الري (جلال نوري)
Ilri (Jalal Nuri-) - Ilri (Jalal Nuri-)
إلري (جلال نوري ـ)
(1877ـ 1938)
جلال نوري إلري Djelal Nuri Ileri صحفي وأديب تركي مجدد، ولد في غاليبولي لأب ينحدر من أصل كريتي (نسبة إلى جزيرة كريت)، هو مصطفى نوري حلوجي زادة، الذي ترقى في مناصب عدة وكان نائباً في البرلمان التركي (مجلس المبعوثان)، وأمه ابنة عابدين باشا، الذي كان والياً ووزيراً في عهد السلطان عبد الحميد الثاني (1876 - 1909).
ينتمي إلري إلى وسط عائلي مثقف، فقد كان أحد أخوته كاتباً وصحفياً اشتراكياً شهيراً، وعمل أخ آخر له في الرسم والكاريكاتور، واشتهر عمه سري باشا في الوسط العلمي، وكذلك زوجه ليلى ساز التي كانت شاعرة وموسيقية وكاتبة مذكرات.
بدأ إلري دراسته في ثانوية غَلَطه سراي Galata Saray، ثم التحق بجامعة اصطنبول حيث درس الحقوق. وقد تعلم الإنكليزية والفرنسية وأتقن هذه الأخيرة حتى كتب بها. ويُذكر له في هذا الميدان رواية بعنوان «الكابوس» Cauchemar تدور حول الحياة في اصطنبول في عهد السلطان عبد الحميد الثاني.
قام إلري برحلات عدة في أوربة وسجل مشاهداته في كتابين من المذكرات والخواطر. وعمل في الصِّحافة وشارك في تحرير عدد من الصحف والدوريات كما أصدر بعضها مثل: «إقدام»، و«اجتهاد»، و«ثروة الفنون»، و«إلري»، و«الوطن التركي»، فضلاً عن إصداره صحيفتين بالفرنسية هما: «أخبار الشرق» Le courrier d'orient و«التركي الفتى» Jeune Turc، وقد كتب في الصحيفة الأخيرة ما ينوف على ألف وخمسمئة مقال وثائقي عن المدة التي تلت انقلاب 13 نيسان 1909، الذي أطاح السلطان عبد الحميد الثاني.
شارك إلري في آخر برلمان عثماني، كما انتُخب أربع مرات للمجلس الوطني الكبير الذي أسسه مصطفى كمال أتاتورك. ولمعرفته الواسعة بالقانون، وبثقافات الشرق والغرب، صار أحد المستشارين الذين لا يستغنى عنهم لدى حكومة أنقرة، التي يرأسها مصطفى كمال، وعرف عنه صراحته ونزاهته وتمسكه بالمبادئ وتأييده للحكومات المتحررة والشريفة. وقد أثارت انتقاداته اللاذعة لحكومة السلطان ومساوئها، في صحيفته اليومية «إلري» الصادرة في اصطنبول، وكذلك قوله بعدم ملاءَمة حكم الحزب الواحد للديمقراطية، ردود فعل شديدة في الصحافة، فقد هاجمه مؤيدو الحكومة في الصحف الرسمية، كما تهجّم عليه عضو في البرلمان وهو في مكتبه، كان إلري قد اتهمه وعدداً من النواب بإساءة استعمال سلطاتهم. وقد أثر هذا الحادث في نفس إلري، فأقل الكتابة وتجنب المهاترات بقية حياته إلى أن توفي في 2 تشرين الثاني.
وضع إلري أكثر من ثلاثين مؤلفاً فضلاً عن آلاف المقالات التي جُمع بعضها في كتاب. ولم ينتسب إلى أي من الفئات الثلاث الرئيسية التي استقطبت السياسة التركية في أعقاب انقلاب 1908(أصحاب الاتجاه التركي، وأصحاب الاتجاه الإسلامي، وأصحاب الاتجاه الغربي «المستغربون»). ولكنه تبنى موقفاً وسطاً بين الاتجاهين الأخيرين. وقد أُثر عنه قوله إن الحضارة نوعان: تقنية وأصيلة، فالغرب قد وصل إلى الذروة في الحضارة التقنية ولكنه لم يحقق، ولن يحقق، أي حضارة أصيلة. وقوله إن الحضارة التقنية يمكن نقلها من بلد إلى آخر، في حين لا يمكن نقل أصالة الحضارة، وقد ارتكب المصلحون العثمانيون خطأً كبيراً بخلطهم بين الحضارتين التقنية والأصيلة، فعوضاً عن الاكتفاء بنقل تقنية الغرب حاولوا تقليده في مجالات كان الإسلام فيها متفوقاً. وقد دخل جلال نوري في نقاش مطول مع عدد من الكتاب المشهورين حول القضايا الاجتماعية والسياسية والدينية والفقهية واللغوية، كما عارض بشدة القوميين المتطرفين، ودعاة التغريب، وكذلك الإسلاميين المتشددين.
كان إلري مصلحاً معتدلاً وقد أدلى برأيه في قضايا مهمة، كانت مدار المناقشات في المدة بين عامي 1908 و1923. ففي مجال القضاء طالب بإصلاح جذري يستند إلى تطور الأمة التاريخي في ضوء أوضاعها وخصوصياتها وشروط حياتها ومتطلبات عصرها. وقال إن دستور مدحت باشا، ومجلة جودت باشا والقوانين الأخرى المتعلقة بالإدارة والقضاء والملكية لم تعد ملائمة لأنها لا تناسب المتغيرات المستجدة. وطالب بتعديل القوانين وفق مستجدات كل مرحلة.
وفيما يختص بتحرير المرأة، أشار إلى المساوئ الاجتماعية التي تعانيها النساء في المجتمع العثماني، وطالب بمنع تعدد الزوجات، وبعدم معاملة المرأة كأنها سلعة، ودعا إلى تحديث القوانين المتصلة بالزواج والطلاق والأولاد، بعد أن مضت قرون أسيء فيها تفسيرها. ولكن أفكاره بدت لكثيرين تقدمية أكثر مما يجب.
وحول عوامل انحطاط العثمانيين، قال إن أهمها يعود إلى عدم مشاركتهم في الكشوف البحرية، وعصر النهضة الأوربية، واستغلال المطبعة.
وكان من دعاة تغيير حروف كتابة اللغة التركية، وذكر أن حروف الهجاء العربية لا تناسب اللغة التركية، ودعا إلى ضرورة تبني الألفبائية اللاتينية. ولكنه اتخذ موقفاً محافظاً حيال اللغة نفسها، فقد قال: إن المفردات العربية والفارسية طبيعية بل ضرورية للغة التركية ضرورة الكلمات اللاتينية والفرنسية للإنكليزية. وما لبثت حملته على دعاة تبسيط اللغة أن تضاءلت في أعقاب إعلان الجمهورية في تركية.
وفي مجال الدعوة إلى الإصلاح في الإسلام، رأى إلري أن الإسلام ذاته لم يكن عقبة في سبيل التطور، ولكن أسيء فهمه وتفسيره، واستُغل من المتزمتين والانتهازيين، ولهذا فالإصلاح في الإسلام، ولاسيما في مجال القانون ضروري. وبذلك تصبح وحدة العالم الإسلامي المثل الأعلى، وتحل محل العقائد القومية لمختلف الشعوب الإسلامية. وقال: إن إقامة دولة دينية (ثيوقراطية) مغالطة تاريخية، كما أن تجاهل حضارة الغرب لا يفيد، وعلى الأتراك أن يتبنوا الحضارة التقنية ـ كما فعل اليابانيون ـ محتفظين في الوقت نفسه بحضارتهم الخاصة، وهي الحضارة التركية الإسلامية، التي يجب تطويرها بالإصلاحات. وقد لخص إلري أفكاره هذه، ومنها آراؤه في السياسة الخارجية لتركية، في المذكرة التي قدمها في عام1911 إلى مؤتمر سالونيك الذي دعت إليه جمعية الاتحاد والترقي، وأورد ذلك أيضاً في كتابه «تاريخ الانحطاط العثماني».
خلّف إلري ثلاثة وعشرين مؤلفاً مطبوعاً بالتركية من مجموع مؤلفاته، وقد صدرت بين عامي 1327 و1344هـ/1910 و1926م، منها: «مذكرات تاريخية» و«اتحاد الإسلام» و«نساؤنا» و"خاتم الأنبياء» و«اتحاد الإسلام وألمانية» و«الروم وبيزنطة» وآخرها «الانقلاب التركي» (طبع في اصطنبول عام 1926).
عبد الكريم رافق