اموال
Funds - Fonds
الأمـوال
تشمل الأموال les biens في النظر القانوني بحسب ما درج عليه المؤلفون القدامى - متبعين في ذلك تقليداً رومانياً - الأشياء بأعيانها المادية، والحقوق التي تكون هذه الأشياء محلاً لها. وبمعنى آخر تشمل الأموال: «كل ما تقع عليه العين في العالم الخارجي منظوراً إليه من قبل احتمال الحقوق» كالأراضي، والبيوت، والحيوانات، والمراكب، وحق الانتفاع، وحق الارتفاق، والديون والمتاجر، وشهادات الاختراع، وحقوق التأمين.
أما في النظر الشرعي فقد عرَّف فقهاء الشريعة المال بأنه: «ما يميل إليه طبع الإنسان، ويمكن ادخاره إلى وقت الحاجة». والمال عند الأحناف هو «ما يميل إليه الطبع ويجري فيه البذل و المنع» وبذلك أخرج الفقه الحنفي «المنفعة» من تعريف «المال» لتقيده بإمكان الادخار، وعدها من قبيل «الملك» الذي يتم التصرف فيه على وجه الاختصاص لا المال الذي يدخر للانتفاع به وقت الحاجة. فالفقه الحنفي يوجب بذلك أن يكون المال شيئاً مادياً ويخرج المنافع من معنى المالية، كما يخرج منه أيضاً الحقوق المحضة، كحق الشفعة، وحقوق الارتفاق، وحق الدين.
فالمال في النظر الشرعي يقوم إذن على عنصرين أساسيين هما: العينية، والعرف. فالعينية يراد بها أن يكون المال شيئاً مادياً ذا وجود خارجي محسوس. والعرف يراد به أن يكون المال مما اعتاد الناس كلهم أو بعضهم تموله وصيانته ويجري فيه بذل ومنع. فالذي لا يجري فيه بذل ومنع لا يعد مالاً و لو كان عيناً مادية كالإنسان.
وعليه يختلف التعريف الشرعي عن التعريف القانوني فالأول يجعل من المال: كل عين ذات قيمة مادية من الناس فيخرج بذلك المنافع لأنها ملك لا مال، في حين إن المال في التعريف الثاني يشمل الأعيان، والمنافع، والحقوق.
الفرق بين الأموال والأشياء المادية في القانون
تشمل الأموال الأشياء المادية (الأعيان les corps)، والحقوق التي يكون محلها هذه الأشياء. فالأشياء، منظوراً إليها من ناحية الحق تأخذ اسم الأموال بسبب ما توفره من امتيازات للإنسان وبذلك يقتصر إطلاق اصطلاح الأشياء في الغالب، على الأشياء المادية من دون الحقوق عليها، وبذلك تكون الأشياء وهي الأموال المادية جزءاً من الأموال. في حين يرى بعض الباحثين أن الأشياء أعم من الأموال لأن كل مال هو شيء ولا عكس. مع أن أغلب فقهاء القانون لا يستخدمون مصطلح الأموال مقروناً بصفة المادية فحسب، إنما يستعملونه متضمناً الأعيان والأشياء غير المادية (المعنوية)، وهي كل الأشياء التي ليس لها وجود مادي خارجي. وبذلك يلتقي اصطلاح «الأموال» مع اصطلاح «الأشياء» بسبب تأثر الفقه القانوني بالتقليد الروماني. وعلى هذا الأساس يمكن تقسيم الأموال تقسيماً يقوم على التفريق بين الأشياء عامة إلى أشياء مادية (أعيان) و أشياء غير مادية (معنوية).
الأشياء المادية أو الأعيان: هي الأشياء التي تكون محل الحقوق في الذمة المالية سواء أكانت هذه الأشياء المادية تتصف بالحياة، ما عدا أجساد البشر الحية، أم لا؛ فهي إذن تلك التي يستطيع الإنسان استعمالها لحاجاته. ويجري تصنيفها من حيث تداولها إلى أشياء داخلة في التجارة أي قابلة للتداول وأشياء خارجة عن التجارة أي غير قابلة للتداول.
وأما الأشياء الخارجة عن التجارة: فإما أن تكون خارجة عن التجارة بطبيعتها لأنه لا يمكن للإنسان أن يستأثر بحيازتها، وإما أن تكون أشياء تضعها القوانين والأنظمة خارج الاتجار أي خارج التعامل لأسباب يراها المشرع: كحماية الصحة العامة، وحماية المصالح الاقتصادية للجماعة، أو لحماية مصلحة إنسانية وغيرها. وإما أن يوضع الشيء خارج التعامل نسبياً وذلك بإرادة الإنسان كمن يبيع شيئاً أو يوصي به، ويشترط على المشتري أو الموصى له عدم التصرف بالشيء إذا كان الباعث على فرض شرط المنع باعثاً مشروعاً وكان لمدة معقولة.
أما الأشياء الداخلة في التجارة: فهي أكثر الأشياء التي يمكن أن تكون محلاً للحقوق الفردية. أي إنها داخلة في الاتجار الحقوقي، ويمكن أن يكون للأفراد، عليها حقوق عينية أو شخصية وأن تكون محلاً لإجراء التصرفات الحقوقية عليها كالبيع، والقرض وغير ذلك. تقسم الأشياء الداخلة في التجارة إلى: أشياء استهلاكية وأشياء استعمالية.
فالأشياء الاستهلاكية: هي التي يستهلكها الإنسان باستعمالها مرة واحدة، أي إن الانتفاع بخصائصها لا يتحقق إلا باستهلاكها، سواء أكان هذا الاستهلاك حقيقياً كما في الأطعمة والسلع الغذائية، أم حقوقياً كما في النقود.
أما الأشياء الاستعمالية: فهي التي تكون قابلة للاستعمال المتكرر من دون أن تستهلك أو تفقد بالاستعمال، فيتحقق الانتفاع بها باستعمالها مراراً مع بقاء العين المستعملة. كما تقسم الأشياء الداخلة في التجارة إلى أشياء مثلية وأشياء قيمية.
فالأشياء المثلية: هي ما تماثلت آحادها أو أجزاء آحادها حتى يمكن أن يقوم بعضها مقام بعضها الآخر من دون فرق يعتد به عند الوفاء. وتقدر بين الناس عادة في التعامل، بالعدد، أو القياس، أو الكيل، أو الوزن.
أما الأشياء القيمية: فهي ما تفاوتت أبعاضها فلا يقوم بعضها مقام بعضها الآخر بلا فرق. ولهذا التمييز علاقة بالأشياء التي تكون محلاً لإجراء تصرف حقوقي عليها، وخصوصاً إجراء عقد يتناول تسليم الشيء. فإذا نظر إلى هذا الشيء في فرديته على نحو يجب معه تسليمه هو ذاته ولا يمكن إحلال شيء آخر محله من النوع نفسه، فإنه يقال: إن العقد يتناول شيئاً قيمياً أو شيئاً معنياً بذاته ومثاله: إيجار المنزل أو إعارة الحيوان الذي يجب أن يعاد إلى صاحبه. وعلى النقيض من ذلك، يكون محل التعاقد شيئاً مثلياً إذا نظر إليه في نوعه على أساس وزنه أو قياسه أو عدده، أو صفته على نحو يستطيع معه المدين أن يبرئ ذمته بالوفاء بأشياء أخرى من النوع نفسه وتعد متعادلة أو متساوية فيما بينها، كبيع عشرة ليترات من الزيت فلا يهم أن تكون مأخوذة من أي وعاء. فهنالك أشياء تعد مثلية في العادة، هي الأشياء الاستهلاكية كالسلع الغذائية والنقود. غير أن هذه الأشياء يمكن تصورها، في عقد محدد، بأنها أشياء معينة؛ ومن ذلك إيداع بعض الثمار، أو بعض القطع النقدية، لعرضها في أحد المعارض؛ إذ يجب إعادة هذه النماذج العينات، ذاتها إلى من أودعها.
الأشياء غير المادية أو المعنوية: وهي التي لا يكون لها كما للأعيان وجود مادي مباشر وإنما تكون لها قيمة اقتصادية: كعمل الإنسان، ونشاطه، والخدمات التي يمكنه أن يؤديها من جهة، وفكر الإنسان والتعبير الذي يظهر فيه الفكر من جهة أخرى: كأعماله الأدبية والفنية، واكتشافاته العلمية، هذه الأشياء التي تحسن تسميتها بالأشياء الفكرية، أو المجردة، ويمكن أن تكون محلاً لحقوق الذمة المالية، وللتصرفات الحقوقية في الإتجار الخاص.
مفهوم آخر لمعنى الأموال
غير أن تقسيم الأموال إلى أشياء مادية ( أعيان )، وأشياء غير مادية خالفه بعض المؤلفين بإعطاء معنى آخر لاصطلاح الأموال بحيث لا يعدّ الأموال أشياء، وإنما هي الحقوق التي تكون الأشياء المادية، وغير المادية قابلة لها. فالأموال هنا هي الحقوق العينية - غير حق الملكية - التي تكون على الأشياء المادية، وحقوق الدين التي يكون محلها تسليم شيء مادي أو خدمة وحقوق أدبية تحمي الفكر أو بعض صور النشاط الإنساني. وأما الأموال المادية فهي حقوق الملكية على الأشياء المادية. وحق الملكية هو أكثر الحقوق كمالاً فهو يمتص كل المنفعة الاقتصادية للشيء، لذا خلطوه بالشيء الذي يكون محلاً له، وامتد ذلك إلى اللغة الدارجة إذ يقال فيها: «لي بيت أو حيوان، بدلاً من لي ملكية بيت أو حيوان». وكان هذا الاختلاط قد درج عليه المستشارون الرومان وتبعهم في تلك العادة فقهاء الغرب، فصنَّفوا جميع الحقوق الأخرى، غير حق الملكية في قسم الأموال غير المادية مستبعدين الشيء الذي يكون بقدر ما مادياً والذي يمكن أن تقع عليه هذه الحقوق. ولكنهم لم يفصلوا حق الملكية عن الشيء الذي يكون محلاً لها. فهم بإشارتهم إلى الأموال المادية، بوصفها أعياناً، إنما كان في تصورهم، حق ملكية الأشياء المادية.
والقانون المدني السوري، في الفصل الثالث بعنوان: «تقسيم الأشياء والأموال» يأخذ بالمفهوم التاريخي القديم في المزج بينها. فقسم الأشياء تقسيماً رئيسياً إلى أشياء خارجة عن التعامل إما بطبيعتها أو بحكم القانون، وأشياء غير خارجة عن التعامل، «وهي التي يصح أن تكون محلاً للحقوق المالية». ثم انتقل إلى تقسيم الأشياء إلى: عقارات، ومنقولات وأدخل في هذا التقسيم الحقوق التي تعدُّ أموالاً.
تقسيم الأموال إلى عقارات ومنقولات
قسم فقهاء القانون المدني «الأموال» كافة إلى: عقارات، ومنقولات؛ فالعقارات: «هي كل شيء مستقر في حيّزه ثابت فيه لا يمكن نقله منه بغير تلف» كالأراضي والمنازل. والمنقولات: «هي الأشياء التي يمكن إزاحتها من مكانها أو نقلها من مكانها أو نقلها من مكان لآخر» كالكراسي، والحصان، وقطعة النقود. ولكن هذا التعريف لا يحيط بمجمل ما يقع تحت كل قسم، بل لا بد من وضع قواعد تحدد المنقولات، وأخرى تحدد غير المنقولات.
العقارات أو غير المنقولات: يصنف فقهاء القانون هذه العقارات بوصفها أشياء مادية في صنفين اثنين هما: عقارات بطبيعتها كالأراضي، والمنازل؛ وعقارات بالتخصيص أو بحسب ما هي مرصدة له. وهذه في حقيقتها أشياء منقولة يصنفها القانون بين العقارات بسبب التخصيص أو المآل لأنها موضوعة على العقارات، أو فيها بصفتها ملحقات بها، ومن جهة أخرى يوجد صنفان من «الحقوق العقارية» هما عقارات بالمحل الذي تطبق عليه (وهذه هي الحقوق الأخرى - غير حق الملكية - التي يكون محلها أحد العقارات) وعقارات بتصريح من المالك.
آ - العقارات بطبيعتها: وهي الأراضي، والأبنية.
ـ فالأراضي: هي عقارات تشمل ما فوقها وما تحتها، ماعدا المناجم التي هي عقار مستقل عن ملكية الأرض، وكذلك كل النباتات من أشجار وأعشاب أو حشائش مستنبتة، أو من نبت الطبيعة، مادامت قائمة ومتصلة بجذورها في الأرض، وكذلك ثمار الأشجار التي لم تقطف. فهي تكون عقارات مادامت متصلة ومنضمة إلى الأرض. فإذا فصلت عن الأرض أو عن أصولها؛ تأخذ فردية مستقلة وتكتسب صفة المنقولات حتى لو لم يتمَّ فصلها أو نقلها بعد. ولهذه المبادئ سلسلتان من الاستثناءات:
الأولى منهما تتعلق بالمنقولات بالاستباق أو من حيث المآل: فنتاج الأرض يمكن أن ينظر إليه مسبقاً على أنه من المنقولات حتى قبل فصله عن الأرض، وذلك في بعض الفرضيات ومن بعض وجهات النظر: كبيع المحصول وهو قائم، وبيع الأشجار المعدة للقطع.
والثانية تتعلق باكتساب الثمار صفة العقار في حالة الحجز العقاري: إن المبدأ الذي يقضي بأن تصبح المحصولات والثمار منقولات عند فصلها عن الأرض ، يلاقي تعديلاً مهماً في حالة حجز عقار مرهون. فالثمار الناتجة بعد تسجيل الحجز تصبح عقاراً ويوزع ثمن بيعها بالطريقة التي يوزع بها ثمن العقار ذاته بالإجراءات المتبعة بالدّور، ويوزع ثمنها، بالنتيجة، بحسب الأولوية، أو الأفضلية للدائنين المرتهنين. وتخضع الأراضي في القانون إلى تقسيم آخر فهي:
ـ العقارات المُلْك: أي الواقعة داخل مناطق الأماكن المبنية بحسب التحديد الإداري لتلك المناطق.
ـ العقارات الأميرية: وهي الأراضي التي تكون رقبتها للدولة ويجوز أن يجري عليها حق تصرف للأفراد. وهي خارج مناطق الأماكن المبنية بحسب التحديد الإداري للمناطق.
ـ العقارات المتروكة المرفقة: وهي التي تخص الدولة ويكون للجماعة عليها حق الاستعمال.
ـ الأراضي الموات أو الخالية المباحة: وهي الأراضي الأميرية التي تخص الدولة، إلا أنها غير معينة ولا محددة، أي لم ينشأ عليها لأحد حق تصرف، بخلاف الأراضي الأميرية بمعناها المطلق فإنها أراض زراعية معينة محددة. والأراضي الموات يجوز لمن يشغلها قبل غيره أن يستحصل بإذن من الحكومة على حق أفضلية له فيها، أي حق رجحان و أولوية في التصرف بها وفقاً للشرائط المعينة في أنظمة أملاك الدولة
تعليق