معرض فني مُشترك يضيء بغناه صيف بيروت الحار

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • معرض فني مُشترك يضيء بغناه صيف بيروت الحار

    معرض فني مُشترك يضيء بغناه صيف بيروت الحار


    هروب جماعي فني نحو الطبيعة والذات والمرأة.
    الجمعة 2023/08/11
    انشرWhatsAppTwitterFacebook

    الطبيعة مهرب من آثار الحروب (لوحة غادة الجمال)

    تذكيرا بمجموعة من المعارض الفردية التي انعقدت بين أروقتها تجمع صالة “أرت أون 56 ستريت” ثلة من الفنانين اللبنانيين والسوريين والإيرانيين حول ثيمة الهروب، ليقدموا أعمالا من مدارس وأساليب متنوعة، تستفز بدورها زائر المعرض للهروب بخياله من الواقع الأليم.

    كما حدث خلال موسم الصيف السابق تكتنز مدينة بيروت معارض فنية جماعية كثيرة إضافة إلى عدد لا يُستهان به من المعارض الفردية التي لم تقتصر فقط على أعمال فنانين في بداية مسيرتهم الفنية.

    هذه السنة لم تكن مختلفة. ويمكن اعتبار المعرض الجماعي الذي أعدته وقدمته صالة “أرت أون 56 ستريت” من أهم المعارض الجماعية وذلك لغناه من ناحية عدد الفنانين المُشاركين ومن ناحية اختلاف الأساليب الفنية المُعتمدة.

    وتقدم صالة “أرت أون 56 ستريت” معرضا جماعيا تضمن أعمالا لعدد كبير من الفنانين اللبنانيين والسوريين والإيرانيين وهم: السوري يامن يوسف واللبناني مصور الهبر واللبنانية ديالا خضري واللبنانية هيبات بلعة واللبناني وسام بيضون واللبنانية غادة جمال واللبناني جورج باسيل واللبنانية ليلى داغر والسوري زهير دباغ والإيراني محمود همداني واللبناني عيسى حلوم واللبناني رفيق مجذوب والسوري سعود عبدالله واللبناني مارون الحكيم والسوري إلياس أيوب.


    الفنانون اللبنانيون انشغلوا بمدينة بيروت كحالة وجودية تقبع خارج حدود الزمان وضيق الأمكنة الجغرافية مهما اتسعت


    يلفت نظر زائر المعارض الفردية التي قدمتها صالة “أرت أون 56 ستريت” لهؤلاء الفنانين اللبنانيين خلال السنوات الفائتة ولاسيما السنة السابقة، انشغالهم بمدينة بيروت كحالة وجودية تقبع خارج حدود الزمان وضيق الأمكنة الجغرافية مهما اتّسعت. وانبثقت من هذه العوالم المختلفة والمترابطة ثيمة “الهروب” التي تشارك فيها مع الفنانين السوريين والفنان الإيراني محمود الهمداني الذي أيضا سبق للصالة أن أقامت له معرضا فرديا. أما هذا الهروب فكان حينا إلى الطبيعة وحينا آخر إلى الذات والواحدة وأحيانا أخرى إلى المرأة كرمز لحضن يخفف من وتيرة القلق.

    من هؤلاء نذكر الفنانة هيبات بلعة المقرون اسمها بفن الكولاج. فعالمها مُتحرّك شبيه بشريط مصور “ضغطت” من خلاله لحظات وأماكن مختلفة في حيز واحد ومُلتبس في أحواله. عالم هو مرآة صافية تنعكس عليها قناعة الفنانة المتجذرة بحدة وكثرة التنوع في المجتمع اللبناني إن كان من ناحية المشاعر أو من ناحية الأفكار والقناعات التي هي أيضا عرضة لتبدل خاطف “يليق” بمزاج الكولاج.

    ومن الفنانين اللبنانيين الذين تناولوا موضع لبنان المعاصر وبيروت بشكل خاص الفنان وسام بيضون الذي قدم معرضا فرديا في الصالة عينها السنة الفائتة، معرضا عنونه بـ”إعادة ابتكار بيروت”. وحضرت في المعرض خرائط جغرافية غير علمية، ولكن حقيقية لناحية سردها لفوضى بيروت وهي تعيد ابتكار ذاتها على الدوام من خلال أرابيسك لوني ومتقطع فيه الكثير من القلق والكثير من لانهائية التمدد والتقلص والتلاشي تحت طبقات واهمة من الفرح المشبوه يمدّه الفنان بما يحتاج من “فيتامينات” لونية مُتفجرة.

    أما مشاركة اللبناني منصور الهبر جاءت لتذكرنا باهتمامه بعلاقة الإنسان مع مجتمعه اللبناني وما يترتّب عن تلك العلاقة من هروب إلى دواخل المنازل وتصدعات على المستوي الفردي والجماعي. وقد استعان بلغة التجريد والتشكيل على السواء. مزج بصري رافقه منذ بدايات انطلاقته الفنية.

    في المعرض مشاركة للفنانة اللبنانية غادة الجمال التي اختارت الطبيعة هربا من آثار الحروب وقد اعتمدت، وإن في أسلوب مغاير جدا، التجريد والتشكيل في عملها الفني كما تبنّى ذلك الفنان منصور الهبر.

    ومن الفنانين الذين وجدوا في الطبيعة ملاذا من العنف المديني المُتصاعد نذكر اللبنانية ليلى داغر التي وظفت أسلوبها وخبرتها المتراكمة في أعمالها السابقة لتصوّر هروبها من الواقع المتأزم نحو الروح الساكنة والمكتفية بعالمها الداخلي.


    أما اللبنانية ديالا خضري فقد رسمت بيروت في أكثر من معرض من خلال تفاصيلها لتعبّر عن مدينة كثيرة التناقضات ولا تخلو في ملامحها من غموض وقسوة مُلتبسة.

    تحت تأثير هذا المنطق الفكري والبصري قدمت الفنانة في معرضها الأخير السنة السابقة مجموعة أعمال صورت فيها بيروت كمدينة حقيقية وواقعية، ولكنها مدينة خرافية في آن واحد لناحية التناقض ما بين الحلم والواقع، ما بين التراثي والحديث، ما بين القبح والجمال وما بين الاختناق والانشراح، وما بين البطء والسرعة ممّا يسلط الضوء على قابلية العيش في هكذا مدينة هي في طور تحول دائم معظمه عشوائي.

    أما من الفنانين السوريين الذي دارت أعمالهم في فلك المرأة نذكر الفنان السوري طارق بطيحي (1982). النساء اللواتي توالين في نصه الفني هنّ في حقيقتهن امرأة. ليس لنساء البطيحي ملامح واضحة. بل ملامح تختفي تحت لطخات لونية تخفف من وطأة الواقع البحت وتأخذ المُشاهد إلى رمزية المرأة وما تعنيه من طمأنينة في عزّ الضياع الوجداني.

    ونذكر هنا أيضا الفنان السوري سعود عبدالله الذي حوّل المرأة إلى كائنٍ بشري عابر للأجناس في معرضه السابق “امرأة تتحدى الغياب”. أتت عماله مشغولةً بحساسيةٍ كبيرة وقدرةٍ على استخدام الخطوط المُختزلة لتشكيل نسوةٍ في وضعياتٍ مختلفة أو منهمكاتٍ في أشغالهنّ وتفاصيل حياتهنّ اليومية، إلاّ أن الاختلاف معه قد يقع في طريقة النظرة إلى الغياب، إذ لم يبد الغياب في لوحة الفنان أمراً يودّ أو يستدعي أن تتحداه المرأة، فكانت في لوحاته سكينةٌ وغمرةٌ متواطئة مع نسوة لوحاته.

    ويتشارك الفنان السوري وإن بأسلوب مختلف مع الفنان اللبناني جورج باسيل في تناول ثيمة المرأة حيث بدت في لوحاته رمزا للشفافية والعطف ومصدرا لضوء يبث الأمل في العتمة الشرق أوسطية.

    ومن المشاركين بالمعرض الجماعي الكبير، الفنان الإيراني محمد الهمداني الذي لم يخرج من فلك ثيمة الهروب وعبّر عنها بأسلوبه ومنطقه الفكري والعاطفي الخاص حين عرض خلال هذه السنة مجموعة أعمال تحت عنوان “هروب” في الصالة ذاتها. وما قصده الفنان محمد الهمداني في لوحاته تلك هو على الأغلب ترجمة بصرية لتفلّت النوتات الموسيقية التي يعشقها مجتمعة في انهمار حرّ يذكر بالشلالات المتدفقة بانسياب حر أو بتلك المُتعثرة ببضعة صخور تعترض مساراتها الأفقية والعمودية.


    انشرWhatsAppTwitterFacebook

    ميموزا العراوي
    ناقدة لبنانية
يعمل...
X