امريكهجنوبيه
South America - Amérique du Sud
أمريكة (قارة ـ)
تتألف أمريكة America أو ما يعرف بالعالم الجديد من كتلتين بريتين كبيرتين تعرفان بقارة أمريكة الشمالية وقارة أمريكة الجنوبية. يشغل مجموع مساحتيهما مع أرخبيلات جزر بحر الكاريبي نحو 42.080.000كم2 أي مايعادل 28.2% من مساحة اليابسة. وتمتد على خطوط الطول من البحر (المحيط) المتجمد الشمالي في الشمال إلى التقاء مياه المحيط الأطلسي والمحيط الهادئ في الجنوب مسافة تزيد على 14650كم بين خطي عرض 83 درجة شمالاً و56 درجة جنوباً. ولكل من الأمريكتين شكل مثلث قاعدته نحو الشمال ورأسه نحو الجنوب مع فارق أن الكتلة الرئيسة لأمريكة الشمالية واقعة في النطاقات المناخية المعتدلة الباردة الشمالية وتصل سواحلها الشمالية حتى المنطقة القطبية الشمالية. في حين تقع الكتلة الرئيسة لأمريكة الجنوبية في النطاق المناخي الاستوائي والمداري وتمتد أراضيها على نصفي الكرة الشمالي والجنوبي مع انتشار الجزء الأعظم منها في المنطقة المدارية الجنوبية، وتؤلف اليابسة الأمريكية حاجزاً أرضياً ضخماً يفصل المحيط الأطلسي في الشرق عن المحيط الهادئ في الغرب، شُقت فيه قناة بنمة[ر] في أضيق أجزائه للربط بينهما مائياً.
أما تسمية أمريكة فقد أطلقها على العالم الجديد بشقيه الشمالي والجنوبي في عام 1507 جمعية من العلماء والمختصين، عقدت اجتماعها في مدينة سان دييه الفرنسية وذلك تخليداً لاسم أمريكو فيسبوتشي (1454 - 1512م) Amrigo Vespuccei البحّار الفلورنسي الذي قام بين عامي 1497 و1504م بأربع رحلات إلى العالم الجديد، وترك وراءه تفاصيل رحلاته وأسرارها وخفاياها والأراضي التي مرّ بها مدونة.
اختلفت آراء الباحثين من جغرافيين ومؤرِّخين وسياسيين حول تسمية الأمريكتين الشمالية والجنوبية والحدود الفاصلة بينهما، إذ تصادف تسميات مختلفة مثل تقسيم أمريكة إلى ثلاث وحدات قارية كُبْرى هي:
أمريكة الشمالية وأمريكة الوسطى وأمريكة الجنوبية. تنتهي فيها حدود أمريكة الشمالية مع حدود الولايات المتحدة الأمريكية الجنوبية مع المكسيك، لتبدأ أمريكة الوسطى التي تنتهي في الجنوب عند حدود بنمة مع كولومبية وتضم جزر الكاريبي، ومنها نحو الجنوب تمتد قارة أمريكة الجنوبية. كذلك هناك تقسيم آخر يضيف إلى الوحدات المذكورة وحدة جزر الكاريبي وحدة رابعة.
أما من الناحية الثقافية والاجتماعية والمذهبية الدينية والإثنية فما أكثر ما يُفَرَّقُ بين أمريكة الشمالية الأنغلوسكسونية، وتضم كندا والولايات المتحدة (إضافة إلى الأراضي ذات الغالبية الفرنسية)، وأمريكة اللاتينية التي يقصد بها البلدان المتكلمة بالإسبانية والبرتغالية وتضم جميع الأراضي والدول الواقعة جنوب الولايات المتحدة الأمريكية، بما فيها أرخبيلات بحر الكاريبي، حتى رأس هورن في أقصى جنوبي أمريكة الجنوبية.
وقد تمعن بعض المصادر في التقسيم الثقافي - اللغوي، فتفرق في بلدان أمريكة اللاتينية بين أمريكة البرتغالية وتشتمل على البرازيل، وأمريكة الإِسْبانيّة وتضم بقية أنحاء أمريكة اللاتينية.
وتفادياً لهذه التداخلات المربكة أحياناً وانسجاماً مع الاتجاه الجغرافي المعاصر يقسم هذا البحث أمريكة إلى قارتين هما قارة أمريكة الشمالية وقارة أمريكة الجنوبية، تفصل بينهما الحدود بين بنمة وكولومبية، مع إدخال أرخبيلات بحر الكاريبي في نطاق أمريكة الشمالية، واقتصار أمريكة الجنوبية على دول: كولومبية وفنزويلة وغويانة وسورينام وغويانة الفرنسية والبرازيل والإكوادور والبيرو وبوليفية والباراغواي والأورغواي والأرجنتين والتشيلي، وممتلكات هذه الدول في المحيطين الأطلسي والهادئ.
لكن بعض الضرورات المرتبطة بطبيعة الموضوعات الجيولوجية والسكانية والتاريخية والحضارية قد يفرض نوعاً من التجاوز للحدود الجغرافية المذكورة تجاوزاً لا يغير في المبدأ المرسوم لهذا البحث، الذي يبدأ بدراسة قارة أمريكة الجنوبية بحسب التسلسل الهجائي.
أمريكة الجنوبية
تبدو أمريكة الجنوبية منزاحة شرقاً بالموازنة بينها وبين أمريكة الشمالية، بحيث لا تزيد معها المسافة الفاصلة بين أقصى شرقي البرازيل وسواحل غربي إفريقية على 3000 كم، وهنالك تكامل في المظهر الخارجي للسواحل الغربية لإفريقية وللسواحل الشرقية لأمريكة الجنوبية، حتى ليمكن المطابقة بين الكتلة البرازيلية المتقدمة في مياه المحيط الأطلسي وخليج غينية الإفريقي، إضافة إلى وجود تشابه كبير في البنية الجيولوجية، وإلى تماثل كبير في عناصر الأحياء النباتية والحيوانية لهذين القطاعين، وهذا ما يؤكد حقيقة أنهما كانتا متصلتين في فجر التاريخ الجيولوجي، وهذه النقاط بالذات هي التي استند إليها الألماني فيغنر A.Wegener عندما وضع أسس نظريته الشهيرة عن انزياح القارات.
الحدود والمساحة: تبلغ مساحة أمريكة الجنوبية نحو 17700000 كم2 يضاف إليها مساحة مجموعة من الجزر المبعثرة قبالة سواحلها مثل جزر فوكلند (مالفين أومالوين) وخوان فرناندز وسان أمبروزيو وغالاباغوس، وعلى هذا تصل مساحتها الإجمالية إلى نحو 17.830.000 كم2، وهذا يعادل 12% من مساحة اليابسة، و تمتد أراضيها بين درجتي العرض 12 درجة و25 دقيقة شمالاً و56 درجة جنوباً ويخترقها كل من خط الاستواء ومدار الجدي، وعلى هذا تصل المسافة بين أقصى النقاط الشمالية لساحل فنزويلة شمالاً وأرض النار جنوباً إلى نحو 7600 كم، مقابل 6000كم للمسافة بين مدينة ريسيف البرازيلية الواقعة على ساحل المحيط الأطلسي شرقاً ومدينة غواياكيل الإكوادورية الواقعة على ساحل المحيط الهادئ غرباً، وتتصف هذه الرقعة المساحية بالتنوع الشديد في بيئتها الطبيعية، وعلى رأسها الشروط المناخية، وبتباينات بالغة الأهمية من ناحية الإعمار البشري، يضاف إلى ذلك وضعها التضاريسي الخاص المتصف بامتداد سلاسل الأنديز على طول سواحلها الغربية وذلك على شكل حاجز جبلي لا يقل ارتفاعه عن 3000م، ويصل في أقصى النقاط ارتفاعاً في قمة اكونكاغوا إلى 6960م، علماً بأن عرض هذه السلسلة يرواح بين 150كم في الإكوادور وفي بوليفية و700كم في منطقة الحدود بين البيرو وبوليفية. وإلى الشرق من هذه السلسلة تمتد مجموعة من السهول والهضاب والكتل القديمة، إلى جانب بعض الكتل الجبلية المتوسطة الارتفاع. يضاف إلى هذا الوضع التضاريسي الخاص، الدور الكبير الذي تقوم به التيارات المحيطية التي تساير سواحل أمريكة الجنوبية مثل تيار البيرو (همبولدت) البارد غرباً، وفوكلند البارد شرقاً، وتيار البرازيل الحار الذي يساير الأجزاء الشمالية لسواحل أمريكة الجنوبية، وتيار الاستوائي الشمالي (التيار الكاريبي) الحار الذي يساير السواحل الشمالية. وتعد السواحل الشرقية في أمريكة الجنوبية عموماً أكثر ملاءمة للاستثمار وللاستيطان إذا ووزنت بالسواحل الغربية، وباستثناء مسافة قصيرة جداً تتمثل بالحدود بين كولومبية وبنمة، فإن حدود أمريكة الجنوبية مسطحات مائية مهمة، تتمثل بالبحر الكاريبي والمحيط الأطلسي شمالاً، والمحيط الهادئ غرباً وممر درِك Drake الواصل بين المحيطين الأطلسي والهادئ جنوباً، والمحيط الأطلسي شرقاً.
اكتشاف القارة والتوسع الاستيطاني والعمراني: إن جذور الحياة البشرية في القارة الأمريكية في حقبة ما قبل التاريخ، أقل تطوراً منها في بقية أنحاء العالم، كحوض البحر المتوسط والسواحل الجنوبية الشرقية للقارة الآسيوية مثلاً. ومع ذلك فإن الهنود الحمر أرسوا هنا قواعد حضارات راقية شملت مساحة واسعة من الأمريكتين على حد سواء. وما تزال بعض مجموعاتهم البشرية تعيش في مناطق الغابة الاستوائية في ظل الشروط الأولية التي كان يعيشها أسلافهم، وفي عزلة تامة عن معطيات الحضارة الحديثة، كما أن الغموض ما يزال يكتنف الكثير من جوانب الحياة البشرية الأمريكية في العهود السابقة للاكتشافات الجغرافية الكبرى للعالم الجديد. ويتفق الدارسون والباحثون كافة على أن أصل الهنود الحمر (أول من عمر القارة الأمريكية) هو من القارة الآسيوية. إذ وصلت مجموعات من الصيادين المتنقلين فوق جليديات سيبيرية الشرقية إلى مضيق برنغ (بهرنغ) الواصل بين آلاسكة وسيبيرية، ومنه إلى مناطق كندا والولايات المتحدة الأمريكية الشمالية التي كانت مغطاة بالجليديات الضخمة أيضاً، وذلك في حقب أكثر برودة من الحقب الجيولوجي الرابع الحديث إبان تقدم الزحوف الجليدية، وتحول الكثير من المسطحات المائية إلى كتل من الجليد الصلب، مما أدى إلى انخفاض مستوى البحار والمحيطات (مستوى الأساس العام) في حقبة جليدية ويسكونسن التي يعود عمرها إلى 70000 سنة، واستمرت نحو 60000 سنة دون المستوى الحالي (مستوى الأساس الحالي) بنحو 100م، ولما كان عمق مياه مضيق برنغ الفاصل بين أقصى شرقي القارة الآسيوية وبين آلاسكة والذي تكوَّن نتيجة لحركة انهدامية حديثة العهد نسبياً، لا يزيد على 100م إطلاقاً (عمقه الوسطي 50 م)، فإن المساحة التي يشغلها هذا المضيق كانت مغطاة تماماً بالجليد الذي انتشر على طول رقعة مساحية يصل عرضها إلى 1000كم مما أدى إلى اتصال سيبيرية الشرقية بآلاسكة مؤلفاً ما كان يعرف ببرنغية (بهرنغيه) التي غطتها أعشاب السهوب والتوندرة في معظم القطاعات، وهذا ما أتاح للصيادين المتجولين في شرقي القارة الآسيوية فرصة المرور إلى أراضي أمريكة الشمالية، ومنها انتشروا لبقية أنحاء القارة الجنوبية وصولاً إلى أرض النار جنوباً فعمروها. أما أقدم الآثار التي تشير إلى ظهور الإنسان في أمريكة الشمالية فقد أمكن تأريخها بوساطة الكربون 14 C14، إذ تبين أنها تعود إلى ما قبل 20000 - 35000 سنة، أما الآثار البشرية في أمريكة الجنوبية فإنها أحدث من ذلك بكثير، فقد حددت أعمارها بنحو 16000 سنة، في فنزويلة والبرازيل و14000 سنة في البيرو و 12000 سنة في تشيلي وبنحو 10000 سنة على أطراف مضيق ماجلان و9000 سنة في أرض النار. ولكن الدراسات المعاصرة قدمت معطيات مهمة في هذا المجال، إذ كشف العالم توم ديليهي T.D.Dillehay رئيس بعثة جامعة كنتكي الأمريكية للدراسات والحفريات التاريخية، النقاب عن آثار مهمة في مونت فيردي Monte Verde في تشيلي، تشير إلى وجود حياة بشرية تعود إلى 13000 سنة، وقد توصلت البعثة إلى اكتشاف حفرتين منخفضتين ومبطنتين بالغضار ضمن طبقة من الرماد العادي، على عمق يصل إلى مترين، وهما موقدان عثر فيهما على ما يكفي من الفحم النباتي أو من الخشب المتفحم لتحديد عمرهما بالكربون المشع، فكانت النتيجة 33000 سنة للأولى و 33000 - 40000 سنة للثانية، كما عثر في حفرة ثالثة وقرب الحفرتين الآنفتي الذكر على نحو 26 أداة حجرية من الأدوات التي كانت تستخدم على ما يبدو في معالجة النباتات بسلسلة من العمليات، وعلى هذا يمكن التأكيد أن بدايات وصول الإنسان إلى أمريكة الشمالية يرقى إلى أكثر من 50000 سنة. وبعد تراجع الجليديات الآنفة الذكر تمثلت الاتصالات بين العالمين القديم والجديد بوصول مجموعات من الأسكيمو من سيبيرية عابرين مضيق برنغ، مستخدمين قواربهم الخاصة المعروفة باسم كايّاك، كما وصلت بعد ذلك - عن طريق الملاحة البحرية - مجموعات بشرية من الشرق الأقصى ومن جنوب شرقي آسيا ومن أوقيانوسية إلى سواحل المحيط الهادئ في القارة الأمريكية، وقد دلت التحريات والدراسات الاختصاصية على أن أقدم هذه الاتصالات يرقى إلى نحو الألف الرابع قبل الميلاد، واستمرت حتى قبيل عصر الاكتشافات الجغرافية الكبرى. إن التنوع العرقي والثقافي للجماعات البشرية القديمة هنا يعطي دليلاً قاطعاً على تباينات أصولهم، وعلى تباينات نماذج تلاؤمهم مع الأحوال الطبيعية السائدة في القارة الجديدة، وأهم المناطق التي وفد منها هؤلاء هي: شمالي آسيا وجنوب شرقيها وميلانيزية وبولينيزية، وعلى هذا فإن كولومبوس وماجلان وجون كابوت وجاك كارتييه وغيرهم، عندما وصلوا إلى شواطئ العالم الجديد كان هذا العالم مأهولاً بالهنود الأمريكيين (الهنود الحمر) الذين قدّر عددهم بنحو 12 مليوناً، منهم نحو 6 - 8 ملايين في أمريكة الجنوبية والوسطى، وأسسوا حضارات متقدمة مثل حضارة الإنكا التي قامت في مناطق البيرو وبوليفية الحاليتين، والتي تعد من أرقى الحضارات التي قامت في القارة الأمريكية، إن لم تكن أرقاها على الإطلاق. يضاف إليها حضارة الأزتِك في المكسيك، والمايا في شبه جزيرة يوكاتان.
أما حركة الاكتشافات الجغرافية للعالم الجديد فقد بدأها الفايكنغ المنطلقون من اسكندنافية، إذ تمكن إريك الأحمر من تأسيس مستعمرته الأولى على سواحل غرينلند عام 982م، كما تمكنوا من الوصول إلى سواحل اللابرادور بين عامي 1003 و 1006م إذ عثر على آثارهم في فاوندلاند. في حين أن الاكتشافات الفعلية للقارة بدأت في أواخر القرن الخامس عشر، الذي شهد تنافساً ملاحياً مثيراً بين القوى الأوروبية العظمى في ذلك الوقت، كبريطانية وفرنسة وهولندة وإسبانية والبرتغال، التي تمكنت من تأسيس مستعمرات مهمة في القارة الأمريكية، إضافة إلى هولندة التي تركت بصمات واضحة في جزر الهند الغربية عامة. وقد جاءت حركة الاكتشافات الآنفة الذكر في أثناء محاولات هذه القوى العثور على طريق ملاحي إلى الهند من غير المرور بالممتلكات الإسلامية، إذ تمكن كريستوف كولومبوس من الوصول إلى سان سلفادور في 11 تشرين الأول عام 1492م، بعد أن أبحر صبيحة 3 آب من العام نفسه. وبغية تجنُّب الخلافات المستقبليّة بين إسبانية والبرتغال تم توقيع اتفاقية توردسيلاس عام 1494م التي حددت مناطق نفوذ كل من الدولتين واكتشافاتها فتركت المناطق الواقعة إلى الشرق من خط الطول 50 درجة مئوية غرباً، للمكتشفين البرتغاليين، والأراضي الواقعة إلى الغرب منه للمكتشفين الإسبان. وفي عام 1497م تمكن البرتغالي فاسكودوغاما من الوصول إلى الهند مروراً بالرأس الأخضر وبرأس الرجاء الصالح، وهذا ما دفع البرتغاليين إلى صرف النظر مؤقتاً عن اكتشاف جزر الهند الغربية الواقعة في المحيط الأطلسي والتي سبقهم الإسبان إليها، ومع ذلك وفي عام 1500م أبحر بيدرو ألفارِسْ كابرال باتجاه الهند سالكاً الطريق الذي اختطه فاسكودوغاما، وعندما حاول كابرال تجنب مناطق السكون والهدوء الاستوائية دفعته الرياح التجارية والتيارات البحرية باتجاه الغرب، فوصل إلى سواحل البرازيل الاستوائية وأسس هنالك مستعمرة برتغالية بهذا الاسم اتسمت بالطابع البرتغالي لغوياً وثقافياً وحضارياً، ولاسيما أنها تقع ضمن القطاعات البرتغالية التي حددتها اتفاقية توردسيلاس. وقد دفع هذا النجاح البرتغالي الإسبان إلى زيادة الاهتمام بحركة الاكتشافات الجغرافية. وفي الوقت نفسه بدأت الاهتمامات الإنكليزية والفرنسية والهولندية بالتزايد مع رحلات جون كابوت (1497 - 1498م) وأمريكو فيسبوتشي (1497 - 1503م) والبرتغالي كورت ريال (1500 - 1502م).
ونتيجة لما حققته هذه الرحلات، تأكد لدى الأوربيين أهمية مجموعة الجزر والأراضي الجديدة هذه بصفتها محطات واقعة على طريق الهند والصين شرقاً. وقد ترسخت هذه الفكرة تماماً عندما تمكن بلباو الإسباني من اجتياز برزخ بنمة للوصول إلى سواحل المحيط الهادئ عام 1513، ومنذ ذلك الحين وُجهت الاهتمامات الخاصة للعثور على ممر مائي يصل المحيطين الهادئ بالأطلسي. وحاول الإسبان البحث عن نظير لهذا الطريق باتجاه الجنوب الغربي، واعتقد دوسوليس أنه عثر عليه عام 1516 عندما وصل إلى مصب ريودولابلاتا الذي يصل عرضه إلى نحو 400 كم، ولكن صعوبة الأحوال الطبيعية التي واجهته منعته من التوغل ضمن مياه النهر غرباً، في حين تمكن ماجلان البرتغالي الذي أبحر لحساب ملك إسبانية بين عامي 1519 و1522م من الوصول إلى المضيق الذي يحمل اسمه اليوم، والذي يصل بين المحيطين الأطلسي شرقاً والهادئ غرباً باتجاه شبه القارة الهندية.
كما تمكن كولومبوس من اكتشاف فنزويلة عام 1498م، وتمكن فيسبوتشي من الإبحار على طول السواحل الشرقية لأمريكة الجنوبية، ووصل حتى باتاغونية، وفي عام 1527م تمكن سيباستيان كابوت من توسيع حركة اكتشاف المناطق الداخلية مستغلاً ملاءمة نهري بارانا والباراغواي للملاحة النهرية، ونزل فرانشيسكو بيزارو في خليج غواياكيل على ساحل المحيط الهادئ، وتمكن من السيطرة على امبراطورية الإنكا المترامية الأطراف، وذلك عام 1533م وقام بتأسيس مدن ليمة (عاصمة الملوك) وأروكيبة وسانتياغو، وأرسل عدة بعثات لاكتشاف المناطق الداخلية، كما نزلت بعثة فيلينيون الفرنسية في منطقة ريودي جانيرو البرازيلية عام 1555م، وبقيت في صراع مع البرتغاليين فيها إلى أن تم طردها في القرن السابع عشر. وكان الماغرو قد وصل إلى سواحل تشيلي عام 1536م وتمكن فالديفيا من احتلالها عام 1540م، كما تمكن كيسادا من تأسيس سيوداد الكولومبية (قرب بوغوته) عام 1538م، ونزل المستعمرون الإسبان على السواحل الشمالية لفنزويلة عام 1546م. وفي زمن لاحق تم تأسيس رِدافة (نيابة ملكية) ريودولابلاتا التي ظلت تابعة للبيرو حتى 1778م، كما قامت رِدافة ملكية سانتافية التي شملت أراضي الإكوادور وفنزويلّة وكولومبية الحاليّة وجعلت بوغوته عاصمة لها، أما رِدافة ملكية البيرو فقد كانت تشمل كلاً من البيرو وتشيلي والسهول الجنوبية كافة. وفي مطلع القرن التاسع عشر، وبعد سلسلة من الأحداث والاضطرابات والمشاكل الداخلية التي شهدتها شبه جزيرة إيبرية تعاظمت الحركة الوطنية في المستعمرات الإسبانية والبرتغالية في أمريكة الجنوبية وطالبت بالاستقلال الكامل، وتمكن سيمون بوليفار عام 1808م من طرد القوات الإسبانية، وغدا بذلك محرراً لأمريكة اللاتينية بمجملها وقام بتأسيس جمهورية كولومبية الكبرى عام 1821م. وحاول تأسيس اتحاد فدرالي مع كل من البيرو وبوليفية من دون تحقيق نجاح يذكر. واندلعت سلسلة من الحروب الأهلية التي وقفت عائقاً أمام التطور الاقتصادي والاجتماعي الذي ما زالت تعانيه دول المنطقة. أما ملك البرتغال الذي كان قد لجأ إلى البرازيل عام 1808م، فقد عاد إلى وطنه الأم عام 1816م مخلفاً نجله حاكماً عاماً للبلاد، ولكن هذا الأخير أعلن استقلال امبراطورية البرازيل عام 1822م التي استمرت قائمة حتى عام 1889م حين أعلن قيام جمهورية البرازيل الاتحادية.
ومنذ أن اكتشف الإسبان والبرتغاليون أمريكة الجنوبية واستعمروها عملوا على استغلال ثروات البلاد ونهب خيراتها ونقلها إلى الوطن الأم من دون الالتفات إلى الإصلاح الداخلي وإلى تطوير المستعمرات. ولهذا فقد اقتصر دورهم في إدارة البلاد على الإشراف على عمليات الإنتاج الزراعي (قصب السكر والقطن والتبغ بوجه خاص)، وعلى استغلال المعادن الثمينة كالذهب والفضة بتسخير اليد العاملة من السكان الأصليين ومن الزنوج الذين نُقلوا من إفريقية قسراً بوساطة تجارة الرقيق، إضافة إلى قيامهم بالتحكم العسكري بالنقاط وبالمواقع الاستراتيجية في أمريكة الجنوبية. وهكذا اقتصر دور المستعمرين على السلب والنهب وعلى فرض الضرائب الباهظة لرفد ميزانية الوطن الأم لدرجة أن خيرات مستعمرات أمريكة الجنوبية الإسبانية ألّفت 80% من الدخل القومي في القرن الثامن عشر.
وبالمقابل فإن حركة إنشاء المدن والقرى وإعمارها شهدت نشاطاً ملحوظاً في المستعمرات الإسبانية ووضعت مخططاتها مماثلة لمخططات المجمعات السكانية الكبرى في حوض البحر المتوسط، حيث تتألف المدينة من ساحة مركزية تتوضع حولها المؤسسات الإدارية والدينية والمدارس الكبرى.
South America - Amérique du Sud
أمريكة (قارة ـ)
تتألف أمريكة America أو ما يعرف بالعالم الجديد من كتلتين بريتين كبيرتين تعرفان بقارة أمريكة الشمالية وقارة أمريكة الجنوبية. يشغل مجموع مساحتيهما مع أرخبيلات جزر بحر الكاريبي نحو 42.080.000كم2 أي مايعادل 28.2% من مساحة اليابسة. وتمتد على خطوط الطول من البحر (المحيط) المتجمد الشمالي في الشمال إلى التقاء مياه المحيط الأطلسي والمحيط الهادئ في الجنوب مسافة تزيد على 14650كم بين خطي عرض 83 درجة شمالاً و56 درجة جنوباً. ولكل من الأمريكتين شكل مثلث قاعدته نحو الشمال ورأسه نحو الجنوب مع فارق أن الكتلة الرئيسة لأمريكة الشمالية واقعة في النطاقات المناخية المعتدلة الباردة الشمالية وتصل سواحلها الشمالية حتى المنطقة القطبية الشمالية. في حين تقع الكتلة الرئيسة لأمريكة الجنوبية في النطاق المناخي الاستوائي والمداري وتمتد أراضيها على نصفي الكرة الشمالي والجنوبي مع انتشار الجزء الأعظم منها في المنطقة المدارية الجنوبية، وتؤلف اليابسة الأمريكية حاجزاً أرضياً ضخماً يفصل المحيط الأطلسي في الشرق عن المحيط الهادئ في الغرب، شُقت فيه قناة بنمة[ر] في أضيق أجزائه للربط بينهما مائياً.
أما تسمية أمريكة فقد أطلقها على العالم الجديد بشقيه الشمالي والجنوبي في عام 1507 جمعية من العلماء والمختصين، عقدت اجتماعها في مدينة سان دييه الفرنسية وذلك تخليداً لاسم أمريكو فيسبوتشي (1454 - 1512م) Amrigo Vespuccei البحّار الفلورنسي الذي قام بين عامي 1497 و1504م بأربع رحلات إلى العالم الجديد، وترك وراءه تفاصيل رحلاته وأسرارها وخفاياها والأراضي التي مرّ بها مدونة.
اختلفت آراء الباحثين من جغرافيين ومؤرِّخين وسياسيين حول تسمية الأمريكتين الشمالية والجنوبية والحدود الفاصلة بينهما، إذ تصادف تسميات مختلفة مثل تقسيم أمريكة إلى ثلاث وحدات قارية كُبْرى هي:
أمريكة الشمالية وأمريكة الوسطى وأمريكة الجنوبية. تنتهي فيها حدود أمريكة الشمالية مع حدود الولايات المتحدة الأمريكية الجنوبية مع المكسيك، لتبدأ أمريكة الوسطى التي تنتهي في الجنوب عند حدود بنمة مع كولومبية وتضم جزر الكاريبي، ومنها نحو الجنوب تمتد قارة أمريكة الجنوبية. كذلك هناك تقسيم آخر يضيف إلى الوحدات المذكورة وحدة جزر الكاريبي وحدة رابعة.
أما من الناحية الثقافية والاجتماعية والمذهبية الدينية والإثنية فما أكثر ما يُفَرَّقُ بين أمريكة الشمالية الأنغلوسكسونية، وتضم كندا والولايات المتحدة (إضافة إلى الأراضي ذات الغالبية الفرنسية)، وأمريكة اللاتينية التي يقصد بها البلدان المتكلمة بالإسبانية والبرتغالية وتضم جميع الأراضي والدول الواقعة جنوب الولايات المتحدة الأمريكية، بما فيها أرخبيلات بحر الكاريبي، حتى رأس هورن في أقصى جنوبي أمريكة الجنوبية.
وقد تمعن بعض المصادر في التقسيم الثقافي - اللغوي، فتفرق في بلدان أمريكة اللاتينية بين أمريكة البرتغالية وتشتمل على البرازيل، وأمريكة الإِسْبانيّة وتضم بقية أنحاء أمريكة اللاتينية.
وتفادياً لهذه التداخلات المربكة أحياناً وانسجاماً مع الاتجاه الجغرافي المعاصر يقسم هذا البحث أمريكة إلى قارتين هما قارة أمريكة الشمالية وقارة أمريكة الجنوبية، تفصل بينهما الحدود بين بنمة وكولومبية، مع إدخال أرخبيلات بحر الكاريبي في نطاق أمريكة الشمالية، واقتصار أمريكة الجنوبية على دول: كولومبية وفنزويلة وغويانة وسورينام وغويانة الفرنسية والبرازيل والإكوادور والبيرو وبوليفية والباراغواي والأورغواي والأرجنتين والتشيلي، وممتلكات هذه الدول في المحيطين الأطلسي والهادئ.
لكن بعض الضرورات المرتبطة بطبيعة الموضوعات الجيولوجية والسكانية والتاريخية والحضارية قد يفرض نوعاً من التجاوز للحدود الجغرافية المذكورة تجاوزاً لا يغير في المبدأ المرسوم لهذا البحث، الذي يبدأ بدراسة قارة أمريكة الجنوبية بحسب التسلسل الهجائي.
أمريكة الجنوبية
تبدو أمريكة الجنوبية منزاحة شرقاً بالموازنة بينها وبين أمريكة الشمالية، بحيث لا تزيد معها المسافة الفاصلة بين أقصى شرقي البرازيل وسواحل غربي إفريقية على 3000 كم، وهنالك تكامل في المظهر الخارجي للسواحل الغربية لإفريقية وللسواحل الشرقية لأمريكة الجنوبية، حتى ليمكن المطابقة بين الكتلة البرازيلية المتقدمة في مياه المحيط الأطلسي وخليج غينية الإفريقي، إضافة إلى وجود تشابه كبير في البنية الجيولوجية، وإلى تماثل كبير في عناصر الأحياء النباتية والحيوانية لهذين القطاعين، وهذا ما يؤكد حقيقة أنهما كانتا متصلتين في فجر التاريخ الجيولوجي، وهذه النقاط بالذات هي التي استند إليها الألماني فيغنر A.Wegener عندما وضع أسس نظريته الشهيرة عن انزياح القارات.
الحدود والمساحة: تبلغ مساحة أمريكة الجنوبية نحو 17700000 كم2 يضاف إليها مساحة مجموعة من الجزر المبعثرة قبالة سواحلها مثل جزر فوكلند (مالفين أومالوين) وخوان فرناندز وسان أمبروزيو وغالاباغوس، وعلى هذا تصل مساحتها الإجمالية إلى نحو 17.830.000 كم2، وهذا يعادل 12% من مساحة اليابسة، و تمتد أراضيها بين درجتي العرض 12 درجة و25 دقيقة شمالاً و56 درجة جنوباً ويخترقها كل من خط الاستواء ومدار الجدي، وعلى هذا تصل المسافة بين أقصى النقاط الشمالية لساحل فنزويلة شمالاً وأرض النار جنوباً إلى نحو 7600 كم، مقابل 6000كم للمسافة بين مدينة ريسيف البرازيلية الواقعة على ساحل المحيط الأطلسي شرقاً ومدينة غواياكيل الإكوادورية الواقعة على ساحل المحيط الهادئ غرباً، وتتصف هذه الرقعة المساحية بالتنوع الشديد في بيئتها الطبيعية، وعلى رأسها الشروط المناخية، وبتباينات بالغة الأهمية من ناحية الإعمار البشري، يضاف إلى ذلك وضعها التضاريسي الخاص المتصف بامتداد سلاسل الأنديز على طول سواحلها الغربية وذلك على شكل حاجز جبلي لا يقل ارتفاعه عن 3000م، ويصل في أقصى النقاط ارتفاعاً في قمة اكونكاغوا إلى 6960م، علماً بأن عرض هذه السلسلة يرواح بين 150كم في الإكوادور وفي بوليفية و700كم في منطقة الحدود بين البيرو وبوليفية. وإلى الشرق من هذه السلسلة تمتد مجموعة من السهول والهضاب والكتل القديمة، إلى جانب بعض الكتل الجبلية المتوسطة الارتفاع. يضاف إلى هذا الوضع التضاريسي الخاص، الدور الكبير الذي تقوم به التيارات المحيطية التي تساير سواحل أمريكة الجنوبية مثل تيار البيرو (همبولدت) البارد غرباً، وفوكلند البارد شرقاً، وتيار البرازيل الحار الذي يساير الأجزاء الشمالية لسواحل أمريكة الجنوبية، وتيار الاستوائي الشمالي (التيار الكاريبي) الحار الذي يساير السواحل الشمالية. وتعد السواحل الشرقية في أمريكة الجنوبية عموماً أكثر ملاءمة للاستثمار وللاستيطان إذا ووزنت بالسواحل الغربية، وباستثناء مسافة قصيرة جداً تتمثل بالحدود بين كولومبية وبنمة، فإن حدود أمريكة الجنوبية مسطحات مائية مهمة، تتمثل بالبحر الكاريبي والمحيط الأطلسي شمالاً، والمحيط الهادئ غرباً وممر درِك Drake الواصل بين المحيطين الأطلسي والهادئ جنوباً، والمحيط الأطلسي شرقاً.
أما حركة الاكتشافات الجغرافية للعالم الجديد فقد بدأها الفايكنغ المنطلقون من اسكندنافية، إذ تمكن إريك الأحمر من تأسيس مستعمرته الأولى على سواحل غرينلند عام 982م، كما تمكنوا من الوصول إلى سواحل اللابرادور بين عامي 1003 و 1006م إذ عثر على آثارهم في فاوندلاند. في حين أن الاكتشافات الفعلية للقارة بدأت في أواخر القرن الخامس عشر، الذي شهد تنافساً ملاحياً مثيراً بين القوى الأوروبية العظمى في ذلك الوقت، كبريطانية وفرنسة وهولندة وإسبانية والبرتغال، التي تمكنت من تأسيس مستعمرات مهمة في القارة الأمريكية، إضافة إلى هولندة التي تركت بصمات واضحة في جزر الهند الغربية عامة. وقد جاءت حركة الاكتشافات الآنفة الذكر في أثناء محاولات هذه القوى العثور على طريق ملاحي إلى الهند من غير المرور بالممتلكات الإسلامية، إذ تمكن كريستوف كولومبوس من الوصول إلى سان سلفادور في 11 تشرين الأول عام 1492م، بعد أن أبحر صبيحة 3 آب من العام نفسه. وبغية تجنُّب الخلافات المستقبليّة بين إسبانية والبرتغال تم توقيع اتفاقية توردسيلاس عام 1494م التي حددت مناطق نفوذ كل من الدولتين واكتشافاتها فتركت المناطق الواقعة إلى الشرق من خط الطول 50 درجة مئوية غرباً، للمكتشفين البرتغاليين، والأراضي الواقعة إلى الغرب منه للمكتشفين الإسبان. وفي عام 1497م تمكن البرتغالي فاسكودوغاما من الوصول إلى الهند مروراً بالرأس الأخضر وبرأس الرجاء الصالح، وهذا ما دفع البرتغاليين إلى صرف النظر مؤقتاً عن اكتشاف جزر الهند الغربية الواقعة في المحيط الأطلسي والتي سبقهم الإسبان إليها، ومع ذلك وفي عام 1500م أبحر بيدرو ألفارِسْ كابرال باتجاه الهند سالكاً الطريق الذي اختطه فاسكودوغاما، وعندما حاول كابرال تجنب مناطق السكون والهدوء الاستوائية دفعته الرياح التجارية والتيارات البحرية باتجاه الغرب، فوصل إلى سواحل البرازيل الاستوائية وأسس هنالك مستعمرة برتغالية بهذا الاسم اتسمت بالطابع البرتغالي لغوياً وثقافياً وحضارياً، ولاسيما أنها تقع ضمن القطاعات البرتغالية التي حددتها اتفاقية توردسيلاس. وقد دفع هذا النجاح البرتغالي الإسبان إلى زيادة الاهتمام بحركة الاكتشافات الجغرافية. وفي الوقت نفسه بدأت الاهتمامات الإنكليزية والفرنسية والهولندية بالتزايد مع رحلات جون كابوت (1497 - 1498م) وأمريكو فيسبوتشي (1497 - 1503م) والبرتغالي كورت ريال (1500 - 1502م).
ونتيجة لما حققته هذه الرحلات، تأكد لدى الأوربيين أهمية مجموعة الجزر والأراضي الجديدة هذه بصفتها محطات واقعة على طريق الهند والصين شرقاً. وقد ترسخت هذه الفكرة تماماً عندما تمكن بلباو الإسباني من اجتياز برزخ بنمة للوصول إلى سواحل المحيط الهادئ عام 1513، ومنذ ذلك الحين وُجهت الاهتمامات الخاصة للعثور على ممر مائي يصل المحيطين الهادئ بالأطلسي. وحاول الإسبان البحث عن نظير لهذا الطريق باتجاه الجنوب الغربي، واعتقد دوسوليس أنه عثر عليه عام 1516 عندما وصل إلى مصب ريودولابلاتا الذي يصل عرضه إلى نحو 400 كم، ولكن صعوبة الأحوال الطبيعية التي واجهته منعته من التوغل ضمن مياه النهر غرباً، في حين تمكن ماجلان البرتغالي الذي أبحر لحساب ملك إسبانية بين عامي 1519 و1522م من الوصول إلى المضيق الذي يحمل اسمه اليوم، والذي يصل بين المحيطين الأطلسي شرقاً والهادئ غرباً باتجاه شبه القارة الهندية.
كما تمكن كولومبوس من اكتشاف فنزويلة عام 1498م، وتمكن فيسبوتشي من الإبحار على طول السواحل الشرقية لأمريكة الجنوبية، ووصل حتى باتاغونية، وفي عام 1527م تمكن سيباستيان كابوت من توسيع حركة اكتشاف المناطق الداخلية مستغلاً ملاءمة نهري بارانا والباراغواي للملاحة النهرية، ونزل فرانشيسكو بيزارو في خليج غواياكيل على ساحل المحيط الهادئ، وتمكن من السيطرة على امبراطورية الإنكا المترامية الأطراف، وذلك عام 1533م وقام بتأسيس مدن ليمة (عاصمة الملوك) وأروكيبة وسانتياغو، وأرسل عدة بعثات لاكتشاف المناطق الداخلية، كما نزلت بعثة فيلينيون الفرنسية في منطقة ريودي جانيرو البرازيلية عام 1555م، وبقيت في صراع مع البرتغاليين فيها إلى أن تم طردها في القرن السابع عشر. وكان الماغرو قد وصل إلى سواحل تشيلي عام 1536م وتمكن فالديفيا من احتلالها عام 1540م، كما تمكن كيسادا من تأسيس سيوداد الكولومبية (قرب بوغوته) عام 1538م، ونزل المستعمرون الإسبان على السواحل الشمالية لفنزويلة عام 1546م. وفي زمن لاحق تم تأسيس رِدافة (نيابة ملكية) ريودولابلاتا التي ظلت تابعة للبيرو حتى 1778م، كما قامت رِدافة ملكية سانتافية التي شملت أراضي الإكوادور وفنزويلّة وكولومبية الحاليّة وجعلت بوغوته عاصمة لها، أما رِدافة ملكية البيرو فقد كانت تشمل كلاً من البيرو وتشيلي والسهول الجنوبية كافة. وفي مطلع القرن التاسع عشر، وبعد سلسلة من الأحداث والاضطرابات والمشاكل الداخلية التي شهدتها شبه جزيرة إيبرية تعاظمت الحركة الوطنية في المستعمرات الإسبانية والبرتغالية في أمريكة الجنوبية وطالبت بالاستقلال الكامل، وتمكن سيمون بوليفار عام 1808م من طرد القوات الإسبانية، وغدا بذلك محرراً لأمريكة اللاتينية بمجملها وقام بتأسيس جمهورية كولومبية الكبرى عام 1821م. وحاول تأسيس اتحاد فدرالي مع كل من البيرو وبوليفية من دون تحقيق نجاح يذكر. واندلعت سلسلة من الحروب الأهلية التي وقفت عائقاً أمام التطور الاقتصادي والاجتماعي الذي ما زالت تعانيه دول المنطقة. أما ملك البرتغال الذي كان قد لجأ إلى البرازيل عام 1808م، فقد عاد إلى وطنه الأم عام 1816م مخلفاً نجله حاكماً عاماً للبلاد، ولكن هذا الأخير أعلن استقلال امبراطورية البرازيل عام 1822م التي استمرت قائمة حتى عام 1889م حين أعلن قيام جمهورية البرازيل الاتحادية.
ومنذ أن اكتشف الإسبان والبرتغاليون أمريكة الجنوبية واستعمروها عملوا على استغلال ثروات البلاد ونهب خيراتها ونقلها إلى الوطن الأم من دون الالتفات إلى الإصلاح الداخلي وإلى تطوير المستعمرات. ولهذا فقد اقتصر دورهم في إدارة البلاد على الإشراف على عمليات الإنتاج الزراعي (قصب السكر والقطن والتبغ بوجه خاص)، وعلى استغلال المعادن الثمينة كالذهب والفضة بتسخير اليد العاملة من السكان الأصليين ومن الزنوج الذين نُقلوا من إفريقية قسراً بوساطة تجارة الرقيق، إضافة إلى قيامهم بالتحكم العسكري بالنقاط وبالمواقع الاستراتيجية في أمريكة الجنوبية. وهكذا اقتصر دور المستعمرين على السلب والنهب وعلى فرض الضرائب الباهظة لرفد ميزانية الوطن الأم لدرجة أن خيرات مستعمرات أمريكة الجنوبية الإسبانية ألّفت 80% من الدخل القومي في القرن الثامن عشر.
وبالمقابل فإن حركة إنشاء المدن والقرى وإعمارها شهدت نشاطاً ملحوظاً في المستعمرات الإسبانية ووضعت مخططاتها مماثلة لمخططات المجمعات السكانية الكبرى في حوض البحر المتوسط، حيث تتألف المدينة من ساحة مركزية تتوضع حولها المؤسسات الإدارية والدينية والمدارس الكبرى.
تعليق