ڤينيي (ألفرد دي ـ)
(1797ـ 1863)
ألفرد دي ڤينيي Alfred de Vigny شاعر فلسفي فرنسي من كبار الإبداعيين وأنصار الرواقيّة stoïcisme في القرن التاسع عشر. ولد في لوش Loches في منطقة تورين Touraine جنوب شرقي باريس وتوفي في العاصمة. وهو الابن الوحيد لأسرة أرستقراطية من النبلاء، أفقدتها الثورة حظوتها فاتخذت المهنة العسكرية هدفاً. كان والده ضابطاً متقاعداً عند ولادته فلقَّنه في طفولته أفكاره وأورثه تعلقّه بالأمجاد الغابرة. أما والدته الرومنسية التي كانت من قرّاء جان جاك روسو Rousseau فقد غرست في ذهن ابنها التعاليم الدينية التي تربّت عليها، وكانت تعظّم من شأن الطبقة التي ينتمي إليها حتى شعر ڤينيي طوال حياته أنه ممّيز من الآخرين. وكان والداه نادمين على زوال الملكية ونظام الحكم القديم، فنشأ ڤينيي معلِّقاً آمالاً على الملوك والنبلاء رافضاً الامبراطوريات والوصوليين وحديثي النعمة، وتفاءل خيراً عند عودة الملكية La Restauration عام 1815. دخل كلية العلوم التقنية وهو يحلم بالمفاخر العسكرية وزاول لفترة مهنة الجندي وشعر بالمرارة عندما اقتصر دوره على الحراسة لموكب لويس الثامن عشر، إذ كان طموحه يفوق التدريبات التي كان يتلقاها في الثكنات. وعندما لم يحظَ بشرف القتال في ساحة المعركة استقال عام 1827 وسلك الطريق الذي قاده إلى الشهرة الأدبية.
نشر ڤينيي عام 1820 أول قصيدة له «الحفلة الراقصة» Le Bal، تبعها عام 1826 ديوان شعري «قصائد قديمة وحديثة» Poèmes antiques et modernes أظهر تأرجح الشاعر بين تيار الإبداعية romantisme والاتباعية classicisme. ومن أشهر قصائده «موسى» Moïse و«الطوفان» Le Déluge. ويقول الشاعر في مقدمة ديوانه إنه حاول إخراج فكره الفلسفي في إطار مأساوي ملحمي مستخدماً الرمز le symbole. وأراد أن يختبر مهاراته في أجناس أدبية أخرى فكتب في العام ذاته روايته التاريخية سانك مارس Cinq-Mars اسم الشخصية الروائية التي تمثل المركيز الذي تآمر على الكاردينال ريشليو Richelieu وزير لويس الثالث عشر. ودفعه حماسه إلى خوض التجربة المسرحية أيضاً التي كانت تستقطب اهتمام معاصريه من الإبداعيين وقدّم شعراً «عُطيل» Othello ء(1829) لشكسبير على المسرح الفرنسي Comédie Française ونال إعجاب الجمهور. كما لقيت مسرحيته «شاترتُن» Chatterton ء(1835) نجاحاً؛ وهي مسرحية نثرية في ثلاثة فصول تتحدث عن مأساة الفكر التي جسدّها ڤينيي في شخصية الشاعر شاترتُن. ويقول في مقدمتها: «أردت أن أظهر النفس الروحانية التي يخنقها مجتمع مادي يستغل فيه الرجل الحسوبُ والبخيلُ الذكاءَ والعملَ دون رحمة». وتنتهي المسرحية بمأساة عندما ينتحر الشاعر شاترتُن بعد أن أحرق أوراقه، إذ رأى أن المجتمع الذي رفضه شاعراً غير جدير بها.
توّج ڤينيي حماسه واندفاعه في هذه الفترة بزواجه من الشابة الإنكليزية، والوريثة الثرية، ليديا بنبري Lydia Bunbury، واستقرا في باريس. وعند اندلاع ثورة 1830 أُصيب بخيبة أمل على الصعيدين السياسي والعسكري. فالروابط التي تجمعه مع الأسرة الحاكمة أدخلته في الحرس الوطني في عهد لويس- فيليب Louis-Philippe، إلا أنه كان قد بدأ يميل نحو المشاعر الإنسانية التي تفجّرت مع جيل عام 1830 التي دافع عنها الأديب القس لامنيه Lamennais والفيلسوف سان سيمون Saint-Simon الذي نادى بالعقيدة الجماعية collectivisme وندّد بالمُلكية الخاصة propriété. وتحوّل اهتمام ڤينيي من الملكية إلى الجمهورية مخصصاً أعماله ذات الطابع الفلسفي للمنبوذين parias في المجتمع الجديد. ووصف حال الجندي في «العبودية العسكرية وعظمتها» Servitude et grandeur militariesء(1835).
ثم بُليَ ڤينيي بِمِحَنٍ الواحدة تلو الأخرى؛ وفاة والدته، وخلافاته مع أصدقائه من الأدباء الذين كان يلتقيهم في المنتديات الأدبية، وعلاقته العاصفة مع الممثلة ماري دورڤال Marie Dorval ثم القطيعة بسبب خيانتها، الأمر الذي دفعه إلى انعزالية تامة في قصر ورثه. وعاش حياة ناسك ونظم قصائده الكبرى: «موت الذئب» La Mort du Loupء(1838)، و«غضب شمشون»La Colère de Samson ء(1839)، و«جبل شجر الزيتون» Le Mont des Oliviers ء(1839)، و«بيت الراعي» La Maison du Bergerء(1844).
وبعد محاولات عدة مخفقة، انتُخب عضواً في الأكاديمية عام 1845 فاستعاد توازنه بعد فترة تشاؤم حاد ونظم قصيدة «زجاجة في البحر» La Bouteille à la mer. وقد رأى في الزجاجة كتاباً ينبئ بمستقبل مشرق يتألق فيه الفكر والعلم، وقد حملت الزجاجة لصيقة كُتب عليها «ليمسك بالزجاجة من هو قادر».
رأى ڤينيي أن الجهل والشك وضعا الإنسان في حالة بؤس دائم، وأن القضاء والقدر أقوى من أي جهود يبذلها أو آمال يعقدها. كما بيّن أن العلاقة بين الخالق والمخلوق تبعث على القلق، وثار في قصيدته «الطوفان» على ظلم الطبيعة الذي يجور على الأبرياء والمذنبين على السواء. واختار ڤينيي في «موت الذئب» السكوت والصمت إزاء العذاب والموت؛ فعظمة الإنسان ـ كما رآها ـ تكمن في صمته وصموده لا في بكائه وتوسله وضعفه واستسلامه أمام مداهمة القدر. وإذا كان الشعراء الإبداعيون قد رأوا في الطبيعة صديقةً تشاطرهم أحاسيسهم فقد رأى ڤينيي فيها عدوةً وقد تحولت إلى قبر جماعي. ولكنه لم يفقد الأمل في الحياة ودوّن انطباعاته في «يوميات شاعر» Journal d’un poète وخاصة أنه التقى وهو في الستين أوغستا بوڤار Augusta Bouvard التي رأى فيها المرأة المثالية التي تغنّى بها في شعره تحت اسم إيڤا Eva. وعاد وشبّه هذا العالم بزنزانة، وأمضى الفترة الأخيرة من حياته في قصره إلى جانب زوجته التي أصبحت عاجزة بسبب بداية فقدان بصرها.
جُمعت قصائد ڤينيي، المنشورة وغير المنشورة، في ديوانه الشهير «الأقدار» Les Destinées الذي صدر بعد وفاته إثر مرض عُضال.
حنان المالكي
(1797ـ 1863)
ألفرد دي ڤينيي Alfred de Vigny شاعر فلسفي فرنسي من كبار الإبداعيين وأنصار الرواقيّة stoïcisme في القرن التاسع عشر. ولد في لوش Loches في منطقة تورين Touraine جنوب شرقي باريس وتوفي في العاصمة. وهو الابن الوحيد لأسرة أرستقراطية من النبلاء، أفقدتها الثورة حظوتها فاتخذت المهنة العسكرية هدفاً. كان والده ضابطاً متقاعداً عند ولادته فلقَّنه في طفولته أفكاره وأورثه تعلقّه بالأمجاد الغابرة. أما والدته الرومنسية التي كانت من قرّاء جان جاك روسو Rousseau فقد غرست في ذهن ابنها التعاليم الدينية التي تربّت عليها، وكانت تعظّم من شأن الطبقة التي ينتمي إليها حتى شعر ڤينيي طوال حياته أنه ممّيز من الآخرين. وكان والداه نادمين على زوال الملكية ونظام الحكم القديم، فنشأ ڤينيي معلِّقاً آمالاً على الملوك والنبلاء رافضاً الامبراطوريات والوصوليين وحديثي النعمة، وتفاءل خيراً عند عودة الملكية La Restauration عام 1815. دخل كلية العلوم التقنية وهو يحلم بالمفاخر العسكرية وزاول لفترة مهنة الجندي وشعر بالمرارة عندما اقتصر دوره على الحراسة لموكب لويس الثامن عشر، إذ كان طموحه يفوق التدريبات التي كان يتلقاها في الثكنات. وعندما لم يحظَ بشرف القتال في ساحة المعركة استقال عام 1827 وسلك الطريق الذي قاده إلى الشهرة الأدبية.
نشر ڤينيي عام 1820 أول قصيدة له «الحفلة الراقصة» Le Bal، تبعها عام 1826 ديوان شعري «قصائد قديمة وحديثة» Poèmes antiques et modernes أظهر تأرجح الشاعر بين تيار الإبداعية romantisme والاتباعية classicisme. ومن أشهر قصائده «موسى» Moïse و«الطوفان» Le Déluge. ويقول الشاعر في مقدمة ديوانه إنه حاول إخراج فكره الفلسفي في إطار مأساوي ملحمي مستخدماً الرمز le symbole. وأراد أن يختبر مهاراته في أجناس أدبية أخرى فكتب في العام ذاته روايته التاريخية سانك مارس Cinq-Mars اسم الشخصية الروائية التي تمثل المركيز الذي تآمر على الكاردينال ريشليو Richelieu وزير لويس الثالث عشر. ودفعه حماسه إلى خوض التجربة المسرحية أيضاً التي كانت تستقطب اهتمام معاصريه من الإبداعيين وقدّم شعراً «عُطيل» Othello ء(1829) لشكسبير على المسرح الفرنسي Comédie Française ونال إعجاب الجمهور. كما لقيت مسرحيته «شاترتُن» Chatterton ء(1835) نجاحاً؛ وهي مسرحية نثرية في ثلاثة فصول تتحدث عن مأساة الفكر التي جسدّها ڤينيي في شخصية الشاعر شاترتُن. ويقول في مقدمتها: «أردت أن أظهر النفس الروحانية التي يخنقها مجتمع مادي يستغل فيه الرجل الحسوبُ والبخيلُ الذكاءَ والعملَ دون رحمة». وتنتهي المسرحية بمأساة عندما ينتحر الشاعر شاترتُن بعد أن أحرق أوراقه، إذ رأى أن المجتمع الذي رفضه شاعراً غير جدير بها.
توّج ڤينيي حماسه واندفاعه في هذه الفترة بزواجه من الشابة الإنكليزية، والوريثة الثرية، ليديا بنبري Lydia Bunbury، واستقرا في باريس. وعند اندلاع ثورة 1830 أُصيب بخيبة أمل على الصعيدين السياسي والعسكري. فالروابط التي تجمعه مع الأسرة الحاكمة أدخلته في الحرس الوطني في عهد لويس- فيليب Louis-Philippe، إلا أنه كان قد بدأ يميل نحو المشاعر الإنسانية التي تفجّرت مع جيل عام 1830 التي دافع عنها الأديب القس لامنيه Lamennais والفيلسوف سان سيمون Saint-Simon الذي نادى بالعقيدة الجماعية collectivisme وندّد بالمُلكية الخاصة propriété. وتحوّل اهتمام ڤينيي من الملكية إلى الجمهورية مخصصاً أعماله ذات الطابع الفلسفي للمنبوذين parias في المجتمع الجديد. ووصف حال الجندي في «العبودية العسكرية وعظمتها» Servitude et grandeur militariesء(1835).
ثم بُليَ ڤينيي بِمِحَنٍ الواحدة تلو الأخرى؛ وفاة والدته، وخلافاته مع أصدقائه من الأدباء الذين كان يلتقيهم في المنتديات الأدبية، وعلاقته العاصفة مع الممثلة ماري دورڤال Marie Dorval ثم القطيعة بسبب خيانتها، الأمر الذي دفعه إلى انعزالية تامة في قصر ورثه. وعاش حياة ناسك ونظم قصائده الكبرى: «موت الذئب» La Mort du Loupء(1838)، و«غضب شمشون»La Colère de Samson ء(1839)، و«جبل شجر الزيتون» Le Mont des Oliviers ء(1839)، و«بيت الراعي» La Maison du Bergerء(1844).
وبعد محاولات عدة مخفقة، انتُخب عضواً في الأكاديمية عام 1845 فاستعاد توازنه بعد فترة تشاؤم حاد ونظم قصيدة «زجاجة في البحر» La Bouteille à la mer. وقد رأى في الزجاجة كتاباً ينبئ بمستقبل مشرق يتألق فيه الفكر والعلم، وقد حملت الزجاجة لصيقة كُتب عليها «ليمسك بالزجاجة من هو قادر».
رأى ڤينيي أن الجهل والشك وضعا الإنسان في حالة بؤس دائم، وأن القضاء والقدر أقوى من أي جهود يبذلها أو آمال يعقدها. كما بيّن أن العلاقة بين الخالق والمخلوق تبعث على القلق، وثار في قصيدته «الطوفان» على ظلم الطبيعة الذي يجور على الأبرياء والمذنبين على السواء. واختار ڤينيي في «موت الذئب» السكوت والصمت إزاء العذاب والموت؛ فعظمة الإنسان ـ كما رآها ـ تكمن في صمته وصموده لا في بكائه وتوسله وضعفه واستسلامه أمام مداهمة القدر. وإذا كان الشعراء الإبداعيون قد رأوا في الطبيعة صديقةً تشاطرهم أحاسيسهم فقد رأى ڤينيي فيها عدوةً وقد تحولت إلى قبر جماعي. ولكنه لم يفقد الأمل في الحياة ودوّن انطباعاته في «يوميات شاعر» Journal d’un poète وخاصة أنه التقى وهو في الستين أوغستا بوڤار Augusta Bouvard التي رأى فيها المرأة المثالية التي تغنّى بها في شعره تحت اسم إيڤا Eva. وعاد وشبّه هذا العالم بزنزانة، وأمضى الفترة الأخيرة من حياته في قصره إلى جانب زوجته التي أصبحت عاجزة بسبب بداية فقدان بصرها.
جُمعت قصائد ڤينيي، المنشورة وغير المنشورة، في ديوانه الشهير «الأقدار» Les Destinées الذي صدر بعد وفاته إثر مرض عُضال.
حنان المالكي