هي أشهر روايات الكاتب الألماني باتريك زوسكيند صدرت في عام 1985م، وتعدُّ أيضًا من أكثر الروايات الألمانية مبيعًا في ألمانيا في القرن الماضي، تمَّت ترجمتها إلى أكثر من 48 لغة، وبيع منها أكثر من عشرين مليون نسخة حول العالم، وبقي اسمها ضمن اللائحة التي تحوي الروايات الأفضل مبيعًا لمدة تسع سنوات، ورغم أنها أول أعمال باتريك الإبداعية الروائية فقد تناولها النقاد بإشادات إيجابية على الصعيدين المحلي والعالمي
تبدأ أحداث رواية العطر في عام 1738م في سوق للسمك في أحد الأحياء الباريسية، حيثُ يولدَ جان باتيست غرونوي بطل الرواية، تحاول أمه التخلص منه كعادتها في التخلص من أولادها من السفاح، لكن تكتب له الحياة ويفتضح أمرها وتساق إلى الإعدام، ينتقل الرضيع بين عدَّة أماكن بعد أن ينفر منه الناس الذين يتولَّون رعايته، لينتهي به المطاف في دار للأيتام مقابل مبلغ مادي، يعيش في هذه الدار منبوذًا من جميع أقرانه الذين حاولوا قتله منذ وصوله إليهم، ورغم ذلك يتشبث غرونوي بالحياة ويتغلب على كل الصعاب التي تواجهه، في التاسعة من عمره ينتقل للعمل في مدبغة عند رجل فظ وصارم، وكان غرونوي يشعر بشغف تجاه روائح المدبغة التي تشحذ حاسة الشم النفاذة والقوية عنده، وفي عام 1953م يشم غرونوي رائحة ساحرة لفتاة جميلة فينجذب لها، وتتولد في نفسه رغبات كبيرة لتملك عطر الفتاة، ولم تَخْبُ هذه الرغبة إلا بقتله للفتاة، عند ذلك يكتشف أن هدفه في الحياة أن يتعلم صناعة كل رائحة يشتهيها ويصبح أكبر عطار في العالم
بعد لقائه بالعطار بالديني يستعرض حذاقته في الشم، فيأخذه العطار للعمل في معطرته في باريس، ورغم أنَّه كان عطارًا حاذقًا لكنه كان يعيش خمولًا في موهبته، فأتى غورنوي كفرصة لإعادة مجده ومنافسة صناع العطور في باريس، واستغل غرونوي الفرصة لاكتساب خبرت العجوز، وبدأت موهبة غرونوي تنمو وتزداد، وبعد أن يحصل على شهادة العطارة من بالديني يرحل إلى مدينة جراس ليتعلم تقنيات أخرى لاستخلاص العطور، وفي طريق رحلته يكتشف غرونوي أنه يكره روائح البشر كثيرًا، فينزوي في إحدى المغارات لسبع سنوات منعزلًا في عالم تخيلي من الروائح، وفي عزلته عرف أنَّ جسمه ليس له رائحة، وذلك ما سبب له صدمة لأنه هو نفسه لا يدرك العالم إلا من خلال حاسة الشم، فكان إحساسه ذلك مشابهًا لإحساسه بعدم الوجود، يغادر المغارة ويعمل على صناعة عطر خاص به يمنحه رائحة بشرية، ويصل إلى فكرة أن من يسيطر على الروائح يسيطر على قلوب الناس، ولذلك يبدأ بالعمل على ابتكار العطر الذي سيمكنه من امتلاك الناس وتركيعهم.
وفي عاصمة العطور في فرنسا جراس يعمل غرونوي في معطرة السيدة أرنولفي، وعندما يكتشف رائحة فتاة أجمل من رائحة الفتاة التي قتلها يزداد شغفًا لاستخلاص روائح هذه الكائنات، وعندها يقوم بسلسة من الجرائم لاستخلاص عطور طبيعية من 24 جسدًا لأجمل الفتيات العذارى في المدينة، فتغرق المدينة في رعب القتل، ويستطيع غرونوي من تركيب العطر المستخلص من أجساد الضحايا، لكن أمره يفتضح ويلقى القبض عليه، وأثناء اقتياده لتنفيذ حكم الإعدام يتعطر بعطره السحري، فيفقد آلاف المتفرجين في الساحة صوابهم ويدخلون في حالة عربدة ومجون جماعية، حتى جلاديه والشخص الذي سيقتله يغمره بعطف أبوي بسبب تأثير العطر.
ولكن غرونوي يعرف أنه سيُقتَل ما إن ينتهي مفعول العطر، فيهرب إلى باريس قبل أن يعود الناس إلى وعيهم وقد حقق حلمه في الحياة، فيتجه بشكل لا شعوري إلى المكان الذي ولد فيه -وهو أنتن الأماكن في باريس- ويفرغ ما تبقى من قارورة العطر على جسده، مما يثير عشرات الأشخاص في ذلك المكان فيرونه ملاكًا ساحرًا، وأغلبهم من المتسكعين والعاهرات، فينجذبون له بوحشية وعنف لدرجة أنهم يفترسون وينهشون جسده حتى لا يتبقى منه شيء على وجه الأرض، وبهذا تنتهي أحداث رواية العطر!
اقتباسات من رواية العطر
في قصة غرونوي غريب الأطوار تتناول رواية العطر عالم من الروائح، ومن خلال سلسلة جرائم مخيفة تقوم على قتل الفتيات الجميلات أساسًا، وأودت بحياة 25 فتاة، في هذا الجو الغريب والحذِر استطاع الكاتب أن يخلق عالمًا خياليًا وواقعيًا في آن واحد، ويمكن الاقتراب من أسلوب الكاتب أكثر من خلال بعض الاقتباسات التي سيتم إدراجها فيما يأتي:
لم يكن شكلها يهمُّه في شيء، وهي كجسد لم تعد موجودة بالنسبة له، إنما فقط كعبق من دون جسد، وهو ما كان يحمله تحت ذراعه، وهو ما أخذه معه.
عبق البشر في حد ذاته كان بالنسبة إليه سيان، فقد كان بوسعه تقليده ببدائل مختلفة وبنجاح، أما ما كان يشتهيه فهو عبق بشر بعينهم: أولئك القلة النادرين الذين يلهمون الحب، هؤلاء كانوا ضحاياه.
كان قلبه قصرًا أرجوانيًا في صحراء صخرية. الموهبة لا تساوي شيئًا، المهم في المقام الأول هو الخبرة المكتسبة عبر التواضع والجهد.
إنّ بوسع البشر أن يغمضوا عيونهم أمام ما هو عظيم، أو مروّع أو جميل، وأن يغلقوا آذانهم أمام الألحان والكلام المعسول، ولكن ليس بوسعهم الهروب من العبق؛ لأنه شقيق الشهيق معه يدخل إلى ذواتهم. وفجأة أدرك أن الحب أبدًا لن يُشبعه وإنما الكره.
لعبق الرائحة الطيبة قدرة على الإقناع أقوى من الكلمات ونور العين والشعور والإرادة.
ما أجمل أن يكون هذا العالم موجودًا ولو كمهرب فحسب.