول إليها، كالغابة الاستوائية الكثيفة في حوض الأمازون، والمناطق الجبلية الشاهقة. ويتصف الهنود الحمر، وخاصة من يعيش منهم على ارتفاعات تتجاوز 4000م، بتوافق جهاز الدوران والقلب وأعضاء الجهاز التنفسي مع الأوضاع الطبيعية الصعبة السائدة هناك. وقد أرسى الهنود الحمر في هذه المناطق قواعد حضاراتهم القديمة الراقية، وهم ينتمون إلى مجموعة من القبائل المختلفة أمكن تعرف المجموعات التالية منها حتى الوقت الحاضر:
      ـ مجموعات الآرواك والكاريبيون الذين يعيشون في شمالي أمريكة الجنوبية، وتعد هضاب البرازيل موطنهم الأصلي، ومنها انطلقوا لإعمار بقية المناطق الشمالية وجزر الأنتيل، ووصلوا حتى فلوريدة، كما أنهم توسعوا جنوباً حتى الباراغواي.
      ـ الغارياس والجيس في المناطق الاستوائية البرازيلية.
      ـ الشارواس والباتاغونيوس في مناطق تشاكو وفي الأورغواي حيث المناخ المعتدل إضافة إلى مجموعات الأوناس في أرض النار.
      وفي مناطق الأنديز، أمكن تعرف مجموعات التشيبشاس في كولومبية والغاراس في الإكوادور والشيموس على سواحل المحيط الهادئ والجيفاروس في حوض الأمازون الأعلى، والإيماراس في أواسط الأنديز وجنوبيه ومنهم الكيتشوا المعروفون باسم الإنكا، وقد استقر هؤلاء منذ أمد طويل جداً على ضفاف بحيرة تيتي كاكا، وأرسوا قواعد حضارة راقية، وقاموا بإنشاء القرى وشق الطرق، واعتمدوا في حياتهم الاقتصادية على زراعة الذرة الصفراء والفاصولياء والبطاطا والقطن في الأودية النهرية، إضافة إلى رعي قطعان اللاما، واشتهروا بحرفة نسج الصوف، كما اعتمدوا على الري واستغلوا المياه السطحية المتوافرة بأساليب اقتصادية. ولكل مجموعة منهم زعيم يتم اختياره بالانتخاب ثم يخلفه أكبر أبنائه، وكانت لهم قلاع حصينة تحرس مداخلها والممرات المؤدية إليها وحدات عسكرية خاصة، كما شكلوا وحدات أخرى لتنفيذ الأوامر التي يصدرها زعيم القبيلة أو المجموعة إذ قسمت القبيلة الواحدة إلى مجموعات مؤلفة من 10 - 50 - 100 - 500 أو 1000 نسمة. وتصل أعداد الهنود الحمر في أمريكة الجنوبية إلى نحو 22.869.000 نسمة وهذا مايعادل 8.19% من السكان موزعين على الدول المختلفة بنسب متباينة (الجدول 1).

      الـدول العناصر الخلاسية العناصر البيضاء العناصر الزنجية الهنــود
      الحمــر
      عنــاصر
      أخــرى*
      المجموع
      العـدد % العـدد % العـدد % العـدد % العـدد %
      الأرجنتين 8736000 28 20280000 65 1560000 5 624000 2 31.200.000
      الإكوادور 5760000 60 960000 10 960000 10 192000 20 9.600.000
      الأورغواي 2850000 95 150000 5 3.000.000
      الباراغواي 3895000 95 123000 3 82000 2 4.100.000
      البرازيل 37258000 26 85980000 60 15763000 11 4299000 3 143.300.000
      بوليفية 2048000 32 960000 15 3392000 53 6.400.000
      البيرو 9494000 47 1010000 5 404000 2 9292000 46 20.200.000
      تشيلي 8118000 66 3075000 25 492000 4 615000 5 12.300.000
      سورينام 124000 31 28000 7 40000 10 148000 37 60000 15 400.000
      غويانة 80000 10 32000 4 240000 30 40000 5 408000 51 800.000
      غويانة الفرنسية 27427 35 14667 18.7 23500 30 1000 1.3 11742 15 78.336
      فنزويلة 11926000 67 3738000 21 1780000 10 356000 2 17.800.000
      كولومبية 20400000 68 6000000 20 1500000 5 2100000 7 30.000.000
      المجموع 110.716.427 122.350.667 22.762.500 22.869.000 479742 279.178.336
      الجدول (1) عناصر السكان في أمريكة الجنوبية تبعاً لمعطيات إحصائيات عام 1989م
      * عدم ذكر الأرقام هنا يعزى إلى امتزاجهم الكبير بالمجموعات الكبرى وإلى انخفاض أعداد من حافظ منهم على صفاته الأولية مما يقلل من شأن هذه الأعداد.
      ب - العناصر البيضاء: وصلت إلى أمريكة الجنوبية نتيجة للهجرات الكبرى القادمة من أوربة أولاً ثم من بقية أنحاء العالم كافة، منذ بداية عصر الاكتشافات الجغرافية، ففي عام 1550م بلغ عدد القادمين من شبه جزيرة إيبرية وحدها إلى البرازيل نحو 40000 مهاجر، أما أفواج المهاجرين المهمة، فقد بدأ وصولها إلى أمريكة الجنوبية منذ مطلع النصف الثاني للقرن التاسع عشر، إذ بدأت أعداد كبيرة من الإسبان تصل إلى الأرجنتين والبرازيل والأورغواي. بوجه خاص، فوصل نحو مليوني إسباني إلى الأرجنتين، مقابل 600000 فقط إلى البرازيل، ومثلهم إلى كل من تشيلي والأورغواي وقد فضّل البرتغاليون التوجه إلى البرازيل التي كانت مستعمرتهم الوحيدة في أمريكة الجنوبية، وحاولوا تحديد أعداد المهاجرين إليها من العناصر غير البرتغالية، بغية الحفاظ على تفوقهم فيها، وبلغ عدد من وصل منهم منذ عام 1884م نحو 1.5 مليون مهاجر برتغالي، ونحو 40000 إلى الأرجنتين ومثلهم إلى الأورغواي وفنزويلّة. وكانت الهجرات الإيطالية أكثر أهمية واتساعاً من الهجرات الإسبانية والبرتغالية، وقد تمكن الإيطاليون من التلاؤم السريع مع معطيات الحضارة ذات الأصل الإيبري ومع المذهب الكاثوليكي الذي كان سائداً هنا، وهكذا وصل نحو 2.6 مليون إيطالي إلى الأرجنتين و1.5 مليون إلى البرازيل، كما وصل نحو نصف مليون فرنسي إلى أمريكة الجنوبية اتجه 230000 منهم إلى الأرجنتين مقابل 80000 اتجهوا إلى البرازيل. وكان لهؤلاء شأن مهم في التطور الاقتصادي للمناطق التي نزلوا بها. وأسهمت بقية الدول الأوربية بإرسال أعداد كبيرة من المهاجرين إذ وصل 250000 ألماني إلى البرازيل و200000 إلى الأرجنتين، يضاف إليهم أعداد منهم اتجهت إلى كل من فنزويلّة وتشيلي وكولومبية. أما الإنكليز فقد توجه نحو 65000 منهم إلى الأرجنتين و20000 إلى البرازيل ومثلهم إلى الأورغواي، كما وصلت باتاغونية أعداد من الاسكتلنديين ومن الإيرلنديين الذين أسهموا في إرساء قواعد التطور الاقتصادي تماماً كما فعل الفرنسيون، في حين استعمر الاسكتلنديون جزر مالوين (فوكلند) التي ما تزال مستعمرة بريطانية حتى هذا الوقت. كما أن الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت هي نفسها قبلة لأعداد كبيرة من المهاجرين من بقية أنحاء العالم، أسهمت بإرسال 50000 مهاجر إلى دول أمريكة الجنوبية وذلك عام 1940م، كما استقبلت البرازيل نحو 250000 مهاجر سلافي وأعداداً مماثلة من الرومانيين، وأعداداً مهمة من البولنديين الذين استقروا في الأرجنتين، ومن الصربيين الذين اتجهوا نحو تشيلي، والروس الذين استقروا في البيرو والبارغواي. وتوجه نحو 150000 من العرب السوريين واللبنانيين إلى الأرجنتين مقابل 30000 إلى البرازيل. وكان لهؤلاء تأثير في مختلف أوجه الحياة الاقتصادية والثقافية والسياسية. وفي دول أمريكة الجنوبية، اليوم كثير من البرلمانيين وكبار المسؤولين الحكوميين المنحدرين من أصول عربية سورية أو لبنانية، ويمثلهم الرئيس كارلوس منعم رئيس جمهورية الأرجنتين، وهو عربي سوري الأصل.
      وبعد أن قامت الولايات المتحدة الأمريكية بطرد اليابانيين الموجودين فيها اتجه أكثر هؤلاء إلى أمريكة الجنوبية بوجه خاص، حيث استقر 200000 منهم في البرازيل ومثلهم في كل من بوليفية والبيرو.
      أما نسبة العناصر البيضاء في أمريكة الجنوبية اليوم فتصل إلى نحو 43.83% من إجمالي عدد السكان، وتنخفض هذه النسبة إلى 26.77% إذا استثنينا أرقام السكان في البرازيل (الجدول 1).
      ج - الزنوج: وصل الزنوج الأوائل إلى القارة الأمريكية نتيجة لحركة الاستعمار التي شهدها العالم الجديد عقب الاكتشافات الجغرافية الكبرى، فقد حاول المستعمرون الجدد استثمار الأراضي الزراعية البكر واستخراج الثروات المعدنية الباطنية اعتماداً على جهود السكان الأصليين في البداية، ولكن غالبية هؤلاء لم تتحمل أعباء العمل وتناقصت أعدادهم تناقصاً خطيراً، وهذا ما دفع الإسبانيين إلى إدخال الزنوج عن طريق تجارة الرقيق، إذ تم نقلهم من إفريقية عنوة، ووصلت أوائل أفواجهم مع مطلع عام 1501م، وبدأ ظهورهم في البرازيل منذ عام 1538م، في أوضاع صعبة. وكثيراً ما كانوا يتعرضون للموت، فبين عامي 1675 و1700م لم يصل من 600000 زنجي أُجبروا على ترك إفريقية إلى العالم الجديد سوى 150000 زنجي، ومع ذلك، لم يتوقف نقل الزنوج عنوة، فقد وصل إلى البرازيل وحدها نحو سبعة ملايين زنجي، ووصلت إلى بقية دول أمريكة الجنوبية أعداد أخرى. هذا وتصل الأعداد الحالية للزنوج في أمريكة الجنوبية إلى نحو 22.762.000 نسمة وهذا ما يقابل نحو 8.15% من إجمالي عدد السكان (الجدول 1).

      تعليق


      • #4
        د - العناصر الخُلاسية: هي التي تكوَّنت من تزاوج أفراد العروق والمجموعات البشرية السابقة، وكانت أعداد النساء ضمن المهاجرين الأوائل قليلة جداً مما أوجد نوعاً من التزاوج القسري، وتتزايد أهمية هذه العناصر وأعدادها مع التقدم والتطور الاجتماعي الذي يرفض أشكال التمييز بين العروق البشرية كافة، وتؤلف العناصر الخلاسية الغالبية العظمى في بعض دول أمريكة الجنوبية (الجدول 1).
        علماً بأن عددهم الإجمالي في أمريكة الجنوبية يصل إلى 110.716.427 نسمة وهذا ما يمثل نحو 39.66% من إجمالي السكان.
        هـ - العناصر الأخرى: تضم الهنود الشرقيين والإندونيسيين واليابانيين والصينيين، ويصل عددهم إلى نحو 479742 نسمة فقط، وهذا ما يمثل نحو 0.17% من إجمالي السكان.
        و - العرب في أمريكة: (انظر الفصل الخاص بالعرب في أمريكة).
        2 ـ الأوضاع الديمُغرافية: إن تزايد أعداد سكان أمريكة الجنوبية تزايداً كبيراً يعد ظاهرة معاصرة، لأن عدد سكان أمريكة اللاتينية بمجملها (أمريكة الوسطى والجنوبية وجزر الكاريبي)، لم يتعدَّ سبعة ملايين نسمة عام 1650م، وارتفع إلى 10 ملايين عام 1750م وإلى 33 مليون عام 1850م، وقفز إلى 63 مليون نسمة عام 1900م وإلى 108 ملايين عام 1930م. وفي عام 1980م وصل عدد سكان أمريكة الجنوبية إلى نحو 237.079.764 نسمة وهذا كان يمثل نحو 5.28% من إجمالي سكان الكرة الأرضية، ثم ارتفع العدد إلى 279.178.336 نسمة عام 1986م وهذا يمثل نحو 5.73% من سكان اليابسة في ذلك العام، وتبعاً لإحصائيات عام 1988م وصل عدد سكان أمريكة الجنوبية إلى 285.515.200نسمة. وإلى 346.300.000نسمة عام2000.
        الدول المساحة مقدرة بـ كم2 عدد السكان (إحصاء 2000) النسبة النمو الطبيعي للسكان بين 1995-200 الكثافة السكانية العامة نسمة/كم2 توزع السكان
        حسب الجنس
        نسبة المتعلمين نسبة سكان المدن
        (1995)
        الديانة السائدة اللغة السائدة
        ذكور إناث
        الآرجنتين 2780400 37.000.000 1.3 13 49.2 50.8 95 88 روم كاثوليك 80% الإسبانية
        الإكوادور 283.560 12.920.000 2.2 45.5 49.9 50.1 90 58 كاثوليك إسبانية، كيتشوا، إيمارا
        الأورغواي 176.220 3.330.000 0.6 19 48.7 51.3 94 90 كاثوليك الإسبانية
        الباراغواي 406752 5.585.000 2.7 13.7 50.1 49.9 92 53 كاثوليك إسبانية، غارانية
        البرازيل 8.547.000 170.100.000 1.4 20 49.7 50.3 83 78 88% كاثوليك 3% باهاي، البرتغالية
        بوليفية 1098541 8.300.000 2.4 7.5 49.1 50.9 83 61 روم كاثوليك الإسبانية
        البيرو 1285216 25.700.000 1.7 20 49.7 50.3 89 72 كاثوليك إسبانية، كيتشوا
        تشيلي 756622 15.200.000 1.6 20 49 51 95 84 كاثوليك الإسبانية
        سورينام 163820 417.000 1.30 2.5 49.5 50.5 93 50 بروتستنت، كاثوليك، هندوس، إسلام إنكليزية، هندية
        غويانة 214969 697.286 0.9 3.2 49.7 50.3 95 37 بروتستنت، أنغليكان، هندوس، إسلام الإسبانية
        غويانة الفرنسية 90976 172.600 5.4 1.9 52.7 47.3 82 77 كاثوليك فرنسية، كريول
        فنزويلة 912050 24.200.000 2.2 26.5 50 50 91 93 كاثوليك الإسبانية
        كولومبية 1.138.900 39.685.000 1.8 34.8 49.5 50.5 81 73 كاثوليك الإسبانية
        الجدول 2 معطيات عن الأوضاع الديمغرافية ونسب المتعلمين وسكان المدن والكثافة السائدة في أمريكة الجنوبية
        ومن الثابت اليوم أن عدد السكان الأصليين هنا كان قد تناقص تناقصاً ملحوظاً في القرنين السادس عشر والسابع عشر، بسبب الإبادة والاضطهاد اللذين تعرض لهما الهنود الحمر على يد المستعمرين الأوائل.
        وإثر تراجع حضارة الإنكا والقضاء عليها فيما بعد، بدأ السكان يتزايدون نتيجة قيام المستعمرين الإسبان والبرتغاليين بإدخال أعداد كبيرة من الزنوج عن طريق تجارة الرقيق، كما أدى الانتعاش الاقتصادي وازدهار التجارة في القرن التاسع عشر إلى وصول أفواج كثيرة من المهاجرين الأوربيين الذين استقروا في الأرجنتين والبرازيل والأورغواي خاصة، كما تميزت هذه الحقبة بارتفاع معدل التزايد الطبيعي للسكان الذي كان يصل إلى 30 بالألف في كل من البرازيل والأرجنتين والأورغواي مقابل 13 بالألف لبقية دول أمريكة الجنوبية. وبين عامي 1920 و1930م شهدت أمريكة الجنوبية ارتفاعاً محسوساً في معدلات التزايد الطبيعي وصل وسطياً إلى 18 بالألف مقابل 14 بالألف في أمريكة الشمالية و10 بالألف لبقية دول العالم، وقد ارتفع هذا المعدل إلى 21 بالألف في المدة بين عامي 1975 و1980م مقابل 22 بالألف للمدة بين عامي 1983 و1988م مع وجود تباينات مهمة بين دولة وأخرى. ثم انخفض للمدة الواقعة بين 1995 ـ2000.
        الديانة نسبتهم المئوية من السكان
        الروم الكاثوليك 90%
        البروتستنت 3.58%
        الأرثوذوكس 0.12%
        الأنغليكان 0.04%
        اليهودية 0.24%
        الهندوسية 0.22%
        البوذية 0.08%
        الإسلام 0.14%
        بقية الأديان والملحدين 5.58%
        الجدول (3) توزع الأديان في أمريكة الجنوبية
        وتصل نسبة الأطفال الذين هم دون الخامسة عشرة من العمر إلى نحو 40% من السكان مقابل 55% من السكان ممن تراوح أعمارهم بين 15 و60 سنة أما نسبة الذين تزيد أعمارهم على 60 سنة فلا تتجاوز 5% من السكان، وهذا ما يحمّل الاقتصاد في أمريكة الجنوبية أعباء باهظة تصرف على إعالة الأطفال وتوفير الخدمات الصحية اللازمة لهم.
        وفيما يتعلق بالأديان، فإن الجدول 3 يبين توزع الديانات السائدة وأهميتها ونسب معتنقيها في أمريكة الجنوبية.
        3 - الكثافة السكانية وتوزع السكان: تصل الكثافة السكانية العامة في أمريكة الجنوبية إلى نحو 19.4 نسمة/كم2 لعام 2000، غير أن هذه النسبة ليست ثابتة في دول أمريكة الجنوبية كافة، بل تختلف بشدة من دولة إلى أخرى، فتراوح بين حد أدنى قدره 1.9 نسمة/كم2 في غويانة الفرنسية وحد أعلى قدره 45.5 نسمة/كم2 في الإكوادور كما هو مبين في الجدول2.
        ويختلف توزع السكان كذلك من منطقة إلى أخرى ضمن الدولة الواحدة، ففي البرازيل ترتفع الكثافة في منطقتي ساوباولو وريودي جانيرو إلى أكثر من 100 نسمة/كم2، وتنخفض إلى أقل من 5 نسمة/كم2 في مناطق الغابة الاستوائية وإلى أقل من نسمة واحدة/كم2 في أقصى شمال شرقي البلاد، حيث يسود الجفاف، وتنخفض الكثافة في أمريكة الجنوبية عموماً في المناطق الجبلية العليا وفي المناطق الهضبية الفقيرة في الجنوب وفي صحراء أتاكامة على ساحل المحيط الهادئ، ويتأثر توزع السكان في أمريكة الجنوبية بمعدلات الارتفاع عن سطح البحر، إذ تحتضن المناطق التي يقل معدل ارتفاعها عن سطح البحر عن 200م ما يقرب من 42.3% من السكان، مقابل 15% للمناطق التي يراوح معدل ارتفاعها عن سطح البحر بين 200م و500 م، ونحو 22.8% للمناطق المحصورة بين 500م و1000م، ونحو 4.7% للمناطق المحصورة بين 1000م و1500م، ونحو 4.2% للمناطق المحصورة بين 1500م و2000م، في حين تضم القطاعات التي يزيد معدل ارتفاعها على 2000م نحو 11% من السكان. وبوجه عام يصل متوسط ارتفاع المناطق المأهولة بالسكان في أمريكة الجنوبية إلى نحو 645م فوق مستوى سطح البحر.
        ولعاملي القرب والبعد عن البحر أثر ملحوظ في توزع سكان أمريكة الجنوبية، إذ يقطن نحو 24.4% من السكان على مسافة تقل عن 50كم عن ساحل البحر، مقابل 38.4% للقطاعات المحصورة بين 50كم و200كم من ساحل البحر، و27.9% من السكان للمناطق المحصورة بين 200كم و500كم من ساحل البحر، و9% للمناطق المحصورة بين 500كم و1000كم، و0.3% فقط من السكان للمناطق التي تبعد أكثر من 1000كم من ساحل البحر، ويصل البعد المتوسط للمناطق عموماً إلى نحو 540كم من ساحل البحر.
        أما نسبة سكان المدن في أمريكة الجنوبية فقد ارتفعت من 31% من السكان عام 1940 إلى 67% من السكان عام 1983 فإلى 70% عام1990. ومع وجود تباينات مهمة من قطر إلى آخر بين 37% في غويانة و93% في فنزويلة (الجدول 2).
        وتعاني دول أمريكة الجنوبية عامّة مشاكل اقتصادية خطيرة تؤدي إلى مشاكل اجتماعية، ولاسيما في ظل الاستغلال الذي تمارسه الشركات الاحتكارية الكبرى، ومن ذلك انخفاض معدلات دخل الفرد، مع الإشارة إلى المشكلات والأمراض الاجتماعية الناجمة عن تفشي تجارة المخدرات، كما أن ارتفاع نسبة الأطفال يُحمِّل ميزانيات الدول أعباء إضافية، لأن معدل إنتاجية العامل الأمريكي الجنوبي منخفضة نسبياً. وتعاني دول أمريكة الجنوبية عموماً هجرة الكفاءات والخبرات العلمية والأدمغة باتجاه الولايات المتحدة الأمريكية. وكل ذلك يكوّن عوائق خطيرة في وجه التقدم والتطور الاقتصادي والاجتماعي، فضلاً عن أن أجزاء واسعة من أمريكة الجنوبية تعاني أوضاعاً طبيعية شديدة القساوة، وتتعدد فيها العروق البشرية التي تؤلف مجتمعات أمريكة الجنوبية، مما يجعلها تفتقر إلى التلاحم الضروري لمواجهة التحديات، وهذا ما يسهم في اتساع الهوّة التي تفصل بين قلَّة من الأغنياء تملك أدوات الإنتاج ووسائله، والأكثرية العظمى من الفقراء الذين لا يملكون سوى جهدهم الشخصي. وتعاني غالبية السكان أمراض سوء التغذية المزمن. وما يزيد هذه الأوضاع خطورة هو ارتفاع معدلات التزايد الطبيعي للسكان وتفشي البطالة بوجهيها المقنع والسافر، وترتفع معدلات وفيات الأطفال، كما ينخفض متوسط الأعمار، مع وجود تباينات مهمة بين دولة وأخرى كما يبدو ذلك واضحاً في الجدول 4.
        الجغرافية الاقتصادية
        1ـ مراحل تطور الاقتصاد في أمريكة الجنوبية: كانت حضارات الهنود الحمر التي قامت في أمريكة الجنوبية تعتمد على زراعة بعض المحاصيل كالذرة الصفراء والفاصولياء والبطاطا، وعلى الصيد النهري وصيد الحيوانات البرية وتربية قطعان اللاما، كما عرف الهنود الحمر حرفة نسج الصوف، وبعد اكتشاف العالم الجديد وبداية عصر الاستعمارين الإسباني والبرتغالي، توجهت جهود المستعمرين إلى استثمار الأراضي الزراعية البكر لزراعة المحاصيل المدارية ونقلها إلى الوطن الأم، حيث تستهلك أو يعاد تصديرها إلى بقية الدول الأوربية، وإلى نقل الأخشاب المدارية الثمينة، كما وجهوا عناية خاصة إلى البحث عن مكامن المعادن الثمينة كالذهب والفضة واستغلالها، اعتماداً على جهود السكان الأصليين من الهنود الحمر والرقيق الزنوج، واستمر الوضع على حاله طوال عهد الاستعمار. وبعيد استقلال دول أمريكة الجنوبية في النصف الأول من القرن التاسع عشر، لم تشهد البنية الاقتصادية فيها تغيرات جذرية، فقد ورثت هذه الدول اقتصاداً متخلفاً ضعيف التماسك، وقارة متخلفة تماماً باستثناء بعض المراكز والمواقع التي شادها المستعمرون وطوروها على طول السواحل الشرقية والغربية، وعلى ضفاف الأنهار الرئيسة الصالحة للملاحة، وعلى ضفاف البحيرات ومحاور العبور وفي مكامن الثروات المعدنية. ومع بداية النصف الثاني من القرن التاسع عشر وتسيير السفن التجارية، بدأت دول أمريكة الجنوبية بالاندماج والتفاعل التدريجيين مع النظام الاقتصادي العالمي، إذ كانت تجارتها قبل هذه الحقبة، بعيدة تماماً عن التجارة العالمية المباشرة، باستثناء تصدير القطن إلى دول أوربة الغربية. وقد كانت تشيلي أوّل دولةٍ شهدت مثل هذا التطور، وتلتها بقية دول أمريكة الجنوبية كونها منتجاً كبيراً للحبوب واللحوم والخضار والفواكه المدارية والبن، وتملك مخزوناً كبيراً من الثروات الباطنية وعلى رأسها الذهب والفضة والنحاس والرصاص، وخاصة في تشيلي والبيرو وبوليفية. ففي المدة الواقعة بين عامي 1909 و1913 كانت الأرجنتين وحدها تسهم بنحو 14.2% من تجارة القمح العالمية و45.4% من تجارة الذرة الصفراء العالمية و32.3% من تجارة اللحوم و13.4% من تجارة الصوف، في حين كانت البرازيل تسهم بنحو 60.5% من تجارة البن و13.3% من تجارة الكاكاو، كما أنها كانت المصدّر العالمي الوحيد للمطاط الطبيعي وحتى الخمسينات من القرن العشرين كانت دول أمريكة الجنوبية تتقاسم نوعاً من التخصص في إنتاج الغلال والمحاصيل التجارية، وهذا ما عرّضها لسلسلة من المصاعب الناجمة عن تقلب أسعار هذه المواد من وقت إلى آخر في السوق العالمية، ولهذا كانت الأزمة الاقتصادية العالمية التي حدثت عام 1929 ضربة قاصمة لاقتصاد هذه الدول القائم على تصدير المواد الأولية واستيراد الآلات والأدوات والمواد المصنّعة. ومع نهاية الحرب العالمية الثانية كانت فنزويلّة أولى دول أمريكة الجنوبية التي احتلت مكاناً مهماً في التجارة العالمية لأنها كانت المصدّر العالمي الأول للنفط الخام، كما نشطت الحركة الصناعية في كل من الأرجنتين والبرازيل تدريجياً بغية تنويع مصادر الدخل القومي، في حين ظلت بقية دول أمريكة الجنوبية تعاني تناقصاً خطراً في الموارد المحلية، ووجهت حكوماتها جهودها الرئيسة لسد حاجات السوق المحلية. وفي العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين ازداد الاهتمام بالتصنيع في دول أمريكة الجنوبية كافة، كما ازداد إسهامها في تصدير النفط الخام، فبدأت بتصديره كل من الإكوادور وبوليفية إلى جانب فنزويلّة، كما تسارعت وتائر النمو الاقتصادي ومعدلاته من 2% في الخمسينات إلى 2.8% في الستينات وإلى 3.1% في السبعينات، ثم تناقصت في الثمانينات.
        وقد ساعدت الأوضاع التاريخية الخاصة لأمريكة الجنوبية على نشوء طبقة من كبار الملاّك والأغنياء تمثلت بالعناصر البيضاء القادمة من إسبانية والبرتغال خاصة، أو من بقية الدول الأوربية عامَّة، إذ استولى هؤلاء على إقطاعات كبيرة من الأراضي الزراعية تصل مساحة الملكية الواحدة فيها حتى 100000 هكتار، ولم تفلح سياسات الإصلاح الزراعي المطبقة في دول أمريكة اللاتينية في القضاء عليها أو في تقليصها بسبب النفوذ الكبير لأصحاب هذه الإقطاعات. وأهم المشاكل الاقتصادية التي تعانيها أمريكة الجنوبية اليوم تجزؤها إلى هذا العدد الكبير من الدول الصغيرة، (باستثناء البرازيل والأرجنتين) ذات الإمكانات المحدودة، وافتقارها إلى اليد العاملة الخبيرة وإلى رؤوس الأموال الوطنية، إلى جانب تعاظم دور الشركات الرأسمالية الاحتكارية، وإلى المشاكل الديموغرافية الشائكة المشار إليها آنفاً، ولا يتجاوز متوسط دخل الفرد فيها 1933 دولاراً في السنة، مع وجود تباينات ظاهرة من دولة إلى أخرى في هذه المعدلات وفي معدلات النمو الاقتصادي كما يبدو ذلك واضحاً في الجدول5.
        الدول معدل وفيات الأطفال (بالألف) في المدة بين 1995-2000 العمر المتوسط (بالأعوام)
        الأرجنتين 24 73
        الإكوادور 39 70
        الأورغواي 21 73
        الباراغواي 33 70
        البرازيل 44 67
        بوليفية 96 61
        البيرو 56 68
        تشيلي 13 75
        سورينام 30 71
        غويانة 82 64
        غويانة الفرنسية
        فنزويلّة 25 73
        كولومبية 30 71
        الجدول (4) معدلات وفيات الأطفال وتبيانات العمر المتوسط في دول أمريكة الجنوبية
        الـــدول حجم الدخل القومي بمليارات الدولارات (عام1997) المتوسط السنوي لدخل الفرد مقدراً بالدولار (1997) معدل النمو الاقتصادي لعام 1990-2000
        الأرجنتين 319 8950 5.4%
        الإكوادور 18.7 1750 3.1%
        الأورغواي 20 6130 4%
        الباراغواي 10 2000 3.1%
        البرازيل 784 4790 3.4%
        بوليفية 7.5 790 4%
        البيرو 63 2610 6.2%
        تشيلي 70.5 4820 8.3%
        سورينام 0.544 1320 2%
        غويانة 0.677 800 2.2%
        غويانة الفرنسية 1 6000 0.4%
        فنزويلّة 79 3480 2.2%
        كولومبية 87 2180 4.4%
        الجدول (5) الدخل القومي، ومعدل دخل الفرد، ومعدل النمو الاقتصادي في مختلف دول أمريكة الجنوبية
        إن معدل 55% من إجمالي الدخل في أمريكة الجنوبية يأتي من قطاع الخدمات، وهذا ما يضعف البنية الاقتصادية، إذ لا يزيد نصيب القطاع الصناعي على 25.2% من إجمالي الدخل، علماً بأن هذا القطاع لا يستوعب أكثر من 8.3% من إجمالي القوى العاملة الجديدة القادمة إلى سوق العمل بين عامي 1965 و1975، كما أن هذا القطاع عاجز تماماً عن سد حاجة السوق المحلية من السلع والمصنوعات المختلفة. أمّا القطاع الزراعي فإنه لم يستوعب سوى 5% من القوى العاملة الجديدة، في حين اتجه الباقي وقدره 86.7% إلى قطاع الخدمات وأسهم بوجه أو بآخر في زيادة وطأة البطالة بصورتيها السافرة والمقنّعة.
        وتصنف دول أمريكة الجنوبية عموماً في ثلاث مجموعات رئيسة هي:
        ـ مجموعة الدول الصغيرة التي يعتمد اقتصادها على زراعة المحاصيل والغلات الصناعية وعلى استغلال المواد الخام الأولية واستثمارها لتصديرها إلى الخارج، وتتمثل هذه المجموعة بكل من الإكوادور وبوليفية والبيرو والباراغواي.
        ـ مجموعة دول يعتمد اقتصادها على تصدير المواد الخام مع تزايد ملحوظ في أهمية القطاع الصناعي كما هو الحال في كل من فنزويلّة وكولومبية والأورغواي وتشيلي.
        ـ مجموعة تعتمد على تنويع مصادر الغنى والثروة كاستثمار المواد الخام وتطوير الإنتاج الزراعي والعناية بتربية الحيوان مع توجيه اهتمام كبير جداً للقطاع الصناعي في المناطق المدنيَّة الكبرى وتتمثل هذه المجموعة بكل من الأرجنتين والبرازيل.
        2 - أوجه النشاط الاقتصادي:
        آ - الزراعة وتربية الحيوان: يسهم هذا القطاع بنحو 19.8% من إجمالي الدخل في أمريكة الجنوبية عامة، وتصل رقعة الأراضي القابلة للزراعة فيها إلى 26.8% من المساحة العامة، ويعمل في هذا القطاع نحو 30% من إجمالي القوى العاملة، مقابل 33% لعام 1960، وتوجد تباينات مهمة جداً على صعيدي الأراضي القابلة للزراعة ونسبة العاملين فيها من دولة إلى أخرى في أمريكة الجنوبية كما يبدو من الجدول6.
        وتعاني الزراعة بوجه عام سيطرة كبار الملاك على إقطاعات واسعة جداً، وقسوة الأوضاع الطبيعية التي تقف حائلاً أمام تطوير شبكة المواصلات الضرورية، ومع ذلك تعد أمريكة الجنوبية منتجاً عالمياً كبيراً للحبوب وللحاصلات المدارية المختلفة (الجدول 7).
        الـــدول نسبة الأراضي الزراعية من المساحة العامة(%) نسبة العاملين بالزراعة من إجمالي القوى العاملة (%) نسبة العاملين بالصناعة من إجمالي القوى العاملة (%)
        الأرجنتين 57 20% 25%
        الإكوادور 11 52 11
        الأورغواي 85 12 29
        الباراغواي 44 19
        البرازيل 33 27 24
        بوليفية ـ 47 19
        البيرو 2 40 15
        تشيلي 7 16 15
        سورينام 0.3 8 15
        غويانة ـ 34 22
        غويانة الفرنسية ـ 14 12
        فنزويلّة 4 16 23
        كولومبية 5 29 13
        الجدول (6) نسب الأراضي الزراعية وتوزع القوى العاملة في دول أمريكة الجنوبية
        إنتاج الحبوب
        (متوسط الإنتاج السنوي)
        الجذور والدرنيات
        (متوسط الإنتاج السنوي)
        الـــدول الإنتاج1000 طن متري المردود كغ/هكتار الإنتاج1000 طن متري المردود كغ/هكتار
        الأرجنتين 23758 2433 2707 16698
        الإكوادور 836 1994 647 9339
        الأورغواي 1020 2018 187 6188
        الباراغواي 1231 1572 3508 14784
        البرازيل 43849 1868 28052 12086
        بوليفية 912 1336 1094 5792
        البيرو 2382 2552 2387 7765
        تشيلي 2824 3219 734 12503
        سورينام 279 3927 4 6251
        غويانة 353 3739 31 7045
        غويانة الفرنسية 10 3112 13 11498
        فنزويلّة 2351 2035 629 8184
        كولومبية 3642 2663 3885 11541
        الجدول (7) إنتاج الحبوب والجذور والدرنيات في أمريكة الجنوبية
        كما تنتج أمريكة الجنوبية كميات مهمة من المانيهوت (221 مليون طن) وفول الصويا (50 مليون طن) وقصب السكر (19 مليون طن) لعام 1988، وكميات كبيرة من البن الذي تنتجه دول أمريكة الجنوبية كافة، بكميات متفاوتة إذ تنتج البرازيل نحو 1.6 مليون طن مقابل 700000 طن لكولومبية، ويضاف إليها كميات عظيمة من الكاكاو والتبغ والقطن حيث بلغ المتوسط السنوي لحجم صادرات أمريكة الجنوبية نحو 15 مليون طن، كما تنتج دول أمريكة الجنوبية كميات كبيرة من المطاط الطبيعي والخضراوات والثمار والفواكه المدارية وعلى رأسها الموز.
        إن انتشار المراعي الواسعة في مناطق الهضاب الوسطى والجنوبية بوجه خاص أسهم في ازدهار حرفة تربية الحيوان هنا، وقد وصلت الأعداد الإجمالية للقطيع الحيواني في أمريكة الجنوبية إلى أكثر من 285.000.000 رأساً من الأبقار ونحو 149.304.000 رأساً من الأغنام و53.186.000 رأساً من الخنازير.
        إلى جانب ما تقدم تربى في كل من بوليفية وكولومبية وتشيلي والأرجنتين قطعان كبيرة من حيوان اللاما، كما تسهم الثروة الغابية والصيد المائي بنصيب وافر من الدخل القومي لدول أمريكة الجنوبية عامة.


        عدد الأبقار عدد الأغنام عدد الخنازير عدد الدواجن إنتاج الحليب إنتاج البيض
        الدول 1000
        رأس
        1000
        رأس
        1000
        رأس
        1000
        رأس
        1000
        طن متري
        1000
        طن متري
        الأرجنتين 55684 28998 4036 46000 6296 285000
        الإكوادور 3847 2100 4160 40000 1000 42000
        الأورغواي 10323 25560 190 6000 980 22100
        الباراغواي 7332 398 1690 15000 194 33800
        البرازيل 131503 60000 32000 520000 12350 1100000
        بوليفية 5380 9500 1690 8000 99 27500
        البيرو 3850 13500 2240 44000 840 72500
        تشيلي 3580 6050 1100 19000 1100 91800
        سورينام 66 3 23 6000 10 3400
        غويانة 210 120 185 15000 23 4200
        غويانة الفرنسية 17 1 10 100 1 250
        فنزويلة 12654 422 3351 54000 1593 153945
        كولومبية 23971 2652 2511 36000 3142 221000
        الجدول (8) أعداد القطيع الحيواني وإنتاجه في أمريكة الجنوبية تعباً لمعطيات عام 1990م
        ب - مصادر الطاقة والثروة المعدنية والصناعية والمراكز الصناعية الكبرى: يسهم القطاع الصناعي وما يتعلق به بنحو 25.2% من إجمالي الدخل في أمريكة الجنوبية بوجه عام، وقد شهد هذا القطاع نمواً متسارعاً وصل إلى 6.6% في المدة بين عامي 1950م و1977م، وكان هذا النمو أعظمياً في قطاع صناعة المعدات والتجهيزات والصناعات الثقيلة، إذ وصلت وتيرة النمو إلى 10.6% مقابل 8.6% للصناعات التحويلية و4.7% للصناعات اليدوية، أما نسبة العاملين في هذا القطاع فتصل إلى نحو 18.7% من إجمالي القوى العاملة في أمريكة الجنوبية مع وجود تباينات كبيرة في هذه النسبة من دولة إلى أخرى.
        وأهم مصادر الطاقة في أمريكة الجنوبية هي الطاقة الكهربائية، إذ إن الأوضاع الطبيعية فيها ملائمة تماماً لتوليد الطاقة الكهرمائية من السقطات والشلالات الكثيرة التي تعترض مجاري الأنهار الرئيسة ولاسيما في مناطق الأنديز، والهضاب المرتفعة وفي السلاسل الجبلية الساحلية الشمالية، ففي عام 1976م وصل صافي إنتاج الطاقة الكهربائية في أمريكة الجنوبية إلى 185.07 مليار كيلو واط/ساعي، 67.92% منها طاقة كهرمائية، وقفز الإنتاج إلى نحو 369.898 مليار كيلو واط/ساعي منها 61% طاقة كهرمائية. يضاف إلى ما تقدم كميات من النفط والغاز الطبيعي وكميات محدودة من الفحم الحجري، والجدول رقم 9 يبين معدل إنتاج الطاقة بأنواعها المختلفة وتوزعها في أمريكة الجنوبية.
        3 - الثروات الباطنية: تحتوي أراضي أمريكة الجنوبية على مكامن مهمة للفلزات المعدنية وغير المعدنية، وعلى رأسها الحديد الخام الذي تنتجه كل من البرازيل (188 مليون طن) وتشيلي وكولومبية والأرجنتين والبيرو، والبوكسيت الذي تنتجه كل من سورينام (3.8مليون طن) والبرازيل (11.6 مليون طن) وغويانة (2.5مليون طن)، وتحتوي أراضي غويانة على أكبر احتياطي عالمي منه، والرصاص والنحاس الذي تنتجه كل من تشيلي (3.4 مليون طن) والبيرو (503000 طن) والمنغنيز والذهب والزنك والفضة والزمرُّد والموليبدن والقصدير الذي يستخرج من بوليفية بوجه خاص، كما تنتج كل من الأرجنتين والبرازيل كميات مهمة من اليورانيوم.
        الدول إنتاج الطاقة الكهربائية عام 1986 إنتاج الفحم
        الحجري
        عام1986
        إنتاج الغاز
        الطبيعي
        عام1987
        إنتاج النفط
        الخام
        عام1987
        استطاعة
        المصافي النفطية
        عام1988
        إجمالي الإنتاج
        مليار كيلو
        واط ساعي
        % % %
        كهرحرارية كهرمائية كهرذرية
        الأرجنتين 48.984 45.4 42.9 11.7 365 15410 155 682
        الإكوادور 5.301 18.6 81.4 ـ ـ 106 69 123
        الأورغواي 7.429 1.8 98.2 ـ ـ ـ ـ 45
        الباراغواي 1.644 0.2 99.8 ـ ـ ـ ـ 8
        البرازيل 201.618 9.3 90.6 0.1 7391 2880 215 1407
        بوليفية 1.625 28 72 ـ ـ 2810 7 47
        البيرو 12.818 22.3 77.7 ـ 150 1353 60 182
        تشيلي 14.820 23.7 76.3 ـ 1668 2005 11 141
        سورينام 1.325 29.8 70.2 ـ ـ ـ 0.8 ـ
        غويانة 0.39 98.7 1.3 ـ ـ ـ ـ ـ
        غويانة 0.22 100 ـ ـ ـ ـ ـ ـ
        الفرنسية
        فنزويلة 46.724 54.4 45.6 ـ 57 19264 620 1201
        كولومبية 27 27 73 ـ 10700 5108 141 226
        الجدول (9) إنتاج الطاقة في أمريكة الجنوبية

        تعليق


        • #5
          4ـ المصنوعات والمراكز الصناعية الرئيسة: يعد الفولاذ من أهم المصنوعات في أمريكة الجنوبية على الإطلاق، ويصل معدل إنتاجه هنا إلى أكثر من 34 مليون طن موزعة على البرازيل (26.1 مليون طن) وفنزويلّة (5 مليون طن) والأرجنتين (3 ملايين طن)، تليها صناعة تكرير النفط والصناعات البتروكيماوية في كل من فنزويلّة والإكوادور وكولومبية والبرازيل والأرجنتين، كما تزدهر الصناعات الخشبية وصناعة الأدوات والمعدات الكهربائية في كل من البرازيل والأرجنتين وتنتشر صناعة الإسمنت والزجاج والمنسوجات المختلفة والصناعات الغذائية في دول أمريكة الجنوبية كافة، يضاف إليها صناعة الأسلحة والسيارات والمعدات الثقيلة في البرازيل.
          إن النشاط الصناعي في أمريكة الجنوبية يقع بمعظمه تحت هيمنة الاحتكارات الرأسمالية ورؤوس الأموال الأجنبية (الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوربة الغربية وخاصة ألمانية ورؤوس الأموال اليابانية) التي تصل إلى أكثر من ثلاثين مليار دولار، يستثمر أكثر من نصفها في البرازيل وحدها، كما أن جزءاً مهماً من هذه الأموال موظف في استثمار النحاس التشيلي والنفط الفنزويلي واستخراجهما وفي الصناعات التحويلية.
          5ـ التجارة والمواصلات
          أ - التجارة: للتجارة الخارجية دور مميز في اقتصاد أمريكة الجنوبية، ويعمل جزء مهم من القوى العاملة فيها، كما أنها تعد الوسيلة الوحيدة لإدخال وسائل الإنتاج والتقنية الحديثة المستوردة من الدول الصناعية الكبرى في العالم، وتعتمد التجارة هنا على تصدير المواد الخام الزراعية والمعدنية، وعلى رأسها القطن والمطاط الطبيعي والقمح والحاصلات والفواكه المدارية كالبن والموز، والأخشاب الاستوائية المتنوعة واللحوم والأصواف والجلود. ويعد النفط الخام عماد الصادرات الفنزويلية.
          أما الواردات فتشتمل على الآلات والأدوات والمعدات الصناعية، وتجهيزات وسائل النقل والمواصلات، والمعامل الجاهزة والآلات والمواد والأدوات الكهربائية والإلكترونية. والميزان التجاري لدول أمريكة الجنوبية خاسر في معظم الأحيان، باستثناء عام 1984م الذي شهد تحسناً ملحوظاً، ولكنه لم يستمر في السنوات اللاحقة (الجدول 10).
          وأهم الدول التي تتعامل مع أقطار أمريكة الجنوبية تجارياً هي الولايات المتحدة الأمريكية وكندا اللتان تختصان وحدهما بنحو 40% من إجمالي تجارة أمريكة الجنوبية، ودول السوق الأوربية المشتركة التي تختص بنحو 20% من إجمالي تجارة أمريكة الجنوبية مقابل 5% فقط لليابان. وتضاعفت التجارة الداخلية بين دول أمريكة الجنوبية ذاتها منذ 1970م.
          وبسبب عجز الميزان التجاري والمصاعب الاقتصادية والاجتماعية المستعصية التي ترزح تحتها المجتمعات في أمريكة اللاتينية، فإن ميزانيات الدول تعاني من وطأة الديون الخارجية، التي تتضاعف بسرعة مذهلة، نظراً لعجز هذه الدول عن التسديد، مع ارتفاع معدلات الفوائد السنوية المترتبة عليها، والجدول 11 يبين الديون الخارجية المترتبة على دول أمريكة الجنوبية وتطورها بين عامي 1975 و1997م.
          الدول القيمة الإجمالية للصادرات مقدرة
          بملايين الدولارات
          القيمة الإجمالية للواردات مقدرة
          بملايين الدولارات
          1980 1997 1980 1997
          الأرجنتين 9900 25856 13350 31437
          الإكوادور 2792 5263 3023 4666
          الأورغواي 1539 2768 1925 3808
          الباراغواي 568 1100 852 3000
          البرازيل 22207 51120000 27757 57550000
          بوليفية 1044 1015 958 1550
          البيرو 4554 6754 3924 8568
          تشيلي 5892 143008 6834 17400
          فنزويلة 9900 23711 9900 12311
          كولومبية 9900 10821 9900 14635
          سورينام معلومات غير متوفرة
          غويانة معلومات غير متوفرة
          غويانة الفرنسية معلومات غير متوفرة
          الجدول (10) القيم الإجمالية للصادرات والواردات لدول أمريكة الجنوبية
          الدول الديون الخارجية لعام 1975 مقدرة
          بملايين الدولارات
          الديون الخارجية لعام 1997 مقدرة
          بملايين الدولارات
          الأرجنتين 6026 123221
          الإكوادور 583 14918
          الأورغواي 811 6652
          الباراغواي 238 2053
          البرازيل 20785 193663
          بوليفية 872 5248
          البيرو 4066 30496
          تشيلي 4459 31440
          فنزويلة 4328 35542
          كولومبية 3572 31777
          المجموع 45740 475010
          الجدول (11) الديون الخارجية المترتبة على دول أمريكة الجنوبية
          ب - المواصلات: عند وصول المكتشفين الأوائل إلى أمريكة، اضطروا إلى استخدام الملاحة النهرية للعبور إلى المناطق الداخلية واكتشاف مجاهلها، لأن هذه المناطق كانت محرومة من كل أشكال الطرق المعروفة في ذلك الوقت، باستثناء المناطق التي كانت داخلة في نطاق حضارة الإنكا، الذين اهتموا بشق الطرق في المناطق الجبلية وشيدوا معابر خاصة فيها على شكل مدرجات سهلة الاجتياز نسبياً، ولم يهتم المستعمرون الإسبان والبرتغاليون في البداية بشق طرق المواصلات وتطويرها إلا بالقدر الذي كان يخدم مصالحهم الخاصة، بسبب قساوة الأحوال الطبيعية ووجود الغابات الكثيفة والجبال والهضاب العالية، فكان أن شغلت الخطوط الجوية مكان الصدارة بين وسائل النقل وخاصة في البيرو وبوليفية والبرازيل، ولم تشهد شبكة طرق المواصلات البرية بأنواعها تطوراً يذكر إلا في المدة الأخيرة، وبجهد من حكومات بلدانها. ولدى دول أمريكة الجنوبية اليوم شبكة متوسطة الأهمية من طرق السيارات، منها خط يصل أقصى شمالي فنزويلّة بالأقسام الجنوبية لتشيلي مسايراً ساحل المحيط الهادئ، وتتفرع منه مجموعة من الطرق التي تتجه شرقاً نحو السفوح الغربية لسلاسل الأنديز، كما توجد مجموعة من الطرق الجيدة النوعية على طول السواحل الغربية، وفي الولايات البرازيلية الجنوبية وفي شمالي الأرجنتين، وقد قامت البرازيل مؤخراً بشق طريقين على جانبي نهر الأمازون باتجاه المناطق الداخلية من حوض هذا النهر.
          أما السكك الحديدية، فقد بدئ بإنشائها منذ عام 1854، وكانت البرازيل أول من عرفها، ولكن المشكلة القائمة هنا، تكمن في أن الشبكة القديمة ذات قياسات مختلفة وغير موحدة في المناطق كلها، أما الشبكة الحديثة فإنها تشمل المناطق الساحلية الشرقية والغربية كما أنها ذات كثافة عالية في ولايات البرازيل الجنوبية وفي منطقة بونس آيرس الأرجنتينية بوجه خاص، وتتصل الشبكة الغربية بالشبكة الشرقية عبر مجموعة من السكك والخطوط العرضية أهمها الخط الواصل بين مدينتي سانتوس البرازيلية وأريكة التشيلية مروراً ببوليفية وهناك خط حديد يصل بين مدينة فالباريزو التشيلية الواقعة على المحيط الهادئ ومونتفيديو عاصمة الأورغواي إضافة إلى خط آخر يصل بين أنتوفاغاسته التشيلية ولاباز عاصمة بوليفية ليتجه بعدها إلى البارغواي وإلى بورت أليغرو الأرجنتينية.
          التطورات السياسية والاقتصادية في أمريكة الجنوبية
          نشأت دول أمريكة الجنوبية الحالية، باستثناء البرازيل، من تفكك رِدافات الملكيات الإسبانية التي كانت قائمة هنا، والتي كانت متمثلة بردافة ملكية البيرو وردافة غرناطة الجديدة (كولومبية) وريودي لابلاتا (الأرجنتين)، ومن تفكك الحاكمية العامة في فنزويلة والحاكمية العامة في تشيلي، ومن ثم بدأت هذه الدول تنال استقلالها في الربع الأول من القرن التاسع عشر مكوِّنة الدول الحالية المبينة في الجدول12.
          الدول نظام الحكم العاصمة تاريخ الاستقلال تاريخ الانتساب إلى
          هيئة الأمم المتحدة
          الأرجنتين جمهوري اتحادي بونس آيرس 9/7/1816 1945
          الإكوادور جمهوري كيتو 24/5/1822 1945
          الأورغواي جمهوري مونتفيديو 25/8/1828 1945
          الباراغواي جمهوري اسّنسيون 14/5/1811 1945
          البرازيل جمهوري اتحادي برازيلية 7/9/1822 1945
          بوليفية جمهوري لاباز 6/8/1825 1945
          البيرو جمهوري ليمة 28/7/1821 1945
          تشيلي جمهوري سانتياغو 18/9/1810 1945
          سورينام جمهوري باراماريبو 25/11/1975 1975
          غويانة جمهوري
          (عضو في الكومنولث)
          جورج تاون 26/5/1966 1966
          غويانة الفرنسية محافظة فرنسية كايين 19/3/1946 -
          فنزويلّة جمهوري اتحادي كاراكاس 5/7/1811 1945
          كولومبية جمهوري بوغوتة 20/7/1810 1945
          فوكلند مستعمرة بريطانية ستانلي - -
          الجدول (12) أمريكة الجنوبية سياسياً
          تميزت الحقبة الأولى التي تلت الاستقلال بسلسلة من الاضطرابات والمشاكل والحروب الأهلية أنهكت اقتصاد أمريكة الجنوبية، وامتصت إمكانات الدول الفتية منها، وكانت سبباً في تفشي الأمراض الاجتماعية وفي تعاظم دور المصالح والشركات الاحتكارية الرأسمالية، باستثناء البرازيل التي تمكنت حكومتها المركزية من السيطرة على مقدرات الحياة السياسية منذ البدايات الأولى للاستقلال. وقد اصطدمت مصالح الولايات المتحدة الأمريكية هنا بالمصالح الوطنية للدول الفتية التي تجمعت في جبهة تزعمتها البرازيل والأرجنتين، وأثمر التعاون على صعيد القارة تقديم خدمات مهمة على صعيد الصحة العامة ونشر الوعي الصحي في أمريكة الجنوبية، كما وضعت مجموعة من المصورات الطبوغرافية لمجمل دول أمريكة الجنوبية، وجرى أول الإحصائيات الرسمية الدقيقة لسكانها.
          وقد رأت مجموعة الدول هذه أن مصلحتها الوطنية تقتضي التنسيق على المستوى القارِّي في التجارة الخارجية، بهدف التخفيف من حدة التنافس فيما بينها، على تصدير المنتجات ذاتها إلى الأسواق نفسها، فكانت اتفاقية كيتو الموقعة عام 1948م الهادفة إلى توحيد الأسطول التجاري لكل من كولومبية وفنزويلّة والإكوادور، كما اقترحت البيرو قيام اتحاد يضم الدول الممتدة بين بوليفية والمكسيك كافة، والتي تؤلف العناصر المنحدرة من الهنود الحمر الأغلبية العظمى لسكانها، ووقعت الأرجنتين اتفاقاً جمركياً مع تشيلي منذ عام 1946م. ومع تزايد المشاكل الاقتصادية الناجمة عن تخلف الصناعة، تزايد الاهتمام بإيجاد نوع من الاتحاد الاقتصادي الإقليمي، وأثمرت الجهود المبذولة في هذا المجال توقيع مشروع للتكامل الاقتصادي لدول أمريكة الجنوبية والوسطى (مونتفيديو عام 1960) أعلن قيام اتحاد أمريكة اللاتينية للتبادل التجاري الحر الذي عرف باسم A.L.A.L.C اختصاراً، وضم كلاً من الأرجنتين والبرازيل وتشيلي وكولومبية والمكسيك والبارغواي والأورغواي، ثم انضم إليه كل من بوليفية وفنزويلّة، وقد أدى توقيع هذه الاتفاقية إلى زيادة حجم المبادلات التجارية بين أعضائها، فبعد أن كانت القيمة الإجمالية للتبادل التجاري بينها نحو 500 مليون دولار عام 1955م، انخفضت إلى 300 مليون دولار عام 1961م، لتعود فترتفع بعد توقيع الاتفاقية إلى 630 مليون دولار عام 1962م، وهذا ما يعادل 12% من إجمالي التجارة الخارجية لهذه الدول في تلك الحقبة، واستمرت هذه القيمة بالتزايد طوال السنوات اللاحقة، ونظراً لأهمية هذه الاتفاقية وما حققته من نجاحات، فقد أعيدت صياغة بنودها لتتمكن من مسايرة الأوضاع الاقتصادية المستجدة منذ مطلع عام 1980م.
          محمد فائد حاج حسن

          تاريخ أمريكة الجنوبية
          يطلق مصطلح أمريكة اللاتينية على أمريكة الجنوبية (جغرافياً) إضافة إلى قسم من المكسيك وأمريكة الوسطى. وتضم اليوم مجموعة الدول المستقلة العشرين في العالم الجديد - الدول الثماني عشرة الناطقة بالإسبانية، والبرازيل بالبرتغالية وهايتي بالفرنسية. وهو التعريف الأكثر قبولاً من الناحيتين الثقافية والدينية.
          الحضارات ما قبل الكولومبية Pre-Colombian: أي الحضارات الهندية الأمريكية المحلية لقسم من المكسيك وأمريكة الوسطى والأقاليم الأندينية Andeans في غربي أمريكة الجنوبية قبل اكتشاف الإسبان لها وغزوها في القرن السادس عشر. ونظراً لعدم معرفة شعوبها باستثناء الأزتيك والمايا للكتابة قبل الاستعمار، يعتمد المؤرخون في دراستهم لها في عصور ما قبل التاريخ على الروايات المحلية وكتابات المكتشفين الأوربيين الأوائل، وخاصة على المكتشفات الأثرية.
          ويميز المؤرخون عادة بين حضارة ميزو أمريكة وحضارة الأقاليم الأندينية.
          1ـ حضارة ميزو أمريكة: تشمل ميزو أمريكة نحو نصف المكسيك وأمريكة الوسطى. وكان سكانها من الهنود الأمريكيين أكثر شعوب نصف الكرة الأرضية الغربي تقدماً.
          أ - العصور ما قبل الكلاسيكية Pre-Clasic حتى 100م: عاش سكان ميزو أمريكة الهنود حتى 6500ق.م على جمع القوت وصيد المواشي الثديية: الماموت والإبل والجياد والمستودون (حيوان منقرض يشبه الفيل)، برماح لها رؤوس من الرقائق الحجرية المستدقة الطرفين. لكن بعد أن طرأ ارتفاع على درجات الحرارة في العالم نحو 7000ق.م، وبدأ انحسار هطل الثلوج العظيم في خطوط العرض الشمالية، أخذ سكانها يعتمدون على الزراعة لتأمين معيشتهم. ويعد حصولهم على الطاقة الغذائية من النباتات كالذرة والقرع أعظم حدث حاسم شهدته ميزو أمريكة في عصور ماقبل التاريخ.
          ففي ما بين 6500 - 1500ق.م حقق الميزو أمريكيون كثيراً من المنجزات في مجال الزراعات الغذائية هيأت السبيل لتبني نظام حياة مستقرة تماماً، إذ صاحب التزايد العظيم في كميات النباتات الغذائية تغيير في نمط السكن، فقد استبدلت بمعسكرات الصيد والملاجئ الصخرية الفصلية القرى شبه الدائمة المكونة من بيوت صغيرة تحت الأرض في الوديان. وتدل الجرار الكروية الشكل والسلطانيات المنقورة في الحجر بعناية فائقة على اطراد الاستقرار. ونحو 2300ق.م بدأت صناعة الفخار في وادي تيهواكان Tehuacan في المكسيك.
          وتميز العصر التكويني المبكر (1500 - 900ق.م) في ميزو أمريكة بنشوء القرى الزراعية على السواحل وفي النجود. ففي أوكوس Ocَs (نحو 1500 - 1200ق.م) وكوادروس (900-1100 ق.م) Cuadros مثلاً، على ساحل غواتيمالة المطل على المحيط الهادئ أصبح السكان يقطنون في قرى صغيرة (10 - 12منزلاً) ويعيشون على صيد منتجات البحر من البرازخ والبحيرات، وينتجون الذرة. وكان فخار أوكوس متطوراً جداً تقانياً وفنياً. وظهرت القرى الزراعية مع نوى لمستوطنات دائمة في النجود. وفي حين كانت قرى المناطق المنخفضة، ولاسيما الساحلية منها، الغنية بمواردها قادرة على أن تكفي نفسها بنفسها، ودمجت بوحدة من الروابط، فإن قرى النجود المكونة من بيئات متباينة وعاجزة عن أن تكفي نفسها بنفسها نجحت في الوصول إلى تكامل زراعي يقوم على التجارة.
          وظهر إلى جانب هذه الحضارة شبه الفلاحية حضارة عظيمة هي حضارة الأولميك (900-1150 ق.م) Olmec في سان لورنزو في المكسيك. وتعد أول حضارة حقيقية في ميزو أمريكة. فبينما كانت شعوب ما تبقى من ميزو أمريكة لاتزال تعيش بأفضل الأحوال في العصر الحجري الحديث، تميز الأولميك بتحقيق إنجازات مهمة أهمها تشييد المباني الضخمة من المتاريس الترابية على نسق الأهرامات، وصنع منحوتات حجرية كبيرة أشهرها الرؤوس الضخمة. كما تميز هذا العصر بطرائق معقدة للطباعة بالهزازة rocher stamping، وبالجرار الكروية من دون عنق، وبفخار الأولميك المزين بالرسوم.
          واتسمت بداية العصر التكويني الأوسط (900 - 300ق.م) بانتشار الفخار القاسي المزين بخطوط منقوشة، والشخوص الفخارية الواسعة العيون والمتألقة، ونمو الثقافة الإقليمية، والانتقال إلى حياة الاستقرار التام في كل مكان، والسكن في القرى الصغيرة، والقرى وربما المدن الصغيرة في النجود والوديان.
          فيما بين 800 - 400ق.م انتقل مركز حضارة الأولميك إلى لافنتا شرق نهر تونالا. وكانت لافنتا في هذا العصر أهم موقع حضاري في ميزو أمريكة. ولم تكن حضارة الأولميك أرقى حضارة في ميزو أمريكة فحسب، بل كانت أيضاً هي والثقافات الأخرى التي تأثرت بها الأساس لكل الحضارات الأخرى التي عرفها هذا القسم من أمريكة اللاتينية.
          وربما كان من أهم سمات العصر التكويني المتأخر (300 - 100ق.م) تحول حضارة الأولميك في جنوب شرقي ميزو أمريكة إلى حضارة شبيهة بحضارة المايا المبكرة في الوديان، وظهور الثقافة الحضرية المفاجئ في نهاية هذا العصر في تيهواكان بوادي المكسيك وبداية تكون معظم الثقافات الأخرى المميزة التي ستصبح ثقافات كلاسيكية عظيمة، وعدم ظهور دولة موّحِدة مماثلة لدولة الأولميك المبكرة ليصبح الدمج الثقافي المحلي والإقليمية القاعدة مع وجود سمات مشتركة بينها، وقد يضاف سمة رابعة هي بناء المعابد والأهرامات.
          ب - العصور الكلاسيكية (100ق.م - 900م): وأهم سماتها أنها عصور سلام نسبي، وغياب الدول والامبراطوريات «الامبريالية» الواسعة وفقدان الزخم العسكري والتنظيم اللذين يصاحبان عادة مثل هذه الدول، وعدم وجود المدن الحقيقية، وقيام حكومات ثيوقراطية أكثر منها دنيوية، وتفوق مهم في مجال الفنون والصناعات اليدوية باستثناء صناعة الحديد التي ظهرت لأول مرة في العصور مابعد الكلاسيكية. أما في المستوى النوعي فلا يوجد إلا قليل من الاختلاف بين العصور الكلاسيكية والعصر التكويني المتأخر. فالنزاعات التي تبلورت في القرون الأخيرة قبل الميلاد، وصلت أوجها في العصور الكلاسيكية وبرزت خلالها ثقافة تيهواكان التي تركزت في واديي مكسيكو وبويبلا في المكسيك. وأدت إبان العصر الكلاسيكي المبكر دوراً مماثلاً للدور الذي برع فيه الأولميك في أمريكة في العصر التكويني المبكر، وحضارة المايا في الوديان. فقد أضحت تيهواكان مركزاً لحضارة حضرية عظيمة لم تعرف الأمريكيتان مثيلاً لها بعد، بلغت أوجها فيما بين 300 - 650م. وربما كانت امبراطورية هندية أمريكية واسعة يشهد على ذلك قوة تواجدها الثقافي حتى في الأقاليم النائية من ميزو أمريكة.
          ج - حقبة ما بعد العصور الكلاسيكية (900 - 1519/1521): وهي الحقبة الأخيرة من تاريخ ميزو أمريكة ما قبل الكولومبي. واختيار عام 900 بداية لهذه الحقبة يقوم على اعتبارين: الأول انهيار حضارة المايا الكارثي في الأراضي المنخفضة في القرن العاشر، والثاني تأسيس مدينة تولا في وسط المكسيك ونهوض شعب التوليتيك باني، كما تقول الحوليات التاريخية، أعظم امبراطورية في ميزو أمريكة. وتقسم هذه الحقبة عادة إلى مرحلتين هما المرحلة ما بعد الكلاسيكية المبكرة (900 - 1200) وهي مرحلة التوليتيك، والمرحلة ما بعد الكلاسيكية المتأخرة (1200- 1519/1521) وهي مرحلة الأزتيك. وأهم سمات هذه الحقبة أنها عصر صراع مرير وتنظيم عسكري عالي المستوى، وعصر امبراطوريات ومدن وحكومات علمانية، وعصر انحطاط الفن، وغزارة الوثائق التاريخية. وبما أن الدراسات الحديثة قد أثارت الكثير من الشكوك حول بعض هذه السمات، فإن الفصل ما بين العصور الكلاسيكية وما بعد الكلاسيكية يبقى مجرد طريقة ملائمة لتقسيم زمني للتطور الثقافي المديد في ميزو أمريكة إلى وحدات يسهل تحليلها ومناقشتها. وربما كانت أهم سمة عقلانية لهذه الحقبة هي وجود تاريخ مكتوب، وهو ما يعوز العصور الكلاسيكية التي تعتمد دراستها على علم الآثار.
          بنى الأزتيك أوسع امبراطورية عرفتها ميزو أمريكة وأكثرها سكاناً. كما تعد حضارتهم في المكسيك أرقى حضارة شهدتها حقبة ما بعد العصور الكلاسيكية في ميزو أمريكة.
          2 ـ الحضارة الأندينية: أي الثقافات الهندية الأمريكية (الأندية) التي نمت وازدهرت في غربي أمريكة الجنوبية منذ عدة آلاف من السنين قبل الميلاد حتى استيلاء المغامرين الإسبان على هذه المنطقة في القرن السادس عشر، ولا تزال عناصرها الاقتصادية الرئيسة حية حتى اليوم بين الشرائح الهندية من سكان البيرو وبوليفية والإكوادور وكولومبية.
          تعود بداية عصر ما قبل الخزف المتأخر في البيرو إلى نحو 3500ق.م. آنذاك كان سكان ساحل المحيط الهادئ متعددي النشاطات. ففي الشمال والوسط كان الهنود يعيشون على الزراعة وصيد الأسماك وجمع المحار. وبنى بعضهم أكواخاً مخروطية من القصب المسقوف بالقش في شيكلا جنوب ليمة. وكان بعضهم يقيم في معسكرات شتوية على الأراضي العشبية خارج الوديان، ثم في معسكرات صيفية على طول ساحل المحيط الهادئ. ويحصلون من الأراضي العشبية على البذور الطبيعية والدرنيات والقواقع، ويصطادون الحيوانات الثديية - الأيّل deer والثعالب والبوم. ومع تقلص الأراضي العشبية على المدى الطويل هجر الهنود نحو 2500ق.م المعسكرات الشتوية وأصبحوا يقيمون في قرى الصيد الدائمة. وفي أقصى الشمال في إقليم تالارة Talara وامتداده في الإكوادور كان الهنود يعيشون في الأراضي العشبية على استغلال الغابات والبذور المثمرة. أما في أقصى الجنوب، فقد اعتمد الهنود بالدرجة الأولى على صيد الأيل والغوناق Guanaco.
          أما المعلومات عن مناطق النجود فقليلة. كانت مغاور لوريكوشه على ارتفاع نحو 400 قدم عن سطح البحر ما تزال مأهولة بصيادي الأيِّل منذ 8000ق.م ومنذ ما قبل 3000ق.م أخذوا يزرعون القطن والقرع واليقطين وبعض النباتات البذرية في حوض نهر أياكوشو Ayacucho في البيرو الحالية.
          وتبدأ «المرحلة الاستهلالية» (3000-1400/1000ق.م) Initial Period بدخول صناعة الفخار. فقد وجدت أولى الفخاريات في كولومبية قبل 3000ق.م، ثم في الإكوادور نحو 2700ق.م. وإن عرف سكان ساحل المحيط الهادئ تزايداً تدريجياً في استهلاك الغلال المزروعة، فقد استمروا بالاعتماد بالدرجة الأولى على المنتجات الغذائية البحرية. وانتشرت الحياة القروية المستقرة وبناء المعابد مع انتشار الزراعة والصناعات اليدوية المتطورة في بلاد الأندين، باستثناء أقصى الجنوب حيث كانت الشروط الطبيعية ملائمة لاستمرار حياة جمع القوت والصيد.
          ويعود ظهور أرقى حضارة، الحضارة الشافانية، في نجود بلاد الأندين في البيرو إلى مرحلة الأفق المبكر (1400/1000ق.م - 540/600م) أي إلى الوقت نفسه تقريباً الذي ظهرت فيه حضارة الأولميك في المكسيك. وقد ازدهرت الحضارة الشافانية فيما بين 700 - 200ق.م. ومما يلفت النظر وجود تماثلات بين هاتين الحضارتين ولاسيما في المستوى الديني وفي فن العمارة المتقن والنحت والخزف المنقوش وصناعة الأيقونات الغريبة ذات القسمات السنورية. ويبدو أن تطور الامبراطورية الشافانية ارتبط بانتشار فنها وديانتها أكثر من ارتباطه بامتداد سيطرتها السياسية. وسارت على خطاها الامبراطوريات اللاحقة في بلاد الأندين. كما شهدت هذه المرحلة بداية صنع الأدوات المعدنية. ففي شمالي بلاد الأندين ظهرت صناعة حلي الزينة - الأقراط، والتيجان المصنوعة من ألواح الذهب الرقيقة المطروقة، واستخدام اللحام والسبك في صناعة بعض الأدوات المعدنية.
          ومع انهيار الحضارة الشافانية نهضت ثقافات محلية عبر بلاد الأندين في المرحلة الانتقالية المبكرة. ووصل الفن والتقانة إلى ذروتهما، وحققت الصناعة المعدنية تقدماً كبيراً، إذ استخدمت طرائق المعالجة والخلط ما قبل الكولومبية، وسبكت المعادن في قوالب من الشمع المهمل، وأصبحت المعادن يلحم بعضها ببعض بالتسخين والطرق. ونهضت دول إقليمية مختلفة مثل دولة موشي Moche في الساحل الشمالي ونازاكة Nazaca في الساحل الجنوبي.
          وتميزت مرحلة الأفق المتوسط (540/600 - 900/1000) بانتشار المؤثرات الحضارية من دول النجود العليا الجنوبية مثل دولة تياهواناكو (700-1300) Tiahuanaco في غربي بوليفية الحالية التي وحدت مناطق واسعة. وانتشرت مؤثراتها في جنوبي البيرو أولاً ثم في شماليها وفي شرقيها، ودولة هواري Huari بالقرب من أياكوشو في البيرو التي بنت امبراطورية واسعة أصبحت نحو عام 800 تمتد حتى كاجاماركه ووادي شيكان في شمالي البيرو وحتى نهر أوكونه على ساحلها الجنوبي.
          وكان أبرز ما شهدته المرحلة الانتقالية المتأخرة (900/1000 - 1519/1521) اختفاء إمارات الوحدة التي فرضتها امبراطورية هواري وانبعاث الدول الصغيرة المستقلة في الساحلين الشمالي والأوسط برز من بينها دولة شيمو في وادي موشي (1300 - 1460) التي بنت امبراطورية واسعة المساحة على ساحل البيرو الشمالي ما بين بويره Puira وربما تومبيس شمالاً وليمة جنوباً. وتميزت حضارة شيمو بمنسوجاتها وصياغتها التي تعد من روائع الفن ما قبل الكولومبي. إلا أن أعظم حضارة عرفتها أمريكة اللاتينية إبان هذه المرحلة هي حضارة الإنكا. فحين وصل الإسبان إلى بلاد الأندين كانت امبراطورية الإنكا سياسياً ودينياً تضم ما يعرف اليوم بالبيرو والإكوادور وأجزاء من الأرجنتين والتشيلي. كما يجب ذكر مملكة الشيبشه في إقليم بوغوتة (كولومبية) التي قضى عليها الإسبان في القرن السادس عشر.
          كشف أمريكة اللاتينية والغزو الاستعماري لها: مر الكشف الجغرافي لأمريكة اللاتينية بمرحلتين هما مرحلة الكشف الساحلي ومرحلة الكشف القاري وبناء الامبراطوريات الاستعمارية.
          1ـ مرحلة الكشف الساحلي (1492 - 1519) (انظر القسم الجغرافي أعلاه).
          2ـ مرحلة الكشف القاري وبناء الامبراطوريات الاستعمارية: يعد الكشف القاري لأمريكة اللاتينية وغزوها واستعمارها الاستيطاني عملاً إسبانياً بالدرجة الأولى. ففي مابين 1520 - 1540، استولى الإسبان على ما مساحته نحو 24 مليون كم2 من أراضي أمريكة الجنوبية. أما البرتغال فقد شغلها اهتمامها البالغ بجزر الهند الشرقية عن التفكير في القيام بمغامرة جديدة ويمكن القول إن البرازيل أصبحت إحدى ممتلكاتها الاستعمارية بالمصادفة.
          وفيما بين 1515 - 1530 نجح الغزاة الإسبان في بسط سيطرتهم على أهم أراضي أمريكة الوسطى العليا الكثيفة السكان والمتقدمة حضارياً. وقضوا على امبراطوريتي الأزتيك في المكسيك والمايا في غواتيمالة، لكنهم لم ينتهوا من غزو بلاد المايا حتى عام1544. وفي المدة ما بين 1526 - 1538 استولوا على أمريكة الجنوبية باستثناء البرازيل، وذلك بعد أن قضوا على امبراطورية الأنكا واستخدموا بلاد الإنكا قاعدة لغزو ما تبقى من أمريكة الجنوبية. وتقدموا في التشيلي جنوباً حتى بلاد الأروكانيين (1535 - 1537). إلا أنه لم يتم القضاء على آخر جيوب المقاومة في الأروكاني إلا بعد ثلاثة قرون. ومنذئذ أصبح الإسبان يفرضون سلطانهم على المناطق الواقعة ما بين نجود المكسيك والأروكاني في وسط التشيلي. أما البرتغال فلم تكن تملك عام 1550 سوى شريطاً ساحلياً على المحيط الأطلسي. ففي عام 1532 أسس مارتيم الفونسو دي سوزا مدينة سانت فنسنت بالقرب من ساو باولو الحالية، فكانت أول مستعمرة برتغالية دائمة. وفي عام 1567 أسس البرتغاليون مدينة ريو دي جانيرو. ولن يبدؤوا بالتوغل فيما أصبح يعرف بالبرازيل إلا في القرن السابع عشر. ولم تبدأ مرحلة الكشف العلمي في شمالي البرازيل إلا في 1773 -1774.
          ويعود الفضل في نجاح الغزو الاستعماري لأمريكة اللاتينية إلى إرادة ثلة من كبار المغامرين الإسبان محركهم الأساسي شهوة الربح أكثر من حب المغامرة والحماس التبشيري. ومع ذلك فقد واجه الغزاة الإسبان مقاومة عنيدة وشرسة وناجعة من بدو السهول والمنخفضات الاستوائية لا تقل أهمية عن مقاومة الامبراطوريات الحضرية الهندية.
          العهد الاستعماري: ما إن استتب الأمر للغزاة الإسبان حتى شرعوا في بناء الجهاز الإداري اللازم لمساعدتهم على إحكام سيطرتهم على أمريكة اللاتينية وتحقيق أطماعهم الاقتصادية.
          1 ـ الإدارة الاستعمارية: وكانت صورة مصغرة عن الإد ارة الإسبانية، وتتكون من أجهزة مركزية في إسبانية وأجهزة محلية في المستعمرات.
          أ - الإدارة الاستعمارية المركزية: وتتكون من الوكالة التجارية ومجلس الهند. أُسست الوكالة التجارية في 1503، وتتكون من خازن ومراقب وأمين عام، مهمتها الإشراف على العلاقات التجارية والبحرية بين إسبانية ومستعمراتها الأمريكية، وإعداد المراكب المتجهة إلى المستعمرات وحمايتها، والسهر على جباية العائدات الملكية ونقل البريد الإداري إلى المستعمرات. وتقوم أيضاً بدور مدرسة الملاحة ومؤسسات البحث المحيطي والمحكمة العليا في مجال التجارة مع المستعمرات. وقد شكل إحداث وظيفة رئيس محكمة الوكالة التجارية وتكليفه بالتنسيق مع مجلس الهند مرحلة حاسمة في تنظيم هذه الوكالة المتزايد التعقيد.
          أما مجلس الهند فقد أُنشئ عام1511. في البداية كان مجرد لجنة تابعة للوكالة التجارية، مهمته مراقبة إدارة المستعمرات الأمريكية. ولم يتمتع هذا المجلس بالشخصية الاعتبارية إلا في عام 1524 إثر وفاة خوان ر.دي فونسيكا الذي كان وزير المستعمرات منذ عام 1493 ووراثته لمنصبه. ويتألف هذا المجلس من ثمانية مستشارين، وكان يصاحب ملك إسبانية في تنقلاته المختلفة، ويعد القوانين والقرارات الخاصة بالعالم الجديد ويضفي الصبغة القانونية على الأوامر الملكية، ويحرر المراسلات الإدارية التي تنقلها أجهزة الوكالة التجارية، ويرشح الموظفين للمناصب الإدارية في المستعمرات، كما يقوم بدور المحكمة العليا.
          ب - إدارة المستعمرات: حتى النصف الأول من القرن السادس عشر، كان التاج الإسباني يكلف كبار المغامرين الإسبان بإدارة المستعمرات، ويمنحهم السلطة الملكية ولقب حاكم أو قبطان عام، وكانوا يتمتعون بسلطة مطلقة في إقطاعاتهم لا يحد منها إلا المجالس البلدية في المدن المؤلفة من 4 إلى 12 عضواً على رأسهم رئيس المجلس إضافة إلى عدد كبير من الأعضاء غير العاديين الآخرين مهمتهم الإشراف على شؤون القضاء. وكانت هذه المجالس ترسل ممثلين عنها إلى مجلس الهند للتعبير عن رغباتها في عدة مناسبات، وغالباً ما كانت عرائضها الخاصة بالشؤون التجارية تنهال على الحكومة.
          لكن بعد انتصار المركزية الملكية على الطبقة النبيلة والمدن الانفصالية الانعزالية في إسبانية في عهد فرديناند وإيزابيلا والسنوات الأولى من عهد شارلكان حلت إدارة نائب الملك محل إدارة كبار المغامرين الإسبان في المستعمرات الأمريكية، وأصبح التاج الإسباني يمارس سلطاته فيها بوساطة نواب الملك والمحاكم العليا. ففي عام 1535 أُنشئت أول نيابة ملكية في إسبانية الجديدة (المكسيك). وفي 1544 ألفت المستعمرات الإسبانية في أمريكة الجنوبية نيابة البيرو، وقلصت هذه النيابة بإنشاء نيابة غرناطة الجديدة (كولومبية وفنزويلة) في الشمال في 1739، ونيابة لابلاتا في الجنوب في1776. وأصبح نائب الملك يمثل التاج الإسباني في المستعمرات، ويمارس حقه في الرعاية، ويراقب المناجم ويسهر على تنصير الأهالي، ويترأس المحكمة العليا.
          أما فيما يتعلق بالمحاكم العليا، فقد أنشئت أولاها في مكسيكو (1527)، ثم في بنمة (1535) وليمة وغواتيمالة (1542)، وسانتافيه في بوغوتة (1547)، وبونس آيرس (1661) وكاراكاس وكيتو (1563)، وريو دولابلاتا (1776). وتتألف المحكمة العليا من رئيس هو نائب الملك عندما تكون المحكمة من منطقة سلطته، أو القبطان العام في الأماكن الأخرى، وعدد متغير من القضاة المعتمدين. في البداية كانت هذه المحاكم بمثابة محاكم استئناف ولا يعلوها مرتبة إلا مجلس الهند، ثم أصبحت تجمع بين السلطتين القضائية والإدارية، وتمارس رقابة شديدة على جميع الموظفين، وتكوّن مجلس نائب الملك وتنوب عنه في حال شغور منصبه. وكان القبطان العام يمارس سلطة نائب الملك في مناطق المحاكم العليا، ويخضع له وللتاج الإسباني في آن معاً. وقسمت مناطق المحاكم العليا إدارياً إلى دوائر يرأسها رئيس دائرة يقوم بتصريف شؤون الإدارة اليومية. وكان يدير شؤون الهنود إما زعماء محليون (كاسيك) وإما إقطاعيون إسبان يحكمونهم كما يحكم السادة عبيدهم.
          ولم يقلص التاج الإسباني الاستقلال الذاتي للمجالس البلدية بوضعها تحت وصاية ممثلي السلطة المركزية فحسب، بل أيضاً تحت سلطة الغزاة الإسبان شبه الإقطاعية. وأصبحت الإدارة الجديدة متوازنة السلطات يراقب بعضها بعضها الآخر، وتحد من سلطات بعضها البعض بمهارة، ومحسوبة بحيث يترك للملك الإسباني حرية القرار، إلا أن الموظف الاستعماري الإسباني كان يتصرف على هواه ويستغل منصبه لاستعادة المال الذي دفعه لشراء منصبه مع الفوائد.
          وقد نجحت الإدارة الإسبانية في مستعمرات أمريكة اللاتينية في الوقوف بوجه أطماع الإنكليز والفرنسيين والهولنديين فيها والمحافظة عليها.
          وفي عام 1718 بدأ فيليب الخامس (1700 - 1746)، ملك إسبانية من آل بوربون، إصلاحاً إدارياً يهدف إلى أقلمة نظام المعتمدية الإدارية الفرنسي في إسبانية، وتخفيف وطأة إدارة نائب الملك في المستعمرات. وقد بوشر بهذا الإصلاح في المكسيك عام 1765، وفي المستعمرات الإسبانية الأخرى منذ 1790، وذلك بتقسيم المستعمرة إلى معتمديات إدارية يرأسها معتمدون يعينهم الملك، ونواب مفوضون في مدن ودوائر المعتمديات.
          وكانت طبقة الإكليروس واحدة من أفضل عملاء الإدارة الملكية، فبموجب المرسوم الذي أصدره البابا ألكسندر السادس أصبح التاج الإسباني يتمتع بحق الرعاية الذي وضع إدارة الكنيسة بين يديه. وتتجلى عمالتها للتاج بمظهرين هما مساعدة الملك في السيطرة على السكان الإسبان في المستعمرات عن طريق محاكم التفتيش، وقيامها بتنصير الهنود كخطوة أولى باتجاه الأوربة أو التغريب.
          ج - إدارة البرازيل: وتشبه إدارة هذه المستعمرة البرتغالية الوحيدة في أمريكة الجنوبية الإدارة الاستعمارية الإسبانية. في البداية عهد التاج البرتغالي بإدارة البرازيل إلى بعض كبار الإقطاعيين عن طريق منحهم إقطاعات ضخمة يمارسون سلطانهم عليها بحسب ما يقتضيه الحال، مما أخر استغلال المستعمرة الاقتصادي وإقامة إدارة فعّالة فيها. لكن بعد أن أدرك التاج البرتغالي خطأه، سعى عام 1549 إلى تأسيس إدارة استعمارية في البرازيل مماثلة لإدارة ممتلكاته في جزر الهند الشرقية، جردت الإقطاعيين من سلطاتهم السياسية فقط، وأنشأت إدارة جديدة تتكون من قبطانيات بلغ عددها ثلاث عشرة في القرن السادس عشر، يرأس كل منها قبطان وتساعده لجنة Junta من الموظفين الإداريين والقضاة، إضافة إلى قبطان عام بمنزلة نائب للملك في البرازيل.
          وشهدت الإدارة الاستعمارية تقدماً مهماً إبان سنوات الاتحاد الملكي بين البرتغال وإسبانية (1580 - 1640) في عهد آل هابسبورغ. ففي عام 1604 أُسس مجلس الهند في البرتغال على نسق مجلس الهند الإسباني الذي استمر بعد 1640 باسم مجلس ما وراء البحار، وحلت إدارة القبطان العام وممثليه في كل قبطانية محل إدارة القباطنة الإقطاعية الفوضوية، وأصبحت المدن تتمتع باستقلال ذاتي واسع.
          2 ـ السياسة الاقتصادية الاستعمارية: وتقوم على مبدأين؛ استغلال قارة أمريكة اللاتينية ونهبها. فقد جعلت كل من إسبانية والبرتغال اقتصاد ممتلكاتها الاستعمارية اقتصاداً ميركنتيلياً (تجارياً) يقوم على الاحتكار والولع بالربح، وموجهاً كلياً نحو الخارج، فأغلقت كل منهما ممتلكاتها الاستعمارية في وجه الدول الأوربية الأخرى، واحتفظت إسبانية باحتكار التجارة مع مستعمراتها حتى نهاية القرن الثامن عشر. وأدى الجشع إلى استغلال البرتغال وإسبانية لهذه المستعمرات لصالحهما استغلالاً لا حدود له، ومن دون الأخذ بالحسبان حاجات سكان المستعمرات ومتطلباتهم ومن دون تعويض ولا تخطيط، وما تزال دول أمريكة اللاتينية تدفع ثمن ذلك حتى اليوم. لهذا كله غدا اقتصاد أمريكة اللاتينية اقتصاداً زراعياً وتعدينياً بالدرجة الأولى، ويقوم على الاستغلال ويلبي في المقام الأول حاجات إسبانية والبرتغال من المواد الخام الزراعية والحيوانية والمعادن الثمينة من ذهب وفضة، ويجعل مستعمراتهما أسواقاً لتصريف فائض إنتاجهما الصناعي، وقد وضعتا نظاماً ضريبياً يسمح بتزويد التاجين الإسباني والبرتغالي بالمعادن الثمينة وتأمين المال اللازم لتنفيذ سياستهما العظمى. وإن وقع الاستغلال بالدرجة الأولى على الطوائف الملونة ولاسيما الهنود والسود، فإن طبقة الكريول قد عانت منه أيضاً.
          فإلى جانب الإقطاعيات التقليدية الكبيرة التي فقدت أهميتها منذ النصف الثاني من القرن السادس عشر بعد أن كانت مصدراً وفيراً لتكوين رأس المال للمستوطنين الأوائل، نشط اقتصاد المزارع المضمون العوائد والقابل للاستفادة من ارتفاع الأسعار العالمية، وأصبحت الإقطاعيات الكبيرة الإسبانية Haciendas تنتج القمح والذرة، وتقوم مزارع تربية المواشي الكبيرة Estancias بإنتاج حيوانات العمل ومواشي اللحوم والجلود والصوف. وارتسم نوع من التخصص الإقليمي، فقد أصبحت جزر الكاريبي تنتج السكر ولاحقاً التبغ والطحين والبسكويت، وأمريكة الوسطى النيلة والبيرو الزيوت والنبيذ بكميات كبيرة وتستورد قمحها من التشيلي. وفي القرن السابع عشر، أصبح كاكاو غواياكيل (الإكوادور) وماراكايبو وغواتيمالة أحد مواد التجارة البين استعمارية الرئيسية.
          ولوطأة المناخ المداري الذي يمنع الإيبريين من العمل والنمو الديموغرافي، اضطروا إلى استخدام اليد العاملة الملونة، فلجؤوا في البرازيل مثلاً إلى استخدام السود الإفريقيين منذ القرن السادس عشر. أما في أراضي القرى التي احتفظ فلاحوها الهنود بها، وبقيت تخضع لنظم التقسيم التقليدية، فقد واظبوا على إخلاصهم للزراعات الغذائية - البطاطا والفاصولياء والفليفلة الحلوة والذرة في كل مكان تقريباً، والمينهوت في الأراضي المنخفضة، يضاف إلى ذلك زراعة القطن المتقهقرة، والأغاف لصناعة البلكه (شراب مُسكر)، والحبال والكوكا في بلاد الأندين، وفي بعض الحالات المحدودة اتجه الهنود إلى زراعة بعض المحاصيل التجارية كالفانيلا وتربية دودة القز لإنتاج الحرير، والخلية المكورة، ونادراً ما زرعوا القمح، وتبنوا تدريجياً تربية الخراف التي سرعان ما أصبحت نشاطاً مهماً، واستخدام حيوانات النقل، لكنهم استمروا باستعمال الأدوات البدائية في الزراعة حتى منتصف القرن الثامن عشر.
          وبما أن تطور الاستعمار الزراعي اعتمد على اليد العاملة الأهلية، فقد طرح الانهيار الديموغرافي مشكلات صعبة وخاصة بعد عام1580. ونظراً للاحتفاظ باستخدام السود في بعض أنواع الإنتاج كقصب السكر بسبب ارتفاع كلفتهم، فإن قلة اليد العاملة الزراعية، وإلغاء الخدمات في الإقطاعات ونفور الهنود من العمل المأجور على النسق الأوربي، أمور أجبرت الإدارات الاستعمارية على فرض نظم مختلفة من العمل الإجباري المؤقت في إنتاج الحبوب.
          ولما كانت صناعة التعدين النشاط الاقتصادي الرئيس في أمريكة الإسبانية، فقد منحتها الإدارة الاستعمارية تشجيعاً سخياً. وأدت المراكز التعدينية العظيمة مثل بوتوزي (1545) في أعالي البيرو وزاكتيكا (1548)، وبتشوا (1552) وغانا خوانوه (1558) في المكسيك إلى ازدهار الأقاليم بأكملها. وتقدر أثمان الذهب والفضة التي استخرجت في العهد الاستعماري في الممتلكات الإسبانية بنحو 6 مليارات دولار. ومن بين مصادر دخل الإدارة الاستعمارية الأخرى نذكر رسوم التصدير، والرسوم على العمليات التجارية، والجزية (الضريبة الوحيدة التي يدفعها الهنود) ودخل بيع الوظائف والألقاب والامتيازات.
          3ـ السكان والحياة الاجتماعية: تعد أمريكة اللاتينية أمريكة هندية مقارنة مع أمريكة الشمالية الأنغلوسكسونية، بل أمريكة مختلطة الدماء باستثناء مخروطها الجنوبي. إلا أن عدم وجود إحصائيات رسمية يجعل من الصعب معرفة عدد سكانها على نحو مؤكد قبل الغزو الإيبري لها، وتراوح التقديرات ما بين 20 - 40 مليون نسمة، وإن صحت هذه التقديرات فإن التقاء العالمين الإيبري والهندي أدى إلى انهيار العالم الهندي، فعلى الرغم من الهجرة الأوربية والإسهام الزنجي الناجم عن تجارة الرقيق، فقد قُدِّر عدد سكان أمريكة اللاتينية الإسبانية بنحو 15 مليون نسمة وسكان البرازيل البرتغالية بنحو 3،3 مليون نسمة في عام1800. أما محاولة تقدير عدد السكان فيما بين نهاية القرن الخامس والثامن عشر فقد تعد محاولة مشكوكاً بصحتها. ويرى بعضهم أن عدد سكان المستعمرات الإسبانية ربما كان 10 ملايين نسمة في القرن السابع عشر وهذا يدل على أن الغزو الإسباني أفضى إلى اختفاء ثلاثة أرباع السكان الهنود، وأسباب ذلك كثيرة ومتنوعة أهمها عنف الغزو والإبادة، والأمراض الوبائية (الطاعون والجدري والتيفوس) التي حملها الأوربيون معهم، والعمل الإجباري. ويعد المجتمع الأمريكي الإسباني مجتمعاً متراتباً على أساس سلالي، مع أنه لم يكتسب سمة الانفتاح والحركة الداخلية للمجتمعات الرأسمالية بسبب خضوعه لسلم من القيم الأرستقراطية المطابقة جوهرياً لسلم القيم الذي ساد في إسبانية في القرن الذهبي. كما أدت سلسلة التمايزات السلالية إلى تعزيز التفاوت في الثراء، لأن التمازج الناجم عن زيجات غير قانونية لم يقض على الأحكام المسبقة، بل ضاعف من تأثيراتها اجتماعياً.
          وفي عام 1800 كان التراتب الاجتماعي في المستعمرات الإسبانية على النحو التالي:
          أ - إسبانيو إسبانية: ويشغلون قمة الهرم الاجتماعي، وربما كان عددهم نحو 300 ألف وهم ما تنطبق عليهم تسمية الأوربيين، ويحتكرون المناصب الإدارية والكهنوتية العليا، وبينهم بعض كبار التجار والحرفيين وأصحاب الحوانيت، وينافسون الكريول في جميع مستويات الحياة الاقتصادية والاجتماعية.
          ب - الكريول: وهم الإسبان المولودون في المستعمرات أو الأمريكيون كما أصبحوا يسمون أنفسهم في القرن الثامن عشر، ويزيد عددهم قليلاً على 3 ملايين نسمة، ويمثلون واقع أمريكة اللاتينية الإسبانية الحي التي أصبحت وطنهم الحقيقي. ومن بينهم أصحاب الإقطاعات الزراعية الكبيرة والمناجم وأصحاب المصانع Obrajes، ويشغلون معظم المناصب والمسؤوليات البلدية، ويمتلكون ملكية شبه كاملة ثروات المستعمرات، ويسيطرون على الحياة الاجتماعية، ويؤلف أبناؤهم جمهور الجامعات والأخويات الدينية، وينازعون إسبانيي إسبانية الوظائف العامة (مراتب الكهنة ومراكز رؤساء البلديات) التي يوزعها التاج ونواب الملك، ومن صفوفهم خرجت الصفوات المختارة، لهذا كله لم يكن أمام طبقة الكريول من مفر عن التفكير في الهيمنة على السلطة السياسية في بلادها يوماً ما.
          ج - الطوائف مختلطة الدماء بالتزاوج: الخلاسيون (بيض وهنود) والمولدون (بيض وسود) والزامبوس (سود وهنود)، ويؤلفون عالماً مضطرباً ومطالباً يتطلع إلى محو وصمة الولادة والارتقاء إلى مرتبة الكريول، والمسافة بين أفقر الكريول وطوائف الملونين شديدة الاتساع، وقلما استطاع الأخيرون اجتيازها. وإليهم يعود الفضل في النمو الديموغرافي الذي شهدته المستعمرات الإسبانية في نهاية القرن السابع عشر وخاصة في القرن الثامن عشر. ومع ذلك فقد كانوا يخضعون بموجب القوانين لوضع دوني وأحياناً شائن، ومنهم الحرفيون والوسطاء والعمال الأحرار في المراكز التعدينية، ورؤساء العمال، ومشرفي إقطاعات تربية الدواجن في المناطق الحارة. ومع أن البيض كانوا يحتقرونهم فقد كانوا يخشون جانبهم.

          تعليق


          • #6
            د - الهنود: سكان البلاد الأصليون وعددهم نحو 10 ملايين نسمة، ومن بينهم يجند عمال الحقول والمناجم. وإن أُلغي العمل الإجباري نظرياً في القرن الثامن عشر، فقد حلت العبودية محله بسبب الدَّين، في حين أن هنود أطراف الأراضي المعمورة البدائيين واصلوا حياة ما قبل الغزو الإسباني لبلادهم، وكان بعضهم مسالماً وبعضهم عدوانياً، فقد كان أروكانيو التشيلي وهنود البامبا (الأرجنتين) على استعداد دائم لقطع الاتصالات بين بونس آيرس والبيرو.
            هـ - السود: وهم ثمرة تجارة الرقيق، ويقدر عددهم بنحو 800 ألف في أمريكة الجنوبية الإسبانية، ويشغلون أدنى مراتب السلم الاجتماعي، ويعملون في مزارع قصب السكر خاصة، وبأعداد قليلة في المناجم.
            وكان سوء التغذية يسود في أوساط الملونين ولاسيما بين الهنود، وقد حُرموا من الرعاية الصحية، ويسكنون أكواخاً ملوثة، وتضرب بعض الأمراض الوبائية كالجدري وبعض الأمراض الخاصة بالهنود، ضرباتها السوداء في صفوفهم وخاصة في إسبانية الجديدة المكسيك، ولم تكن الحمى الصفراء تدخر أحداً على السواحل، إضافة إلى المجاعات الدورية والأوبئة مما جعل التزايد السكاني بطيئاً.
            وفي البرازيل عرف المجتمع البرازيلي التراتب الاجتماعي نفسه الذي عرفته مجتمعات المستعمرات الإسبانية. وفي نهاية عام 1818 بلغ عدد سكان البرازيل 3.617 مليون نسمة يتوزعون على النحو التالي: الأوربيون 800 ألف، والمختلطة دماؤهم 628 ألف، والهنود 259 ألف ما عدا هنود الداخل غير الخاضعين، والسود وعددهم رسمياً 1.887.500 نسمة أي ما يعادل نحو 50% من سكان البرازيل.
            هكذا لم تتجاوز مجتمعات أمريكة اللاتينية إبان العهد الاستعماري مرحلة النظام الإقطاعي وسيادة الأرستقراطية وقيم الطبقة النبيلة.
            استقلال أمريكة اللاتينية: في المدة ما بين 1808 - 1824 شهدت أمريكة اللاتينية ثورات عدة قادت إلى استقلال جميع بلدانها.
            1ـ أسباب ثورات الاستقلال: أسهمت بعض المؤثرات الخارجية وأسباب داخلية في قيام ثورات الاستقلال.
            أ - المؤثرات الخارجية: مع التدابير الزجرية وغلظة محاكم التفتيش أخذت الأفكار والمبادئ التي نادى بها الفلاسفة الفرنسيون في عصر التنوير تتغلغل بين سكان المستعمرات الإسبانية ولاسيما في أوساط الكريول. فقد كان تهريب الكتب وانتقالها سراً بين الناس على أشده، وعمل مربون فرنسيون على نشر المبادئ التي نادى بها روسو وأصحاب دائرة المعارف الفرنسية مثل دولامبير وغيره. كما قصد عدد من شباب المكسيك وغرناطة الجديدة ودولابلاتا أوربة ولاسيما فرنسة يتشربون الأفكار الجديدة والنظريات التقدمية المسيطرة على أجواء باريس. ولم تشهد بلدان أخرى ما شهدته المستعمرات الإسبانية الأمريكية من تعليقات وشروح على «روح الشرائع» لمونتسكيو التي استمد منها الأمريكيون مبادئ دستورهم الجديد. وخلَّف روسو وراءه تلاميذ تميزوا بالنشاط والحماس فكانوا خميراً بين النشء الجديد.
            كما انتشرت أفكار هؤلاء الفلاسفة في أوساط البرتغاليين الذين توالدوا في البرازيل بعد أن تم لهم المزيد من الثراء والعلم والاقتباس من الآراء التقدمية.
            وكوّنت الثورة الأمريكية الشمالية (1776) حدثاً بارزاً في القضاء على السيطرة الإسبانية في أمريكة اللاتينية، فقد حركت مُثل هذه الثورة الرغبة بالاستقلال في أوساط الكريول في المستعمرات الإسبانية وفي أوساط البرتغاليين المولودين في البرازيل وعمرت نفوسهم بالأمل، كما تغلغلت أفكارها بين الطبقات العليا ورجال الإدارة بحيث أخذ بها دون برناندو ابن حاكم التشيلي أوهجنز.
            ب - الأسباب الداخلية وأهمها:
            ـ تصدع الامبراطورية الإسبانية وتدهور الأوضاع السياسية في إسبانية والبرتغال وفقدانهما لهيبتهما في المستعمرات الأمريكية. ففي عهد شارل الرابع (1788 - 1808) فقدت إسبانية بعض أجزاء امبراطوريتها الاستعمارية. وإن لم يؤدِّ احتلال فرنسة للبرتغال وإسبانية في عام 1807 إلى فقدانهما لمستعمراتهما الأمريكية، فإن اختفاء الملكية الشرعية الإسبانية خلق فراغاً سياسياً عجزت سلطة اللجنة العسكرية الإسبانية الحاكمة الضعيفة عن ملئه، مما ترك الساحة حرة في كل مكان تقريباً أمام نشاط الأقليات المصممة على استغلال الفرصة لانتزاع السيادة منها ولاسيما بعد أن أجبرت النجاحات العسكرية الفرنسية (1809 - 1810) هذه اللجنة على الانكفاء في قادس، وفقدانها للسلطة التي تدعي ممارستها على المستعمرات. يضاف إلى ذلك تشجيع نابليون للثوار الوطنيين الأمريكيين بدءاً من 1809 بعد أن عجز عن كسب المستعمرات الإسبانية إلى جانبه وأخفق في القضاء على اللجنة العسكرية الحاكمة في قادس.
            ـ الاضطهاد السياسي والإداري والاقتصادي والاجتماعي: ويعد من أهم الأسباب الداخلية التي غذت حركات الاستقلال في أمريكة اللاتينية. فمع أن زمام الاقتصاد في المستعمرات الإسبانية كان بيد طبقة الكريول التي كانت تزود الإدارة الاستعمارية بالكوادر، ويؤلف أبناؤها الطبقة المثقفة ومنها الصفوة المختارة، فقد حرمت هذه الطبقة من المناصب القيادية الإدارية والعسكرية والدينية التي كان يحتكرها إسبانيو إسبانية. فمن بين نواب الملك الستين، أربعة منهم فقط كانوا من الكريول، وأربعة عشر قبطاناً عاماً من أصل 602، كما استبعدوا أيضاً عن المناصب الدينية العليا. وهذا ما يفسر موقف الإكليروس الأعلى المناهض لحركات الاستقلال، علماً بأن عدد إسبانيي إسبانية لم يكن يتجاوز ثلاثمائة ألف شخص.
            كما أن تشديد الميثاق الاستعماري (احتكار إسبانية للتجارة مع المستعمرات) في عهد آل بوربون في القرن الثامن عشر وحظر الصناعات التي تنافس صناعات الميتروبول (حرب الخمور والزيوت) وتكبيل اقتصاد المستعمرات بالأغلال مع عجز إسبانية عن تزويد مستعمراتها بما تحتاجه من سلع وبضائع، جعل هذا الاحتكار وسيلة ابتزاز ضريبي تضاف إلى ضريبة العشر الملكي والجهاز الضريبي القشتالي.
            هكذا وجدت طائفة الكريول نفسها مضطهدة إدارياً واجتماعياً ومستغلة اقتصادياً أكثر من غيرها من قبل الوطن الأم أي إسبانية وثلاثمائة ألف طفيلي من الإيبريين الذين يسيطرون على الحياة الاقتصادية ويحتكرون المناصب العليا الإدارية والدينية في المستعمرات.
            2 ـ ثورات الاستقلال: مرت ثورات الاستقلال بمرحلتين هما:
            أ - مرحلة الثورات المجهضة (1808 - 1815): وفي أثنائها نجحت إسبانية في القضاء على ثورة الاستقلال (1811 - 1812) التي قادها ميرندا وبوليفار في فنزويلة، كما قضت على الثورات الأخرى في أجزاء متفرقة من نيابة غرناطة الجديدة - كولومبية وفنزويلة فيما بين عامي 1811 و1815، وأجبرت بوليفار على الهرب إلى جمايكة (أيار 1815)، وقمعت الثورة التي قادها الراديكالي خوسيه ميغل دي كاريرا (1811 - 1814) في التشيلي. وأجبرت انتصارات الإسبان المتواصلة الوطنيين على الهرب إلى الأرجنتين حيث نجح الثوار في القضاء على السلطة الملكية الإسبانية، وعقد جمعية تأسيسية في توكومان أعلنت استقلال الأرجنتين التام في 9 تموز1816. في حين بقيت البيرو على ولائها للتاج الإسباني.
            ويعزى إخفاق الوطنيين ونجاح إسبانية في استعادة سلطانها في هذه الممتلكات إلى الأوضاع الدولية التي حرمت الثوار من حلفائهم الطبيعيين (إنكلترة بسبب مناهضتها للتحالف الأوربي ضد نابليون، والولايات المتحدة الأمريكية نتيجة ترددها في دعم الثورات الوطنية) وإلى المنافسات الشخصية والصراعات العصبية التي مزقت جيوش الكريول، وتجزئة أمريكة اللاتينية وفقدانها للوحدة الاجتماعية والسلالية والجغرافية وما نجم عن ذلك من تعطيل للأفكار وشلل للرجال وغياب للتنسيق بين مختلف الثورات واستغلال إسبانية لهذا الوضع، ووقوف الكنيسة الكاثوليكية بكل ثقلها إلى جانب النظام الملكي الإسباني، وبقاء قسم مهم من الأرستقراطية على إخلاصه لملك إسبانية عن عقيدة أو خوفاً من الثورة الهندية في نيابتي غرناطة الجديدة والمكسيك.
            ب - مرحلة انتصار الوطنيين واستقلال بلدان أمريكة اللاتينية (1816 - 1824): أسهمت عدة عوامل في استئناف الثوار الوطنيين لنضالهم من أجل الاستقلال عن إسبانية أهمها:
            ـ تغير الأوضاع الدولية وحصول الكريول على دعم إنكلترة والولايات المتحدة. فبعد انتهاء الحروب النابليونية (1815) بانتصار التحالف المقدس لم تعد إنكلترة مضطرة لمراعاة مصالح حلفائها الإسبان، فأصبحت مطلقة اليدين في تقديم السلاح والقروض المالية لثوار الكريول ومنحهم تسهيلات متنوعة، وإعاقة وصول أي مساعدات لإسبانية قد تساعدها في اللحظات الحرجة على القضاء على الثوار، وذلك على أمل إقصاء إسبانية إقصاء تاماً من أسواق أمريكة اللاتينية وفتحها أمام الصناعات الإنكليزية الفتية لإنعاش الاقتصاد البريطاني الذي بدأ يتدهور منذ عام1816. كما أن المساعدات الخجولة التي أخذت تقدمها في البداية الولايات المتحدة أصبحت بعد خروجها معززة من حروب الاستقلال الثانية (1812 - 1814) مساعدات حاسمة في اللحظات الحرجة (1823)، ووصل من أوربة والولايات المتحدة بعد عودة السلام إليهما متطوعون عسكريون ليبراليون راغبون في القتال من أجل حرية الشعوب.
            ـ الذكريات الحزينة التي خلفتها وحشية قمع ثورات الاستقلال الأولى. فقد قتل 7 آلاف ثائر في سانتفيه بوغوتة، وألف ثائر في كاراكاس، وأحكام النفي ومصادرة الأملاك، وإسهامها في خلق جو خانق لا يحتمل دفع الوطنيين إلى امتشاق السلاح ثانية ضد إسبانية.
            واستؤنف النضال التحريري نحو 1817 في جميع بلدان أمريكة اللاتينية، ففي الجنوب على أثر معركة ميبو Maipu الفاصلة (5 نيسان 1818) أعلن الكريول سان مارتن استقلال التشيلي، وفي 12 تموز 1821 نجح في احتلال ليمة عاصمة البيرو، وفي 28 منه أعلن استقلال البيرو واتخذ لنفسه لقب الحامي، لكن المقاومة الإسبانية أعادت تنظيم نفسها وبقي القسم الأكبر من البيرو تحت سيطرتها. وفي الشمال عاد بوليفار من ملجئه في هايتي إلى أنغوستوره في داخل فنزويلة 1816، وألحق الهزيمة بالإسبان في بوياكه في 7 آب 1819، ودخل بوغوتا وأسس جمهورية كولومبية الكبرى التي شملت نيابة غرناطة الجديدة. وبعد انتصاره على الإسبان في كارابوبو في 24 حزيران 1821 ضم فنزويلة إلى جمهوريته، وعقد مؤتمراً في كوكوته وانتخب بوليفار رئيساً لجمهورية غرناطة الكبرى. وفي أيار 1822 ضم الإكوادور إليها. وعلى أثر المقابلة التاريخية بين بوليفار وسان مارتن في غواياكيل في أواخر تموز، وإخفاقهما في التوفيق بين خططهما الخاصة بمستقبل أمريكة اللاتينية، اعتزل سان مارتن السياسة تاركاً لبوليفار مهمة إنجاز تحرير البيرو. ومع استسلام حامية كالاو في البيرو في كانون الثاني 1826 أصبحت أمريكة الإسبانية حرة مستقلة باستثناء جزيرتي كوبة وبورتوريكو لأن استقلال إسبانية الجديدة (المكسيك) كان آنذاك قد أصبح أمراً واقعاً إذ نجح ايتوربيد بدعم من الإكليروس والأرستقراطية، بعد أن أنذرتهما بالخطر التوجهات الجديدة للحكومة الإسبانية بعد الثورة الليبرالية، في أن ينادى به في 18 أيار 1822 امبراطوراً في المكسيك باسم أوغسطين الأول. في أثناء ذلك ألّف كابينو غينزا قبطان عام غواتيمالة (وتضم آنذاك أمريكة الوسطى ومقاطعة شياباس في المكسيك) لجنة عسكرية أعلنت استقلال غواتيمالة وانتخابه رئيساً لها في1821. وهكذا بعد حرب دامية استمرت عشر سنوات نجحت مختلف المستعمرات الإسبانية في أمريكة اللاتينية في كسب استقلالها.
            أما فيما يتعلق بالبرازيل البرتغالية، فبعد احتلال نابليون للبرتغال عام 1807 ولجوء الأسرة الحاكمة من آل برغانس إلى البرازيل أصبح جان السادس ملكاً للبرتغال والبرازيل عام 1810 وجعل من ريودي جانيرو عاصمة الامبراطورية البرتغالية. لكن على أثر الثورة الليبرالية في البرتغال وعودته إلى لشبونة عام 1821 تولى السلطة في البرازيل ابنه «دون بدرو» الذي تقرب من الملكيين المطالبين بالاستقلال، وأعلن استقلال البرازيل في 7 أيلول 1822، وأصبح امبراطوراً دستورياً عليها.
            أمريكة اللاتينية منذ الاستقلال: بعد أن حصلت أمريكة اللاتينية على استقلالها على حساب وحدتها النسبية، بدأت فيها حقبة من التجزئة والفوضى والاضطراب، ومن جهة أخرى ما إن تحررت أمريكة اللاتينية من ربقة النظام الاستعماري الإيبري حتى ابتليت بأنماط أخرى من الاستعمار الأوربي والأمريكي فأخذت تعمل بعناد للخلاص من الهيمنة الأوربية المتقهقرة ومقاومة سلطان أمريكة الأنغلوسكسونية الزاحف.
            1 ـ ما بين الفوضى والاستقرار السياسي (1825 - 1870): كان للإرث الاستعماري وما خلفته حروب الاستقلال من آثار سلبية أثرٌ بالغ الأهمية على التطورات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي شهدتها مختلف دول أمريكة اللاتينية بعد الاستقلال.
            أ - في المستوى الاقتصادي: انتهت سنوات حروب الاستقلال بكارثة اقتصادية تمثلت بدمار اقتصاد الأرياف، وهجر المناجم وتدمير الصناعة التعدينية المهيمنة وهجر المدن التعدينية (بوتوزي، غاناجوانو)، وتخريب شبكة طرق المواصلات الهشة، وتعطل تجارة ما وراء البحار. في حين أدى زوال البيروقراطية الاستعمارية إلى اضطراب النظام المالي مدة طويلة من الزمن مما اضطر الأنظمة الجمهورية الناشئة إلى الاقتراض بكلفة باهظة من الدول الأوربية ولاسيما إنكلترة، فأخذت هيمنة الدول الأوربية الصناعية الضارية تحل محل السيطرة الإسبانية الواهنة، فتفاقم التخلف والتبعية الاقتصادية الموروثان عن العهد الاستعماري، وتركت ثروة الدول الجديدة إلى حد كبير في أيدي الطبقة السياسية الكريول. ومع بداية الثورة الصناعية في ستينات وسبعينات القرن التاسع عشر وجدت أمريكة اللاتينية نفسها عاجزة عن استغلال الفرصة بسبب ندرة رؤوس الأموال الناجمة عن النهب الاستعماري وتبديد الأرستقراطية الوطنية لأموالها يوماً بيوم في شراء الكماليات، وغياب البنى التحتية اللازمة للتنمية، وندرة الفحم الحجري اللازم للصناعة. وأدى فقر جمهوريات أمريكة اللاتينية برؤوس الأموال وعجزها عن فرض النظام في الداخل إلى جعلها فريسة سهلة للدول الصناعية الكبرى (إنكلترة خاصة، وفرنسة وألمانية).
            ب - في المستوى الاجتماعي: أدى انتصار الكريول في حروب الاستقلال وتسلمهم السلطة في الدول الناطقة بالإسبانية إلى حلول المساواة النظرية أمام القانون التي تطلق العنان لسحق الضعفاء محل حماية القوانين الإسبانية المحدودة. في حين قاد تبني الأنظمة التشريعية على النسق الليبرالي إلى تعزيز ملكية الإقطاعي الكريول على حساب نظام المُلكية الجماعية الأهلي. وبينما ظل الهنود مرتبطين بسادتهم الإقطاعيين يقيدهم نظام السخرة لوفاء الدين، وظل السود في بعض الجمهوريات يعانون من العبودية حتى منتصف القرن التاسع عشر، استطاع المولدون والخلاسيون تحسين حصتهم من الأرض بالخدمة في جيوش الكوديو.
            ج - في المستوى السياسي: خلقت حروب الاستقلال تجزئة أمريكة اللاتينية وإرث الحكم العسكري والكودية Caudillism الذي كوّن لما يزيد على قرن بعد الاستقلال عبئاً ثقيلاً على الحياة السياسية الداخلية في دول أمريكة اللاتينية الناطقة بالإسبانية.
            والواقع أن المدة ما بين 1825 وسبعينيات القرن التاسع عشر اتسمت بالصراعات الداخلية والحروب البين - أمريكية وما نجم عنها من فوضى وقيام أنظمة ديكتاتورية. فمع أن معظم الدول حاولت تبني نظام الحكم الجمهوري وإقرار المبادئ الجمهورية الليبرالية الفرنسية والأمريكية الشمالية، فإن مرحلة الاستقلال المبكرة اتسمت باستيلاء عصابات مسلحة تتألف من رجال الكوديو المولدين Mestizo Coudillos وأصحاب الأراضي الكريول الأثرياء على السلطة في عدة أقاليم.
            وهكذا نشأ تنافس سياسي بين فريق أصحاب الأراضي الكريول وفريق مالكي الأراضي والكوديو المستقلين، كما نشأ صراع آخر بين الصفوات المختارة الحضرية والكريول الريفيين حول ماهية النظام الحكومي. ونشطت الكنيسة الكاثوليكية الرومانية سياسياً للحفاظ على نفوذها.
            عمت الفوضى الحياة السياسية، فنشأ نظام سياسي اتسم بالعنف وغلبت عليه العلاقات الشخصية وعلاقات القرابة واستغلال المناصب لخدمة المصالح الفردية.
            لم ينج من مرحلة الاضطرابات السياسية هذه سوى البرازيل لأنها كانت تعتمد نظاماً ملكياً حتى عام 1889. أما في البلدان الأخرى فقد تباين أمد هذه المرحلة، إذ بدأت التشيلي تنعم بالاستقرار السياسي منذ 1833، وتلتها الأرجنتين بعد استعادة وحدتها عام 1862 من ثم الأورغواي بعد عام 1870، في حين امتدت في غيرها إلى ما بعد ستينات القرن التاسع عشر.
            2ـ الاستقرار السياسي النسبي (1870 - 1914): حققت أمريكة اللاتينية في هذه الحقبة بعض الازدهار الاقتصادي، لكن على حساب ازدياد تبعيتها للدول الأوربية الغربية الكبرى. وشهد عدد لا بأس به من دولها استقراراً سياسياً نسبياً.
            أ - الازدهار الاقتصادي: اتسمت هذه المرحلة بالازدهار والتقدم الاقتصاديين، بيد أن ذلك أفرز نتائج سلبية أهمها تفاقم اختلال التوازنات الإقليمية الداخلية نتيجة اقتصار التقدم على بعض البلدان، بل على بعض أقاليم البلد الواحد التي أصبحت جزراً متقدمة مرتبطة بالعواصم الاقتصادية وبقي بعضها الآخر يعيش في عالمه التقليدي. وازدياد تبعية بلدان أمريكة اللاتينية للخارج بسبب اعتماد الصناعات ولاسيما التعدينية منها على رؤوس الأموال الأجنبية وخاصة الإنكليزية والأمريكية الشمالية ووضع يدها على ثروات أمريكة اللاتينية المعدنية وصناعة معالجة المنتجات الأساسية، وتوجيه التصنيع والتنمية الزراعية بحيث يحقق مصالح الدول الصناعية الكبرى.
            ب - سوء الأوضاع الاجتماعية: أدت هيمنة الإقطاعات الكبيرة إلى بقاء الأوضاع في الأرياف في معظم بلدان أمريكة اللاتينية على الحال التي كانت عليه قبل الاستقلال. فقد بقي وضع الفلاحين سواء أكانوا هنوداً أم سوداً أم أوربيين وضعاً بائساً نتيجة خضوعهم لأبشع أنواع الاستغلال. وإن استكانوا وأصبحت انتفاضاتهم أقل تكراراً أو أخذت كما في البرازيل شكل عصابات لصوصية وقطاع طرق هدفها نهب الإقطاعات، فقد عبرت إرادة التغيير عن نفسها في المكسيك وأمريكة الهندية كلها بتعدد الانتفاضات القروية، وإن أمكن قمعها بسهولة في البلدان الأمريكية الهندية، فإنها أدت في المكسيك إلى ثورة 1911 وإصدار قانون الإصلاح الزراعي عام1917.
            ج - تطور الأنظمة السياسية: أصبح سادة الاقتصاد في أمريكة اللاتينية كلها يقبضون على زمام السلطة التي يتقاسمونها مع قوى تقليدية أخرى يعد الجيش أقواها. وإن كان يهدد هذا النظام المحافظ معارضة ليبرالية في المدن، فإنها لم تكن تحظى بدعم أي قوة اقتصادية أو اجتماعية. ولما وجدت الطبقات المسيطرة أن الليبرالية تناسبها قبلت بها بعد أن جردتها من جوانبها الإصلاحية كلها. وبما أن تطور بلدان القارة السياسي قد ارتبط في هذه المرحلة بدرجة ازدهارها الاقتصادي فإن من الصعب تصنيفها في فئات وفقاً لتطورها السياسي لأن أياً منها لم يشهد تطوراً سياسياً وحيد الاتجاه، فقد أدى الصراع الفئوي وما بين القوى المتنابذة الذي كان يزعزع الحياة السياسية إلى تعاقب فترات من الفوضى والديكتاتوريات، ومع ذلك عاشت ثلاثة بلدان إبان هذه الحقبة في ظل نوع من الأنظمة الليبرالية الدستورية اتخذت أحياناً مظاهر تقدمية عسكرية هي التشيلي التي عرفت استقراراً مميزاً، والأرجنتين والأورغواي اللتان شهدتا مرحلة أكثر هدوءاً تحت سلطة كبار أصحاب الأراضي. وعرفت سبعة بلدان هي البيرو وبوليفية وكولومبية والإكوادور والبرازيل والأورغواي وكوستاريكة منذ 1882 أنظمة أوليغارشية محضة حيث سيطرت الأرستقراطيات على جمهوريات ( وملكية واحدة في البرازيل 1889) ديمقراطية بقي توسيع المشاركة في الحياة السياسية فيها ضعيفاً. وكان يصاحب التخلف الاقتصادي فيها بؤس مريع يسبب انتفاضات دموية. أما البلدان الأخرى، فقد بقيت تعيش في ظل الزعامة (الكودية) المحضة التي اختلفت سماتها باختلاف الدول، فكانت نوعاً من الديكتاتورية التقدمية Césaro-Progressime (المكسيك)، أو اختلطت بها الليبرالية مع بقائها محافظة غالباً (فنزويلة وغواتيمالة) أو كانت نظاماً ديكتاتورياً يعمل الكوديو فيه لحسابه الخاص (هندوراس والسلفادور) أو يرتبط ارتباطاً وثيقاً بتواجد الولايات المتحدة الأمريكية (كوبة، سانت دومنغو).
            إن استمرار النزاعات بين دول أمريكة اللاتينية، كان أحد أسباب عدم استقرار الأنظمة السياسية. فمع جميع محاولات بناء الجامعة الأمريكانية والتضامن القاري شهدت أمريكة الجنوبية بين 1825 - 1883 خمس حروب بين الدول الإيبروأمريكية، أهم أسبابها حدود غير واضحة بدقة (حربي الأرجنتين مع البرازيل) وادعاءات بعض الرؤساء المستبدين المصابين بجنون العظمة من أمثال لوبيز (حرب الباراغواي مع جميع جيرانها) والديكتاتور البوليفي أندريه سانته كروز (حرب بوليفية مع التشيلي والأرجنتين) والأطماع الاقتصادية (حرب المحيط الهادئ: التشيلي مع البيرو وبوليفية) ومحاولات بعض رؤساء دول أمريكة الوسطى (غواتيمالة، السلفادور، نيكاراغوة) لتوحيد دولها الخمس بين 1876ـ1907.
            د - بدايات سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية: بعد عام 1870 تفاقمت السيطرة الخارجية ولاسيما الأوربية على أمريكة اللاتينية. لكن منذ 1900 أخذ نفوذ الولايات المتحدة يحل تدريجياً محل السيطرة الأوربية فيها، فمبادئ مونرو 1823 القاضية بعدم تدخل الولايات المتحدة في الشؤون الأوربية ورفضها لأي تدخل أوربي في شؤون القارة الأمريكية ألفت منذئذ أحد المبادئ الرئيسة لدبلوماسيتها. في حين أدى وصول حركة التوسع نحو الغرب إلى المحيط الهادئ (1890) وتحقيق نهضتها الصناعية ونمو تجارتها السريع إلى ظهور تيار امبريالي في الرأي العام الأمريكي تجلت أولى بوادره في الحرب الإسبانية - الأمريكية في كوبة التي انتهت بتوقيع معاهدة باريس (1898)، وتنازل إسبانية بموجبها للولايات المتحدة عن سيادتها على بورتوريكو، وكوبة التي أصبحت جمهورية مستقلة بعد توقيعها معاهدة مع الولايات المتحدة (1902) منحتها حق الحصول على قواعد بحرية والتدخل في شؤونها في بعض الحالات. وبتحريض من تيودور روزفلت ثم ويلسون (سياسة العصا الغليظة) أسست الولايات المتحدة عن طريق سلسلة من التدخلات العسكرية فيما بين 1902 - 1914 عدة مناطق نفوذ لها في بلدان البحر الكاريبي ودول أمريكة الوسطى حولت بعضها إلى محميات حقيقية - كوبة وبنمة والدومنيكان ونيكاراغوة وهايتي، وجعلت من البحر الكاريبي بحيرة أمريكية.
            3ـ توسيع المشاركة في الحياة السياسية منذ 1914 حتى اليوم: أدت التطورات الاقتصادية الاجتماعية التي شهدتها دول أمريكة اللاتينية منذ 1914 إلى ظهور قوى سياسية عصرية لها معتقداتها المذهبية وبرامجها السياسية ومصممة على المشاركة في إدارة شؤون بلادها.
            أ - أمريكة اللاتينية بين 1914 - 1945: شهدت هذه المرحلة ظهور قوى اجتماعية جديدة كانت وراء نشوء قوى سياسية عصرية وتطور الأوضاع السياسية في أمريكة اللاتينية.
            ـ نشوء طبقات اجتماعية جديدة: أفرز انتشار التعليم، والتحولات الاقتصادية والنمو السكاني السريع وما نجم عنهما من هجرة من الأرياف إلى المدن، وتضخم قطاع الخدمات، طبقات اجتماعية جديدة لا يقوم التمايز بينها على الأصل السلالي والنسب كما كان عليه الحال سابقاً، وإنما على المهنة ومستوى الدخل ونمط المعيشة فظهرت برجوازيات وطنية تتكون من نخبة من كبار الملاك العقاريين وأرباب المؤسسات الصناعية والمصرفية وكبار التجار ترتبط قوتها بما تملكه من أموال على الرغم من بساطة عدد أفرادها، وطبقات وسطى تضم أصحاب الملكيات العقارية متوسطة الحجم، ومديري المزارع الرأسمالية وصغار الصناعيين والتجار وخاصة جمهور الموظفين والمستخدمين في قطاع الخدمات، وطبقات عاملة نمت مع نمو الصناعة.
            ـ ظهور قوى سياسية عصرية: أدى نشوء هذه الطبقات الاجتماعية إلى ظهور قوى سياسية عصرية في الحياة السياسية في دول أمريكة اللاتينية. فمنذ بدايات القرن العشرين بدأت الأحزاب التقدمية تشارك الأحزاب الليبرالية والمحافظة في الحياة السياسية، إذ تأسست أحزاب اشتراكية في المكسيك والأرجنتين والتشيلي، وإن حظيت ببعض النفوذ في المكسيك والأرجنتين أو شاركت في الحكم كما في التشيلي (1839) في مرحلة ما بين الحربين، فإنها لم تحظ في البلدان الأخرى بأي نفوذ أو أنها كانت أحزاباً محافظة متطرفة ترتبط بكبار أصحاب الأراضي (البرازيل) أو فاشيستية (بوليفية). وأصبحت الأحزاب الشيوعية موجودة منذ بداية العشرينيات في بعض الدول (الأرجنتين والبرازيل والتشيلي والمكسيك)، وفي النصف الثاني من العشرينيات في بعضها الآخر (كوبة والإكوادور والبيرو)، وفي الثلاثينات في بلدان الكاريبي، وبعد الحرب العالمية الثانية في البلدان الأخرى. وقد أدرجت في برامجها الإصلاح الزراعي والتأميم ومناهضة الامبريالية الأمريكية الشمالية. وبعد بدايات الأزمة الاقتصادية 1929 تحالف الشيوعيون مع الاشتراكيين، ولم ينجحوا في الوصول إلى السلطة إلا في التشيلي، لكن بقيت أعداد الشيوعيين محدودة أو قليلة الأهمية قبل1945. كما تأسست أحزاب وطنية تقدمية أخرى أشد وعياً بأوضاع أمريكة اللاتينية اقترحت إصلاحات تهم الأرياف وطالبت بدمج جماهير الفلاحين. ويعد حزب التحالف الثوري الشعبي الأمريكاني في البيرو أقدمها، لكنه تعرض للقمع وحال الجيش دون وصوله إلى السلطة.
            ب - تطور الأنظمة السياسية بين 1914 - 1930: حققت الديمقراطية بعض التقدم بقيام الأحزاب الليبرالية التي وصلت إلى السلطة في الأرجنتين والأورغواي والتشيلي بديمقراطية الحياة السياسية فيها وتبني سياسة إصلاحات اجتماعية واسعة. واستمرت الأوليغارشيات بالسيطرة على السلطة في البرازيل وكولومبية وبوليفية والباراغواي والسلفادور وكوستاريكة وبنمة، وتناوب الليبراليون والمحافظون على السلطة وخيم الجمود الاقتصادي والسياسي والاجتماعي عليها، وغالباً ما قام النظام البرلماني فيها على انتخابات مزيفة بحيث لم يعد يمثل أحداً. وحافظت مؤسستا شيوخ القبائل Caciquism (ويعرف أول معجم إسباني للأكاديمية في 1927 شيخ القبيلة بقوله: «هو الأول في قريته أو الجمهورية الذي يتمتع بأعظم نفوذ أو سلطة ويريد بعجرفته أن يخشاه جميع المرؤوسين ويطيعونه») والجنرالات على وجودهما في بعض البلدان، وتعاقب على السلطة سلسلة من الكوديو حكم بعضهم حكماً استبدادياً مطلقاً (فنزويلة وغواتيمالة) وبعضهم الآخر حكماً ديكتاتورياً تقدمياً (البيرو والإكوادور). وشهدت باقي الدول اضطراباً سياسياً وهيمنة الولايات المتحدة العسكرية والاقتصادية. وعاشت المكسيك في ظل ثورة 1911 وشهدت إصدار دستور 1917 الذي وفق بين مقاومة الإكليروس والوطنية والإصلاحات الاجتماعية، وتبني سياسة اشتراكية النزعة والبدء في سياسة الإصلاح الزراعي.
            أما في الأزمة الاقتصادية من عام 1929 حتى 1945، فقد صمدت الأنظمة الديمقراطية في التشيلي وكولومبية والمكسيك وكوبة، وانتصرت في نهاية الحرب العالمية الثانية في الأوراغواي والبيرو والإكوادور حيث لم تتجذر الديكتاتورية بعد. في حين تصاعدت الفاشيستية في البرازيل والأرجنتين والباراغواي وبوليفية. وقامت أنظمة ديكتاتورية محضة في البيرو والأورغواي والإكوادور، وانتصرت في باقي الدول أنظمة الكوديو الديكتاتورية وعلى الرغم من الأزمة الاقتصادية وحافظت بنفسها على بقائها في السلطة حتى 1945 (فنزويلة والسلفادور) أو بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية في الدومنيكان ونيكاراغوة وغواتيمالة وهندوراس.
            ج - هيمنة الولايات المتحدة على أمريكة اللاتينية: شهدت المدة ما بين 1914 - 1928 نمو تبعية أمريكة اللاتينية الاقتصادية للولايات المتحدة الأمريكية وتراجع تبعيتها لأوربة. فمع أن تجارة أمريكة اللاتينية مع أوربة كانت أهم بكثير من تجارتها مع الولايات المتحدة، فقد أصبحت هذه الأخيرة مع عام 1930 الزبون والممون الأول لأمريكة اللاتينية نحو 39% من واردات الولايات المتحدة و34% من صادراتها، لكن أكثر من 60% لبعض البلدان مثل كوبة والمكسيك. وصاحب تقدم العلاقات التجارية فرض سيطرة اقتصادية أمريكية شمالية متزايدة الأهمية بعد الحرب العالمية الأولى. ففي عام 1929 أصبح ثلث استثمارات (6.5 مليار دولار) الولايات المتحدة في الخارج توظف في أمريكة اللاتينية التي أخذت تتحول باطراد إلى منطقة «محمية أمريكية». ولم يؤدِّ ما أثارته تدخلات الولايات المتحدة العسكرية في دول الكاريبي من ردود فعل عنيفة وعداء متزايد الأهمية في أمريكة اللاتينية إلى أي تغيير في سياسة الولايات المتحدة تجاهها.
            د - أمريكة اللاتينية في الحقبة المعاصرة: تتسم الحياة السياسية في أمريكة اللاتينية في هذه الحقبة بعدم الاستقرار، وتعدد الأنظمة السياسية فيها، وتدخل الجيش المتكرر في الحياة السياسية (50 انقلاباً عسكرياً فيما بين 1945 - 1976) وسيطرة المؤسسة العسكرية في نهاية الأمر على السلطة في معظم دولها، وحكمها حكماً ديكتاتورياً متعدد الألوان. وقد أسهمت عوامل داخلية وأخرى خارجية في تطور الأنظمة السياسية فيها.
            وأبرز العوامل الداخلية هي عدم تناسب إيقاع النمو الاقتصادي مع إيقاع النمو السكاني المتسارع، وبؤس جماهير الفلاحين، وتضخم مدن الصفيح البائسة (أحياء البؤس) المحيطة بالمدن الكبرى، والتفاوت الطبقي المريع في الدخول، وتزايد أهمية الطبقات الوسطى والطبقات العاملة وتزايد وعيها لمشكلات أمريكة اللاتينية، وظهور الحركات الثورية وتنامي الشعور الوطني والحس القومي. وأهم العوامل الخارجية هي تضخم المديونية الخارجية وتحكم مراكز القرار الخارجية بتوجهات عملية التنمية بشقيها الزراعي والصناعي لخدمة مصالحها، وتفاقم تبعية دول أمريكة اللاتينية الاقتصادية والسياسية للولايات المتحدة الأمريكية وتنامي هيمنتها، وأثر الثورة الكوبية وتشجيعها للحركات الثورية.
            ـ تطور الأنظمة السياسية: أمام الأخطار التي يمثلها تطلع الطبقات الوسطى إلى القضاء على الأرستقراطية العقارية وحليفتها الرأسمالية الأمريكية الشمالية بدعم من الجيش الذي تزوده بمعظم كوادره، وحلم الطبقة العاملة بتغيير المجتمع تغييراً كلياً وصولاً إلى مجتمع العدالة الاجتماعية، والحركات الثورية على النسق الكاستروي أو بديله الغيفاري (نسبة إلى كاسترو وغيفارا) المناضلة ضد الامبريالية أي الولايات المتحدة الأمريكية وحليفاتها البرجوازيات المحلية الحضرية وأثرياء أصحاب الأراضي والهادفة إلى استقلال الأمة وتحررها من الأوليغارشيات الحاكمة وبناء الاشتراكية لضمان نهضتها الاقتصادية والاجتماعية، ارتادت الأوساط السياسية الحاكمة في أمريكة اللاتينية عدة طرق، كان طريق الديمقراطية أضخمها وأنجعها التي لم تتجذر إلا في ثلاثة بلدان فقط هي المكسيك والأورغواي والتشيلي. واختارت بلدان أخرى طريق الكودية أو الانتفاضة العسكرية pronuciamiento غالباً ضد الحكومة التي تنضوي بعمق في التقليد الأمريكي اللاتيني. وقد أدت بصيغتها البدائية إلى قيام الأنظمة الديكتاتورية والبوليسية قبل عام 1940، في حين قاد تماثلها مع النظام الهتلري الفاشيستي إلى زوالها بعد عام 1945، ما عدا ثلاثة بلدان هي كوبة في عهد باتيستا، وهايتي في عهد فرانسوا دوفاليه، والبارغواي في عهد فشافيه والفريد ستراوسنر. واختارت الأوليغارشيات الحاكمة في باقي الدول صيغة أقل عدوانية من الكودية هي النظام الرئاسي الاستبدادي، ويعتمد هذا النمط من الأنظمة التي قامت على إثر انقلابات عسكرية واكتسبت بعد مدة وجيزة الصبغة الدستورية على ثلاث قوى هي الشرطة والجيش والكنيسة، وسواء أكان على رأسها كبار أصحاب الأراضي أم ضباط عسكريون مثل الجنرال ادريا في البيرو فقد كانوا يضمنون احترام المصالح المكتسبة. ومع ذلك لم يلعبوا كلهم دور مجرد مديري أعمال للرأسمالية. وهذا كان حال كثير من ضباط الجيوش البرية الذين جعلتهم حياتهم الطويلة في حامية ريفية بائسة وتلازم الوطنية مع حياتهم المهنية ينهضون ضد أصحاب الامتيازات الأثرياء وحلفائهم الأمريكيين، يُذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر العقيد ثم الجنرال خوان بيرون في الأرجنتين، والعقيد اربينز في غواتيمالة، والعقيد كمانو في الدومنيكان، وهو أيضاً حال بعض الرؤساء المدنيين مثل فارغاس وخلفائه الليبراليين في البرازيل.
            في عام 1963 كان عدد البلدان التي لم تشهد انقلاباً عسكرياً منذ الحرب العالمية الثانية خمسة فقط هي المكسيك وكوستاريكة والتشيلي والأورغواي ونيكاراغوة، ومنذئذ لم ينج من الانقلابات العسكرية إلا المكسيك وكوستاريكة. وقد أقامت بعض هذه الانقلابات أنظمة عسكرية دائمة منذ بداية الخمسينيات في البيرو وفنزويلة وكولومبية. ويؤكد عدم الاستقرار السياسي المزمن في بعض البلدان الأخرى، وهي الأكثر عدداً، بتعاقب العسكريين والمدنيين على السلطة بإيقاع متسارع. وفي عام 1978، إذا ما استثنيت بلدان الديمقراطيات الخمسة (المكسيك وكوستاريكة وكولومبية منذ 1958 وفنزويلة منذ 1959 والدومنيكان منذ 1978) ونيكاراغوة التي تحكمها عائلة سيموزا منذ 1937، وبعض الدول الصغرى في أمريكة الوسطى (هندوراس وغواتيمالة والسلفادور) حيث وصل الجنرالات إلى سدة الرئاسة بشكل غير منتظم، نجد أن الأنظمة الدكتاتورية قد انتصرت باستيلاء الجيش على السلطة نهائياً بالتدريج فيما بين 1954ـ1978.
            لكن منذ 1978 أخذت بعض دول أمريكة اللاتينية تسير باتجاه إضفاء المظهر الديمقراطي على أنظمتها العسكرية الديكتاتورية.
            ـ فشل محاولات الوحدة وقيام المنظمات الإقليمية: يعود ظهور حلم وحدة أمريكة اللاتينية إلى بداية عهد الاستقلال. يدل على ذلك قيام محاولات لجمع الإكوادور وكولومبية وفنزويلة في اتحاد فيدرالي وتأسيس «كولومبية الكبرى»، وجمع دول أمريكة الوسطى في كونفيدرالية في القرن التاسع عشر. وعلى الرغم من تزايد العداء لتدخلات الولايات المتحدة الأمريكية في الشؤون الداخلية لدول أمريكة اللاتينية وإدراك الكثير من أبنائها أن تفرقها يجعلها ضعيفة بحيث لا تستطيع مقاومة أطماع الدول الصناعية الكبرى وهيمنة الولايات المتحدة عليها قد عززا عاطفة الوحدة فإنها لا تزال بعيدة جداً عن تحقيق هذا الحلم. وجل ما نجحت دول أمريكة اللاتينية فيه هو تأسيس بعض المنظمات الإقليمية هي «منظمة دول أمريكة الوسطى» (1959) وهدفها إقامة وحدة سياسية بين الدول الأعضاء، و«سوق أمريكة الوسطى المشتركة» (1960) وتضم جميع دول أمريكة الوسطى باستثناء هندوراس التي انسحبت منها عام 1971 بسبب عجزها عن تحسين مستوى نموها، و«الرابطة الأمريكية للتجارة الحرة» (1960) وضمت عند تأسيسها سبع دول ومع انضمام كولومبية والإكوادور (1963) وفنزويلة وبوليفية (1967) إليها أصبحت الرابطة تضم جميع الدول الإيبيرية في أمريكة الجنوبية والمكسيك، وهدفها تشجيع التجارة بين الدول الأعضاء بإلغاء الحواجز الجمركية بدون دمج اقتصادي، لكن اختلاف المصالح بين الدول الكبيرة والدول الصغيرة الأعضاء يعيق التقدم السريع نحو التجارة الحرة. في حين أن التباين الحاد في المستوى الاقتصادي بين الدول الأعضاء دفع الدول الأندينية إلى تأسيس منظمة شبه إقليمية هي «الميثاق الأنديني» (1969) وتضم التشيلي وبوليفية والبيرو والإكوادور وكولومبية ثم فنزويلة منذ 1973، غير أن اختلاف التوجهات الاقتصادية دفع التشيلي للانسحاب منها في1976. وهذا كله يعني أن الوحدة السياسية لأمريكة اللاتينية لا تزال بعيدة المنال.
            ـ منظمة الدول الأمريكية: تعود بدايات الجامعة الأمريكانية Panamericanism إلى أواخر ثمانينات القرن التاسع عشر حين بدأت الولايات المتحدة الأمريكية تعمل على رسم سياسة أمريكانية تشمل القارة الأمريكية بأكملها هدفها تطوير الروابط الاقتصادية بين دول القارة تمهيداً لقيام تضامن سياسي بينها. ورغم تخوف بعض دول أمريكة اللاتينية من مشاريع الولايات المتحدة الأمريكانية، فقد أحرزت حركة الجامعة الأمريكانية بعض التقدم فيما بين 1890ـ1910، إلا أنها بدأت تفقد ما كان لها من بعض القوة بعد 1910، وتلاشت فكرة التضامن الأمريكاني بعد الحرب العالمية الأولى. ولم تجر أي محاولة في هذا الإطار قبل الأزمة الاقتصادية1929. فعلى إثر إدانة أغلبية دول أمريكة اللاتينية لسياسة التدخل المباشر التي كانت الولايات المتحدة تنتهجها في القارة بتطبيق مبادئ مونرو من جانب واحد، ومطالبة جميع الدول الأمريكية بالاعتراف بمبدأ عدم التدخل، بدأ الرئيس الأمريكي هوفر (1929 - 1933) بتطبيق ما أصبح يعرف في عهد خلفه روزفلت (1933 - 1945) باسم سياسة حسن الجوار. وفي 1933 اضطرت الولايات المتحدة إلى توقيع ميثاق عدم الاعتداء (ميثاق مونتيفديو) الذي اقترحته الأرجنتين إبان مؤتمر الدول الأمريكية الدولي السابع وانضمت إليه سريعاً بعض الدول، مما سمح بتطوير سياسة حسن الجوار. وفي 1945 انتهى المؤتمر الخاص بمشاكل ما بعد الحرب والسلام (مكسيكو) إلى تبني صك شابوليبتيك، وهو معاهدة دفاع مشترك ضد أي عدوان خارجي أو تهديد بالعدوان على إحدى الدول الأعضاء، وإقرار بضرورة إعادة تنظيم النظام الأمريكاني وتوطيده عقب الحرب العالمية الثانية. وقرار إعادة التنظيم هذا كان الهدف الرئيس للاجتماع التاسع للمؤتمر الدولي للدول الأمريكية (بوغوتة 1948) الذي حول اتحاد الجمهوريات الأمريكية إلى منظمة الدول الأمريكية، ونص ميثاقها على أن تكون منظمة إقليمية داخل الأمم المتحدة، وحدد أهدافها الرئيسة بإقامة السلام والعدل وتشجيع التضامن القاري، وتعزيز التعاون القائم بين الدول الأعضاء والدفاع عن سيادتها على كل أراضيها واستقلالها، وفرض مبدأ حل الخلافات بين الدول الأعضاء بالطرق السلمية. وأنشئت عدة أجهزة تابعة للمنظمة لمساعدتها على تحقيق أهدافها، فأصبحت المنظمة حلفاً إقليمياً له أجهزته الدائمة، وسرعان ما انخرطت كلياً في الصراعات الدولية، واستخدمتها الولايات المتحدة أداة للحيلولة دون تغلغل الشيوعية في القارة الأمريكية (فصل كوبة عام 1962) من جهة، ولتوطيد وصايتها على دول أمريكة اللاتينية وحماية مصالحها الاقتصادية الضخمة فيها من جهة أخرى.
            وإن نجحت هذه المنظمة في حل كثير من الصراعات بين دول أمريكة اللاتينية وتطوير التعاون الاقتصادي والاجتماعي بين الدول الأعضاء، فإنها أخفقت في حمل الولايات المتحدة الأمريكية على تحقيق مطالب هذه الدول مثل منحها عوناً حكومياً وتحسين حدي التبادل التجاري، وزادت من حدة تبعيتها للعم سام.
            ـ أهم مشكلات دول أمريكة اللاتينية: وتتمثل بسوء التنمية الزراعية أي التوسع بإنتاج الزراعات التصديرية على حساب الزراعات الغذائية ومن ثم فقدان الأمن الغذائي، وثنائية البنية الزراعية: التقليدية والعصرية، وسوء التنمية الصناعية ويتمثل بنمو الإنتاج الصناعي أفقياً للاستعاضة عن الواردات وعدم تطوره شاقولياً نحو الصناعة الثقيلة، وانتشار البطالة، والمعاناة من نقص التغذية أو سوء التغذية، والهجرة الضخمة من الأرياف إلى الدول الصناعية الكبرى ولاسيما الولايات المتحدة، أو إلى المدن الداخلية بحثاً عن العمل، وانتشار مدن الصفيح حول العواصم الكبرى والأحياء الفقيرة المتداعية في وسطها واكتظاظها بالسكان وحرمانها غالباً من المرافق والمنشآت الصحية، والتباين الشديد في الدخول بين الأغنياء والفقراء وتفاقم اتساع الفارق بينها، وضعف دخول الطبقات الوسطى وبدء تحول شرائحها الدنيا إلى بروليتارية، وتفاقم ضخامة المديونية، والفساد الإداري والرشوة والمحسوبية. وهذا كله نتيجة السياسات الاقتصادية المدمرة (توزيع الدخول، وسائل إنتاج العمل) التي ينتهجها بعناد أصحاب الامتيازات المتشبثون بالسلطة.
            إجمالاً تظهر أمريكة اللاتينية قارة متخلفة. فمن بين البلدان الأربعة الأكثر سكاناً تصنف الأرجنتين وحدها في مصاف الدول المتقدمة، أما الثلاثة الأخرى وهي المكسيك والبرازيل وكولومبية فتعد بلداناً ثنائية البنى الاجتماعية ومتقدمة جزئياً.
            صباح كعدان

            تعليق

            يعمل...
            X