خورخي سمبرون بين الأدب والسينما: الذاكرة فعل مقاومة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • خورخي سمبرون بين الأدب والسينما: الذاكرة فعل مقاومة

    اضغط على الصورة لعرض أكبر. 

الإسم:	IMG_٢٠٢٣٠٨٢٠_١٠٢٤٤٠.jpg 
مشاهدات:	7 
الحجم:	64.6 كيلوبايت 
الهوية:	148611
    الأوساط الثقافية في إسبانيا وفرنسا تحتفل بمئويته وتستعيد مساره الإبداعي
    هوفيك حبشيان
    يحتفي عالما الأدب والسينما هذا العام بمئوية الكاتب والسيناريت الإسباني خورخي سمبرون (1923 - 2011). هذا المعارض ذاع صيته في ميادين الثقافة والسياسة والنضال، وكتب معظم ما كتبه باللغة الفرنسية، فهو رغم كونه من عائلة بورجوازية عريقة انخرطت في السياسة (كان والده ديبلوماسياً)، عاش معظم سنين حياته في فرنسا، منفاه الاختياري، وصنع شهرته الواسعة انطلاقاً منها، حتى تاريخ وفاته عن 87 عاماً.
    شارعان يحملان اسمه في باريس وتولوز، وله نحو 23 كتاباً تنتمي إلى أصناف أدبية مختلفة. ظل مواظباً على التأليف إلى أن أصابه المرض، وهو يختزل في نتاجه وشخصه معظم صراعات القرن العشرين ونضالات الأوروبيين طمعاً بحياة أفضل.
    كتب سمبرون روايات ومسرحيات وسيراً ذاتية (أحدها عن المغني والممثّل إيف مونتان)، لكن مساهمته كسيناريست في السينما الفرنسية طوال الستينيات والسبعينيات "تاريخية"، وحفرت مكاناً عميقاً لها في الوجدان، لكونه جاء إليها بلمسة مغايرة. من خلال تعاونه مع حفنة من أبرز السينمائيين، أنعش الفيلم السياسي الذي كان "خروفاً أسود" في فرنسا، خلافاً لأميركا. وضع حياته الشخصية في خدمة أدبه مستلهماً منها الكثير من التفاصيل الواقعية. ولكونه نجا من معتقلات النازيين، وانتسب إلى الشيوعية، وحارب الفاشيين وتبوأ منصباً وزارياً في مرحلة لاحقة، فهذا أعطى نصوصه صدقية مشبّعة بتجربته الحياتية التي انعكست إيجاباً على أدبه، مؤكداً من خلاله أن التجربة الشخصية، خصوصاً تلك المعيشة في أثناء المراحل الأولى من حياة الإنسان، من شأنها أن تتحوّل مخيالاً أدبياً إذا استطاع المؤلف الاستثمار فيها.
    يصعب فصل سيرة سمبرون عن مؤلفاته ونصوصه السينمائية، من وفاة أمه وهو في التاسعة إلى النفي الذي عاشه خلال الحرب الأهلية الإسبانية وانضمامه إلى المقاومة الفرنسية، فقبض النازيين عليه وإرساله إلى معسكرات الاعتقال، ثم عودته إلى إسبانيا بعد سقوط نظام الجنرال فرانكو ليشغل منصب وزير الثقافة. نجد صدى لهذا كله في أعماله، وإن باسلوب غير مباشر. كما أنه اشتهر بعمل لعقدين من الزمن مع الشيوعيين الإسبان باسم مستعار (فريدريكو سانتشيز)، إلا أن الحزب الشيوعي الإسباني فصله بسبب عدم انسجام رؤيته مع أفكار الحزب العامة آنذاك. أما عمله السياسي كوزير ثقافة (1988 - 1991)، فجعل الحكومة الاشتراكية التابع لها، تضيق بأفكاره، مما اضطره إلى الاستقالة والعودة إلى فرنسا حيث واصل الكتابة.
    ناضل سمبرون إيماناً بأفكاره وقناعاته، وعانى التشرد والاعتقال. طبع ذاكرة القرن العشرين بأعماله الأدبية الملتزمة التي كانت دائماً تسعى إلى إدانة مظالم الحروب وشرورها، من معتقلات التعذيب إلى الاغتيالات السياسية. مكث العديد من أعماله في حدود تجربته في معسكر الاعتقال النازي. منذ صغره، شهد على ما شكّل وعيه الإنساني والأدبي.
    رغم تشرده، كانت فكرة الوطن حاضرة لدى سمبرون، وكذلك لدى أفراد أسرته التي لطالما ترسخت فيهم جذور الوطنية، حتى إنه يروي كيف أنه شاهد جدته وهي ترفع علم إسبانيا فوق شبّاك منزل العائلة قبل أن تقتحمه قوات الجنرال فرانكو.
    بعد خروجه من الحزب الشيوعي، انكب سمبرون على الكتابة. في كتابه الأول، "الرحلة الكبرى" (1963)، روى سمبرون رحلة الخمسة أيام التي أُجبر على القيام بها، هو و119 معتقلاً آخرين، في قطار يحمل البضائع إلى معسكر اعتقال بوخنفالد النازي. لكن لا يقتصر الكتاب على هذا، بل يستعيد فيه الحرب الأهلية والمقاومة والتحرير. تفاصيل واصل سردها أيضاً في كتابيه اللاحقين "يا له من يوم أحد جميل" و"الكتابة أو الحياة". غافراس.
    بين سمبرون والسينما، الموضوع الذي يعنينا هنا، سيرة مشتركة وحكاية حبّ من الطرفين. أعطى الشاشة والشاشة بادلته هذا العطاء، إذ بلغ 13 مجموع السيناريوات التي كتبها للشاشة الكبيرة، بين 1966 و1997، فضلاً عن ثلاثة أعمال تلفزيونية. كيف ننسى، من جملة ما كتبه للسينما، الفيلمين اللذين ذاع صيت كوستا غافراس من خلالهما في آخر عامين من ستينات القرن الفائت، "z" (زد) و"الاعتراف"، وكان سيتبعهما تعاون ثالث لهما مع "فوج خاص" (عن تأسيس حكومة فيشي لمحكمة تدين المقاومين)، عام 1975، لكن بنجاح أقل بكثير.
    بين إيف مونتان وسمبرون، المتقاربين عمراً، علاقة صداقة قوية نشأت بسبب الهم المشترك، فكلاهما كانا من أعضاء الحزب الشيوعي، واجتمعا حول قضايا الديموقراطية والحرية التي كانا يتوقان لها، وكان من الطبيعي أن يلتقيا حول مشاريع سينمائية تدين العنف وتستنكر ممارسات الأنظمة التوتاليتارية. خمسة أفلام جمعت مونتان بصفته ممثّلاً، بسمبرون بصفته كاتباً، بين 1966 و1991: "الحرب انتهت" لآلان رينه و"z" و"الاعتراف" لكوستا غافراس و"طرق الجنوب" لجوزف لوري و"عودة نيتشاييف" لجاك ديراي.
    استوحى سمبرون عنوان "الحرب انتهت" (1966) من الملف الشهير الذي أعلن فرانكو من خلاله نهاية الحرب الأهلية الإسبانية عام 1939. إنه واحد من أكثر أفلام رينه لجوءاً إلى خط درامي. آنذاك، صعب إدخال الفيلم في مسابقة مهرجان "كان" تحت ضغط الحكومة الإسبانية في عهد فرانكو، ولكن شارك في كارلوفي فاري حيث عُرض خارج المسابقة، ونال إعجاب الجمهور. أما النقّاد الإسبان الذين كانوا في "كان"، فأسندوا اليه جائزة لويس بونويل التي ابتُكِرت خصيصاً له.
    تجري أحداث “انتهت الحرب” في العام 1965، ويتمحور على شخصية دييغو مورا (مونتان)، ناشط في الحزب الشيوعي الإسباني، يعود إلى بلاده بعد سنوات من النفي في فرنسا، لمساعدة رفيق قد يتم توقيفه إذا ما قرر العودة إلى إسبانيا، بيد أنه يدرك أنه اختفى عن الوجود. يروي سمبرون أن رينه جاءه طالباً إليه أن يخبره في بضعة سطور ما يريد أن يحكيه، فاقترح عليه ستّ حكايات تجنب منها أربع. ثم، اختار قصة إسبانية عن دفن لاجئ في الضاحية الباريسية. بحسب سمبرون، كان رينه يريد فيلماً سياسياً، وهذا ما حصل في النهاية. في البدء، كانت فكرته إنجاز فيلم عن سيرة نقابيين يهتمون باللاجئين السياسيين، ويعملون على لملمة التواقيع، وينظمون التظاهرات دفاعاً عن السجناء السياسيين في أنغولا. ثم كان القرار بالتركيز على قضية إسبانية.
    في "z" (1969) فيلم كوستا غافراس الأشهر من أن يُعرَّف (فاز بـ"أوسكار" أفضل فيلم أجنبي)، نتابع قضية اغتيال نائب تقدّمي، فيأتي قاضي التحقيق ليوجّه أصابع الاتهام إلى الشرطة والجيش. تجري أحداث الفيلم في بلد متوسطي (من دون الإشارة بشكل واضح أن هذا البلد هو اليونان). اقتبس سمبرون قصّة الفيلم من رواية للكاتب اليوناني فاسيليس فاسيليكوس الذي يروي فيه مقتل النائب غريغوريس لامبراكيس في تسالونيك في العام 1963. يؤدي جان لوي ترانتينيان دور قاضي التحقيق، فيما تولى إيف مونتان أداء شخصية النائب. أما z، فهي الحرف الأول من كلمة يونانية تعني "لا يزال حيّاً"، العبارة التي كان يكتبها مستنكرو مقتل لامبراكيس على الجدران.
يعمل...
X