لوحات الموزاييك.. تاريخ على البازلت

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • لوحات الموزاييك.. تاريخ على البازلت


    لوحات الموزاييك.. تاريخ على البازلت
    • طلال الكفيري
    • 14 آب 2023


    السويداء
    لم تكن لوحات الموازاييك التي خْطت زخارفها منذ ألفي عام، مجرد رسومات عابرة فارغة، بل كانت ولا تزال بمثابة الألبوم الحامل بين دفتيه صوراً لذلك الزمن، حيث استمدها ملتقطوها من وحي حياة أناس عبروا ومروا وسكنوا في هذه المنطقة، ولتتحول مع مرور الزمن إلى لوحات فنية أرّخت للعديد من اللحظات التاريخية التي جرت في غابر الأزمان.
    ذاكرة التاريخ


    يقول الباحث الأثري الدكتور "نشات كيوان" في حديثه لمدونة وطن eSyria: "إن الأقدمين رسموا على الصخور البازليتية الصماء وعلى جدران منازلهم ومعابدهم، صور بني قومهم الفسيفسائية، فكانت المرآة الناطقة عن عاداتهم وتقاليدهم، لتأتي واقعية محاكية لواقعهم الحياتي.. هي لوحات سرد من خلالها الأقدمون قصص ماضي من جاء المنطقة مستوطناً، ولا زالت ورغم مضي آلاف السنين عليها، مقروءةً لكل من جاءها متفرجاً أو سائحاً أو سائلاً". ويضيف: "من هذه اللوحات التي تحمل شهادة ميلاد القرن الثالث الميلادي، لوحة حورية البحر "فينوس"، المطبوعة نقشاً في مدينة "شهبا"، وجرى نقلها إلى متحف السويداء الوطني، هذه اللوحة التي خطها فنانو ذلك الزمان بأدواتهم البدائية البعيدة كل البعد عن غرف التصوير الحالية، لوحة التقطت بكاميرا العين ورسمت بأنامل اليدين، ما زالت ملامحها ورغم عاديات الزمن واضحة ومعبرة عن حال هذه الحورية الجالسة فوق أريكتها الحريرية المنجدة، ليظهرها تارة أخرى محمولة على الأكتاف وهي محاطة بالبحر، متأملة أمواجه الهائجة، فجمال ذلك البحر الحاضن لتلك الحورية ولّد مشهداً درامتكياً ولاسيما بعدما أظهرها بأجمل صورها وهي تلمس جدائلها السوداء المستمدة من سواد الليل، وما يزينها من حلي كالتاج والإكليل والطوق والأساور". ويشير "كيوان" إلى أن الحورية المرسومة كانت ذات مكانة مرموقة، ولو لم تكن كذلك لما أوجد راسم اللوحة صورة لملاكين يرفعان فوق رأسها شراعاً، وتحت قدميها أحياءً بحرية تسبح.
    لوحة "ارتميس"


    ومن لوحة" فينوس" التاريخية ينتقل الباحث في حديثه إلى آلهة المياه "ارتميس" ، التي صف حجارتها ذات الألوان المزركشة المأخودة من صخور جبل العرب البازليتية، فنانو ذلك الزمان، فمن يتأملها ويقرأ أحداثها، يدرك أنه أمام مشهد لقصة فيلم قصير واقعه يحاكي حياة "ارتميس"، التي أظهرها جالسة في مياه البحر شبه عارية، محتفظة بحليها وهذا ما يدل على حياة الترف التي كانت تعيشها هذه الآلهة، ومن يتابع المشاهد في اللوحة يرى على يسارها صورة لآلهة البحر وهي متكئة على إبريق ماء، يرمز الى النبع الذي تسبح فيه الآلهة، وعلى يمين اللوحة طبع الرسامون صورتان أخريان، من المرجح أنهما صديقتان للإلهة "ارتميس"، تحمل إحداهما قوساً وجعبة من النبال، فيما تجلس الثانية في الحقل معانقة لإحدى صخورها، دلالة على الجبل وهذه اللوحة تعود لمنتصف القرن الثالث ميلادي".


    ارتميس آلهة المياه\
    نهر الحياة



    حورية البحر تيتس

    بدوره يبين الباحث الأثري "فراس ملاعب" كيف أصبحت هذه اللوحات ومع مرور السنين الألفية، بمنزلة الراوي الحقيقي لحكايات تلك الأيام، وقصص ذلك الزمان، ومن اللوحات التي ما زالت أرواح أبطالها حية رغم موتهم جسدياً منذ آلاف السنين، لوحة "المائدة المقدسة"، وهي بخلاف شقيقاتها من اللوحات المذكورة آنفاً كونها أرضية وليست جدارية، ومن المرجح وحسب الأبحاث التاريخية، فهي تعود لإحدى البيوت القديمة، والمتأمل في تفاصيل هذه اللوحة المرسومة منذ أكثر من الفي عام ، سيلحظ أنها تحتضن في وسطها مأدبة عشاء، ويتخلل تلك اللوحة نادل يقف بجوار المأدبة، التي يجالسها ثلاثة أشخاص، ومن الواضح أنه مشهد زفاف.

    ويتابع "ملاعب" حديثه بالقول: "ومن لوحة المائدة المقدسة، يدور شريط الذكريات ليضيء على لوحة الآلهة "تيتس" وزفافها من زوجها "بيليه"، و"تيتس" هي حفيدة كبير الآلهة في ذلك الزمان "زيوس"، ويظهر في الصورة تسعة أشخاص أولهم جد العروس ويظهر وهو حاملٌ بيده مشعلاً متوهجاً وصولجاناً، كدلالة على رمز السلطة، والزوج "بيليه" وعروسه حورية البحر في ذلك الزمان "تيتس"، كما يظهر في اللوحة شابٌ يعزف على المزمار فرحاً بالعرس وقد دُون اسمه ولكن لم يبق منه سوى حرفين، وثلاثة نساء يلبسن الزي اليوناني، إحداهن تحمل سلة وأخرى تحمل قارورة خمر بينما تحمل الثالثة علبة مملوءة بالحلي الذهبية، ومن المرجح أنهن خادمات أو مرافقات العروس " تيتس "


    فراس ملاعب
يعمل...