اموريون
Amorites - Amorrites
الأموريون
الأموريون Amorites شعب قديم ظهر في بلاد الرافدين والجزيرة العليا وبلاد الشام منذ أواسط الألف الثالث ق.م وساد خلال النصف الأول من الألف الثاني ق.م في مناطق واسعة متفرقة من تلك البلاد. وتشير أقدم المصادر المسمارية إلى أن الأموريين بدؤوا منذ نهاية الألف الثالث ق.م بالدخول إلى أواسط بلاد الرافدين وجنوبيها على شكل موجات كبيرة قادمة من بادية الشام.
مصادر تاريخ الأموريين
إن أهم مصادر تاريخهم هي الكتابات المسمارية السومرية والأكدية وهي غنية بالمعلومات التي تتضمن أخبارهم وتنقلاتهم، وتصور شؤونهم السياسية وحياتهم الاجتماعية والاقتصادية .
وأهم تلك المصادر: وثائق إبلا (من القرن الرابع والعشرين ق.م) وكتابات عصر سلالة أور الثالثة (القرن الحادي والعشرين ق.م) ووثائق ماري العائدة إلى القرنين التاسع عشر والثامن عشر ق.م، كما تشير النصوص الآشورية القديمة المكتشفة في كاروم - كانيش Kanesh في كبدوكية بآسيا الصغرى والعائدة إلى القرن التاسع عشر ق.م إلى الأموريين وصلاتهم بالقوافل الآشورية .
كما تذكر نصوص الطبقة السابعة من ألالاخ أشخاصاً وتجاراً كانوا يأتون من أمورو إلى ألالاخ .
وتتضمن رسائل تل العمارنة معلومات كثيرة عن الأموريين في القرن الرابع عشر ق.م.
تاريخ الأموريين السياسي
تشير مصادر الألف الثالث ق.م المسمارية إلى أن الأموريين كانوا جماعات بدوية تغلغلت من البادية السورية إلى أواسط بلاد الرافدين وجنوبيها. وتطلق عليهم المدوّنات السومرية اسم مارتو Mar-tu؛ أما الأكدية فتسمّيهم أَمُورُّم Amurrum أي الغربيين أو أهل الغرب. ويرتبط ذكرهم باسم جبل بَسَر Ba-sa-ar أو بَسَلاّ Ba-sal-la (جبل البِشْري غربي مدينة دير الزور اليوم)، ويعدّ هذا الجبل الموطن الأم لهم.
يتضح من نصوص إبلا المنشورة أن الأموريين كانوا يشكّلون جزءاً أساسياً من سكان مملكة إبلا[ر]. ويستخلص من النصوص الأكدية القديمة أن قبائلهم اتجهت في أواخر القرن الثالث والعشرين ق.م نحو الشرق بكثافة، وصارت خطراً على المملكة الأكدية، مما دفع ملوكها إلى مجابهتهم؛ فقد جاء في إحدى الحوليات التاريخية للملك شَرْكَلّي شَرّي (2222- 2198ق.م) Shar-Kalli-Sarri أنه انتصر على الأموريين وهزمهم في جبل بَسَر. كما ذكر غوديا (2143- 2124ق.م) Gudea ملك لغش Lagash (تلّو اليوم) في أحد نقوشه أنه سار إلى مناطقهم، وجلب إلى لغش أحجاراً ضخمة من بَسَلاّ جبل الأموريين.
انتشر الأموريون في أواخر العصر الأكدي في مناطق الجزيرة الفراتية، واستمر تسرّبهم في عصر سلالة أور الثالثة إلى مناطق بلاد الرافدين الداخلية على شكل هجرات قبلية متتالية، وصاروا يستولون على الأراضي الزراعية ويهددون وحدة مملكة أور وحضارتها. وقد حاول شولغي (2094- 2047ق.م) Shulgi ثاني ملوك السلالة وضع حدّ لذلك، وقرر إنشاء سورـ يعرف باسم «سور مارتو» - يمتد بين نهري دجلة وديالا شمالي بغداد بطول قدره نحو 63كم لصدّ تغلغلهم. وقد تابع ابنه الأصغر شوسين (2037- 2029ق.م) Shu-Sin بناء السور وتوسيعه حتى بلغ نحو 280كم.
ضعفت مملكة أور في عهد ملكها الأخير إبّي سين (2028- 2004ق.م) Ibbi-Sin، وأضحت مهددة بأخطار خارجية في كل الجهات، فاستغل ذلك قائد عسكري في المملكة أموري الأصل - يعود بأصله إلى مدينة ماري - يدعى إشبي إرّا Ishbi-Erra، وأعلن انفصاله، وأسس دويلة في مدينة إيسين Isin (إيشان بَحريّات اليوم)، وذلك في نحو 2017ق.م. وعندما تمكّنت القوات العيلامية من اجتياح المملكة واحتلال عاصمتها أور (تل المقيّر) قام إشبي إرّا بتأسيس قوة عسكرية قبلية أمورية، وحارب العيلاميين وطردهم من أور، وضمّها إلى مناطق حكمه.
وكان قائد أموري آخر يدعى نَبْلانُم Nablanum قد أسس في نحو 2025ق.م دويلة أخرى في لارسا Larsa (تل السَّنْكرة). وقد نشأ صراع بين الدويلتين انتهى بعد أكثر من قرنين (في نحو 1794ق.م) بقضاء ريم سين Rim-Sin ملك لارسا على حكم سلالة إيسين.
يمكن عدّ العصر البابلي القديم - الذي يمتد بين انتهاء حكم سلالة أور الثالثة ونهاية الدولة البابلية القديمة على يد الحثيين وقيام الدولة الكاشية في بلاد بابل (2004 - 1595ق.م) - عصر السيادة الأمورية في بلاد الرافدين وسورية. وقد اتسم هذا العصر بنشوء دويلات أو ممالك أمورية عدّة متفاوتة في القوة والنفوذ. وأشهرها مملكة إشنونّة Eshnunna (تل أسمر)، ومملكة آشور Assur (قلعة الشرقاط) - بدءاً من سيادة الأموري شمشي أدد الأول Shamshi-Adad عليها في 1815ق.م، ومملكة بابل Babilim (الدولة البابلية القديمة 1894ـ1595ق.م)، وممالك ماري Mari ويَمْحاض Yamkhad (حلب) وألالاخ[ر] Alalakh (تل عطشانة) وقَطْنة Qatna (تل المشرفة).
ويرجح أن عدداً من القبائل الأمورية كانت تؤلف جزءاً من مجموعة القبائل البدوية الآسيوية التي تسللت إلى مصر منذ أواخر القرن الثامن عشر ق.م، وتمكّنت من السيادة على مصر مدة قرن وبضع سنوات (نحو 1674 - 1567ق.م) وقد عرفت تلك القبائل باسم «الهكسوس».
اختفى الدور السياسي المتميز للأموريين مع تحوّل المنطقة - بدءاً من أواسط الألف الثاني ق.م - إلى مسرح للصراع بين قوى سياسية كبرى جديدة تتمثّل في الكاشيين الذين سيطروا على بلاد الرافدين والحثيين في بلاد الأناضول وشمالي سورية والحوريين - الميتانيين في الجزيرة وشمالي سورية والمصريين في الساحل المتوسطي وجنوبي سورية. ولم تستطع الدويلات السورية التي ظلت قائمة مثل أغاريت، وسيانو، وأمورو، وكنزا (قادش)، ونيّا، ونوخشّي أن تستقل بشؤونها تماماً بسبب تفرّقها وقوتها المحدودة وصغر رقعتها الجغرافية.
وجدير بالذكر أن بعض الباحثين يربط بين الأموريين ودويلة أمورو التي قامت في المنطقة الممتدة بين ساحل المتوسط ونهر العاصي (شرقي طرطوس)، وكانت تؤلف الجزء الشمالي من مناطق النفوذ المصري في سورية. وقد رصدت نصوص تل العمارنة (في مصر) وأغاريت أخبار هذه الدويلة خلال القرن الرابع عشر ق.م.
حضارة الأموريين
الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية: يذكر في أسطورة لوغال باندا أن البدو الأموريين نهضوا في بلاد سومر وأكّد، ووصفوا بأنهم لا يعرفون الحبوب. وترد هذه الإشارة كثيراً في النصوص المختلفة وقد يضاف إليها أن ليس لديهم مدن ولا بيوت ثابتة.
وجاء في أسطورة الإله «إنكي Enki وتنظيم الكون»: «للذين لا يملكون مدناً ولا بيوتاً، لبدو المارتو، وهبت أنا إنكي حيوان السهول». ولعل المقصود بحيوان السهول الأغنام.
أما أسطورة زواج إله البدو «مارتو - أمورو» من ابنة أحد الآلهة المستقرة فتصف المارتو بأنه «رجل يحفر بحثاً عن الكمأة على أطراف الأراضي الزراعية، الذي لا يعرف أن يحني الركبة..».
إن هذه الصفات تمثل وجهة نظر سكان الرافدين المستقرين الذي كانوا ينظرون إلى البدو نظرة ازدراء، لذلك فإن فيها بالتأكيد الكثير من المبالغة.
كانت تربية الحيوانات العمل الرئيسي للبدو الأموريين كما تدل على ذلك المصادر المكتوبة. فقد كانوا مربي أغنام في المقام الأول يتجولون بقطعانهم في مناطق البادية بحثاً عن الكلأ والماء، ويعيشون من منتجاتها المختلفة واللبن ومشتقاته والصوف.
وربّى الأموريون الحمير أيضاً لاستخدامها في تنقلاتهم وتجوالهم أو المتاجرة بها كما كان الحال مع القوافل الآشورية الذاهبة إلى الأناضول.
وربما عمل بعض الأموريين مرافقين أو أدلاء للقوافل العابرة للصحراء لمعرفتهم بأحوالها وبالطرق والآبار والينابيع فيها، لكن حياة التجوال مع قطعان الأغنام بدأت تتغير مع بداية استقرار الأموريين في المناطق الزراعية، فتحولوا مع الزمن إلى أشباه بدو يمارسون الزراعة، على نطاق محدود، ويملكون البيوت في المناطق القريبة من البادية، إضافة إلى عملهم الأساسي في تربية الأغنام ورعيها والتنقل معها من مكان إلى آخر.
وبعد دخول الأموريين واستقرارهم في الأراضي الزراعية تحولوا إلى ممارسة أعمال جديدة كالزراعة وبعض الحرف وغيرها، وبذلك تبدلت القاعدة الاقتصادية التي كانت تقوم عليها حياتهم.
وكان الأموريون قبائل يقوم على رأس كل منها شيخ مسؤول يسير شؤونها المختلفة بالتشاور مع مجلس يضم كبار رجالات القبيلة ورؤساء العشائر والأسر الكبيرة ولم تكن هناك قوانين مكتوبة تنظم شؤون المجتمع البدوي بل كانت لهم أعراف وتقاليد لها فعل القانون، وهدفها حماية المجموعة القبلية والأفراد معاً، وكانت تتناسب مع الحياة التي تحياها هذه المجموعة.
وقد أوردت النصوص الكتابية أسماء عدد من قبائلهم وأماكن انتشارها ومنها قبائل أمْنانُم Amnanum في المنطقة الواقعة بين سيبار Sippar وأوروك Uruk، وقبائل يَخْرُرُم Yakhrurum في المناطق القريبة من سيبار وقبائل ماريمينا (أو بنويمينا) Mar-Yamina أي أبناء اليمين أو الجنوب في مناطق الجزيرة شمال ماري وغربها، وقبائل بنو سمأل Bin-Samal أي أبناء الشمال في شمال حلب وشرقها وبعد الاستقرار تحول شيخ القبيلة إلى ملك وأصبح مجلس القبيلة مجلس الآباء أو الشيوخ. وفي العصر البابلي القديم ظهرت ألقاب ووظائف من أمثال: مقدم الأموريين، أمير الأموريين، كاتب الأموريين وحاكم أو والي الأموريين. وتدل هذه الألقاب على اندماج الأموريين بالحياة المهنية وأخذهم بالمظاهر الحضارية التي كانت سائدة في المناطق التي استقروا فيها.
اللغة والآداب والدين: اللغة الأمورية لغة تنتمي إلى المجموعة التي اصطلح على تسميتها «اللغات الشمالية الغربية»، وقد بقيت محفوظة في أسماء الأعلام وخاصة في نصوص ماري. وقد تميز الأموريون لغوياً من الأكديين بأسمائهم. وتبدو لغتهم من حيث تراكيبها ومفرداتها - مع قلتها - ذات صلة باللغة الكنعانية، وقد دفع ذلك بعض الباحثين إلى إطلاق تسمية «الكنعانيين الشرقيين» عليهم، وكان أولهم تيو باور Th.Bauer في كتابه «الكنعانيون الشرقيون» Die Ostkanaanäer.
لم يترك الأموريون نصوصاً أو كتابات بلغتهم، والسبب في ذلك هو أنهم كانوا عند دخولهم مدن بلاد الرافدين والشام بدواً لا يعرفون القراءة والكتابة، وبعد استقرارهم وتأسيسهم سلالات حاكمة في تلك البلاد أخذوا بالمظاهر الحضارية السائدة فيها ومنها الكتابة واللغة، فكتبوا بالمسمارية وباللغة الأكدية التي شاع استخدامها وغدت لغة عالمية في الألف الثاني ق.م، وربما بقيت اللغة الأمورية لغة محكية في بلاد الرافدين وسورية، ولكن لم تدون فيها أي نصوص أو أعمال أدبية.
عبد الأموريون آلهة متعددة تظهر في أسماء الأعلام. وكان مارتو أو أمورو إله الأموريين الرئيس ومقره البادية.
وأول ذكر له وجد في أسماء أعلام من عصر سلالة أور الثالثة وكان يعد ابن (أن An إله السماء السومري، وتعرف زوجة أمورو باسم بيليت صيري Beletseeri سيدة البادية (الصحراء)، وأشراتو Ashratiu (ربما أثيرات Atirat في سورية).
كان دخول الأموريين البدو الأراضي الزراعية الرافدية، شبيهاً بالعاصفة ويبدو تمثيلاً لصفات إله الطقس مارتو الذي يجتاح البلدان ويدمر المدن كما يوصف في الأدب السومري. وهناك أسطورة سومرية تتحدث عن زواج ابنة الإله نوموشدا Numushda، إله مدينة كازالو Kazallu (مدينة في وسط بلاد بابل) من الإله مارتو. ومع أن المرء حذرها من عادات مارتو السيئة: «يأكل اللحم نيئاً ولا يعرف بيتاً طوال الحياة»، فإنها وافقت على الزواج منه.
هذه الأسطورة تعكس خطوات اندماج الأموريين بسكان بلاد الرافدين ونظرة هؤلاء السكان إليهم. وإضافة إلى مارتو هناك الإله ليم Lim الإله الأموري المشهور الذي يظهر في نصوص إبلا إلى جانب الآلهة الكبرى التي كانت تعبد في تلك المدينة. ويظهر ليم في أسماء ملوك ماري: يجيد ليم ويخدن ليم وزمري ليم، وفي اسم أحد ملوك يمحاض يريم ليم الأول، وفي اسم أحد ملوك إبلا في بداية الألف الثاني ق.م إيبيط ليم، وهذا ما يدل على أهميته وعظم شأنه وقدسيته في تفكير الأموريين.
وهناك الإله دَغَن Dagan إله الحبوب والمحاصيل، وقد شاعت عبادته في معظم مناطق سورية، وقد كشفت التنقيبات الأثرية عن عدد من المعابد المكرسة له، وذلك في إبلا وماري وترقا Tarqa (تل العشارة) وإيمار Imar (تل مسكنة).
ومن الآلهة الأمورية الأخرى التي تظهر في النصوص: أبيخ Abech (أو إيبوخ Ebuch) وبيسير Bisir تشخيصاً لجبل بشري، وإله القمر إيراخ أو يراخ Yarah/Erach .
ويبدو أن اهتمام الأموريين بالطقوس والشعائر الدينية، شأنهم شأن القبائل البدوية الأخرى، كان قليلاً بسبب طبيعة حياتهم القائمة على التنقل والترحال. لذلك وصفوا في المصادر الرافدية بأن الفرد منهم لا يعرف الانحناء أمام الآلهة.
العمارة والفنون: عندما دخل الأموريون بلاد ما بين النهرين وجدوا فيها فنوناً مزدهرة كفن البناء والنحت وصنع التماثيل، وكانت تقوم فيها أوابد معمارية ضخمة كالقصور والمعابد.
تأثر الأموريون بهذه الفنون وبغيرها من المظاهر الحضارية، وعندما بدؤوا يسهمون في الحضارة تبنوا الأفكار السائدة وأضافوا إليها أفكاراً جديدة مستمدة من حياتهم ومعتقداتهم.
وتبدو في فنون ماري تأثيرات أمورية واضحة. فالقصر الملكي الذي يعود تاريخ بنائه بالتأكيد إلى فترات قديمة سومرية وأكدية، أكمل زمري ليم بناءه ووسعه وهو يشبه قصر يريم ليم الأول ملك يمحاض الذي بناه في آلالاخ، وكشفه ليونارد وولي L.Woolley في الطبقة السابعة منها.
إن قصر يريم ليم الأول، يعد نموذجاً لفن البناء الأموري. وهناك من يرى أن الكريتيين تأثروا بفن بناء هذا القصر عند بنائهم لقصر كنوسوس Knossos.
ومن المعتقد أن تمثال إلهة الينبوع المشهور المكتشف في ماري يعود إلى عهد زمري ليم، وهو يحمل الطابع الأموري، ولكنه من حيث الشكل والمضمون قائم على تقاليد سومرية وأكدية قديمة.
ومن الأعمال الفنية المهمة المكتشفة في قصر ماري الرسوم الجدارية التي يعود معظمها إلى عهد زمري ليم، وخاصة اللوحة الموجودة في القاعة 106 من القصر والتي تمثل تسلم زمري ليم الخاتم والصولجان وهما من رموز السلطة، من الإلهة عشتار إلهة الحب والحرب. كذلك هناك اللوحة الجدارية في قاعة الاستقبال 132 التي تصور حفلة دينية يقف فيها زمري ليم أمام عشتار.
كان للأموريين شأن بارز في تاريخ الشرق القديم، ومما لا شك فيه أن إنهاء نشر الوثائق الكتابية المكتشفة في ماري واكتشاف شواهد أثرية في مراكزهم الأخرى مثل قطنة وحلب سيلقي أضواء جديدة على تاريخهم السياسي والحضاري.
عيد مرعي، فاروق إسماعيل
Amorites - Amorrites
الأموريون
الأموريون Amorites شعب قديم ظهر في بلاد الرافدين والجزيرة العليا وبلاد الشام منذ أواسط الألف الثالث ق.م وساد خلال النصف الأول من الألف الثاني ق.م في مناطق واسعة متفرقة من تلك البلاد. وتشير أقدم المصادر المسمارية إلى أن الأموريين بدؤوا منذ نهاية الألف الثالث ق.م بالدخول إلى أواسط بلاد الرافدين وجنوبيها على شكل موجات كبيرة قادمة من بادية الشام.
إن أهم مصادر تاريخهم هي الكتابات المسمارية السومرية والأكدية وهي غنية بالمعلومات التي تتضمن أخبارهم وتنقلاتهم، وتصور شؤونهم السياسية وحياتهم الاجتماعية والاقتصادية .
وأهم تلك المصادر: وثائق إبلا (من القرن الرابع والعشرين ق.م) وكتابات عصر سلالة أور الثالثة (القرن الحادي والعشرين ق.م) ووثائق ماري العائدة إلى القرنين التاسع عشر والثامن عشر ق.م، كما تشير النصوص الآشورية القديمة المكتشفة في كاروم - كانيش Kanesh في كبدوكية بآسيا الصغرى والعائدة إلى القرن التاسع عشر ق.م إلى الأموريين وصلاتهم بالقوافل الآشورية .
كما تذكر نصوص الطبقة السابعة من ألالاخ أشخاصاً وتجاراً كانوا يأتون من أمورو إلى ألالاخ .
وتتضمن رسائل تل العمارنة معلومات كثيرة عن الأموريين في القرن الرابع عشر ق.م.
تاريخ الأموريين السياسي
تشير مصادر الألف الثالث ق.م المسمارية إلى أن الأموريين كانوا جماعات بدوية تغلغلت من البادية السورية إلى أواسط بلاد الرافدين وجنوبيها. وتطلق عليهم المدوّنات السومرية اسم مارتو Mar-tu؛ أما الأكدية فتسمّيهم أَمُورُّم Amurrum أي الغربيين أو أهل الغرب. ويرتبط ذكرهم باسم جبل بَسَر Ba-sa-ar أو بَسَلاّ Ba-sal-la (جبل البِشْري غربي مدينة دير الزور اليوم)، ويعدّ هذا الجبل الموطن الأم لهم.
يتضح من نصوص إبلا المنشورة أن الأموريين كانوا يشكّلون جزءاً أساسياً من سكان مملكة إبلا[ر]. ويستخلص من النصوص الأكدية القديمة أن قبائلهم اتجهت في أواخر القرن الثالث والعشرين ق.م نحو الشرق بكثافة، وصارت خطراً على المملكة الأكدية، مما دفع ملوكها إلى مجابهتهم؛ فقد جاء في إحدى الحوليات التاريخية للملك شَرْكَلّي شَرّي (2222- 2198ق.م) Shar-Kalli-Sarri أنه انتصر على الأموريين وهزمهم في جبل بَسَر. كما ذكر غوديا (2143- 2124ق.م) Gudea ملك لغش Lagash (تلّو اليوم) في أحد نقوشه أنه سار إلى مناطقهم، وجلب إلى لغش أحجاراً ضخمة من بَسَلاّ جبل الأموريين.
انتشر الأموريون في أواخر العصر الأكدي في مناطق الجزيرة الفراتية، واستمر تسرّبهم في عصر سلالة أور الثالثة إلى مناطق بلاد الرافدين الداخلية على شكل هجرات قبلية متتالية، وصاروا يستولون على الأراضي الزراعية ويهددون وحدة مملكة أور وحضارتها. وقد حاول شولغي (2094- 2047ق.م) Shulgi ثاني ملوك السلالة وضع حدّ لذلك، وقرر إنشاء سورـ يعرف باسم «سور مارتو» - يمتد بين نهري دجلة وديالا شمالي بغداد بطول قدره نحو 63كم لصدّ تغلغلهم. وقد تابع ابنه الأصغر شوسين (2037- 2029ق.م) Shu-Sin بناء السور وتوسيعه حتى بلغ نحو 280كم.
ضعفت مملكة أور في عهد ملكها الأخير إبّي سين (2028- 2004ق.م) Ibbi-Sin، وأضحت مهددة بأخطار خارجية في كل الجهات، فاستغل ذلك قائد عسكري في المملكة أموري الأصل - يعود بأصله إلى مدينة ماري - يدعى إشبي إرّا Ishbi-Erra، وأعلن انفصاله، وأسس دويلة في مدينة إيسين Isin (إيشان بَحريّات اليوم)، وذلك في نحو 2017ق.م. وعندما تمكّنت القوات العيلامية من اجتياح المملكة واحتلال عاصمتها أور (تل المقيّر) قام إشبي إرّا بتأسيس قوة عسكرية قبلية أمورية، وحارب العيلاميين وطردهم من أور، وضمّها إلى مناطق حكمه.
وكان قائد أموري آخر يدعى نَبْلانُم Nablanum قد أسس في نحو 2025ق.م دويلة أخرى في لارسا Larsa (تل السَّنْكرة). وقد نشأ صراع بين الدويلتين انتهى بعد أكثر من قرنين (في نحو 1794ق.م) بقضاء ريم سين Rim-Sin ملك لارسا على حكم سلالة إيسين.
يمكن عدّ العصر البابلي القديم - الذي يمتد بين انتهاء حكم سلالة أور الثالثة ونهاية الدولة البابلية القديمة على يد الحثيين وقيام الدولة الكاشية في بلاد بابل (2004 - 1595ق.م) - عصر السيادة الأمورية في بلاد الرافدين وسورية. وقد اتسم هذا العصر بنشوء دويلات أو ممالك أمورية عدّة متفاوتة في القوة والنفوذ. وأشهرها مملكة إشنونّة Eshnunna (تل أسمر)، ومملكة آشور Assur (قلعة الشرقاط) - بدءاً من سيادة الأموري شمشي أدد الأول Shamshi-Adad عليها في 1815ق.م، ومملكة بابل Babilim (الدولة البابلية القديمة 1894ـ1595ق.م)، وممالك ماري Mari ويَمْحاض Yamkhad (حلب) وألالاخ[ر] Alalakh (تل عطشانة) وقَطْنة Qatna (تل المشرفة).
ويرجح أن عدداً من القبائل الأمورية كانت تؤلف جزءاً من مجموعة القبائل البدوية الآسيوية التي تسللت إلى مصر منذ أواخر القرن الثامن عشر ق.م، وتمكّنت من السيادة على مصر مدة قرن وبضع سنوات (نحو 1674 - 1567ق.م) وقد عرفت تلك القبائل باسم «الهكسوس».
اختفى الدور السياسي المتميز للأموريين مع تحوّل المنطقة - بدءاً من أواسط الألف الثاني ق.م - إلى مسرح للصراع بين قوى سياسية كبرى جديدة تتمثّل في الكاشيين الذين سيطروا على بلاد الرافدين والحثيين في بلاد الأناضول وشمالي سورية والحوريين - الميتانيين في الجزيرة وشمالي سورية والمصريين في الساحل المتوسطي وجنوبي سورية. ولم تستطع الدويلات السورية التي ظلت قائمة مثل أغاريت، وسيانو، وأمورو، وكنزا (قادش)، ونيّا، ونوخشّي أن تستقل بشؤونها تماماً بسبب تفرّقها وقوتها المحدودة وصغر رقعتها الجغرافية.
وجدير بالذكر أن بعض الباحثين يربط بين الأموريين ودويلة أمورو التي قامت في المنطقة الممتدة بين ساحل المتوسط ونهر العاصي (شرقي طرطوس)، وكانت تؤلف الجزء الشمالي من مناطق النفوذ المصري في سورية. وقد رصدت نصوص تل العمارنة (في مصر) وأغاريت أخبار هذه الدويلة خلال القرن الرابع عشر ق.م.
حضارة الأموريين
الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية: يذكر في أسطورة لوغال باندا أن البدو الأموريين نهضوا في بلاد سومر وأكّد، ووصفوا بأنهم لا يعرفون الحبوب. وترد هذه الإشارة كثيراً في النصوص المختلفة وقد يضاف إليها أن ليس لديهم مدن ولا بيوت ثابتة.
وجاء في أسطورة الإله «إنكي Enki وتنظيم الكون»: «للذين لا يملكون مدناً ولا بيوتاً، لبدو المارتو، وهبت أنا إنكي حيوان السهول». ولعل المقصود بحيوان السهول الأغنام.
أما أسطورة زواج إله البدو «مارتو - أمورو» من ابنة أحد الآلهة المستقرة فتصف المارتو بأنه «رجل يحفر بحثاً عن الكمأة على أطراف الأراضي الزراعية، الذي لا يعرف أن يحني الركبة..».
إن هذه الصفات تمثل وجهة نظر سكان الرافدين المستقرين الذي كانوا ينظرون إلى البدو نظرة ازدراء، لذلك فإن فيها بالتأكيد الكثير من المبالغة.
كانت تربية الحيوانات العمل الرئيسي للبدو الأموريين كما تدل على ذلك المصادر المكتوبة. فقد كانوا مربي أغنام في المقام الأول يتجولون بقطعانهم في مناطق البادية بحثاً عن الكلأ والماء، ويعيشون من منتجاتها المختلفة واللبن ومشتقاته والصوف.
وربّى الأموريون الحمير أيضاً لاستخدامها في تنقلاتهم وتجوالهم أو المتاجرة بها كما كان الحال مع القوافل الآشورية الذاهبة إلى الأناضول.
وربما عمل بعض الأموريين مرافقين أو أدلاء للقوافل العابرة للصحراء لمعرفتهم بأحوالها وبالطرق والآبار والينابيع فيها، لكن حياة التجوال مع قطعان الأغنام بدأت تتغير مع بداية استقرار الأموريين في المناطق الزراعية، فتحولوا مع الزمن إلى أشباه بدو يمارسون الزراعة، على نطاق محدود، ويملكون البيوت في المناطق القريبة من البادية، إضافة إلى عملهم الأساسي في تربية الأغنام ورعيها والتنقل معها من مكان إلى آخر.
وبعد دخول الأموريين واستقرارهم في الأراضي الزراعية تحولوا إلى ممارسة أعمال جديدة كالزراعة وبعض الحرف وغيرها، وبذلك تبدلت القاعدة الاقتصادية التي كانت تقوم عليها حياتهم.
وكان الأموريون قبائل يقوم على رأس كل منها شيخ مسؤول يسير شؤونها المختلفة بالتشاور مع مجلس يضم كبار رجالات القبيلة ورؤساء العشائر والأسر الكبيرة ولم تكن هناك قوانين مكتوبة تنظم شؤون المجتمع البدوي بل كانت لهم أعراف وتقاليد لها فعل القانون، وهدفها حماية المجموعة القبلية والأفراد معاً، وكانت تتناسب مع الحياة التي تحياها هذه المجموعة.
وقد أوردت النصوص الكتابية أسماء عدد من قبائلهم وأماكن انتشارها ومنها قبائل أمْنانُم Amnanum في المنطقة الواقعة بين سيبار Sippar وأوروك Uruk، وقبائل يَخْرُرُم Yakhrurum في المناطق القريبة من سيبار وقبائل ماريمينا (أو بنويمينا) Mar-Yamina أي أبناء اليمين أو الجنوب في مناطق الجزيرة شمال ماري وغربها، وقبائل بنو سمأل Bin-Samal أي أبناء الشمال في شمال حلب وشرقها وبعد الاستقرار تحول شيخ القبيلة إلى ملك وأصبح مجلس القبيلة مجلس الآباء أو الشيوخ. وفي العصر البابلي القديم ظهرت ألقاب ووظائف من أمثال: مقدم الأموريين، أمير الأموريين، كاتب الأموريين وحاكم أو والي الأموريين. وتدل هذه الألقاب على اندماج الأموريين بالحياة المهنية وأخذهم بالمظاهر الحضارية التي كانت سائدة في المناطق التي استقروا فيها.
اللغة والآداب والدين: اللغة الأمورية لغة تنتمي إلى المجموعة التي اصطلح على تسميتها «اللغات الشمالية الغربية»، وقد بقيت محفوظة في أسماء الأعلام وخاصة في نصوص ماري. وقد تميز الأموريون لغوياً من الأكديين بأسمائهم. وتبدو لغتهم من حيث تراكيبها ومفرداتها - مع قلتها - ذات صلة باللغة الكنعانية، وقد دفع ذلك بعض الباحثين إلى إطلاق تسمية «الكنعانيين الشرقيين» عليهم، وكان أولهم تيو باور Th.Bauer في كتابه «الكنعانيون الشرقيون» Die Ostkanaanäer.
لم يترك الأموريون نصوصاً أو كتابات بلغتهم، والسبب في ذلك هو أنهم كانوا عند دخولهم مدن بلاد الرافدين والشام بدواً لا يعرفون القراءة والكتابة، وبعد استقرارهم وتأسيسهم سلالات حاكمة في تلك البلاد أخذوا بالمظاهر الحضارية السائدة فيها ومنها الكتابة واللغة، فكتبوا بالمسمارية وباللغة الأكدية التي شاع استخدامها وغدت لغة عالمية في الألف الثاني ق.م، وربما بقيت اللغة الأمورية لغة محكية في بلاد الرافدين وسورية، ولكن لم تدون فيها أي نصوص أو أعمال أدبية.
عبد الأموريون آلهة متعددة تظهر في أسماء الأعلام. وكان مارتو أو أمورو إله الأموريين الرئيس ومقره البادية.
وأول ذكر له وجد في أسماء أعلام من عصر سلالة أور الثالثة وكان يعد ابن (أن An إله السماء السومري، وتعرف زوجة أمورو باسم بيليت صيري Beletseeri سيدة البادية (الصحراء)، وأشراتو Ashratiu (ربما أثيرات Atirat في سورية).
كان دخول الأموريين البدو الأراضي الزراعية الرافدية، شبيهاً بالعاصفة ويبدو تمثيلاً لصفات إله الطقس مارتو الذي يجتاح البلدان ويدمر المدن كما يوصف في الأدب السومري. وهناك أسطورة سومرية تتحدث عن زواج ابنة الإله نوموشدا Numushda، إله مدينة كازالو Kazallu (مدينة في وسط بلاد بابل) من الإله مارتو. ومع أن المرء حذرها من عادات مارتو السيئة: «يأكل اللحم نيئاً ولا يعرف بيتاً طوال الحياة»، فإنها وافقت على الزواج منه.
هذه الأسطورة تعكس خطوات اندماج الأموريين بسكان بلاد الرافدين ونظرة هؤلاء السكان إليهم. وإضافة إلى مارتو هناك الإله ليم Lim الإله الأموري المشهور الذي يظهر في نصوص إبلا إلى جانب الآلهة الكبرى التي كانت تعبد في تلك المدينة. ويظهر ليم في أسماء ملوك ماري: يجيد ليم ويخدن ليم وزمري ليم، وفي اسم أحد ملوك يمحاض يريم ليم الأول، وفي اسم أحد ملوك إبلا في بداية الألف الثاني ق.م إيبيط ليم، وهذا ما يدل على أهميته وعظم شأنه وقدسيته في تفكير الأموريين.
وهناك الإله دَغَن Dagan إله الحبوب والمحاصيل، وقد شاعت عبادته في معظم مناطق سورية، وقد كشفت التنقيبات الأثرية عن عدد من المعابد المكرسة له، وذلك في إبلا وماري وترقا Tarqa (تل العشارة) وإيمار Imar (تل مسكنة).
ومن الآلهة الأمورية الأخرى التي تظهر في النصوص: أبيخ Abech (أو إيبوخ Ebuch) وبيسير Bisir تشخيصاً لجبل بشري، وإله القمر إيراخ أو يراخ Yarah/Erach .
ويبدو أن اهتمام الأموريين بالطقوس والشعائر الدينية، شأنهم شأن القبائل البدوية الأخرى، كان قليلاً بسبب طبيعة حياتهم القائمة على التنقل والترحال. لذلك وصفوا في المصادر الرافدية بأن الفرد منهم لا يعرف الانحناء أمام الآلهة.
تأثر الأموريون بهذه الفنون وبغيرها من المظاهر الحضارية، وعندما بدؤوا يسهمون في الحضارة تبنوا الأفكار السائدة وأضافوا إليها أفكاراً جديدة مستمدة من حياتهم ومعتقداتهم.
وتبدو في فنون ماري تأثيرات أمورية واضحة. فالقصر الملكي الذي يعود تاريخ بنائه بالتأكيد إلى فترات قديمة سومرية وأكدية، أكمل زمري ليم بناءه ووسعه وهو يشبه قصر يريم ليم الأول ملك يمحاض الذي بناه في آلالاخ، وكشفه ليونارد وولي L.Woolley في الطبقة السابعة منها.
إن قصر يريم ليم الأول، يعد نموذجاً لفن البناء الأموري. وهناك من يرى أن الكريتيين تأثروا بفن بناء هذا القصر عند بنائهم لقصر كنوسوس Knossos.
ومن المعتقد أن تمثال إلهة الينبوع المشهور المكتشف في ماري يعود إلى عهد زمري ليم، وهو يحمل الطابع الأموري، ولكنه من حيث الشكل والمضمون قائم على تقاليد سومرية وأكدية قديمة.
ومن الأعمال الفنية المهمة المكتشفة في قصر ماري الرسوم الجدارية التي يعود معظمها إلى عهد زمري ليم، وخاصة اللوحة الموجودة في القاعة 106 من القصر والتي تمثل تسلم زمري ليم الخاتم والصولجان وهما من رموز السلطة، من الإلهة عشتار إلهة الحب والحرب. كذلك هناك اللوحة الجدارية في قاعة الاستقبال 132 التي تصور حفلة دينية يقف فيها زمري ليم أمام عشتار.
كان للأموريين شأن بارز في تاريخ الشرق القديم، ومما لا شك فيه أن إنهاء نشر الوثائق الكتابية المكتشفة في ماري واكتشاف شواهد أثرية في مراكزهم الأخرى مثل قطنة وحلب سيلقي أضواء جديدة على تاريخهم السياسي والحضاري.
عيد مرعي، فاروق إسماعيل