التجريد في البلاغة
علم البديع
ما معنى التجريد؟
التجريد لغة: نقول قشّر الشيء كَقَشْر اللحاء عن الشجرة أي جردها من لحائها، والتجريد؛ هو إزالة ما على الشيء من ثوب ونحوه، وإزالة ما على الجلد من شعر ونحوه.[١]
أمّا اصطلاحاً فالتجريد هو أن ينتزع المتكلم الأديب من أمرٍ ما ذي صفة، أمراً آخر مثله في الصفة من باب المبالغة.[١]
على نحو قول: "لي من فلان صديق حميم" ==> هنا تم تجريد فلان من جميع الصفات والقول بأنه صديق حميم.[١]
ما هي سبب تسمية هذا الفن البلاغي بالتجريد؟
أما عن سبب التسمية بالتجريد، فيرجع إلى أن العرب قديماً كانت تعتقد أن في الإنسان معنى كامناً فيه، وكأنه حقيقته وجوهره، فتُخرِج ذلك المعنى إلى ألفاظ مجرّدة عن الإنسان، كأنه غيره، على نحو قول: "إذا لقيت فلاناً ستلتقي أسداً، وإذا سألته ستسأل بحراً"، وهو نفسه الأسد والبحر، لا أنّ هناك شيئاً منفصلاً عنه أو متميزاً عنه.[١]
ما هي أقسام التجريد؟
تتعدد أقسام التجريد، وفي الآتي بيان بعضها:[١][٢]
ما يكون بواسطة "من" التجريدية، على نحو:
في المثال السابق: "لي من فلان صديق حميم"؛ أي بلغ فلان من الصداقة حداً يجوز معه أن يستخلص منه آخر مثله في صفة الصداقة.
قوله تعالى: "ولتكن منـــكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر"،[٣] أي ولتكونوا يا أيها الذين آمنوا بمحمد وبما جاء به عن ربه أمة يدعون إلى الخير، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.
ما يكون بواسطة "الباء" التجريدية، على نحو قولنا:
"إذا سألت فلاناً لتسألن بــه البحر"، هنا القائل بالغ في الوصف بالسماحة، حتى انتزع واستخرج منه بحراً.
"شربتُ بـــمائها عسلاً مصفى"، بمعنى أن حلاوة الماء الموصوفة وصلت إلى حد يمكن انتزاع العسل منها حين الشرب.
على نحو قول الشاعر:
إذا ما تأملته مقبلاً رأيت بـــه جمرة تشتعل
هنا ليس المراد أن الجمرة المشتعلة فيه أو لصيقة به، بل المعنى أن يشبهها، حتى الناظر يرى الجمرة حين يراه، أي كأنما انتزع صورة جمرة مشتعلة عند رؤيته.[٤]
التجريد باستخدام حرف الجر "في" الداخل على المنتزَع منه، على نحو قوله تعالى: "ذلك جزاء أعداء الله النار لهم فيـــها دار الخلد"،[٥] فمعنى الآية أن جهنم هي دار الخلد لأعداء الله، ولكن جاء المعنى على طريقة التجريد، حيث انتزع من جهنم دار وجُعلت داراً لهم، باستخدام حرف الجر "في" الداخل على المنتزَع منه.
التجريد عن طريق مخاطبة الإنسان نفسه، وكأنه يخاطب شخصاً آخر، وهو في هذه الحال كأنه ينتزع أو يجرد من نفسه شخصاً آخر مخاطباً، وبتوجه إليه بالكلام، ويحادثه محادثة الغير، على نحو:
قول الأعشى:[٤]
ودّعْ هريرة إن الركب مرتحل وهل تطيق وداعاً أيها الرجل
فالشاعر في البيت كأنه يخاطب شخصاً آخر، يطلب منه أن يودع هريرة، ثم يسأله منكراً: "وهل تطيق وداعاً أيها الرجل؟".
قول المتنبي:
لا خيل عندك تهديها ولا مالُ فليسعد النطق إن لم تسعد الحال
الشاعر هنا انتزع وجرد من نفسه مخاطباً، فقال: "لا خيل عندك تهديها ولا مال".
التجريد باستخدام الكناية، على نحو قول الأعشى:
يا خير من يركب المطي ولا يشرب كأساً بكفٍ من بخلا
يقصد الشاعر أن ممدوحه لا يشرب كأسا من كف بخيل، بل يشرب بكف كريم، وبما أن الممدوح جواد كريم، فهو لا يشرب غالباً إلا من كف نفسه، وعليه، فقد جرّد الأعشى من ممدوحه شخصاً كريماً ورأى أن لا يشرب إلا بكفه.
التجريد دون استخدام حرف جر، على نحو قول الشاعر:
فلئن بقيتُ لأرحلنّ بغزوةٍ تحوي الغنائمَ أو يموتُ كريمُ
أي إذا بقي فسيشن حرباً تحوي الغنائم أو يموت، هنا عبر الشاعر عن نفسه بقول "أو يموت كريم" على طريق التجريد، ليمدح ويثني على نفسه بصفة الكرم.
تعليق