الألبانيون
البانيون
Albanians - Albanais
الألبانيون
شغل أصل الألبانيين Albanions العلماء والباحثين لأن اللغة الألبانية، تعدّ مفتاحاً يستعان به لفهم لغات جنوبي أوربة القديمة. فمنذ القرن الثامن عشر برز رأي يقول بانحدار الألبانيين من الإلّيريين أي من أقدم الشعوب التي سكنت البلقان. وفي نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين ظهر رأي آخر يحدد المنطقة التي كان يعيش فيها أجداد الألبانيين بأنها كانت في الوسط من البلقان وبجوار سكان ما يعرف برومانية اليوم ويعتمد هذا الرأي على ما يوجد من تشابه بين اللغة الألبانية وبقايا اللغة التراقية القديمة وبين الألبانية والرومانية أيضاً. ولكن هذا الرأي يفتقر إلى أساس تاريخي.
وعلى كل فإن الكشوف الأثرية في النصف الثاني من القرن العشرين وتطور الدراسة اللغوية المقارنة بين الألبانية والإلّيرية دفعا غالبية العلماء إلى تبني الأصل الإلّيري للألبانيين. ويرى بعض الباحثين أن الإليريين يُعدّون صلة الوصل بين السكان القدماء في حوض المتوسط. وتجدر الإشارة إلى أن هناك عدة روايات في الموروث الشعبي الألباني تتحدث عن الأصل العربي للألبانيين بالاستناد إلى الأسطورة القديمة التي تعزو أصل الإلّيريين إلى الفينيقيين الكنعانيين.
أما من حيث التسمية فتطلق على الألبانيين عدة تسميات. وكان بطلميوس [ر] في القرن الثاني الميلادي أول من أشار إلى وجود الألبان Albanoi وعاصمتهم ألبانوبوليس Albanopolis، وفي المنطقة التي تنحصر اليوم في ألبانية الوسطى. ومن ثم يتردد ذكر هذا الشعب لدى الكتّاب البيزنطيين ابتداء من القرن الحادي عشر باسم «ألبان» وباسم «أربانيتاي» Arbanitai، ومن هذا الجذر المشترك arb أو alb تكونت التسميات اللاحقة التي أطلقت على الألبانيين.
على أن العثمانيين مالوا إلى الصيغة اليونانية آرفانيد Arfaneed التي تحولت لديهم إلى آرفانيد Arvaneed وآرنافود أو بحسب الكتابة القديمة لها أرنود. وقد انتقلت هذه التسمية إلى العربية أيضاً وأخذ العرب يطلقون على الألبانيين اسم أرنؤود وأرناؤود وأخيراً أرناؤوط، وعلى موطنهم «بلاد الأرناؤوط» في حين غلبت في القرن العشرين الصيغة الحديثة: ألبانية والألبانيون. أما الألبانيون أنفسهم فقد أخذوا يطلقون على أنفسهم منذ عصر النهضة القومية في القرن التاسع عشر اسم شقيبتار Shqiptare وعلى وطنهم شقيبريا Shqipëria. وفي الواقع أن تسمية شقيب Shqip التي استعملت أول مرة في القرن السادس عشر للدلالة على اللغة المفهومة، غدت تستعمل للدلالة على الألبانيين منذ القرن الثامن عشر، ثم استقرت تسمية شائعة في القرن التاسع عشر.
نشأة الألبانيين وتطورهم
كان اسم الإليريين حتى القرن الخامس عشر ق.م يطلق على أفراد واحدة من القبائل الكثيرة التي كانت تنتشر على طول الساحل الشرقي للبحر الأدرياتي وعلى قسم من جنوب الساحل الغربي، ثم أصبح منذ ذلك الحين يشمل كل هذه القبائل تعبيراً عن هذا التكون الإثني الجديد. وكان ذلك نتيجة تكون بطيء منذ نهاية الألف الثالثة ق.م حين جاءت القبائل الهندية ـ الأوربية إلى هذه المناطق واختلطت ببقايا السكان الأصليين. وفي الحقبة الوسطية لعصر البرونز برزت من هذا الاختلاط القبائل التي اصطلح على تسميتها بالقبائل الإلّيرية من باب تغليب الجزء على الكل، وذكر من هذه القبائل في «الإلياذة» و«الأوديسة»، البايونيون والتسبروتيون بوجه مستقل.
كان ظهور الإلّيريين في القرن الخامس عشر ق.م يرتبط بعامل مهم هو نشوء الدولة الإلّيرية، التي تحولت بسرعة إلى عنصر فعّال في البلقان.
ومع أن الإلّيريين فقدوا دولتهم فإنهم بقوا حتى القرن السادس الميلادي يُذكرون بوصفهم شعباً له ملامح إثنية خاصة.
تمتع الإلّيريون بشهرة واسعة في مجال الحروب مما دفع رومة إلى تجنيد أعداد كبيرة منهم، وأصبحت «الكتائب الإلّيرية» تتمتع بسمعة خاصة في إطار الجيش الروماني. وبهذا الدور العسكري تمكن بعض الإلّيريين من الوصول إلى عرش رومة في القرنين الثالث والرابع للميلاد مثل كلود الثاني وأورليان وديوقلسيان وماكسيمين دازا وقسنطين الأول ويوليان وبوستان ويوستينيان وغيرهم.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن اليونانية كانت لغة الثقافة في هذه المناطق، وهذا ما أدى إلى عدم العثور على أي نص إلّيري أو حتى جملة واحدة من اللغة الإلّيرية.
وبعد سقوط الدولة تعرضت المناطق الإلّيرية إلى مخاطر «الرَّوْمَنة» إذ تحولت المدن الإلّيرية إلى مستوطنات رومانية، و أصبحت اللاتينية اللغة الرسمية. كما انتشرت المسيحية بين الإلّيريين ولاسيما بعد أن أصبحت معظم المناطق الإلّيرية سنة 395م في إطار الامبراطورية الرومانية الشرقية (البيزنطية). إلا أن الامبراطورية البيزنطية، والمناطق الإلّيرية في إطارها، تعرضت منذ ذلك الحين إلى هزّات وضربات متواصلة من العناصر الجديدة التي ظهرت في البلقان. ففي نهاية القرن الرابع اندفع القوط من شمال الامبراطورية ليغزوا إليرية ومقدونية واليونان وينهبوها. وبعد أقل من نصف قرن جاء الهون (441م) بقيادة أتّيلا [ر] لينهبوا هم أيضاً هذه المناطق. وفي نهاية القرن الخامس برز تهديد القبائل الطورانية والبلغارية والسلافية. إذ حطمت هذه القبائل جيشاً بيزنطياً يتألف معظمه من الجنود الإلّيريين في تراقية سنة 499م.
وأخيراً ومنذ منتصف القرن السادس ظهرت القبائل السلافية الجنوبية القوية التي تمكنت من تغيير الوضع برمته بعد أن استقرت في مناطق واسعة من البلقان. ظهرت في البداية الدولة البلغارية التي توسعت غرباً على حساب الامبراطورية البيزنطية حتى وصلت إلى الساحل الأدرياتي وضمّت إليها معظم المناطق الإلّيرية ـ الألبانية في القرن التاسع ثم بقية هذه المناطق في القرن العاشر. وفي عهد الامبراطورية البلغارية الثانية (القرنين العاشر والحادي عشر) أصبحت عاصمة الامبراطورية بريسبا Prespa، ثم أوهريد Ohrid لاحقاً، تشرف على المناطق الإليرية ـ الألبانية.
وبعد أن قضى الامبراطور البيزنطي باسيل الثاني على الامبراطورية البلغارية الثانية في بداية القرن الحادي عشر توقف صهر الألبانيين في البوتقة السلافية ـ البلغارية عن طريق الدين ولم يبق من التأثير الثقافي البلغاري إلا بعض الأسماء.
شهدت المرحلة التي تلت سقوط الامبراطورية البلغارية بروز الألبانيين إلى ساحة الأحداث بعد غياب استمرّ عدة قرون، فقد ذكر الكتّاب البيزنطيون الألبانيين لأول مرة باسمهم في القرن الحادي عشر في روايتهم بعض الأحداث التي جرت في مناطقهم.
ومنذ القرن الثاني عشر أخذت حدود آربرية أو بلاد الآربريين تزداد وضوحاً في المصادر التاريخية نتيجة للأحداث الحاسمة التي جرت في المناطق الألبانية أو التي شارك بها الألبانيون. وقد شملت هذه المناطق المرتفعات في شمال ألبانية الحالية، ومدّت مصادر القرن الثالث عشر حدود آربرية جنوباً إلى نهر فويسا Vojsa حتى مدينة فلورة Vlora. وفي القرن الرابع عشر وصلت حدودها شمالاً إلى أولتسين، في حين تمدّ مصادر القرن الخامس عشر حدود آربريا من تيفار Tivar (بار) في الشمال إلى جيروكاسترا Gjirokastra وتشامريا Cameria في الجنوب.
ومن جهة أخرى فقد أثّر الانشقاق الكبير في الكنيسة المسيحية (1054م) في السياسة الدينية في ألبانية، إذ ارتبطت الكنائس الألبانية ببطريرك القسطنطينية، إلا أن الصراع اللاحق على النفوذ بين الكنيستين الشرقية والغربية شمل المناطق الألبانية التي كان كل طرف يعدها رأس جسر له. وكان ممن استفادوا من هذا الصراع الأمير الصربي فويسلاف Vojslav، الذي كان يحكم منطقة الجبل الأسود، فقد راح هذا الأمير يتوسع جنوباً ليسيطر على شكودرة Shkodra التي جعلها عاصمة له، في حين طلب ابنه ميخائيل من البابا غريغوريوس السابع سنة 1077م تتويجه ملكاً والاعتراف باستقلال الكنيسة في مملكته. وهكذا تمّ في تلك السنة تدشين أسقفية تيفار التي ارتبطت برومة عبر راغوصة، ودخل في إطارها الأسقفيات الألبانية في شكودرة وأولستين وديش وغيرها. وتحولت أسقفية تيفار منذ ذلك الحين إلى مركز لنشر الكاثوليكية في المناطق الألبانية الشمالية في حين بقيت المناطق الجنوبية على صلتها بالكنيسة الشرقية. وفي خضم هذا الصراع بين الكنيستين شجع البابا غريغوريوس السابع النورمان على غزو المناطق الألبانية للانطلاق منها نحو القسطنطينية. وهكذا بدأ في أيار 1081م الإنزال النورماني عند فلورة، ثم توجهت القوات النورمانية لحصار دورس Durres من البر والبحر. ومع أن دورس سقطت أخيراً بعد حصار طويل في حزيران 1082م إلاّ أن القوات النورمانية اضطرت أخيراً إلى الانسحاب عام 1083م. وبعد عدة سنوات شُغلت الأراضي الألبانية بالجيوش الصليبية المتوجهة إلى الشرق. وعاود النورمان غزو الأراضي الألبانية ثانية في عام 1107م، إلا أن الامبراطور ألكسس كومنين تمكن من إبعادهم من جديد.
كان الامبراطور ألكسس أول من حكم أسرة كومنين[ر] (1081- 1181) التي مدّت قليلاً في عمر الامبراطورية، وساعدها على ذلك بعض الإجراءات ولاسيما تطبيق نظام التمليك. ونتيجة لهذا النظام تكونت في الأراضي الألبانية في القرن الثالث عشر مجموعة من الإقطاعيين المحليين الذين أصبحوا يستخفون كغيرهم بسلطة العاصمة.
كان لظهور الدولة الصربية في الشمال والدولة البلغارية في الشرق أثر في تخفيف ضغط العاصمة على الزعماء المحليين الألبانيين مما وفر لهم فرصة ذهبية لتوطيد نفوذهم، وما لبثت الدولة الصربية أن توسعت في عصر ستيفان دوشان S.Dushan وضمت إليها قلب آربرية وكروية Kruja ثم بقية المدن الألبانية. وسمى ستيفان نفسه سنة 1348 امبراطور الصربيين واليونانيين والبلغاريين والأربانيين.
إلا أن تفكك هذه الامبراطورية الواسعة التي شملت معظم البلقان بعد موت دوشان (1355م) أدّى إلى تمركز السلطة المحلية في يد بعض الأسر الإقطاعية الألبانية كأسرة توبيا Topia في ألمانية الوسطى وأسرة بالش Balsh في الشمال أي حول شكودرة. وفي الوقت الذي كان يتميز بتناقص الأسر الإقطاعية، ظهر العثمانيون في البلقان مستفيدين من هذا الواقع لمصلحتهم، فتغلغلوا في الأراضي الألبانية أول مرة سنة 1385م بناء على دعوة من الأمير الألباني كارل توبيا نفسه، في حين سارع أمراء أسرتي بالش ودوكاجين Dukagjin إلى عقد صلح خاص مع العثمانيين بعد اعترافهم بسيادة السلطان. وحين حلّ موعد معركة كوسوفة التي حسمت مصير البلقان (1389م) كان قسم من الألبانيين يقف في صف العثمانيين، وكان القسم الآخر قد التحق بالتحالف المسيحي على العثمانيين.
بعد معركة كوسوفة اكتفى العثمانيون باعتراف الأمراء الإقطاعيين الألبانيين بسيادة السلطان وبمشاركتهم في العمليات العسكرية حين تدعو الحاجة إلى ذلك إضافة إلى خراج سنوي معين. وكانت السلطة العثمانية في البداية تعمد لضمان ولاء هؤلاء الأمراء، إلى الاحتفاظ بأحد أولادهم رهينة في العاصمة، وكان هؤلاء الأولاد يعتنقون الإسلام ويربون تربية عسكرية ثم يرسلون لتولي المراكز المختلفة. ومن هؤلاء جيرج كاستريوتي Gj.Kastrioti ابن الأمير جون كاستريوتي الذي كان يسيطر على ألبانية الوسطى في الربع الأول من القرن الخامس عشر. وكان العثمانيون قد تركوا لهذا الأمير منطقة صغيرة فقط خارج «سنجق الأرنافود» الذي كونوه سنة 1431م، وضمّ معظم ألبانية الحالية.
تسمى جيرج كاستريوتي باسم اسكندر ونشأ في بلاط السلطان العثماني مراد الثاني، واعتنق الإسلام، ومنح لقب بك بعد أن أظهر شجاعة كبيرة في المعارك التي خاضها مع الجيش العثماني في أوربة وآسيا الصغرى، وقد وُلي اسكندر بك سنة 1438، ولمدة قصيرة قضاء كروية، قلب ألبانية، الذي يتمتع بأهمية استراتيجية كبيرة. ويبدو أن وعي اسكندر بك أهمية هذا الموقع، الذي كان سابقاً ضمن أملاك أبيه، قد حرّضه على التفكير في العودة إليه والاستقلال ببلاده عن العثمانيين. وكان الهجوم المضاد الذي قاده القائد المجري هونيادي Hunyadi على العثمانيين في البلقان بين عامي 1442 - 1443 قد أنعش بعض الآمال في أوربة بوقف التقدم العثماني، ونشط البابا أوجين الرابع لتحريض الزعماء المحليين الألبانيين، بمن فيهم اسكندر بك، على التمرد على العثمانيين.
وهكذا، وفي هذه الأوضاع الإقليمية والدولية انسحب اسكندر بك مع 300 من فرسانه من الجيش العثماني الذي انهزم أمام المجريين في نيش Nish، وتمكن اسكندر بك في مدة قصيرة من توسيع سلطته على المناطق المحيطة، وأصبح زعيماً للإمارة الألبانية الجديدة. وقد لفت اسكندر بك الأنظار إليه بما فعله لأن هذا الإنجاز ترافق مع الإعلان عن حملة مجرية بولندية جديدة على العثمانيين في أوربة، إذ إن ألبانية تؤلف جسراً استراتيجياً في حال كهذه. وفي خريف 1444م توجهت قوات مجرية بولندية نحو الجنوب في حين توجهت قوات ألبانية نحو الغرب. إلا أن السلطان مراد عمل على تشتيت القوات المجرية ـ البولندية أولاً ثم التفت إلى ألبانية، حيث انشغلت هناك القوات العثمانية الضخمة نحو ربع قرن من الزمن.
وبعد عدة حملات توجه السلطان مراد بنفسه على رأس جيش كبير في سنة 1450م، نحو كروية عاصمة اسكندر بك، وبقيت قلعة كروية محاصرة طوال الصيف والخريف حتى اضطر السلطان إلى الانسحاب أخيراً.
وبعد تسلم محمد الفاتح للحكم (1451- 1481) أرسل عدة جيوش عثمانية أخرى إلى كروية إلا أنها كانت تخفق في كل مرة. ولكنه بعد أن تمكن من فتح القسطنطينية (1453) أرسل جيشاً ضخماً من 80 ألف جندي بقيادة بالبان باشا الألباني، أحد أشهر العسكريين في الامبراطورية. إلاّ أن هذا الجيش تعرض لهزيمة حاسمة دفعت السلطان الفاتح إلى التوجه بنفسه على رأس أكبر جيش في الامبراطورية (150 ألفاً) في حزيران 1446م. ولم يحقق هذا الجيش الغاية التي ذهب من أجلها حتى كان موت اسكندر بك سنة 1467 وسقوط عاصمته بيد العثمانيين.
بدأ الازدهار يعود ثانية إلى هذه المناطق بعد استقرار الحكم العثماني منذ بداية القرن السادس عشر، وقد أسهم في هذا الاستقرار والازدهار تحول الألبانيين التدريجي نحو الإسلام الذي وصل إلى ذروة انتشاره هناك في القرنين السادس عشر والسابع عشر، وغدا معظم الألبانيين من المسلمين. وقد صاحب انتشار الإسلام في المناطق الألبانية ازدهار اقتصادي وثقافي وقومي على قدر كبير من الأهمية. فقد تطورت المدن كثيراً (شكودرة ـ بيرات Berat ـ ألباسان Elbasan وغيرها) بازدهار الحرف والتجارة مع المناطق القريبة والبعيدة، مما فتح الطرق وعزز الاتصال على التراب الألباني. وفي هذه المدن برزت المنشآت الدينية ـ الثقافية الجديدة وحدث انفتاح كبير على اللغات والآداب الجديدة (العربية والتركية والفارسية) مما مهد لظهور أدب ألباني جديد على المستوى القومي. ومن ناحية أخرى فقد كانت المسيحية للألبانيين في عشرة قرون وأكثر بوتقة للذوبان القومي في إطار الآخرين (الإطار اللاتيني «الروماني» اليوناني البلغاري، الصربي) في حين جاء الإسلام في اللحظة المناسبة ليحمي الألبانيين من هذا الذوبان الثقافي ـ القومي، وبقيت الشعوب المجاورة لهم على المسيحية (الصربيون في الشمال والبلغاريون في الشرق، واليونانيون في الجنوب).
وكما في العهد الروماني والبيزنطي فقد شاعت شهرة الجنود الألبانيين في العصر العثماني أيضاً، وأصبح وجودهم يغطي كل الولايات العثمانية في أوربة وآسيا وإفريقية في البر والبحر.
أصبح الألبانيون يعدون الدولة العثمانية دولتهم، فكانوا يشاركون في الدفاع عنها، ولكن هذه العلاقة العثمانية ـ الألبانية تعرضت للتصدع مع انحطاط الامبراطورية العثمانية، وبالتحديد مع عجز الدولة عن الدفاع عن الأراضي الألبانية أمام أطماع القوى الأوربية. وكان بعض الولاة الألبانيين قد حاولوا الاستفادة من ضعف الامبراطورية للاستقلال بمناطقهم الألبانية، كأفراد أسرة بوشاتلي Bushatli في شمالي ألبانية وعلي باشا يانينا A.Janina في جنوبي ألبانية، في نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر. ومع أن اصطنبول نجحت في إبراز قوتها والقضاء على هذه المحاولات، فإنها عجزت عن الدفاع عن هذه المناطق أمام الأطماع السلافية التوسعية التي كانت تهدف إلى إنهاء الوجود العثماني في البلقان.
وقد تبدى هذا العجز بوجه خاص بعد الحرب العثمانية ـ الروسية (1877)، التي انتهت إلى توسع الدويلات السلافية (الجبل الأسود، صربية وبلغارية) على حساب العثمانيين والألبانيين. ومع أن مؤتمر برلين (1878) قد خفف قليلاً من حدة هذا التوسع السلافي، إلاّ أن قرارات برلين أثارت استنكاراً واسعاً في المناطق الألبانية، وتحول الاستنكار في صيف 1878 إلى حركة قومية ألبانية شملت المسلمين والمسيحيين تطالب بالحكم الذاتي والدفاع عن الأراضي الألبانية. وقد تطور الوضع إلى مجابهة عنيفة بين القوات العثمانية والألبانية في ما بين عامي 1879 و1881 لأن اصطنبول تعهدت بتسليم المناطق التي كان يدافع عنها الألبانيون إلى الدويلات المجاورة تنفيذاً لقرارات مؤتمر برلين.
وفي الربع الأخير من القرن التاسع عشر تعمقت المشاعر القومية الألبانية بتأثير الصحف والمجلات والأدب القومي الجديد، وأصبحت تركز على المطالبة بنوع من الحكم الذاتي من دون التخلي عن الدولة العثمانية. وفي بداية القرن العشرين شارك الألبانيون مشاركة فعّالة في تأسيس جمعية «الاتحاد والترقي» [ر] وفي الانقلاب على السلطان عبد الحميد في عام 1908م وفي إسقاط الانقلاب المضاد سنة 1909م. ولكن السلطة الجديدة خيبت آمالهم تماماً مما دفعهم إلى الانتفاضة المسلحة ما بين عامي 1910- 1912، وقد توجت هذه الانتفاضة نجاحها بالسيطرة على أسكوب عاصمة كوسوفة في منتصف آب 1912. وفي هذا الوضع الجديد الذي أصبحت فيه قوات الانتفاضة تسيطر على مناطق واسعة، أذعنت اصطنبول (في 18 آب 1912) لمطالب الزعماء الألبانيين (برنامج الـ 14 نقطة) التي كانت تقتصر على نوع من الحكم الذاتي. إلا أن الدويلات المجاورة (الجبل الأسود، صربية، بلغارية واليونان) تحركت بسرعة بتشجيع من روسية القيصرية خشية أن يؤدي هذا الاتفاق العثماني ـ الألباني إلى استقرار الوجود العثماني في البلقان، الشيء الذي يحدّ من تحقيق مطامع روسية التوسعية. وهكذا تسارعت هذه الدويلات إلى عقد تحالف بلقاني، بتأييد من روسية القيصرية، وأعلنت الحرب على الامبراطورية العثمانية لكي تتقاسم تلك المناطق الواسعة في البلقان.
وفي التاسع من تشرين الأول سنة 1912 اندلعت الحرب البلقانية الأولى التي جمعت بين الطموحات القومية والأهداف التوسعية والتعصب الديني. وانتهت الحرب إلى زوال الحكم العثماني في معظم البلقان، ولم تسمح إلاّ بتكوين دولة صغيرة للألبانيين (ألبانية)، في حين وجد معظم الألبانيين أنفسهم في الدول البلقانية المجاورة التي توسعت كثيراً بفضل الحرب.
الانتشار الألباني
يعيش الألبانيون في منطقة واسعة حول الدولة القومية «ألبانية» وبالتحديد في اليونان وتركية ويوغسلافية (سابقاً) وإيطالية، ويتوزعون في جمهورية يوغسلافية السابقة على أربع وحدات فيدرالية تحيط بألبانية، حيث يكونون الغالبية الساحقة في إقليم كوسوفة ونحو ربع السكان في جمهورية مقدونية وأقلية في جمهورية صربية وجمهورية الجبل الأسود. أما عدد الألبانيين في جمهوريات يوغسلافية السابقة (تقديرات 1988) فيقترب من مليونين، وبهذا فهم يعدون المجموعة القومية الثالثة بعد الصربيين والكرواتيين. وبالمقارنة مع ألبانية فإن معظم الألبانيين في يوغسلافية هم من المسلمين، باستثناء أقلية من الكاثوليك تقدر بـ 50 ألف نسمة. وكانت هذه المناطق التي يسكنها الألبانيون في يوغسلافية السابقة تحت الحكم العثماني حتى 1912م، حين اندلعت الحرب البلقانية الأولى وانتهت إلى تقاسم هذه المناطق بين مملكتي صربية والجبل الأسود. وقد مورست حينئذ في هذه المناطق المحررة إجراءات عنيفة على الألبانيين ولاسيما في المناطق التابعة للجبل الأسود حيث أرغموا على الارتداد عن الإسلام، مما أدى إلى هجرة عدد كبير منهم إلى تركية. وفي نهاية الحرب العالمية الأولى دخلت هذه المناطق في إطار الدولة الجديدة، مملكة يوغسلافية. وفي العهد الملكي 1918- 1941 عانى الألبانيون والمسلمون عامة الاضطهاد، مما دفع مئات الألوف منهم إلى الهجرة نحو تركية. وبعد انهيار يوغسلافية الملكية (نيسان 1941) دمجت هذه المناطق مع ألبانية لتكون ألبانية الكبرى من المدة بين 1941- 1945. وبعد نهاية الحرب عاد الوضع إلى ما كان عليه سابقاً بين جمهورية يوغسلافية الاتحادية وألبانية. وفي العهد الجديد أصبح الألبانيون يعدون قومية متساوية مع بقية القوميات، ولاسيما بعد سقوط مراكز القوى في 1966م التي كانت تضيق الخناق على الألبانيين والمسلمين عامة، وأصبح إقليم كوسوفة منذ 1974م وحدة فيدرالية متساوية مع بقية الوحدات السبع التي يتألف منها الاتحاد اليوغسلافي.
وفيما يتعلق باليونان فقد انتشر الألبانيون جنوباً باتجاه تسالية وشبه جزيرة المورة منذ القرون الوسطى (القرن الثاني عشر) نتيجة للضغوط المختلفة الاقتصادية والسياسية والديموغرافية وبتشجيع من حكام تلك المناطق التي كانت فقيرة بالسكان في ذلك الوقت. وفي قرنين أصبح الألبانيون في المورة والجزر المجاورة عنصراً أساسياً في التطور الاقتصادي والديموغرافي لتلك المناطق. وقد تبين هذا بوجه خاص في النصف الثاني للقرن الرابع عشر إبان حرب العثمانيين في المورة، إذ كان للعنصر الألباني المحلي أثره الكبير في هذه الحرب، وقد تكرر على نحوٍ أوضح في الثورة اليونانية في القرن التاسع عشر، التي كان أبرز زعمائها من الألبانيين كالأخوة كوندريوتي والأخوة بوهاري وي. كارايكاتشي ول.بوبولينا وغيرهم.
وكان للألبانيين ثقل كبير في مملكة اليونان، حتى إن أول رئيس للحكومة اليونانية كوندوس، قد أهاب بأوربة في رسالة له سنة 1832م أن تفعل أي شيء حتى لا يبقى نصف سكان اليونان من اليونانيين والنصف الآخر من الألبانيين، لأن اليونان في هذه الحال لن يكون لها أي مستقبل. وفي الواقع هناك في منتصف القرن التاسع عشر تقديرات تقول: إن ثلث سكان الدولة (اليونان) كانوا من الألبانيين. ويكفي أن نذكر هنا أن أثينة عندما اختيرت عاصمة للدولة الجديدة (1835) كانت قرية يحيط بها الألبانيون من كل جانب، ومع توسع أثينة تحولت القرى المجاورة إلى أحياء جديدة. وقد احتفظت بعض الأحياء إلى اليوم بتسمياتها وبسكانها «الأرفانيد» كما يسمى الألبانيون في اليونان إلى اليوم.
ولكن الدين المشترك وهيمنة الكنيسة اليونانية، وبالتحديد عدم الاعتراف بكنيسة قومية خاصة للألبانيين، كل ذلك أدى مع الزمن إلى ذوبان الكثير من الألبانيين في اليونان في البوتقة اليونانية.
أما عن الانتشار الألباني في إيطالية فقد حدث في ثلاث موجات من الهجرة، وكانت الهجرة الأولى، وهي الكبرى، من ألبانية الوسطى والجنوبية بعد وفاة اسكندر بك (1467م) إلى مملكة نابولي حيث أفردت لهم مساحات واسعة في كالابرية وصقلية. وقد لحقت بهؤلاء الألبانيين موجة ثانية جاءت من المورة في منتصف القرن السادس عشر في حين توجهت الثالثة والأخيرة إلى هناك في نهاية القرن السابع عشر. وكما حدث في المورة فقد أحيا هؤلاء الألبانيون الأراضي الجرداء التي مُنحوها، وعرفت تلك المناطق تطوراً اقتصادياً وديموغرافياً سريعاً. وبرزت في تلك المناطق نحو ثمانين قرية جديدة تحول بعضها إلى مدن صغيرة مع مرور الزمن. وفي ربيع سنة 1988 احتفل بذكرى مرور 500 سنة على تأسيس (بيانادي ألبانيزي) بالقرب من «باليرمو» التي تحولت من قرية بسيطة إلى عاصمة للألبانيين يبلغ عدد سكانها 50 ألف نسمة، وبالمقارنة مع اليونان، فقد تمكن الألبانيون في إيطالية الذين يقدر عددهم بربع مليون نسمة، من الحفاظ على قوميتهم إلى اليوم. ومن المؤكد أن الفضل في هذا كان يعود في البداية إلى تمايزهم الديني، إذ إنهم كانوا يؤلفون جزيرة أرثوذكسية في بحر كاثوليكي. وفيما بعد توافرت لهؤلاء الألبانيين شروط ثقافية أفضل، إذ افتتحت كلية الدراسات الإيطالية الألبانية في باليرمو ثم كلية القديس أدرياني في كالابرية في النصف الأول من القرن الثامن عشر. وفي هذين المركزين تخرج عدد كبير من المثقفين الألبانيين اللاحقين الذين أسهموا في استمرارية الكتابة بالألبانية. وأدى نشر الصحف والمجلات والكتب بالألبانية في القرن التاسع عشر إلى أن يكون لهؤلاء الألبانيين دورهم الريادي في النهضة القومية الألبانية.
أما في تركية فيرتبط وجود الألبانيين فيها بكونها وريثة الامبراطورية العثمانية، التي كانت دولة الألبانيين جزءا منها لعدة قرون. فلقد شارك الألبانيون في تكوين النخبة العسكرية والسياسية على نحو خاص وبرز منهم الكثير من القادة العسكريين والوزراء العظام الذين تحكموا في بعض الأحيان بمصير الامبراطورية.
وكان من الطبيعي أيضاً أن تجذب اصطنبول، بوصفها عاصمة الامبراطورية الكثير من المثقفين الألبانيين. حتى إنها تحولت إلى إحدى مراكز الإشعاع الثقافي في مرحلة النهضة القومية الألبانية.
ولمّا كانت تركية هي الملجأ الأخير لكل من بقي في البلقان من المسلمين، فقد بقي الألبانيون يهاجرون إلى تركية مع كل موجة جديدة من الضغط عليهم سواء من قبل الأنظمة اليمينية أو اليسارية بحيث لم تتوقف هذه الهجرة إلا في منتصف الستينات. ولهذا بقي عدد الألبانيين في تركية يتزايد، حتى وصل في بداية الستينات إلى مليونين. ومع هذا العدد الكبير فإن الألبانيين يتعرضون للذوبان في البوتقة التركية لوجود الدين المشترك والزواج المختلط ولطبيعة النظام التركي الذي لا يعترف بوجود القوميات، ومع ذلك لوحظ نوع من التسامح في السنوات الأخيرة ومزيد من الانفتاح على الأوطان الأصلية للألبانيين (ألبانية والاتحاد اليوغسلافي) عندما تولى الجنرال كنعان إيفرين (الألباني الأصل) السلطة في تركية.
وإضافة إلى هذه الدول المحيطة بألبانية لا بدّ من ذكر البلاد العربية، التي كان للألبانيين فيها وجود في العهد العثماني، وكان الوجود الألباني في هذه البلاد يقتصر في البداية على النخبة السياسية (الولاة) والعسكرية (الضباط والجنود). فقد تولى الحكم عدد كبير من الولاة الألبانيين سواء بصلاحيات مقيدة (بلدان المشرق) أو بصلاحيات واسعة (بلدان المغرب)، وقد حاول بعض هؤلاء الاستقلال عن الامبراطورية العثمانية وتأسيس حكم وراثي، ولكن لم ينجح في هذا إلا محمد علي باشا في مصر.
وفي القرن التاسع عشر بدأ هذا الوجود الألباني يتخذ طابعاً مدنياً، وبذلك تكونت جالية ألبانية كبيرة في مصر وأخرى أصغر منها في سورية. وكانت نواة الجالية الألبانية في مصر قد تألفت من الجنود الألبانيين الذين جاؤوا مع محمد علي باشا، ثم توسعت في منتصف القرن التاسع عشر مع قدوم الكثير من الألبانيين من اليونان وألبانية الجنوبية نتيجة للأحوال الاقتصادية الصعبة هناك. ومع تضخم هذه الجالية أصبحت مصر في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين من أهم مراكز الثقافة الألبانية، ومن هذا الموقع كان لها دور فعّال في النهضة القومية الألبانية. أما في سورية فقد تكونت نواة الجالية الألبانية في نهاية القرن التاسع عشر ونمت في بداية القرن العشرين مع وصول الألبانيين الذين جاء معظمهم من يوغسلافية، وبالمقارنة مع مصر فقد كانت الجالية الألبانية أطول عمراً في سورية نظراً لتأخر وصول الألبانيين، في حين فقدت الجالية الألبانية في مصر أهميتها بعد إعلان الاستقلال (1912) وإعلان الجمهورية (1953)، إذ إن عددها تقلص بسرعة نتيجة للهجرة المعاكسة إلى ألبانية أولاً ثم إلى أمريكة وأسترالية أخيراً.
اللغة
تمثل اللغة الألبانية الحديثة فرعاً مستقلاً تماماً من مجموعة اللغات الهندية ـ الأوربية. ومع ذلك فإن الألبانية من حيث بعض الخصائص تدخل في القسم الشرقي من هذه المجموعة كالأرمنية والهندية الإيرانية والسلافية البلطيقية (تحول k,g إلى th,dh) في حين تبتعد عن اللاتينية واليونانية وتقترب من اللغات الشمالية لوجود بعض الخصائص الأخرى (تحول الـ o القصيرة إلى a مثلاً) ويلاحظ في الألبانية وجود شرائح متعددة غير ألبانية وهي تدل على قدم هذه اللغة من ناحية، وعلى المكان الذي تألفت فيه هذه اللغة من ناحية أخرى. وأقدم هذه الشرائح وأوسعها هي اللاتينية ثم هناك الشرائح اليونانية القديمة والسلافية وأخيراً الشرقية (التركية والعربية والفارسية) التي تأتي مباشرة بعد اللاتينية من حيث الأهمية. فقد دخلت الألبانية مئات الكلمات الوافدة من الشرق، وهي تعبر عن هذه الحضارة الجديدة في البيت والشارع والدين والإدارة والأدب. وضمن هذه الشريحة الشرقية فإن المفردات العربية تأتي في المرتبة الأولى، إذ إنها تصل وحدها إلى عدة مئات، تليها التركية ثم الفارسية.
تتميز الألبانية بكونها لغة تركيبية ـ تحليلية، وهي تتمتع بنظام صوتي أصيل وغني يتألف من 7 حروف صوتية و29 صامتاً. وإضافة إلى التذكير والتأنيث هناك حالة الحياد أيضاً، إلا أنها في تراجع ولم تبق إلا في عدد محدد من الأسماء. وتتميز الألبانية أيضاً باحتفاظها بنظام الحالات الإعرابية (5 حالات) وبوجود التعريف والتنكير واستعمال السوابق واللواحق، وهنا يلاحظ أنّ بعض الصفات تستعمل السوابق في حين تستغني عن ذلك بعضها الآخر، وأخيراً فإن نظام الأفعال الألبانية يتصف بالتنوع سواء من حيث الأحوال: (تقريرية، وصلية، شرطية، تعجبية، ترغيبية، أمرية) أو من حيث الأزمان (الماضي غير التام، الماضي التام البسيط، الماضي التام الموغل في القدم، المضارع وأخيراً المستقبل ).
ومن ناحية أخرى فقد أدت الأوضاع القاسية التي مرت بالألبانيين في القرون الوسطى ولاسيما السيطرة السياسية والهيمنة الثقافية، إلى تأخر الكتابة باللغة الألبانية، فاللغة كانت ترتبط بالدين في المناطق الساحلية المقابلة لرومة في حين كانت اليونانية لغة الثقافة في الجنوب، وتعزز هذا الفرز اللغوي بين الشمال والجنوب حين انتشرت المسيحية لاحقاً، إذ أصبحت اللاتينية لغة الكنيسة الكاثوليكية في الشمال وغدت اليونانية لغة الكنيسة الأرثوذكسية في الجنوب، أما مع انتشار الإسلام فقد أصبحت العربية لغة الدين الجديد، إلا أن الإسلام لم يكن يمنع الألباني من استعمال لغته في شعائره الدينية باستثناء الصلاة. وهكذا فقد أدى هذا الوضع إلى تأخر الكتابة باللغة الألبانية من ناحية وإلى تعدد أشكال الكتابة التي كتبت بها الألبانية من ناحية أخرى.
فمن نهاية القرن الخامس عشر أو من بداية القرن السادس عشر هناك نصّان قصيران بالألبانية وهما مقاطع من الإنجيل تمثل اللهجة الجنوبية التي كتبت بحروف يونانية، ومن منتصف القرن السادس عشر (1555) هناك أول كتاب مطبوع بالألبانية وهو «كتاب القداس» للقس جون بوزوكو Gj.Bozuku، الذي يمثل اللهجة الشمالية التي كتبت بحروف لاتينية قوطية، أي كتلك التي كانت تستعمل في البندقية. ومن نهاية القرن السادس عشر (1592) هناك كتاب آخر طبع في رومة بعنوان «تعاليم المسيحية".
وحين وصل انتشار الإسلام إلى ذروته في القرن السابع عشر تحول الألبانيون المسلمون إلى كتابة لغتهم بحروف عربية، وأصبحت الحروف العربية لاحقاً هي أبجدية الأكثرية، في حين بقيت الحروف اللاتينية أبجدية مستعملة لدى الألبانيين الكاثوليك والحروف اليونانية أبجدية مستعملة لدى الألبانيين الأرثوذكس، ولكن في مرحلة النهضة القومية الألبانية طرحت مسألة اعتماد حروف كتابة واحدة للألبانية وتحول هذا الأمر في بداية القرن العشرين إلى خلاف بين المتحمسين للغرب والموالين للشرق، وانتهى الأمر إلى اعتماد الرسم اللاتيني المعروف لحروف الكتابة الألبانية في مؤتمر مناسيتر (1908) وأصبحت تلك الحروف الألفبائية الرسمية الألبانية بعد إعلان الاستقلال (1912)، وبقيت الحروف العربية تستعمل لدى الألبانيين في يوغسلافية حتى الحرب العالمية الثانية.
وفي اللغة الألبانية لهجتان أساسيتان هما: لهجة الغيغ Gheg في الشمال ولهجة التوسك Tosk في الجنوب، وتنقسم كل لهجة إلى لهجات فرعية. ويتخذ في العادة نهر شكومبيني Shkumbini، الذي يقسم ألبانية من الشرق إلى الغرب، حداً فاصلاً بين هاتين اللهجتين. ومن المؤكد أن هاتين اللهجتين قد تكونتا في وقت قديم إذ إن أقدم الكتابات الألبانية تحفظ هذا التمايز. ومع الزمن تطورت من كل لهجة صيغة أدبية يكتب وينشر بها. وقد بقيت الدولة الألبانية تعترف بهاتين اللهجتين للغة الألبانية، وتمّ الاتفاق أخيراً (سنة 1972) بين ممثلي الألبانيين في الدول الثلاث (ألبانية والاتحاد اليوغسلافي في السابق وإيطالية) على لغة أدبية واحدة لكل الألبانيين.
الأدب
كان «كتاب القداس» للقس بوزوكو (1555) وكتاب «التعاليم المسيحية» للقس ماترنغا Matrega (1567- 1622) نواة مايسمى «الأدب الألباني الكاثوليكي» فبعد هذين الكتابين قام القس بيتر بودي (1566-1622)P.Budi بترجمة كتاب «القصيدة المسيحية» الذي نشر سنة (1618م) كما ترجم قصائد مختلفة في موضوعات مسيحية، إضافة إلى قصيدتين كتبهما بودي نفسه يمدح في الأولى البابا غريغوري الخامس عشر ويناجي مريم العذراء في الثانية. وفي القرن السابع عشر نشر بيتر بوغداني (1630-1689)P.Bogdani كتاباً بعنوان «جماعة الأنبياء» باللغتين اللاتينية والألبانية، تحدث فيه عن قصة خلق العالم كما وردت في التوراة ثم عن بعض الأنبياء، وأخيراً عن حياة السيد المسيح، وحوت المقدمة ثلاث قصائد باللغة الألبانية، كتب الأولى والثانية صديقان للمؤلف تقديراً له وكتب المؤلف الثالثة في مدح أحد رجال الدين.
بعد هذا الكتاب تلاشى الأدب المكتوب بالحروف اللاتينية أمام الأدب الألباني بالحروف العربية الذي برز بقوة في القرن السابع عشر عند المسلمين وتميز منذ بدايته بالنضج الفني والانتشار الواسع وعدم انغلاقه على الموضوعات الدينية؛ إذ عالج موضوعات متعددة كالتغني بالطبيعة والحياة إضافة إلى التعبير عن هموم الإنسان الذاتية. ومن أعظم ممثلي هذا الأدب الشاعر إبراهيم نظيمي (ت1760) الذي خلّف أول ديوان شعر باللغة الألبانية. وبعد هذا برز عدة شعراء كبار كسليمان نائبي S.Naibi (ت1771) الذي كان أول من أشاع في الشعر التغني بالحب وجمال المرأة، والشاعر إسماعيل فلوتشي I.Floqi الذي كان أول من تغنى بالحنين إلى الوطن، ثم حسن ز. كامبيري H.Kamberi (ت. نحو 1880) الذي برز في شعره أول مرة الواقع الألباني في الريف.
وقد تطور هذا الأدب في القرن التاسع عشر ولاسيما على صعيد التحول نحو القصائد القصصية والملاحم الشعرية. ومع العودة إلى الموضوعات الدينية بادر الشاعر كامبيري إلى نظم قصيدة طويلة عن حياة النبي محمدr لتنشد بمناسبة الاحتفال بالمولد النبوي. وقد تحول هذا إلى تقليد في القرن التاسع عشر بفضل الشعراء عبد الله كوينسبولي A.Konsipoli وإسماعيل فلوتشي وحاجي تشيتشيكويا وغيرهم، كما نظم الشاعر داليب فراشري D.Frasheri ملحمة الحديقة التي تتألف من 56 ألف بيت من الشعر حول موقعة كربلاء، ونظم الشاعر شاهين فراشري ملحمة «مختار نامة» نسبة إلى المختار بن أبي عبيد الثقفي التي جاءت في 12 ألف بيت من الشعر.
وفي النصف الثاني من القرن التاسع عشر عبّر الأدب بوضوح إثر النهضة القومية الألبانية عن المشاعر القومية الألبانية والتواصل الألباني على مستوى المراكز الثقافية المتعددة: (بوخارست وصوفية، واصطنبول ومصر وإيطالية). وكان مما ساعد على التواصل بين هذه المراكز وانتشار الأدب على نحوٍ أوسع إصدار الصحف والمجلات وتأسيس الجمعيات الثقافية القومية. وفي البداية كانت الصحف تصدر بلغتين: الألبانية والإيطالية أو الألبانية واليونانية كصحيفة «الألباني الإيطالي» التي صدرت في نابولي سنة 1848 و«صوت ألبانية» التي صدرت في أثينة سنة 1879م. أما أول صحيفة ألبانية كاملة فكانت «دريتا» التي صدرت في اصطنبول سنة 1884، في حين صدرت سنة 1897 خمس صحف ومجلات «ألبانية» في بروكسل و«ألبانية» في بوخارست وغيرها. أما في بداية القرن العشرين فقد صدرت صحف ومجلات كثيرة في هذه المراكز منها: «دريتا» في صوفية (1901) و«ألبانية» في مصر (1901) و«كومبي» في بوسطن.
وضمن هذه الخريطة يلاحظ في أدب هذه المرحلة توزع الأدوار الريادية بين المراكز المختلفة. فقد برزت إيطالية بدورها الكبير في رفع الشعر الألباني إلى المستوى الأوربي بفضل الشعراء الإبداعيين الكبار مثل يرونيم دي رادا (1814-1903)I.De Rada وغفريل دارا الابن (1826- 1885) وزف سرمبه (1844-1901)Z.Serembe . ومن ناحية أخرى كان لمصر دورها الريادي الذي يتمثل في إغناء أدب هذه المرحلة باتجاه جديد في الشعر هو «الواقعية» وبفن جديد هو «المسرحية»، وذلك بفضل إبداعات أنطون تشايوبي (1866-1930)A.Cajupi وميلو دوتشي (1870-1933)M.Duci وغيرهما.
ومع إعلان استقلال ألبانية (1912) دخل الأدب الألباني مرحلة جديدة، كبر فيها شأن ألبانية بوصفها مركزاً أساسياً على حساب المراكز السابقة. فقد تراجع بسرعة الإبداع الأدبي في القاهرة واصطنبول وصوفية وبوخارست لصالح المركز الجديد، ولم يبق هناك إلاّ يوغسلافية وإيطالية، وحتى في إيطالية فقد تجمد النشاط الأدبي في البداية بعد أن استقرت ألبانية دولةً منذ عام 1920. وكان مما أسهم في هذا الجمود النظام الفاشي الجديد الذي لم يكن ينظر بارتياح إلى نشاط الألبانيين. ولكن بعد سقوط النظام الفاشي عاد النشاط الأدبي ثانية، فصدرت صحف ومجلات جديدة باللغة الألبانية، وازدهرت حركة النشر، وأدى هذا إلى تواصل أدبي جديد مع ألبانية ويوغسلافية ولاسيما في الستينات والسبعينات، وفي هذه الأوضاع برز جيل جديد من الشعراء الذين اكتسبوا شهرة على المستوى القومي الألباني مثل دوشكو فيتمو D.Vetmo (ولد 1944) وفوريا أويكو (1931-1989)V.Ujko وكارمل كاندريفا (1931-1984) K.Kandreva .
وفي يوغسلافية أيضاً حدث نوع من الانقطاع في الإنتاج الأدبي حتى الحرب العالمية الثانية، فقد كان النظام الملكي (1918-1941) يضغط على الألبانيين ولا يسمح لهم حتى باستعمال لغتهم. وقد أدى هذا إلى انكفاء الأدب الذي بقي يكتب بالحروف العربية في التكايا. وبعد الحرب العالمية الثانية تطور الأدب الألباني في يوغسلافية في أجناسه المتعددة (الشعر والقصة والرواية والمسرحية)، ففي عام 1952م صدرت أول مجموعة قصصية «باتجاه الأيام الجديدة» لصدقي إمامي S.Imami وفي عام 1954م صدرت أول مجموعة شعرية للشاعر أسعد مكولي (1916-1993)E.Mekuli في حين صدر في عام 1957م أول رواية للكاتب سنان حساني S.Hasani (ولد 1922) ونشرت حينئذ المحاولات الأولى في مجال المسرحية.
وأصبح الأدب الألباني في يوغسلافية في السبعينات والثمانينات يمثل بحق المستوى الألباني ـ اليوغسلافي ـ الأوربي. ويمكن أن يذكر من الشعراء أنور جرتشيكو E.Gerqeku (ولد 1928) وعبد العزيز إسلامي A.Islami (ولد 1930) وآدم غيطاني (1935-1982)A.Gajtani وعظيم شكريلي A.Shkerli (1938-1997) وعلي بودريميا A.Podrimja (ولد 1942). ويذكر من الروائيين: نظمي رحماني N.Rahmani (ولد 1941) وعمر شكريلي Y.Shkerli (ولد 1945) وإبراهيم قدري I.Kadriu (ولد 1945) ومحمد كرايا M.Kraja (ولد 1952). ومن كتاب القصة حفظي سليماني (1910-1975)H.Sulejmani ورامز كلمندي R.Kelmendi (ولد 1930) وموسى رمضاني M.Ramadani (ولد 1944)، ومن كتاب المسرحية رجب تشوسيا (R.Qosija (1936 وأنطون باشكو (1937-1995)A.Pasku وعمر شكريلي.
وقد ترجم من هذا الأدب أعمال كثيرة إلى اللغات اليوغسلافية وغيرها. كما ترجمت بعض الأعمال إلى العربية مثل «مختارات من الشعر الألباني المعاصر» (دمشق 1981) ومسرحية «أبو الهول الحي» (الكويت 1983) و«مختارات من الشعر النسوي من كوسوفة» (دمشق 1986) ورواية «الريح والبلوط» لسنان حساني (بيروت 1986) وعدد من روايات إسماعيل كاداره في دمشق وبيروت والقاهرة.
العادات والتقاليد
أثرت الأحوال القاسية التي رافقت الألبانيين عدة قرون، وحركة المد والجزر أو الصعود إلى المرتفعات والهبوط إلى السهول تبعاً لتوسع القوى المجاورة وانكماشها أثرت هذه في تكوّن الكثير من العادات والتقاليد واستمرارها. وقد جعلت هذه الأحوال من الألباني إنساناً صلداً قادراً على العيش في أصعب الأحوال، وعلى تحمل المشاق المختلفة، كما أنها جعلت منه إنساناً مستعداً دائماً للقتال حتى إن بعضهم يعمم ذلك ويقول: «إن الألباني قد خلق للسلاح» مستنداً في ذلك القول إلى دور الجنود الألبانيين في الامبراطوريات المختلفة.
لقد أثرت هذه الحال أيضاً في بيت الألباني الذي يسمى عادة «البرج الألباني» وما يزال إلى اليوم يلفت النظر في جنوبي ما كان يعرف بالاتحاد اليوغسلافي، فهذا البيت يبدو برجاً للدفاع أكثر منه بيتاً للسكن المريح، فهو مربع من الحجر يرتفع طابقين أو أكثر، ويخلو الطابق الأول من النوافذ التي يستعاض عنها بالشقوق المخصصة للبنادق، في حين يخصص الطابق الثاني للسكن والضيافة وهناك غالبا ما يكون لغرفة الرجال (الضيوف) مدخل خاص يفصلها عن قسم النساء (المطبخ وغرف النوم).
إن «غرفة الرجال» هي أيضاً نتاج الأوضاع التاريخية، وهي تعبير عن العادات والتقاليد المتعلقة بالضيافة، فنظراً لطبيعة المناطق الألبانية الصعبة كان من حق كل ألباني مسافر أن يطرق أول باب عند حلول الظلام وأن يمضي هناك ضيفاً ليلة أو ليلتين من دون أن يُسأل عن سبب قدومه أو وجهة سفره. وفي الواقع فإن أبلغ تعبير عن هذا الإجراء استعمال الكلمة العربية «مسافر» mysafir في الحديث عن الضيف، والتي لا يوجد لها بديل حتى اليوم في اللغة الألبانية، وإبان إقامة الضيف يعامله أفراد البيت باحترام. وإذا حدث أن قتل فيقع على صاحب البيت أن يثأر له. وتجدر الإشارة إلى أن الأخذ بالثأر من أبرز العادات التي تميز الألبانيين من غيرهم في البلقان، وتعبّر هذه العادة عن النظام العشائري ـ الأبوي الذي كان سائداً لدى الألبانيين حتى وقت قريب، بل إن بقاياه ما تزال في الريف بجنوبي يوغسلافية سابقاً. وفي العادة يسعى صاحب الدم إلى الأخذ بالثأر من القاتل، ولكن يمكن أن يثأر لنفسه بقتل أي رجل من أسرة القاتل أو عشيرته. ويرتبط بالثأر تقليد يسمى بيسا Becsa يقترب من المفهوم العربي «العهد» وفي العادة إن الألباني لا يخل بعهد قطعه لأحد ولو اضطر في سبيل ذلك إلى التضحية بحياته. وفي هذه الحال يمكن لصاحب الدم أن يقطع عهداً بتوسط الآخرين للشخص الملاحق أو لأسرته بأن يخرج من البيت أو يعمل في حقله في ساعات محددة في النهار لمدةٍ معينة. ونظراً للتقدم الاقتصادي والاجتماعي، ولطبيعة النظام القائم، فإن هذه العادة قد تلاشت تقريباً في ألبانية وجنوبي إيطالية ولا تزال حية في جزء مما كان يسمى يوغسلافية، ويستمر لدى الألبانيين إلى اليوم في جنوبي يوغسلافية نظام الأسرة الكبيرة التي يراوح عدد أفرادها بين 50 و100 فرد. وفي هذه الحال يبرز رأس الأسرة أو رب البيت الذي يكون عادة أكبر أفراد الأسرة وأعقلهم، وهو الذي يوزع الأعمال اليومية على الجميع ويرعى الميزانية ويمثل الأسرة أمام الآخرين. ويكاد هذا النمط أن يتلاشى في ألبانية.
وفي مثل هذه الأحوال يغدو من الطبيعي أن يكون الاهتمام بالأولاد أعظم من الاهتمام بالبنات، ويبدأ هذا الاهتمام منذ اللحظة الأولى من حياة المولود فقد جرت العادة أن يشار إلى ولادة الذكر بإطلاق الرصاص تأكيداً للمكانة التي يشغلها الرجال، ومن ناحية أخرى فقد بقيت إلى اليوم في جنوب ما كان يعرف باسم يوغسلافية بعض مظاهر الفصل السابق بين الجنسين، ففي الريف تجري أحياناً تقاليد الخطبة والزواج وفق الأعراف، أي ما يزال هناك من لا يرى زوجته إلاّ ليلة العرس، إلا أن هذا التقليد بدأ يتلاشى بسرعة في السنوات الأخيرة.
والألباني لا يتزوج من أقاربه ولا من بنات عشيرته، ومع مرور ستين سنة على تعايش الألبان مع غيرهم من شعوب يوغسلافية، إلا أن الزواج المختلط ما يزال نادراً، فالألباني يفضل أن يتزوج ألبانية، وقد يتزوج أحياناً من سلافية مسلمة، إلا أن الزواج من سلافية غير مسلمة يبقى نادراً جداً. وعلى خلاف ذلك فالزواج بين ألباني مسلم وألبانية غير مسلمة (كاثوليكية) أو العكس، لا يثير ذلك القدر من الاستغراب أو عدم الارتياح.
وقد استمرّ كثير من هذه العادات والتقاليد بفضل القانون العرفي الذي كان يحتكم إليه الألبانيون، والذي اشتهر باسم «قانون لك دوكاجيني»، وكان هذا القانون الذي ينظم كل صغيرة وكبيرة في الأمور الشخصية والأسرية والعشائرية والملكية والجنائية يحفظ عن ظهر قلب وينتقل من جيل إلى جيل، ولم يدوّن إلا في بداية القرن العشرين. وحكم هذا القانون بالذات منطقة واسعة تشمل جنوبي يوغسلافية السابقة وشمالي ألبانية. كما كانت هناك قوانين مشابهة لبقية المناطق، وكان مجلس الحكماء يطبق هذا القانون في كل منطقة وفي كل قرية، ويتألف المجلس من كبار السن الذين يتمتعون بالحكمة ويعرفون تفاصيل القانون. ويملك مجلس الحكماء حق النظر في النزاعات وإصدار الأحكام حتى متابعة تنفيذها. وقد تلاشى كثيراً تأثير هذا القانون ولاسيما في البنود التي تتعارض مع القوانين الاشتراكية في ألبانية، وما يزال له بعض التأثير لدى الألبانيين في جمهورية يوغسلافية السابقة سواء في اللاوعي الجمعي في الريف أو في استمرار عمل «مجلس الحكماء» في بعض المناطق المعزولة.
محمد موفاكو
البانيون
Albanians - Albanais
الألبانيون
شغل أصل الألبانيين Albanions العلماء والباحثين لأن اللغة الألبانية، تعدّ مفتاحاً يستعان به لفهم لغات جنوبي أوربة القديمة. فمنذ القرن الثامن عشر برز رأي يقول بانحدار الألبانيين من الإلّيريين أي من أقدم الشعوب التي سكنت البلقان. وفي نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين ظهر رأي آخر يحدد المنطقة التي كان يعيش فيها أجداد الألبانيين بأنها كانت في الوسط من البلقان وبجوار سكان ما يعرف برومانية اليوم ويعتمد هذا الرأي على ما يوجد من تشابه بين اللغة الألبانية وبقايا اللغة التراقية القديمة وبين الألبانية والرومانية أيضاً. ولكن هذا الرأي يفتقر إلى أساس تاريخي.
وعلى كل فإن الكشوف الأثرية في النصف الثاني من القرن العشرين وتطور الدراسة اللغوية المقارنة بين الألبانية والإلّيرية دفعا غالبية العلماء إلى تبني الأصل الإلّيري للألبانيين. ويرى بعض الباحثين أن الإليريين يُعدّون صلة الوصل بين السكان القدماء في حوض المتوسط. وتجدر الإشارة إلى أن هناك عدة روايات في الموروث الشعبي الألباني تتحدث عن الأصل العربي للألبانيين بالاستناد إلى الأسطورة القديمة التي تعزو أصل الإلّيريين إلى الفينيقيين الكنعانيين.
أما من حيث التسمية فتطلق على الألبانيين عدة تسميات. وكان بطلميوس [ر] في القرن الثاني الميلادي أول من أشار إلى وجود الألبان Albanoi وعاصمتهم ألبانوبوليس Albanopolis، وفي المنطقة التي تنحصر اليوم في ألبانية الوسطى. ومن ثم يتردد ذكر هذا الشعب لدى الكتّاب البيزنطيين ابتداء من القرن الحادي عشر باسم «ألبان» وباسم «أربانيتاي» Arbanitai، ومن هذا الجذر المشترك arb أو alb تكونت التسميات اللاحقة التي أطلقت على الألبانيين.
على أن العثمانيين مالوا إلى الصيغة اليونانية آرفانيد Arfaneed التي تحولت لديهم إلى آرفانيد Arvaneed وآرنافود أو بحسب الكتابة القديمة لها أرنود. وقد انتقلت هذه التسمية إلى العربية أيضاً وأخذ العرب يطلقون على الألبانيين اسم أرنؤود وأرناؤود وأخيراً أرناؤوط، وعلى موطنهم «بلاد الأرناؤوط» في حين غلبت في القرن العشرين الصيغة الحديثة: ألبانية والألبانيون. أما الألبانيون أنفسهم فقد أخذوا يطلقون على أنفسهم منذ عصر النهضة القومية في القرن التاسع عشر اسم شقيبتار Shqiptare وعلى وطنهم شقيبريا Shqipëria. وفي الواقع أن تسمية شقيب Shqip التي استعملت أول مرة في القرن السادس عشر للدلالة على اللغة المفهومة، غدت تستعمل للدلالة على الألبانيين منذ القرن الثامن عشر، ثم استقرت تسمية شائعة في القرن التاسع عشر.
نشأة الألبانيين وتطورهم
كان اسم الإليريين حتى القرن الخامس عشر ق.م يطلق على أفراد واحدة من القبائل الكثيرة التي كانت تنتشر على طول الساحل الشرقي للبحر الأدرياتي وعلى قسم من جنوب الساحل الغربي، ثم أصبح منذ ذلك الحين يشمل كل هذه القبائل تعبيراً عن هذا التكون الإثني الجديد. وكان ذلك نتيجة تكون بطيء منذ نهاية الألف الثالثة ق.م حين جاءت القبائل الهندية ـ الأوربية إلى هذه المناطق واختلطت ببقايا السكان الأصليين. وفي الحقبة الوسطية لعصر البرونز برزت من هذا الاختلاط القبائل التي اصطلح على تسميتها بالقبائل الإلّيرية من باب تغليب الجزء على الكل، وذكر من هذه القبائل في «الإلياذة» و«الأوديسة»، البايونيون والتسبروتيون بوجه مستقل.
كان ظهور الإلّيريين في القرن الخامس عشر ق.م يرتبط بعامل مهم هو نشوء الدولة الإلّيرية، التي تحولت بسرعة إلى عنصر فعّال في البلقان.
ومع أن الإلّيريين فقدوا دولتهم فإنهم بقوا حتى القرن السادس الميلادي يُذكرون بوصفهم شعباً له ملامح إثنية خاصة.
تمتع الإلّيريون بشهرة واسعة في مجال الحروب مما دفع رومة إلى تجنيد أعداد كبيرة منهم، وأصبحت «الكتائب الإلّيرية» تتمتع بسمعة خاصة في إطار الجيش الروماني. وبهذا الدور العسكري تمكن بعض الإلّيريين من الوصول إلى عرش رومة في القرنين الثالث والرابع للميلاد مثل كلود الثاني وأورليان وديوقلسيان وماكسيمين دازا وقسنطين الأول ويوليان وبوستان ويوستينيان وغيرهم.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن اليونانية كانت لغة الثقافة في هذه المناطق، وهذا ما أدى إلى عدم العثور على أي نص إلّيري أو حتى جملة واحدة من اللغة الإلّيرية.
وبعد سقوط الدولة تعرضت المناطق الإلّيرية إلى مخاطر «الرَّوْمَنة» إذ تحولت المدن الإلّيرية إلى مستوطنات رومانية، و أصبحت اللاتينية اللغة الرسمية. كما انتشرت المسيحية بين الإلّيريين ولاسيما بعد أن أصبحت معظم المناطق الإلّيرية سنة 395م في إطار الامبراطورية الرومانية الشرقية (البيزنطية). إلا أن الامبراطورية البيزنطية، والمناطق الإلّيرية في إطارها، تعرضت منذ ذلك الحين إلى هزّات وضربات متواصلة من العناصر الجديدة التي ظهرت في البلقان. ففي نهاية القرن الرابع اندفع القوط من شمال الامبراطورية ليغزوا إليرية ومقدونية واليونان وينهبوها. وبعد أقل من نصف قرن جاء الهون (441م) بقيادة أتّيلا [ر] لينهبوا هم أيضاً هذه المناطق. وفي نهاية القرن الخامس برز تهديد القبائل الطورانية والبلغارية والسلافية. إذ حطمت هذه القبائل جيشاً بيزنطياً يتألف معظمه من الجنود الإلّيريين في تراقية سنة 499م.
وأخيراً ومنذ منتصف القرن السادس ظهرت القبائل السلافية الجنوبية القوية التي تمكنت من تغيير الوضع برمته بعد أن استقرت في مناطق واسعة من البلقان. ظهرت في البداية الدولة البلغارية التي توسعت غرباً على حساب الامبراطورية البيزنطية حتى وصلت إلى الساحل الأدرياتي وضمّت إليها معظم المناطق الإلّيرية ـ الألبانية في القرن التاسع ثم بقية هذه المناطق في القرن العاشر. وفي عهد الامبراطورية البلغارية الثانية (القرنين العاشر والحادي عشر) أصبحت عاصمة الامبراطورية بريسبا Prespa، ثم أوهريد Ohrid لاحقاً، تشرف على المناطق الإليرية ـ الألبانية.
وبعد أن قضى الامبراطور البيزنطي باسيل الثاني على الامبراطورية البلغارية الثانية في بداية القرن الحادي عشر توقف صهر الألبانيين في البوتقة السلافية ـ البلغارية عن طريق الدين ولم يبق من التأثير الثقافي البلغاري إلا بعض الأسماء.
شهدت المرحلة التي تلت سقوط الامبراطورية البلغارية بروز الألبانيين إلى ساحة الأحداث بعد غياب استمرّ عدة قرون، فقد ذكر الكتّاب البيزنطيون الألبانيين لأول مرة باسمهم في القرن الحادي عشر في روايتهم بعض الأحداث التي جرت في مناطقهم.
ومنذ القرن الثاني عشر أخذت حدود آربرية أو بلاد الآربريين تزداد وضوحاً في المصادر التاريخية نتيجة للأحداث الحاسمة التي جرت في المناطق الألبانية أو التي شارك بها الألبانيون. وقد شملت هذه المناطق المرتفعات في شمال ألبانية الحالية، ومدّت مصادر القرن الثالث عشر حدود آربرية جنوباً إلى نهر فويسا Vojsa حتى مدينة فلورة Vlora. وفي القرن الرابع عشر وصلت حدودها شمالاً إلى أولتسين، في حين تمدّ مصادر القرن الخامس عشر حدود آربريا من تيفار Tivar (بار) في الشمال إلى جيروكاسترا Gjirokastra وتشامريا Cameria في الجنوب.
ومن جهة أخرى فقد أثّر الانشقاق الكبير في الكنيسة المسيحية (1054م) في السياسة الدينية في ألبانية، إذ ارتبطت الكنائس الألبانية ببطريرك القسطنطينية، إلا أن الصراع اللاحق على النفوذ بين الكنيستين الشرقية والغربية شمل المناطق الألبانية التي كان كل طرف يعدها رأس جسر له. وكان ممن استفادوا من هذا الصراع الأمير الصربي فويسلاف Vojslav، الذي كان يحكم منطقة الجبل الأسود، فقد راح هذا الأمير يتوسع جنوباً ليسيطر على شكودرة Shkodra التي جعلها عاصمة له، في حين طلب ابنه ميخائيل من البابا غريغوريوس السابع سنة 1077م تتويجه ملكاً والاعتراف باستقلال الكنيسة في مملكته. وهكذا تمّ في تلك السنة تدشين أسقفية تيفار التي ارتبطت برومة عبر راغوصة، ودخل في إطارها الأسقفيات الألبانية في شكودرة وأولستين وديش وغيرها. وتحولت أسقفية تيفار منذ ذلك الحين إلى مركز لنشر الكاثوليكية في المناطق الألبانية الشمالية في حين بقيت المناطق الجنوبية على صلتها بالكنيسة الشرقية. وفي خضم هذا الصراع بين الكنيستين شجع البابا غريغوريوس السابع النورمان على غزو المناطق الألبانية للانطلاق منها نحو القسطنطينية. وهكذا بدأ في أيار 1081م الإنزال النورماني عند فلورة، ثم توجهت القوات النورمانية لحصار دورس Durres من البر والبحر. ومع أن دورس سقطت أخيراً بعد حصار طويل في حزيران 1082م إلاّ أن القوات النورمانية اضطرت أخيراً إلى الانسحاب عام 1083م. وبعد عدة سنوات شُغلت الأراضي الألبانية بالجيوش الصليبية المتوجهة إلى الشرق. وعاود النورمان غزو الأراضي الألبانية ثانية في عام 1107م، إلا أن الامبراطور ألكسس كومنين تمكن من إبعادهم من جديد.
كان الامبراطور ألكسس أول من حكم أسرة كومنين[ر] (1081- 1181) التي مدّت قليلاً في عمر الامبراطورية، وساعدها على ذلك بعض الإجراءات ولاسيما تطبيق نظام التمليك. ونتيجة لهذا النظام تكونت في الأراضي الألبانية في القرن الثالث عشر مجموعة من الإقطاعيين المحليين الذين أصبحوا يستخفون كغيرهم بسلطة العاصمة.
كان لظهور الدولة الصربية في الشمال والدولة البلغارية في الشرق أثر في تخفيف ضغط العاصمة على الزعماء المحليين الألبانيين مما وفر لهم فرصة ذهبية لتوطيد نفوذهم، وما لبثت الدولة الصربية أن توسعت في عصر ستيفان دوشان S.Dushan وضمت إليها قلب آربرية وكروية Kruja ثم بقية المدن الألبانية. وسمى ستيفان نفسه سنة 1348 امبراطور الصربيين واليونانيين والبلغاريين والأربانيين.
إلا أن تفكك هذه الامبراطورية الواسعة التي شملت معظم البلقان بعد موت دوشان (1355م) أدّى إلى تمركز السلطة المحلية في يد بعض الأسر الإقطاعية الألبانية كأسرة توبيا Topia في ألمانية الوسطى وأسرة بالش Balsh في الشمال أي حول شكودرة. وفي الوقت الذي كان يتميز بتناقص الأسر الإقطاعية، ظهر العثمانيون في البلقان مستفيدين من هذا الواقع لمصلحتهم، فتغلغلوا في الأراضي الألبانية أول مرة سنة 1385م بناء على دعوة من الأمير الألباني كارل توبيا نفسه، في حين سارع أمراء أسرتي بالش ودوكاجين Dukagjin إلى عقد صلح خاص مع العثمانيين بعد اعترافهم بسيادة السلطان. وحين حلّ موعد معركة كوسوفة التي حسمت مصير البلقان (1389م) كان قسم من الألبانيين يقف في صف العثمانيين، وكان القسم الآخر قد التحق بالتحالف المسيحي على العثمانيين.
بعد معركة كوسوفة اكتفى العثمانيون باعتراف الأمراء الإقطاعيين الألبانيين بسيادة السلطان وبمشاركتهم في العمليات العسكرية حين تدعو الحاجة إلى ذلك إضافة إلى خراج سنوي معين. وكانت السلطة العثمانية في البداية تعمد لضمان ولاء هؤلاء الأمراء، إلى الاحتفاظ بأحد أولادهم رهينة في العاصمة، وكان هؤلاء الأولاد يعتنقون الإسلام ويربون تربية عسكرية ثم يرسلون لتولي المراكز المختلفة. ومن هؤلاء جيرج كاستريوتي Gj.Kastrioti ابن الأمير جون كاستريوتي الذي كان يسيطر على ألبانية الوسطى في الربع الأول من القرن الخامس عشر. وكان العثمانيون قد تركوا لهذا الأمير منطقة صغيرة فقط خارج «سنجق الأرنافود» الذي كونوه سنة 1431م، وضمّ معظم ألبانية الحالية.
تسمى جيرج كاستريوتي باسم اسكندر ونشأ في بلاط السلطان العثماني مراد الثاني، واعتنق الإسلام، ومنح لقب بك بعد أن أظهر شجاعة كبيرة في المعارك التي خاضها مع الجيش العثماني في أوربة وآسيا الصغرى، وقد وُلي اسكندر بك سنة 1438، ولمدة قصيرة قضاء كروية، قلب ألبانية، الذي يتمتع بأهمية استراتيجية كبيرة. ويبدو أن وعي اسكندر بك أهمية هذا الموقع، الذي كان سابقاً ضمن أملاك أبيه، قد حرّضه على التفكير في العودة إليه والاستقلال ببلاده عن العثمانيين. وكان الهجوم المضاد الذي قاده القائد المجري هونيادي Hunyadi على العثمانيين في البلقان بين عامي 1442 - 1443 قد أنعش بعض الآمال في أوربة بوقف التقدم العثماني، ونشط البابا أوجين الرابع لتحريض الزعماء المحليين الألبانيين، بمن فيهم اسكندر بك، على التمرد على العثمانيين.
وهكذا، وفي هذه الأوضاع الإقليمية والدولية انسحب اسكندر بك مع 300 من فرسانه من الجيش العثماني الذي انهزم أمام المجريين في نيش Nish، وتمكن اسكندر بك في مدة قصيرة من توسيع سلطته على المناطق المحيطة، وأصبح زعيماً للإمارة الألبانية الجديدة. وقد لفت اسكندر بك الأنظار إليه بما فعله لأن هذا الإنجاز ترافق مع الإعلان عن حملة مجرية بولندية جديدة على العثمانيين في أوربة، إذ إن ألبانية تؤلف جسراً استراتيجياً في حال كهذه. وفي خريف 1444م توجهت قوات مجرية بولندية نحو الجنوب في حين توجهت قوات ألبانية نحو الغرب. إلا أن السلطان مراد عمل على تشتيت القوات المجرية ـ البولندية أولاً ثم التفت إلى ألبانية، حيث انشغلت هناك القوات العثمانية الضخمة نحو ربع قرن من الزمن.
وبعد عدة حملات توجه السلطان مراد بنفسه على رأس جيش كبير في سنة 1450م، نحو كروية عاصمة اسكندر بك، وبقيت قلعة كروية محاصرة طوال الصيف والخريف حتى اضطر السلطان إلى الانسحاب أخيراً.
وبعد تسلم محمد الفاتح للحكم (1451- 1481) أرسل عدة جيوش عثمانية أخرى إلى كروية إلا أنها كانت تخفق في كل مرة. ولكنه بعد أن تمكن من فتح القسطنطينية (1453) أرسل جيشاً ضخماً من 80 ألف جندي بقيادة بالبان باشا الألباني، أحد أشهر العسكريين في الامبراطورية. إلاّ أن هذا الجيش تعرض لهزيمة حاسمة دفعت السلطان الفاتح إلى التوجه بنفسه على رأس أكبر جيش في الامبراطورية (150 ألفاً) في حزيران 1446م. ولم يحقق هذا الجيش الغاية التي ذهب من أجلها حتى كان موت اسكندر بك سنة 1467 وسقوط عاصمته بيد العثمانيين.
بدأ الازدهار يعود ثانية إلى هذه المناطق بعد استقرار الحكم العثماني منذ بداية القرن السادس عشر، وقد أسهم في هذا الاستقرار والازدهار تحول الألبانيين التدريجي نحو الإسلام الذي وصل إلى ذروة انتشاره هناك في القرنين السادس عشر والسابع عشر، وغدا معظم الألبانيين من المسلمين. وقد صاحب انتشار الإسلام في المناطق الألبانية ازدهار اقتصادي وثقافي وقومي على قدر كبير من الأهمية. فقد تطورت المدن كثيراً (شكودرة ـ بيرات Berat ـ ألباسان Elbasan وغيرها) بازدهار الحرف والتجارة مع المناطق القريبة والبعيدة، مما فتح الطرق وعزز الاتصال على التراب الألباني. وفي هذه المدن برزت المنشآت الدينية ـ الثقافية الجديدة وحدث انفتاح كبير على اللغات والآداب الجديدة (العربية والتركية والفارسية) مما مهد لظهور أدب ألباني جديد على المستوى القومي. ومن ناحية أخرى فقد كانت المسيحية للألبانيين في عشرة قرون وأكثر بوتقة للذوبان القومي في إطار الآخرين (الإطار اللاتيني «الروماني» اليوناني البلغاري، الصربي) في حين جاء الإسلام في اللحظة المناسبة ليحمي الألبانيين من هذا الذوبان الثقافي ـ القومي، وبقيت الشعوب المجاورة لهم على المسيحية (الصربيون في الشمال والبلغاريون في الشرق، واليونانيون في الجنوب).
وكما في العهد الروماني والبيزنطي فقد شاعت شهرة الجنود الألبانيين في العصر العثماني أيضاً، وأصبح وجودهم يغطي كل الولايات العثمانية في أوربة وآسيا وإفريقية في البر والبحر.
أصبح الألبانيون يعدون الدولة العثمانية دولتهم، فكانوا يشاركون في الدفاع عنها، ولكن هذه العلاقة العثمانية ـ الألبانية تعرضت للتصدع مع انحطاط الامبراطورية العثمانية، وبالتحديد مع عجز الدولة عن الدفاع عن الأراضي الألبانية أمام أطماع القوى الأوربية. وكان بعض الولاة الألبانيين قد حاولوا الاستفادة من ضعف الامبراطورية للاستقلال بمناطقهم الألبانية، كأفراد أسرة بوشاتلي Bushatli في شمالي ألبانية وعلي باشا يانينا A.Janina في جنوبي ألبانية، في نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر. ومع أن اصطنبول نجحت في إبراز قوتها والقضاء على هذه المحاولات، فإنها عجزت عن الدفاع عن هذه المناطق أمام الأطماع السلافية التوسعية التي كانت تهدف إلى إنهاء الوجود العثماني في البلقان.
وقد تبدى هذا العجز بوجه خاص بعد الحرب العثمانية ـ الروسية (1877)، التي انتهت إلى توسع الدويلات السلافية (الجبل الأسود، صربية وبلغارية) على حساب العثمانيين والألبانيين. ومع أن مؤتمر برلين (1878) قد خفف قليلاً من حدة هذا التوسع السلافي، إلاّ أن قرارات برلين أثارت استنكاراً واسعاً في المناطق الألبانية، وتحول الاستنكار في صيف 1878 إلى حركة قومية ألبانية شملت المسلمين والمسيحيين تطالب بالحكم الذاتي والدفاع عن الأراضي الألبانية. وقد تطور الوضع إلى مجابهة عنيفة بين القوات العثمانية والألبانية في ما بين عامي 1879 و1881 لأن اصطنبول تعهدت بتسليم المناطق التي كان يدافع عنها الألبانيون إلى الدويلات المجاورة تنفيذاً لقرارات مؤتمر برلين.
وفي الربع الأخير من القرن التاسع عشر تعمقت المشاعر القومية الألبانية بتأثير الصحف والمجلات والأدب القومي الجديد، وأصبحت تركز على المطالبة بنوع من الحكم الذاتي من دون التخلي عن الدولة العثمانية. وفي بداية القرن العشرين شارك الألبانيون مشاركة فعّالة في تأسيس جمعية «الاتحاد والترقي» [ر] وفي الانقلاب على السلطان عبد الحميد في عام 1908م وفي إسقاط الانقلاب المضاد سنة 1909م. ولكن السلطة الجديدة خيبت آمالهم تماماً مما دفعهم إلى الانتفاضة المسلحة ما بين عامي 1910- 1912، وقد توجت هذه الانتفاضة نجاحها بالسيطرة على أسكوب عاصمة كوسوفة في منتصف آب 1912. وفي هذا الوضع الجديد الذي أصبحت فيه قوات الانتفاضة تسيطر على مناطق واسعة، أذعنت اصطنبول (في 18 آب 1912) لمطالب الزعماء الألبانيين (برنامج الـ 14 نقطة) التي كانت تقتصر على نوع من الحكم الذاتي. إلا أن الدويلات المجاورة (الجبل الأسود، صربية، بلغارية واليونان) تحركت بسرعة بتشجيع من روسية القيصرية خشية أن يؤدي هذا الاتفاق العثماني ـ الألباني إلى استقرار الوجود العثماني في البلقان، الشيء الذي يحدّ من تحقيق مطامع روسية التوسعية. وهكذا تسارعت هذه الدويلات إلى عقد تحالف بلقاني، بتأييد من روسية القيصرية، وأعلنت الحرب على الامبراطورية العثمانية لكي تتقاسم تلك المناطق الواسعة في البلقان.
وفي التاسع من تشرين الأول سنة 1912 اندلعت الحرب البلقانية الأولى التي جمعت بين الطموحات القومية والأهداف التوسعية والتعصب الديني. وانتهت الحرب إلى زوال الحكم العثماني في معظم البلقان، ولم تسمح إلاّ بتكوين دولة صغيرة للألبانيين (ألبانية)، في حين وجد معظم الألبانيين أنفسهم في الدول البلقانية المجاورة التي توسعت كثيراً بفضل الحرب.
الانتشار الألباني
يعيش الألبانيون في منطقة واسعة حول الدولة القومية «ألبانية» وبالتحديد في اليونان وتركية ويوغسلافية (سابقاً) وإيطالية، ويتوزعون في جمهورية يوغسلافية السابقة على أربع وحدات فيدرالية تحيط بألبانية، حيث يكونون الغالبية الساحقة في إقليم كوسوفة ونحو ربع السكان في جمهورية مقدونية وأقلية في جمهورية صربية وجمهورية الجبل الأسود. أما عدد الألبانيين في جمهوريات يوغسلافية السابقة (تقديرات 1988) فيقترب من مليونين، وبهذا فهم يعدون المجموعة القومية الثالثة بعد الصربيين والكرواتيين. وبالمقارنة مع ألبانية فإن معظم الألبانيين في يوغسلافية هم من المسلمين، باستثناء أقلية من الكاثوليك تقدر بـ 50 ألف نسمة. وكانت هذه المناطق التي يسكنها الألبانيون في يوغسلافية السابقة تحت الحكم العثماني حتى 1912م، حين اندلعت الحرب البلقانية الأولى وانتهت إلى تقاسم هذه المناطق بين مملكتي صربية والجبل الأسود. وقد مورست حينئذ في هذه المناطق المحررة إجراءات عنيفة على الألبانيين ولاسيما في المناطق التابعة للجبل الأسود حيث أرغموا على الارتداد عن الإسلام، مما أدى إلى هجرة عدد كبير منهم إلى تركية. وفي نهاية الحرب العالمية الأولى دخلت هذه المناطق في إطار الدولة الجديدة، مملكة يوغسلافية. وفي العهد الملكي 1918- 1941 عانى الألبانيون والمسلمون عامة الاضطهاد، مما دفع مئات الألوف منهم إلى الهجرة نحو تركية. وبعد انهيار يوغسلافية الملكية (نيسان 1941) دمجت هذه المناطق مع ألبانية لتكون ألبانية الكبرى من المدة بين 1941- 1945. وبعد نهاية الحرب عاد الوضع إلى ما كان عليه سابقاً بين جمهورية يوغسلافية الاتحادية وألبانية. وفي العهد الجديد أصبح الألبانيون يعدون قومية متساوية مع بقية القوميات، ولاسيما بعد سقوط مراكز القوى في 1966م التي كانت تضيق الخناق على الألبانيين والمسلمين عامة، وأصبح إقليم كوسوفة منذ 1974م وحدة فيدرالية متساوية مع بقية الوحدات السبع التي يتألف منها الاتحاد اليوغسلافي.
وفيما يتعلق باليونان فقد انتشر الألبانيون جنوباً باتجاه تسالية وشبه جزيرة المورة منذ القرون الوسطى (القرن الثاني عشر) نتيجة للضغوط المختلفة الاقتصادية والسياسية والديموغرافية وبتشجيع من حكام تلك المناطق التي كانت فقيرة بالسكان في ذلك الوقت. وفي قرنين أصبح الألبانيون في المورة والجزر المجاورة عنصراً أساسياً في التطور الاقتصادي والديموغرافي لتلك المناطق. وقد تبين هذا بوجه خاص في النصف الثاني للقرن الرابع عشر إبان حرب العثمانيين في المورة، إذ كان للعنصر الألباني المحلي أثره الكبير في هذه الحرب، وقد تكرر على نحوٍ أوضح في الثورة اليونانية في القرن التاسع عشر، التي كان أبرز زعمائها من الألبانيين كالأخوة كوندريوتي والأخوة بوهاري وي. كارايكاتشي ول.بوبولينا وغيرهم.
وكان للألبانيين ثقل كبير في مملكة اليونان، حتى إن أول رئيس للحكومة اليونانية كوندوس، قد أهاب بأوربة في رسالة له سنة 1832م أن تفعل أي شيء حتى لا يبقى نصف سكان اليونان من اليونانيين والنصف الآخر من الألبانيين، لأن اليونان في هذه الحال لن يكون لها أي مستقبل. وفي الواقع هناك في منتصف القرن التاسع عشر تقديرات تقول: إن ثلث سكان الدولة (اليونان) كانوا من الألبانيين. ويكفي أن نذكر هنا أن أثينة عندما اختيرت عاصمة للدولة الجديدة (1835) كانت قرية يحيط بها الألبانيون من كل جانب، ومع توسع أثينة تحولت القرى المجاورة إلى أحياء جديدة. وقد احتفظت بعض الأحياء إلى اليوم بتسمياتها وبسكانها «الأرفانيد» كما يسمى الألبانيون في اليونان إلى اليوم.
ولكن الدين المشترك وهيمنة الكنيسة اليونانية، وبالتحديد عدم الاعتراف بكنيسة قومية خاصة للألبانيين، كل ذلك أدى مع الزمن إلى ذوبان الكثير من الألبانيين في اليونان في البوتقة اليونانية.
أما عن الانتشار الألباني في إيطالية فقد حدث في ثلاث موجات من الهجرة، وكانت الهجرة الأولى، وهي الكبرى، من ألبانية الوسطى والجنوبية بعد وفاة اسكندر بك (1467م) إلى مملكة نابولي حيث أفردت لهم مساحات واسعة في كالابرية وصقلية. وقد لحقت بهؤلاء الألبانيين موجة ثانية جاءت من المورة في منتصف القرن السادس عشر في حين توجهت الثالثة والأخيرة إلى هناك في نهاية القرن السابع عشر. وكما حدث في المورة فقد أحيا هؤلاء الألبانيون الأراضي الجرداء التي مُنحوها، وعرفت تلك المناطق تطوراً اقتصادياً وديموغرافياً سريعاً. وبرزت في تلك المناطق نحو ثمانين قرية جديدة تحول بعضها إلى مدن صغيرة مع مرور الزمن. وفي ربيع سنة 1988 احتفل بذكرى مرور 500 سنة على تأسيس (بيانادي ألبانيزي) بالقرب من «باليرمو» التي تحولت من قرية بسيطة إلى عاصمة للألبانيين يبلغ عدد سكانها 50 ألف نسمة، وبالمقارنة مع اليونان، فقد تمكن الألبانيون في إيطالية الذين يقدر عددهم بربع مليون نسمة، من الحفاظ على قوميتهم إلى اليوم. ومن المؤكد أن الفضل في هذا كان يعود في البداية إلى تمايزهم الديني، إذ إنهم كانوا يؤلفون جزيرة أرثوذكسية في بحر كاثوليكي. وفيما بعد توافرت لهؤلاء الألبانيين شروط ثقافية أفضل، إذ افتتحت كلية الدراسات الإيطالية الألبانية في باليرمو ثم كلية القديس أدرياني في كالابرية في النصف الأول من القرن الثامن عشر. وفي هذين المركزين تخرج عدد كبير من المثقفين الألبانيين اللاحقين الذين أسهموا في استمرارية الكتابة بالألبانية. وأدى نشر الصحف والمجلات والكتب بالألبانية في القرن التاسع عشر إلى أن يكون لهؤلاء الألبانيين دورهم الريادي في النهضة القومية الألبانية.
أما في تركية فيرتبط وجود الألبانيين فيها بكونها وريثة الامبراطورية العثمانية، التي كانت دولة الألبانيين جزءا منها لعدة قرون. فلقد شارك الألبانيون في تكوين النخبة العسكرية والسياسية على نحو خاص وبرز منهم الكثير من القادة العسكريين والوزراء العظام الذين تحكموا في بعض الأحيان بمصير الامبراطورية.
وكان من الطبيعي أيضاً أن تجذب اصطنبول، بوصفها عاصمة الامبراطورية الكثير من المثقفين الألبانيين. حتى إنها تحولت إلى إحدى مراكز الإشعاع الثقافي في مرحلة النهضة القومية الألبانية.
ولمّا كانت تركية هي الملجأ الأخير لكل من بقي في البلقان من المسلمين، فقد بقي الألبانيون يهاجرون إلى تركية مع كل موجة جديدة من الضغط عليهم سواء من قبل الأنظمة اليمينية أو اليسارية بحيث لم تتوقف هذه الهجرة إلا في منتصف الستينات. ولهذا بقي عدد الألبانيين في تركية يتزايد، حتى وصل في بداية الستينات إلى مليونين. ومع هذا العدد الكبير فإن الألبانيين يتعرضون للذوبان في البوتقة التركية لوجود الدين المشترك والزواج المختلط ولطبيعة النظام التركي الذي لا يعترف بوجود القوميات، ومع ذلك لوحظ نوع من التسامح في السنوات الأخيرة ومزيد من الانفتاح على الأوطان الأصلية للألبانيين (ألبانية والاتحاد اليوغسلافي) عندما تولى الجنرال كنعان إيفرين (الألباني الأصل) السلطة في تركية.
وإضافة إلى هذه الدول المحيطة بألبانية لا بدّ من ذكر البلاد العربية، التي كان للألبانيين فيها وجود في العهد العثماني، وكان الوجود الألباني في هذه البلاد يقتصر في البداية على النخبة السياسية (الولاة) والعسكرية (الضباط والجنود). فقد تولى الحكم عدد كبير من الولاة الألبانيين سواء بصلاحيات مقيدة (بلدان المشرق) أو بصلاحيات واسعة (بلدان المغرب)، وقد حاول بعض هؤلاء الاستقلال عن الامبراطورية العثمانية وتأسيس حكم وراثي، ولكن لم ينجح في هذا إلا محمد علي باشا في مصر.
وفي القرن التاسع عشر بدأ هذا الوجود الألباني يتخذ طابعاً مدنياً، وبذلك تكونت جالية ألبانية كبيرة في مصر وأخرى أصغر منها في سورية. وكانت نواة الجالية الألبانية في مصر قد تألفت من الجنود الألبانيين الذين جاؤوا مع محمد علي باشا، ثم توسعت في منتصف القرن التاسع عشر مع قدوم الكثير من الألبانيين من اليونان وألبانية الجنوبية نتيجة للأحوال الاقتصادية الصعبة هناك. ومع تضخم هذه الجالية أصبحت مصر في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين من أهم مراكز الثقافة الألبانية، ومن هذا الموقع كان لها دور فعّال في النهضة القومية الألبانية. أما في سورية فقد تكونت نواة الجالية الألبانية في نهاية القرن التاسع عشر ونمت في بداية القرن العشرين مع وصول الألبانيين الذين جاء معظمهم من يوغسلافية، وبالمقارنة مع مصر فقد كانت الجالية الألبانية أطول عمراً في سورية نظراً لتأخر وصول الألبانيين، في حين فقدت الجالية الألبانية في مصر أهميتها بعد إعلان الاستقلال (1912) وإعلان الجمهورية (1953)، إذ إن عددها تقلص بسرعة نتيجة للهجرة المعاكسة إلى ألبانية أولاً ثم إلى أمريكة وأسترالية أخيراً.
اللغة
تمثل اللغة الألبانية الحديثة فرعاً مستقلاً تماماً من مجموعة اللغات الهندية ـ الأوربية. ومع ذلك فإن الألبانية من حيث بعض الخصائص تدخل في القسم الشرقي من هذه المجموعة كالأرمنية والهندية الإيرانية والسلافية البلطيقية (تحول k,g إلى th,dh) في حين تبتعد عن اللاتينية واليونانية وتقترب من اللغات الشمالية لوجود بعض الخصائص الأخرى (تحول الـ o القصيرة إلى a مثلاً) ويلاحظ في الألبانية وجود شرائح متعددة غير ألبانية وهي تدل على قدم هذه اللغة من ناحية، وعلى المكان الذي تألفت فيه هذه اللغة من ناحية أخرى. وأقدم هذه الشرائح وأوسعها هي اللاتينية ثم هناك الشرائح اليونانية القديمة والسلافية وأخيراً الشرقية (التركية والعربية والفارسية) التي تأتي مباشرة بعد اللاتينية من حيث الأهمية. فقد دخلت الألبانية مئات الكلمات الوافدة من الشرق، وهي تعبر عن هذه الحضارة الجديدة في البيت والشارع والدين والإدارة والأدب. وضمن هذه الشريحة الشرقية فإن المفردات العربية تأتي في المرتبة الأولى، إذ إنها تصل وحدها إلى عدة مئات، تليها التركية ثم الفارسية.
تتميز الألبانية بكونها لغة تركيبية ـ تحليلية، وهي تتمتع بنظام صوتي أصيل وغني يتألف من 7 حروف صوتية و29 صامتاً. وإضافة إلى التذكير والتأنيث هناك حالة الحياد أيضاً، إلا أنها في تراجع ولم تبق إلا في عدد محدد من الأسماء. وتتميز الألبانية أيضاً باحتفاظها بنظام الحالات الإعرابية (5 حالات) وبوجود التعريف والتنكير واستعمال السوابق واللواحق، وهنا يلاحظ أنّ بعض الصفات تستعمل السوابق في حين تستغني عن ذلك بعضها الآخر، وأخيراً فإن نظام الأفعال الألبانية يتصف بالتنوع سواء من حيث الأحوال: (تقريرية، وصلية، شرطية، تعجبية، ترغيبية، أمرية) أو من حيث الأزمان (الماضي غير التام، الماضي التام البسيط، الماضي التام الموغل في القدم، المضارع وأخيراً المستقبل ).
ومن ناحية أخرى فقد أدت الأوضاع القاسية التي مرت بالألبانيين في القرون الوسطى ولاسيما السيطرة السياسية والهيمنة الثقافية، إلى تأخر الكتابة باللغة الألبانية، فاللغة كانت ترتبط بالدين في المناطق الساحلية المقابلة لرومة في حين كانت اليونانية لغة الثقافة في الجنوب، وتعزز هذا الفرز اللغوي بين الشمال والجنوب حين انتشرت المسيحية لاحقاً، إذ أصبحت اللاتينية لغة الكنيسة الكاثوليكية في الشمال وغدت اليونانية لغة الكنيسة الأرثوذكسية في الجنوب، أما مع انتشار الإسلام فقد أصبحت العربية لغة الدين الجديد، إلا أن الإسلام لم يكن يمنع الألباني من استعمال لغته في شعائره الدينية باستثناء الصلاة. وهكذا فقد أدى هذا الوضع إلى تأخر الكتابة باللغة الألبانية من ناحية وإلى تعدد أشكال الكتابة التي كتبت بها الألبانية من ناحية أخرى.
فمن نهاية القرن الخامس عشر أو من بداية القرن السادس عشر هناك نصّان قصيران بالألبانية وهما مقاطع من الإنجيل تمثل اللهجة الجنوبية التي كتبت بحروف يونانية، ومن منتصف القرن السادس عشر (1555) هناك أول كتاب مطبوع بالألبانية وهو «كتاب القداس» للقس جون بوزوكو Gj.Bozuku، الذي يمثل اللهجة الشمالية التي كتبت بحروف لاتينية قوطية، أي كتلك التي كانت تستعمل في البندقية. ومن نهاية القرن السادس عشر (1592) هناك كتاب آخر طبع في رومة بعنوان «تعاليم المسيحية".
وحين وصل انتشار الإسلام إلى ذروته في القرن السابع عشر تحول الألبانيون المسلمون إلى كتابة لغتهم بحروف عربية، وأصبحت الحروف العربية لاحقاً هي أبجدية الأكثرية، في حين بقيت الحروف اللاتينية أبجدية مستعملة لدى الألبانيين الكاثوليك والحروف اليونانية أبجدية مستعملة لدى الألبانيين الأرثوذكس، ولكن في مرحلة النهضة القومية الألبانية طرحت مسألة اعتماد حروف كتابة واحدة للألبانية وتحول هذا الأمر في بداية القرن العشرين إلى خلاف بين المتحمسين للغرب والموالين للشرق، وانتهى الأمر إلى اعتماد الرسم اللاتيني المعروف لحروف الكتابة الألبانية في مؤتمر مناسيتر (1908) وأصبحت تلك الحروف الألفبائية الرسمية الألبانية بعد إعلان الاستقلال (1912)، وبقيت الحروف العربية تستعمل لدى الألبانيين في يوغسلافية حتى الحرب العالمية الثانية.
وفي اللغة الألبانية لهجتان أساسيتان هما: لهجة الغيغ Gheg في الشمال ولهجة التوسك Tosk في الجنوب، وتنقسم كل لهجة إلى لهجات فرعية. ويتخذ في العادة نهر شكومبيني Shkumbini، الذي يقسم ألبانية من الشرق إلى الغرب، حداً فاصلاً بين هاتين اللهجتين. ومن المؤكد أن هاتين اللهجتين قد تكونتا في وقت قديم إذ إن أقدم الكتابات الألبانية تحفظ هذا التمايز. ومع الزمن تطورت من كل لهجة صيغة أدبية يكتب وينشر بها. وقد بقيت الدولة الألبانية تعترف بهاتين اللهجتين للغة الألبانية، وتمّ الاتفاق أخيراً (سنة 1972) بين ممثلي الألبانيين في الدول الثلاث (ألبانية والاتحاد اليوغسلافي في السابق وإيطالية) على لغة أدبية واحدة لكل الألبانيين.
الأدب
كان «كتاب القداس» للقس بوزوكو (1555) وكتاب «التعاليم المسيحية» للقس ماترنغا Matrega (1567- 1622) نواة مايسمى «الأدب الألباني الكاثوليكي» فبعد هذين الكتابين قام القس بيتر بودي (1566-1622)P.Budi بترجمة كتاب «القصيدة المسيحية» الذي نشر سنة (1618م) كما ترجم قصائد مختلفة في موضوعات مسيحية، إضافة إلى قصيدتين كتبهما بودي نفسه يمدح في الأولى البابا غريغوري الخامس عشر ويناجي مريم العذراء في الثانية. وفي القرن السابع عشر نشر بيتر بوغداني (1630-1689)P.Bogdani كتاباً بعنوان «جماعة الأنبياء» باللغتين اللاتينية والألبانية، تحدث فيه عن قصة خلق العالم كما وردت في التوراة ثم عن بعض الأنبياء، وأخيراً عن حياة السيد المسيح، وحوت المقدمة ثلاث قصائد باللغة الألبانية، كتب الأولى والثانية صديقان للمؤلف تقديراً له وكتب المؤلف الثالثة في مدح أحد رجال الدين.
بعد هذا الكتاب تلاشى الأدب المكتوب بالحروف اللاتينية أمام الأدب الألباني بالحروف العربية الذي برز بقوة في القرن السابع عشر عند المسلمين وتميز منذ بدايته بالنضج الفني والانتشار الواسع وعدم انغلاقه على الموضوعات الدينية؛ إذ عالج موضوعات متعددة كالتغني بالطبيعة والحياة إضافة إلى التعبير عن هموم الإنسان الذاتية. ومن أعظم ممثلي هذا الأدب الشاعر إبراهيم نظيمي (ت1760) الذي خلّف أول ديوان شعر باللغة الألبانية. وبعد هذا برز عدة شعراء كبار كسليمان نائبي S.Naibi (ت1771) الذي كان أول من أشاع في الشعر التغني بالحب وجمال المرأة، والشاعر إسماعيل فلوتشي I.Floqi الذي كان أول من تغنى بالحنين إلى الوطن، ثم حسن ز. كامبيري H.Kamberi (ت. نحو 1880) الذي برز في شعره أول مرة الواقع الألباني في الريف.
وقد تطور هذا الأدب في القرن التاسع عشر ولاسيما على صعيد التحول نحو القصائد القصصية والملاحم الشعرية. ومع العودة إلى الموضوعات الدينية بادر الشاعر كامبيري إلى نظم قصيدة طويلة عن حياة النبي محمدr لتنشد بمناسبة الاحتفال بالمولد النبوي. وقد تحول هذا إلى تقليد في القرن التاسع عشر بفضل الشعراء عبد الله كوينسبولي A.Konsipoli وإسماعيل فلوتشي وحاجي تشيتشيكويا وغيرهم، كما نظم الشاعر داليب فراشري D.Frasheri ملحمة الحديقة التي تتألف من 56 ألف بيت من الشعر حول موقعة كربلاء، ونظم الشاعر شاهين فراشري ملحمة «مختار نامة» نسبة إلى المختار بن أبي عبيد الثقفي التي جاءت في 12 ألف بيت من الشعر.
وفي النصف الثاني من القرن التاسع عشر عبّر الأدب بوضوح إثر النهضة القومية الألبانية عن المشاعر القومية الألبانية والتواصل الألباني على مستوى المراكز الثقافية المتعددة: (بوخارست وصوفية، واصطنبول ومصر وإيطالية). وكان مما ساعد على التواصل بين هذه المراكز وانتشار الأدب على نحوٍ أوسع إصدار الصحف والمجلات وتأسيس الجمعيات الثقافية القومية. وفي البداية كانت الصحف تصدر بلغتين: الألبانية والإيطالية أو الألبانية واليونانية كصحيفة «الألباني الإيطالي» التي صدرت في نابولي سنة 1848 و«صوت ألبانية» التي صدرت في أثينة سنة 1879م. أما أول صحيفة ألبانية كاملة فكانت «دريتا» التي صدرت في اصطنبول سنة 1884، في حين صدرت سنة 1897 خمس صحف ومجلات «ألبانية» في بروكسل و«ألبانية» في بوخارست وغيرها. أما في بداية القرن العشرين فقد صدرت صحف ومجلات كثيرة في هذه المراكز منها: «دريتا» في صوفية (1901) و«ألبانية» في مصر (1901) و«كومبي» في بوسطن.
وضمن هذه الخريطة يلاحظ في أدب هذه المرحلة توزع الأدوار الريادية بين المراكز المختلفة. فقد برزت إيطالية بدورها الكبير في رفع الشعر الألباني إلى المستوى الأوربي بفضل الشعراء الإبداعيين الكبار مثل يرونيم دي رادا (1814-1903)I.De Rada وغفريل دارا الابن (1826- 1885) وزف سرمبه (1844-1901)Z.Serembe . ومن ناحية أخرى كان لمصر دورها الريادي الذي يتمثل في إغناء أدب هذه المرحلة باتجاه جديد في الشعر هو «الواقعية» وبفن جديد هو «المسرحية»، وذلك بفضل إبداعات أنطون تشايوبي (1866-1930)A.Cajupi وميلو دوتشي (1870-1933)M.Duci وغيرهما.
ومع إعلان استقلال ألبانية (1912) دخل الأدب الألباني مرحلة جديدة، كبر فيها شأن ألبانية بوصفها مركزاً أساسياً على حساب المراكز السابقة. فقد تراجع بسرعة الإبداع الأدبي في القاهرة واصطنبول وصوفية وبوخارست لصالح المركز الجديد، ولم يبق هناك إلاّ يوغسلافية وإيطالية، وحتى في إيطالية فقد تجمد النشاط الأدبي في البداية بعد أن استقرت ألبانية دولةً منذ عام 1920. وكان مما أسهم في هذا الجمود النظام الفاشي الجديد الذي لم يكن ينظر بارتياح إلى نشاط الألبانيين. ولكن بعد سقوط النظام الفاشي عاد النشاط الأدبي ثانية، فصدرت صحف ومجلات جديدة باللغة الألبانية، وازدهرت حركة النشر، وأدى هذا إلى تواصل أدبي جديد مع ألبانية ويوغسلافية ولاسيما في الستينات والسبعينات، وفي هذه الأوضاع برز جيل جديد من الشعراء الذين اكتسبوا شهرة على المستوى القومي الألباني مثل دوشكو فيتمو D.Vetmo (ولد 1944) وفوريا أويكو (1931-1989)V.Ujko وكارمل كاندريفا (1931-1984) K.Kandreva .
وفي يوغسلافية أيضاً حدث نوع من الانقطاع في الإنتاج الأدبي حتى الحرب العالمية الثانية، فقد كان النظام الملكي (1918-1941) يضغط على الألبانيين ولا يسمح لهم حتى باستعمال لغتهم. وقد أدى هذا إلى انكفاء الأدب الذي بقي يكتب بالحروف العربية في التكايا. وبعد الحرب العالمية الثانية تطور الأدب الألباني في يوغسلافية في أجناسه المتعددة (الشعر والقصة والرواية والمسرحية)، ففي عام 1952م صدرت أول مجموعة قصصية «باتجاه الأيام الجديدة» لصدقي إمامي S.Imami وفي عام 1954م صدرت أول مجموعة شعرية للشاعر أسعد مكولي (1916-1993)E.Mekuli في حين صدر في عام 1957م أول رواية للكاتب سنان حساني S.Hasani (ولد 1922) ونشرت حينئذ المحاولات الأولى في مجال المسرحية.
وأصبح الأدب الألباني في يوغسلافية في السبعينات والثمانينات يمثل بحق المستوى الألباني ـ اليوغسلافي ـ الأوربي. ويمكن أن يذكر من الشعراء أنور جرتشيكو E.Gerqeku (ولد 1928) وعبد العزيز إسلامي A.Islami (ولد 1930) وآدم غيطاني (1935-1982)A.Gajtani وعظيم شكريلي A.Shkerli (1938-1997) وعلي بودريميا A.Podrimja (ولد 1942). ويذكر من الروائيين: نظمي رحماني N.Rahmani (ولد 1941) وعمر شكريلي Y.Shkerli (ولد 1945) وإبراهيم قدري I.Kadriu (ولد 1945) ومحمد كرايا M.Kraja (ولد 1952). ومن كتاب القصة حفظي سليماني (1910-1975)H.Sulejmani ورامز كلمندي R.Kelmendi (ولد 1930) وموسى رمضاني M.Ramadani (ولد 1944)، ومن كتاب المسرحية رجب تشوسيا (R.Qosija (1936 وأنطون باشكو (1937-1995)A.Pasku وعمر شكريلي.
وقد ترجم من هذا الأدب أعمال كثيرة إلى اللغات اليوغسلافية وغيرها. كما ترجمت بعض الأعمال إلى العربية مثل «مختارات من الشعر الألباني المعاصر» (دمشق 1981) ومسرحية «أبو الهول الحي» (الكويت 1983) و«مختارات من الشعر النسوي من كوسوفة» (دمشق 1986) ورواية «الريح والبلوط» لسنان حساني (بيروت 1986) وعدد من روايات إسماعيل كاداره في دمشق وبيروت والقاهرة.
العادات والتقاليد
أثرت الأحوال القاسية التي رافقت الألبانيين عدة قرون، وحركة المد والجزر أو الصعود إلى المرتفعات والهبوط إلى السهول تبعاً لتوسع القوى المجاورة وانكماشها أثرت هذه في تكوّن الكثير من العادات والتقاليد واستمرارها. وقد جعلت هذه الأحوال من الألباني إنساناً صلداً قادراً على العيش في أصعب الأحوال، وعلى تحمل المشاق المختلفة، كما أنها جعلت منه إنساناً مستعداً دائماً للقتال حتى إن بعضهم يعمم ذلك ويقول: «إن الألباني قد خلق للسلاح» مستنداً في ذلك القول إلى دور الجنود الألبانيين في الامبراطوريات المختلفة.
لقد أثرت هذه الحال أيضاً في بيت الألباني الذي يسمى عادة «البرج الألباني» وما يزال إلى اليوم يلفت النظر في جنوبي ما كان يعرف بالاتحاد اليوغسلافي، فهذا البيت يبدو برجاً للدفاع أكثر منه بيتاً للسكن المريح، فهو مربع من الحجر يرتفع طابقين أو أكثر، ويخلو الطابق الأول من النوافذ التي يستعاض عنها بالشقوق المخصصة للبنادق، في حين يخصص الطابق الثاني للسكن والضيافة وهناك غالبا ما يكون لغرفة الرجال (الضيوف) مدخل خاص يفصلها عن قسم النساء (المطبخ وغرف النوم).
إن «غرفة الرجال» هي أيضاً نتاج الأوضاع التاريخية، وهي تعبير عن العادات والتقاليد المتعلقة بالضيافة، فنظراً لطبيعة المناطق الألبانية الصعبة كان من حق كل ألباني مسافر أن يطرق أول باب عند حلول الظلام وأن يمضي هناك ضيفاً ليلة أو ليلتين من دون أن يُسأل عن سبب قدومه أو وجهة سفره. وفي الواقع فإن أبلغ تعبير عن هذا الإجراء استعمال الكلمة العربية «مسافر» mysafir في الحديث عن الضيف، والتي لا يوجد لها بديل حتى اليوم في اللغة الألبانية، وإبان إقامة الضيف يعامله أفراد البيت باحترام. وإذا حدث أن قتل فيقع على صاحب البيت أن يثأر له. وتجدر الإشارة إلى أن الأخذ بالثأر من أبرز العادات التي تميز الألبانيين من غيرهم في البلقان، وتعبّر هذه العادة عن النظام العشائري ـ الأبوي الذي كان سائداً لدى الألبانيين حتى وقت قريب، بل إن بقاياه ما تزال في الريف بجنوبي يوغسلافية سابقاً. وفي العادة يسعى صاحب الدم إلى الأخذ بالثأر من القاتل، ولكن يمكن أن يثأر لنفسه بقتل أي رجل من أسرة القاتل أو عشيرته. ويرتبط بالثأر تقليد يسمى بيسا Becsa يقترب من المفهوم العربي «العهد» وفي العادة إن الألباني لا يخل بعهد قطعه لأحد ولو اضطر في سبيل ذلك إلى التضحية بحياته. وفي هذه الحال يمكن لصاحب الدم أن يقطع عهداً بتوسط الآخرين للشخص الملاحق أو لأسرته بأن يخرج من البيت أو يعمل في حقله في ساعات محددة في النهار لمدةٍ معينة. ونظراً للتقدم الاقتصادي والاجتماعي، ولطبيعة النظام القائم، فإن هذه العادة قد تلاشت تقريباً في ألبانية وجنوبي إيطالية ولا تزال حية في جزء مما كان يسمى يوغسلافية، ويستمر لدى الألبانيين إلى اليوم في جنوبي يوغسلافية نظام الأسرة الكبيرة التي يراوح عدد أفرادها بين 50 و100 فرد. وفي هذه الحال يبرز رأس الأسرة أو رب البيت الذي يكون عادة أكبر أفراد الأسرة وأعقلهم، وهو الذي يوزع الأعمال اليومية على الجميع ويرعى الميزانية ويمثل الأسرة أمام الآخرين. ويكاد هذا النمط أن يتلاشى في ألبانية.
وفي مثل هذه الأحوال يغدو من الطبيعي أن يكون الاهتمام بالأولاد أعظم من الاهتمام بالبنات، ويبدأ هذا الاهتمام منذ اللحظة الأولى من حياة المولود فقد جرت العادة أن يشار إلى ولادة الذكر بإطلاق الرصاص تأكيداً للمكانة التي يشغلها الرجال، ومن ناحية أخرى فقد بقيت إلى اليوم في جنوب ما كان يعرف باسم يوغسلافية بعض مظاهر الفصل السابق بين الجنسين، ففي الريف تجري أحياناً تقاليد الخطبة والزواج وفق الأعراف، أي ما يزال هناك من لا يرى زوجته إلاّ ليلة العرس، إلا أن هذا التقليد بدأ يتلاشى بسرعة في السنوات الأخيرة.
والألباني لا يتزوج من أقاربه ولا من بنات عشيرته، ومع مرور ستين سنة على تعايش الألبان مع غيرهم من شعوب يوغسلافية، إلا أن الزواج المختلط ما يزال نادراً، فالألباني يفضل أن يتزوج ألبانية، وقد يتزوج أحياناً من سلافية مسلمة، إلا أن الزواج من سلافية غير مسلمة يبقى نادراً جداً. وعلى خلاف ذلك فالزواج بين ألباني مسلم وألبانية غير مسلمة (كاثوليكية) أو العكس، لا يثير ذلك القدر من الاستغراب أو عدم الارتياح.
وقد استمرّ كثير من هذه العادات والتقاليد بفضل القانون العرفي الذي كان يحتكم إليه الألبانيون، والذي اشتهر باسم «قانون لك دوكاجيني»، وكان هذا القانون الذي ينظم كل صغيرة وكبيرة في الأمور الشخصية والأسرية والعشائرية والملكية والجنائية يحفظ عن ظهر قلب وينتقل من جيل إلى جيل، ولم يدوّن إلا في بداية القرن العشرين. وحكم هذا القانون بالذات منطقة واسعة تشمل جنوبي يوغسلافية السابقة وشمالي ألبانية. كما كانت هناك قوانين مشابهة لبقية المناطق، وكان مجلس الحكماء يطبق هذا القانون في كل منطقة وفي كل قرية، ويتألف المجلس من كبار السن الذين يتمتعون بالحكمة ويعرفون تفاصيل القانون. ويملك مجلس الحكماء حق النظر في النزاعات وإصدار الأحكام حتى متابعة تنفيذها. وقد تلاشى كثيراً تأثير هذا القانون ولاسيما في البنود التي تتعارض مع القوانين الاشتراكية في ألبانية، وما يزال له بعض التأثير لدى الألبانيين في جمهورية يوغسلافية السابقة سواء في اللاوعي الجمعي في الريف أو في استمرار عمل «مجلس الحكماء» في بعض المناطق المعزولة.
محمد موفاكو