الفنان التشكيلي التونسي علي بتروني يخلّد رموزه الخاصة عبر الحيوانات والنساء

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الفنان التشكيلي التونسي علي بتروني يخلّد رموزه الخاصة عبر الحيوانات والنساء

    الفنان التشكيلي التونسي علي بتروني يخلّد رموزه الخاصة عبر الحيوانات والنساء


    أمثولات فنية تسلط الضوء على القوى الأساسية "المثالية".
    الأحد 2023/07/16
    انشرWhatsAppTwitterFacebook

    فنان يكتب سردية أخرى جديدة

    تكمن قوة الفنان التشكيلي في تعامله الساحر مع عناصر وموجودات العالم، ليحولها إلى أيقونات ورموز، يدفعها بالتقاطه ولونه والحركة التي يخلّدها فيها والشكل الذي يختاره لها والحجم إلى أن توجد بشكل مختلف تماما عما عهدناه فيها، فتتحول بذلك إلى أبطال جدد لسرديات جديدة يكتبها الفنان بريشته ويحررها أمامنا أو هو يضعها فحسب، لنكمل بقية القصة، هذا ما يحدث تماما في تعاملنا مع لوحات الفنان التونسي علي بتروني المليئة برموزها الخاصة الآدمية والحيوانية.

    كتب الراحل إيف بونفوا (1923-2016) في “الحياة الهائمة”: “لكن ليس للعالم ألوان، كما نعتقد بسذاجة، قال لنفسه، إنه اللون وحده، وظلاله عليه، الأماكن أو الأشياء، ليست سوى الطريقة التي يجب أن يربط بها نفسه بمفرده، وأن يقلق على نفسه، وأن يبحث عن اليابسة”.

    لطالما حلمتُ بهذه الجملة ولم أعتقد أني قادر على الاستشهاد بها، ولا حتى الاستفادة منها. في الشعر، وقبل كل شيء مع الكلمات، لا مكان للأبيض والأسود والرمادي وجميع الاختلافات اللونية. أنا الذي، بكلماتي، ألونُ العالم. أنا الذي أراه وأنسب إليه نوري الخاص، الذي ينبع مني، من أعماق كياني، من ضفة يابستي.

    ومع ذلك، عندما فتح أبوابه لتمكيننا من زيارة ورشته، ربما لم يُقدر الفنان مخاطر هذا المشروع الذي، سواء كان تعبيرا عن السخاء أو التهور، فتح شيئا أكثر خطورة. كلا، لا يوجد خط ساحلي. هي مجرد هوة عميقة، نوع من الهاوية تفصل بين ضوء هذا البيت، وأبوابه المفتوحة، والأعمال، والزوار، والطعام.
    البحث عن اليابسة


    في أقصى حدود اللوحات الدواب تنظر إلى بعضها البعض، وتسعى إلى فرض نفسها من خلال حيوية الألوان الدافئة

    ليس لدي أي رغبة في التفكير في وجهة نظري، لأنه من خلال تحويل المنظور قليلا يمكنني أيضا الادعاء بأن الفنان علي بتروني من خلال فتح أبوابه لنا توقع ذلك من إحدى لوحاته الخاصة؛ حيث توجد، من بين شخوص أخرى، التيس والثيران والخيول، كل ذلك يدور كل مرة حول جمال أنثوي لا يكرر نفسه أبدا، ولا يقلدُ نفسه أبدا، وهو جديد مثل الروعة في حد ذاتها، بسبب الرغبة التي يركزها ويثيرها، ويعرض واحدة من هذه الدواب خارج اللوحة، ويحرر نفسه هناك ليذوب فينا، ليس لمهاجمتنا، ولكن ليأخذ في النهاية الشكل الذي يبدو أن كلا منهم يدعيه.

    التيس والثيران والخيول التي ذكرت، هي نحن، على الأقل نطمح إلى أن نكون أنفسنا، في حيوانيتنا التي هي إنسانيتهم والعكس صحيح لا محالة.

    ربما تسمح لي هذه الصيغة التي تفرض نفسها علي عند الكتابة بالرؤية بطريقة أكثر وضوحا: أعمال علي بتروني، دعنا نقل الأعمال التي أتيحت لي فرصة رؤيتها، هل هي على شكل الإنسانية التي تتراجع في الحيوانية والحيوانية التي تعترف بحيوانيتها؟

    دائما، في أقصى الحدود، الدواب تنظر إلى بعضها البعض، وتسعى إلى فرض نفسها من خلال حيوية الألوان الدافئة، والأشكال المفاجئة، وأجساد الإناث التي تفيض من الخلف والساقين والقدمين وهذا العري الذي يرغب في أن يكون حرا ومتحررا ومفتوحا على العالم الرحب.
    سؤال، سؤال واحد


    الفنان علي بتروني من خلال ما يسميه “أمثولاته” يبتكر لنا طريقة جميلة يعبر بها عن رموزه

    بعد أقل من أربع وعشرين ساعة من هذه الزيارة، حدث الكثير. ومع ذلك، لم أخبر أيا من الأصدقاء الذين رافقوني هناك إلى ورشة الفنان علي بتروني، فهل أردت أن أحتفظ بذلك لنفسي؟ هل أردت أن أنتظر الوقت الذي يحتاج إلى الوقت للقيام بعمله حتى أتحول، كما في حكاية خرافية، إلى أحد هذه الوحوش؟ ثم أي واحد منها؟ لا، أردت أن أكتب ومن خلال الكتابة أن أفهم ذلك. مساحة الرغبة، فضاء الرغبة والقصيدة التي بقيت في حالة رغبة قبل أكثر من عامين بقليل، بناء على طلب صديقة شاعرة هي في نفس الوقت كوبية وأميركية وتشيلية، كتبتُ هذه القصيدة:

    الحبارى

    في شهر جانوس هذا من السنة العاشرة

    للثورة

    لا ينفك الجوع

    عن ابتكار البدايات


    الجمال الإيروسي للجسد الأنثوي


    والبداية بطيئة لتحصل على موطئ قدم

    كلها تعمل في جميع الاتجاهات

    رأسا على عقب

    شعور لا معنى له عندما الدم يهجر

    من خلال الأوردة

    قلب الطائر البطيء

    الهارب إلى هلاكه

    هل هي الحبارى المهددة أم

    البلد الذي من الصحراء إلى البحر

    يحمل سماء تُهددُ بالخراب؟

    في شهر جانوس هذا من السنة العاشرة

    للثورة غير المكتملة

    يأتي الأمراء الذين نصبوا أنفسهم بأنفسهم

    عندنا

    لتقوية الذكر والقلب

    بالصيد الجائر للحبارى عندنا

    والبعض من أحلامنا



    والبعض من مواطنينا

    في غياب السمان يأكلون الشحارير

    ويطبخون طعاما شهيا للمغتصبين

    هل هي الحبارى المهددة أم

    موطن النساء عدوات النساء

    اللواتي يعملن ضد المساواة

    مع الرجال المنحرفين والعاطلين

    الذين يبشرون بأن يكونوا حبارى الغد

    غدا لا غدا له

    هنا لا آن له

    الآن بالفعل لا غدا له

    في شهر جانوس هذا من السنة العاشرة

    للثورة القادمة

    ثورة يناير القادمة

    من مصلحتها

    أن تعلن عن مارس قادم وماي لاحق

    كي يبدأ الربيع أخيرا

    وكي لا تكون دموعنا ملحا عبثا

    إن صورة الطائر المعني بالأمر -في لعبة المرايا، حيث الحيوان أو حتى الجانب البهيمي يكون أو يبدو أنه أصل فعل القراءة والتفسير ومحاولة الفهم- ضرورية جدا: أمام القوة النارية للثور الذي يدفعه الدم الأحمر وهو كذلك لون النبيذ نحو الشكل الأنثوي، وصحبة الجمال الإيروسي للحصان الذي يُغوي شخصية أنثوية أخرى، وبالقرب من القبح المميز للتيس الذي ينتظر لحظة ضعف للضرب (وهذا ما يذكرنا بشخصية الساتير في الأساطير الإغريقية)، تفرض صورة الحبارى نفسها علي بينما تدافع قوانين الطبيعة عن أثر الفراشة.
    بحثا عن النور



    هكذا، بعد أقل من أربع وعشرين ساعة، استيقظتُ في منتصف الليل، لم أكن خائفا ولا مُطاردا، بل متأملا وشاعرا بحاجة ماسة إلى التعبير عما كنتُ قد اكتشفتُ في ورشة الفنان علي بتروني من خلال ما يسميه “أمثولاته”، وهي طريقة جميلة يعبر بها الفنان عن رموزه.

    لا شك أنني أميل إلى الإشارة إلى فرناندو بيسوا معتبرا إياه أخانا الكبير، وهو الذي كتب في نص “ساعة الشيطان”: “لا تتفاجأ بأنني أتحدثُ هكذا. أنا شاعر بطبعي لأنني الحقيقة التي تتحدث عن طريق الخطأ، وحياتي كلها، في نهاية المطاف، نظام خاص للأخلاق متنكر في شكل أمثولة ومصورة بالرموز”.

    هذا الكلام حمّال أوجه ويمكن أن يُعجب كما يمكنُ ألا يعجب أبدا. هو مثل الشعر والفن كما يمارسه علي بتروني. إنها في حد ذاتها مسألة فن، وبالتالي مسألة حرية في عالم، كما كتب أرماند روبان (1912 – 1961) في قصيدة “البرنامج في بضعة قرون”، “سينتهي به الأمر إلى حذف كل شيء قبل أن ينتهي بحذف نفسه”:

    سيتم حذف الإيمان

    باسم النور،

    ثم سنقوم بحذف النور.

    سيتم حذف الحب

    باسم الأخوة،

    ثم سيتم حذف الأخوة.

    ستحذف الروعة

    باسم الفن

    ثم سيحذف الفن

    باسم اللاشيء سيتم حذف الإنسان

    سيتم حذف اسم الإنسان

    لن يكون هناك المزيد من الأسماء

    ها نحن هنا

    نحن بالتأكيد لسنا هناك تماما. ما هو مؤكد هو، مرارا وتكرارا، “لدينا الفن حتى لا تقتلنا الحقيقة”، كما نقرأ جيدا في “شذرات ما بعد الوفاة” للعبقري نيتشه، فكأنه كان معنا خلال زيارتنا للفنان علي بتروني: “يجبُ تسليط الضوء على القوى الأساسية ‘المثالية’ (الحسية والسكر والحيوانية الوفيرة)”.

    ونأمل أن نكون قد ألقينا بعض النور على ما تمتعنا باكتشافه في ورشة الفنان، فغايتنا ألا نتوقف أبدا عن البحث عن النور.

    انشرWhatsAppTwitterFacebook

    أيمن حسن
    شاعر تونسي
يعمل...
X