كوميديا أفلام “المكيومنتري”..تقفز على حدود المنطق في قوالب الواقعية.

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • كوميديا أفلام “المكيومنتري”..تقفز على حدود المنطق في قوالب الواقعية.

    أفلام “المكيومنتري”.. كوميديا تقفز على حدود المنطق في قوالب الواقعية

    آية طنطاوي
    في فاتح أبريل/ نيسان عام 1957 عرضت قناة “بي بي سي” الإخبارية فيلما وثائقيا قصيرا عن طقوس زراعة معكرونة السباغيتي، وكان صوت المذيع الرخيم يتدفق بالمعلومات عن مزرعة السباغيتي، تلك الزراعة الجديدة التي تزدهر في سويسرا وإيطاليا مع بدايات فصل الربيع، بينما الصورة تقدم لنا رجال ونساء يحصدون أعواد السباغيتي من فوق الأشجار، ويجمعونها ويجففونها، لينتهي بها الحال مطبوخة، وتقدم وجبة رئيسية في أحد المطاعم.

    انتهى الوثائقي الذي شاهده ملايين المشاهدين، ولم يفطن أحد أن قناة “بي بي سي” أذاعت لتوها خدعة، وأن الأمر مجرد مزحة مع الجمهور، أو بالأحرى “كذبة أبريل”.

    ما قدمه فيديو السباغيتي هو مدخل مثالي يعرفنا على أفلام “المكيومنتري” (Mockumentary)، وهو نوع أفلام هزلية تقدم للجمهور عالما هزليا، وتعتمد بالأساس على الإيهام بأن ما نراه حقيقيا، لذلك تأتي في قالب الأفلام الوثائقية تأكيدا لذلك الإيهام، لكن أحداثها بعيدة كل البعد عن الواقع، وهذه هي قواعد اللعبة، إيهام بالواقع مع وعد بكثير من الهزل والسخرية.
    الملفات المرفقة

  • #2
    “ليونارد زيليغ”.. الرجل الحرباء الذي يعرفه الجميع

    يمكننا الوقوف عن قرب على واحد من أشهر أفلام “وودي آلن” المعنون بـ”زيليغ” (Zelig)، وقد أنتج عام 1983، وينتمي إلى سينما “الموكيومنتري”.

    في قالب وثائقي يحكي الفيلم قصة حياة “ليونارد زيليغ”، هذا الشخص الذي تحول إلى أسطورة تتحاكى بها نيويورك والولايات المتحدة الأمريكية بأكملها، هذا الرجل “الحرباء” الذي يستطيع أن يتلون ويتشكل حسب الأشخاص المحيطين به، هو رجل معروف في كل الطبقات الاجتماعية، يعرفه الجميع، فهو صديق الكتاب والمثقفين والشعراء والسياسيين والفنانين ومغني الجاز والعاملين في المطاعم والبارات، رجل يتمنى أي رجل أمريكي أن يكون مثله، لأنه ببساطة يستطيع أن يكون أي شيء، وكل الأشخاص في آن واحد.

    لنفهم طبيعة أفلام “المكيومنتري” أكثر يمنحنا “زيليغ” كل الدلالات المطلوبة، فالفيلم لا يعتمد على لغة “وودي آلن” السينمائية المعتادة، بل إنه نسخة متطابقة من الأفلام الوثائقية القديمة بكل تفاصيلها، وخدوش شريط الفيلم التي تليق بفيلم قديم صُوّر في ثلاثينيات أو أربعينيات القرن الماضي.

    فهو مصور بالأبيض والأسود تماشيا مع أفلام المرحلة الزمنية التي عاش فيها البطل، ويقدم مزيجا من الصور الأرشيفية والمواد الفيلمية والتعليقات الصوتية من شخصيات مهمة ذات حيثية تعرف نفسها بشخصيتها الحقيقية، وقد عرفت البطل “زيليغ” عن قرب، وتحكي عنه كأنه شخص حقيقي.

    تعليق


    • #3
      البث الحي


      فن وشبابأفلام “المكيومنتري”.. كوميديا تقفز على حدود المنطق في قوالب الواقعية

      آية طنطاوي
      Published On 19/6/202319/6/2023
      آخر تحديث:
      19/6/2023
      04:01 PM (بتوقيت مكة المكرمة)

      في فاتح أبريل/ نيسان عام 1957 عرضت قناة “بي بي سي” الإخبارية فيلما وثائقيا قصيرا عن طقوس زراعة معكرونة السباغيتي، وكان صوت المذيع الرخيم يتدفق بالمعلومات عن مزرعة السباغيتي، تلك الزراعة الجديدة التي تزدهر في سويسرا وإيطاليا مع بدايات فصل الربيع، بينما الصورة تقدم لنا رجال ونساء يحصدون أعواد السباغيتي من فوق الأشجار، ويجمعونها ويجففونها، لينتهي بها الحال مطبوخة، وتقدم وجبة رئيسية في أحد المطاعم.

      انتهى الوثائقي الذي شاهده ملايين المشاهدين، ولم يفطن أحد أن قناة “بي بي سي” أذاعت لتوها خدعة، وأن الأمر مجرد مزحة مع الجمهور، أو بالأحرى “كذبة أبريل”.

      ما قدمه فيديو السباغيتي هو مدخل مثالي يعرفنا على أفلام “المكيومنتري” (Mockumentary)، وهو نوع أفلام هزلية تقدم للجمهور عالما هزليا، وتعتمد بالأساس على الإيهام بأن ما نراه حقيقيا، لذلك تأتي في قالب الأفلام الوثائقية تأكيدا لذلك الإيهام، لكن أحداثها بعيدة كل البعد عن الواقع، وهذه هي قواعد اللعبة، إيهام بالواقع مع وعد بكثير من الهزل والسخرية.
      “ليونارد زيليغ”.. الرجل الحرباء الذي يعرفه الجميع


      يمكننا الوقوف عن قرب على واحد من أشهر أفلام “وودي آلن” المعنون بـ”زيليغ” (Zelig)، وقد أنتج عام 1983، وينتمي إلى سينما “الموكيومنتري”.

      في قالب وثائقي يحكي الفيلم قصة حياة “ليونارد زيليغ”، هذا الشخص الذي تحول إلى أسطورة تتحاكى بها نيويورك والولايات المتحدة الأمريكية بأكملها، هذا الرجل “الحرباء” الذي يستطيع أن يتلون ويتشكل حسب الأشخاص المحيطين به، هو رجل معروف في كل الطبقات الاجتماعية، يعرفه الجميع، فهو صديق الكتاب والمثقفين والشعراء والسياسيين والفنانين ومغني الجاز والعاملين في المطاعم والبارات، رجل يتمنى أي رجل أمريكي أن يكون مثله، لأنه ببساطة يستطيع أن يكون أي شيء، وكل الأشخاص في آن واحد.

      لنفهم طبيعة أفلام “المكيومنتري” أكثر يمنحنا “زيليغ” كل الدلالات المطلوبة، فالفيلم لا يعتمد على لغة “وودي آلن” السينمائية المعتادة، بل إنه نسخة متطابقة من الأفلام الوثائقية القديمة بكل تفاصيلها، وخدوش شريط الفيلم التي تليق بفيلم قديم صُوّر في ثلاثينيات أو أربعينيات القرن الماضي.

      فهو مصور بالأبيض والأسود تماشيا مع أفلام المرحلة الزمنية التي عاش فيها البطل، ويقدم مزيجا من الصور الأرشيفية والمواد الفيلمية والتعليقات الصوتية من شخصيات مهمة ذات حيثية تعرف نفسها بشخصيتها الحقيقية، وقد عرفت البطل “زيليغ” عن قرب، وتحكي عنه كأنه شخص حقيقي.
      مفارقات البطل.. مزحة كاذبة لا بد من تصديقها


      يقول “وودي آلن” عن فيلم “زيليغ”: عندما يصنع الناس أفلاما وثائقية عادة فإنهم يبالغون، أردناه أن يكون واقعيا للغاية، ولم نستخدم أي مشهد لم نشعر بأنه أصيل.[1]

      يبدأ الفيلم بالكاتبة “سوزان سونتاج” والصحفي الأمريكي “إرفينغ هاو” وهما يتحدثان عن “زيليغ” وعلاقتهما به عن قرب، مما يكسب البطل صفته الحقيقية، فينجذب ذهن المشاهد وينساب خلف الحكاية، يصدقها لوجود شخصيات حقيقية تحكي عن شخص ما باعتباره حقيقيا، فهو أمر لا يخرج عن ذلك الإطار الذي يؤسس له الفيلم منذ البداية.

      أما المزحة فتأتي من أن “وودي آلن” يمثل بنفسه شخصية “زيليغ” في الفيلم، إنها مزحة كبيرة، لكن علينا أن نسير خلفها ونضحك للمفارقات التي تحدث فيها، ولا بأس من التشكك قليلا هل الأمر حقيقي أم مجرد خيال، هذا التشكك هو الهدف الذي يبنى عليه قوام أفلام “المكيومنتري”، وهو العقد غير الرسمي والاتفاق الضمني بين صناع الأفلام والجمهور أنها مجرد مزحة كاذبة، لكن لا بأس من تصديقها.

      تعليق


      • #4
        هزل بعيد عن الإسكتشات الضاحكة.. قواعد جديدة للكوميديا


        تعيد أفلام “المكيومنتري” تعريف وتأسيس قواعد جديدة للكوميديا بعيدا عن المفارقات أو الإسكتشات الضاحكة، فالضحك هنا يأتي من الإيهام بالواقع، من تمثيل حكاية وشخصية خيالية في إطار يجبرك على تصديقها، الضحك يأتي تحديدا من هذه التمثيلية الهزلية، السخرية من الواقع بإعادة تمثيله، من دون أن نوهم المشاهد بأننا نلعب لعبة خيالية، الضحك يأتي من أن هذا هو الواقع، وعليك أن تصدقه معنا.
        وودي آلن في المنتصف حين قيامه بدور “زيليج”
        بعيدا عن الإطار الهزلي فإن الشعور المصاحب أثناء المشاهدة لا يمكن إلا الوقوف أمامه وتأمله، وهو ذلك الشعور بكذب الحقيقية، كذب ما نتلقاه من معلومات في عموم الحياة، الإيهام الشديد بالواقع يقودنا في النهاية إلى التشكيك فيما نتلقاه من معلومات ومعرفة، سواء عن الأشخاص أو حتى عن المعلومات.

        تعليق


        • #5
          الجدار الرابع.. حاجز التخييل بين الممثل والجمهور


          تخبرنا نظرية “الجدار الرابع” في المسرح بحقيقة نعرفها، وهي أن الممثلين على خشبة المسرح لا يتواصلون مع الجمهور بالنظر لهم أو التفاعل معهم أثناء التمثيل، لأن الممثل يتعامل على أن الجمهور لا وجود له، وعوضا عنه يوجد جدار رابع.

          هذا الجدار المتخيل يعمق الإيهام ويثبت جذور التخييل، ويذكرنا أننا أمام مسرحية خيالية تمثل ما نراه على الخشبة ليس حقيقيا، لكن بمجرد أن يكسر الممثل الجدار المتخيل ويتواصل مع الجمهور ينكسر الإيهام، يختلط الخيال بالواقع، عندها تتبدل مشاعر الجمهور، فيشعر بأنه جزء من التمثيلية التي يشاهدها، فيفقد إحساسه بالخيال، نفس الحال يحدث في السينما كما في المسرح.

          اعلان

          ولأن قاعة السينما لا تقوم على مساحة لتفاعل الممثلين مع الجمهور، فإن الممثل وحده قادر -بقرار درامي- على أن يكسر الجدار بيننا وبينه، بحركة واحدة، بإيماءة صغيرة، بنظرة يُصوّبها في وجه الكاميرا، فتتحول النظرة إلى الجمهور، ليشعر في ثانية واحدة أن الإيقاع اختل، وأن الإيهام يتهدم فقط من نظرة واحدة إلى الكاميرا التي هي نحن، الجمهور.

          لذلك، ليس عيبا أن ينظر الأشخاص في الأفلام الوثائقية إلى الكاميرا، فالنظرة تذكرنا أننا في الواقع، وتغاضي النظر يؤكد أننا نتجول في الخيال الدرامي. في فيلم “المكيومنتري” البلجيكي “رجل يعض كلبا” (Man Bites Dog) لم ينهدم الجدار الرابع فحسب، بل إن الكاميرا تشارك البطل في جرائمه التي يرتكبها.

          تعليق


          • #6
            رجل يعضّ كلبا”.. قاتل خفيف الظل يغضبك ويضحكك


            اللعبة في فيلم “رجل يعض كلبا” بطولة وإخراج “بينويت بولفوردي” و”ريمي بلفو” و”أندريه بونزيل” مختلفة قليلا، فنحن أمام قاتل متسلسل هو بطل الفيلم ومخرجه، وبمعاونة المصور ومساعده ومهندس الصوت يصور فيلما عن حياته، نشاهد أيام القاتل العادية، علاقاته الأسرية والاجتماعية، إنه شخص محبوب ويرتجل الشعر أحيانا.

            وإلى جوار حياته الطبيعية نشاهده كقاتل، فنرى رحلاته في عالم الجريمة والقتل بلا هدف، والفريق خلف الكاميرا لا يتدخل، لكن الأحداث تنجرف وتتصاعد على مدار الفيلم، وعندما يقتل بالخطأ واحدا من الفريق يصبح الباقون في ورطة، بين عدم إكمال الفيلم، أو الاستمرار مع القاتل في تصوير فيلمه.

            يكسر الفيلم الجدار الرابع أيضا، ينظر البطل إلى الكاميرا ويخاطبنا وهو يستعرض حياته أمامنا، نحن أمام فيلم وثائقي عن هذا البطل القاتل خفيف الظل الذي لا تعرف هل تغضب من شروره، أم تضحك على تفاهاته وعبثية حياته؟

            تعليق


            • #7
              سقوط الكاميرا وموت الجميع.. نهاية عبثية


              ورغم عبثية أسباب القتل الذي هو غير مبرر في أغلب الوقت، فإن الفيلم يضع المشاهد في حالة ارتباك أمام هذا الكم من العنف، والعنف في الفيلم ليس قاسيا كما نشاهد في أفلام الجريمة والحركة، لكن المختلف أننا أمام شعور دائم بأن ما يحدث يبدو كأنه حقيقي، فيرتبك المشاهد بين جدية الشعور وهزلية الأحداث.

              ينتهي الفيلم في اللحظة التي يُقتَل فيها الجميع وتنفلت الكاميرا من يد المصور وتلقى على الأرض وهي لا تزال تعمل، الكل مات، ما من أحد يضع نهاية للفيلم، وهنا توضع نهاية منطقية جدا للفيلم ومضحكة في آن واحد.

              ذلك الحد الفاصل بين الحقيقة والخيال، بين الجد والهزل، هو المساحة التي تلعب فيها أفلام “المكيومنتري” وتبني عالمها الدرامي، والمشاعر التي تتركنا أمامها هي الهزل من الواقع، السخرية من العادي، والسخرية أيضا من الحقائق التي تقال لنا، وهي تلمع كالأكاذيب.

              إنها لعبة درامية للإيهام بالواقع تراهن على الفوز منذ البداية.



              المصادر:

              [1] محاورات ستيج بيوركمان، من كتاب وودي آلن عن وودي آلن

              تعليق

              يعمل...
              X