هنري زغيب
من المكتبات ما هو عريقُ البناء تاريخيًّا، قديمُهُ إِنشاءً، جميلُ الهندسة خارجاً كمبنى، داخلًا كرسوم وجدرانيات، ومنها ما هو حديثٌ بخطوط عصرية وفناءات مغايرة، لكن القديمة والحديثة تجمع بينهما فكرةُ جذب الرواد إِلى عالَم القراءة الهادئة الهانئة الصامتة العميقة التي تغذِّي العقل والذاكرة بأَنبل ما خلق الإِنسان: الكلمة.
بعد ثلاث مكتبات عامة في الحلقة الأُولى من هذه السلسلة، وهي بين أَشهر وأَجمل قاعات المطالعة لدى كبرى المكتبات العامة في العالَم، أَعرض هنا لثلاث مكتبات أُخرى.
4. مكتبة "مدينة الهندسة المعمارية والتراث" في باريس
هي حاجةٌ فنية لكل مهتم بالهندسة المعمارية. لا لموقعها فقط بل لأَنّ المجموعات فيها متخصّصة بالهندسة المعمارية والهندسة المدينية وهندسة المساحات الخضراء. وفيها كذلك أَكبر مجموعة من الجدرانيات في فرنسا.
المكتبة في مبنى عام ذي طابع صناعي وتجاري، حاليًا في إِشراف وزارة الثقافة والاتصالات، مهمّتها حفظ ذاكرة الهندسة المعمارية الفرنسية في فرنسا وخارجها، وتأْمين المراجع الكافية للمؤَلفات ذات الاختصاص بالتراث الهندسي الفرنسي وما ينتج منها من أَعمال دولية حديثة ومعاصرة.
المدينة هي في الجناح الشمالي الشرقي من قصر شايُّو (ساحة التروكاديرو)، مساحتها نحو 22 أَلف متر مربع، وهو أَكبر مركز للهندسة المعمارية في العالَم.
بعدما كان أَلكسندر لونوار (1761-1839) أَسَّس سنة 1795 متحف الأَبنية الفرنسية (ما بات لاحقاً معهد الفنون الجميلة) في باريس، وتمّ تخريبه سنة 1815، عاد أُوجين لودوك (1814-1879) فرمَّم المتحف استعداداً للمعرض العالَمي سنة 1878. وحين تسلَّم إِدارة المتحف بول دوشان (1888-1974) أَعاد إِليه الحياة سنة 1927 وفتحه للجمهور، وما زال حتى اليوم.
5. مكتبة دير سان لورنزو الإسكوريال في مدريد
أَنشأَها ملك إِسبانيا فيليب الثاني (1527-1598) نموذجاً ساطعاً للنهضة الهندسية. وهو كان مثقَّفاً كبيراً ويحب القراءة والكتب، من هنا اختار للدير والمكتبة موقعاً جميلاً، حتى هما اليوم على لائحة الأُونيسكو لمواقع التراث العالَمي.
المكتبة هي اليوم الأَكبر حجماً ومضموناً لعصر النهضة الإِسبانية. كان الملك فيليب الثاني ينوي أَن يؤسس المكتبة منذ 1556، لكن أَركان القصر عارضوا ذلك فتأَجَّل المشروع. عندها أَوعز إِلى بعض مريديه أَن يجمعوا كتباً لتأْسيس المكتبة الملكية التي اقترحوا أَن تكون في سلمنكا لأَنّ فيها جامعة كبرى وتالياً فيها بيئة حاضنة الكتب والثقافة، لكنه أَصرَّ أَن تكون في مجمّع الإِسكوريال.
بدأ تجميع الكتب سنة 1565 وراح العدد يكبر في السنوات التالية حتى بلغ سنة 1576 نحو 4000 عنوان بينها 2000 مخطوطة. وقبل وفاة فيليب الثاني سنة 1598 أوصى بمنحةٍ دائمة للمكتبة كي يأْمن قدرتها على شراء الكتُب باستمرار. وواصل فيليب الثالث (1578-1621) وصية سلَفه، فباتت في القرن السابع عشر أَكبر مكتبة في البلاد.
سنة 1671 نهش حريقٌ كبير معظم أَجنحة الدير والمكتبة، فرمَّد نحو 4000 كتاب في لغات عدّة، وبقيت الكتُب المنقَذَة سنواتٍ طويلة مكدَّسةً في غرفة واحدة حتى سنة 1725 حين تولّى المكتبة الأَب أنطونيو دو سان خوسيه، فأَمضى نحو ربع قرن في الترتيب والفهرسة لنحو 4500 كتاب ومخطوطة.
وبعدما أَضاع الغزو الفرنسي سنة 1808 معظم العناوين من جديد، وتمَّ نقل معظم الكتب إِلى فرنسا، عاد الملك الإِسباني فردينان السابع (1784-1833) فأَمر باستعادة الكتب من فرنسا، إِنما ضاع معظمها بين سرقة وتلف. وسنة 1837 تولَّت إِدارة المكتبة "أَكاديميا التاريخ الملكية" حتى 1875 حين تولّت إِدارتها "مؤَسسة التراث الملكية" فرمَّمَت نحو 5000 كتاب كان أَتلفها الحريق جزئيًّا.
المكتبة اليوم مفتوحة للزوار والسياح كمَعْلَم أَول في إسبانيا. وهي اليوم تحوي الآلاف من العناوين بينها نحو 2000 مجلَّد باللغة العربية بين مخطوط ومطبوع.
6. مكتبة هاشيوجي لدى "جامعة تاما للفنون" في طوكيو
هي ضمن مبنى مفتوح في داخله مع أَعمدة إِسمنتية في هندسة طليعية يقول عنها رئيس الجامعة هيديمي كوندو إِنّها "مكان مثالي للطلَّاب، ليس فقط للأَبحاث والدراسة بل هي مصدر إِيحاء للفنانين".
إِنّها مكتبة أَكاديمية كبرى في حَرَمَين من جامعة تاما للفنون في طوكيو، وهي من قسمَين: الأَول في حرم هاشيوجي (ضاحية من طوكيو)، والآخر في حرَم كامينوجي (حي من مدينة طوكيو الكبرى). والقسْمان مفتوحان للطلَّاب والأَساتذة خصوصاً في شؤُون التربية والتعليم العالي والديكور والتصميم الطباعي والهندسة المعمارية والسينما والتصوير الفوتوغرافي.
في حرَم هاشيوجي نحو 77 أَلف كتاب باليابانية و47 أَلفاً بلغات عالَمية أُخرى، ونحو 1500 دورية في مختلَف اللغات. وما زالت المكتبة تستقبل دوريًّا مجموعات من مختلف الجامعات ومراكز الأَبحاث في العالَم.
في حرَم كامينوجي نحو 48 أَلف كتاب و300 دورية في مختلف لغات العالَم. وهي تنحو إِلى اختصاصات الفنون البصرية من فوتوغرافيا وسينما ومسرح. وفيها المجموعات الكاملة من الشاعر والرسام السوريالي شوزو تاكيغوشي (1903-1979) وفيها نحو 10 آلاف عنوان بين مخطوط ومطبوع، ومجموعة المصور الفوتوغرافي كاتْوِي كيتاسونو (1902-1978) وفيها مئات الملصقات الدادائية والسوريالية. لم تفتَح مكتبة كامينوجي أَبوابها بعدُ للجمهور العام بل تقتصر فقط على طلَّاب الجامعة.
من المكتبات ما هو عريقُ البناء تاريخيًّا، قديمُهُ إِنشاءً، جميلُ الهندسة خارجاً كمبنى، داخلًا كرسوم وجدرانيات، ومنها ما هو حديثٌ بخطوط عصرية وفناءات مغايرة، لكن القديمة والحديثة تجمع بينهما فكرةُ جذب الرواد إِلى عالَم القراءة الهادئة الهانئة الصامتة العميقة التي تغذِّي العقل والذاكرة بأَنبل ما خلق الإِنسان: الكلمة.
بعد ثلاث مكتبات عامة في الحلقة الأُولى من هذه السلسلة، وهي بين أَشهر وأَجمل قاعات المطالعة لدى كبرى المكتبات العامة في العالَم، أَعرض هنا لثلاث مكتبات أُخرى.
4. مكتبة "مدينة الهندسة المعمارية والتراث" في باريس
هي حاجةٌ فنية لكل مهتم بالهندسة المعمارية. لا لموقعها فقط بل لأَنّ المجموعات فيها متخصّصة بالهندسة المعمارية والهندسة المدينية وهندسة المساحات الخضراء. وفيها كذلك أَكبر مجموعة من الجدرانيات في فرنسا.
المكتبة في مبنى عام ذي طابع صناعي وتجاري، حاليًا في إِشراف وزارة الثقافة والاتصالات، مهمّتها حفظ ذاكرة الهندسة المعمارية الفرنسية في فرنسا وخارجها، وتأْمين المراجع الكافية للمؤَلفات ذات الاختصاص بالتراث الهندسي الفرنسي وما ينتج منها من أَعمال دولية حديثة ومعاصرة.
المدينة هي في الجناح الشمالي الشرقي من قصر شايُّو (ساحة التروكاديرو)، مساحتها نحو 22 أَلف متر مربع، وهو أَكبر مركز للهندسة المعمارية في العالَم.
بعدما كان أَلكسندر لونوار (1761-1839) أَسَّس سنة 1795 متحف الأَبنية الفرنسية (ما بات لاحقاً معهد الفنون الجميلة) في باريس، وتمّ تخريبه سنة 1815، عاد أُوجين لودوك (1814-1879) فرمَّم المتحف استعداداً للمعرض العالَمي سنة 1878. وحين تسلَّم إِدارة المتحف بول دوشان (1888-1974) أَعاد إِليه الحياة سنة 1927 وفتحه للجمهور، وما زال حتى اليوم.
5. مكتبة دير سان لورنزو الإسكوريال في مدريد
أَنشأَها ملك إِسبانيا فيليب الثاني (1527-1598) نموذجاً ساطعاً للنهضة الهندسية. وهو كان مثقَّفاً كبيراً ويحب القراءة والكتب، من هنا اختار للدير والمكتبة موقعاً جميلاً، حتى هما اليوم على لائحة الأُونيسكو لمواقع التراث العالَمي.
المكتبة هي اليوم الأَكبر حجماً ومضموناً لعصر النهضة الإِسبانية. كان الملك فيليب الثاني ينوي أَن يؤسس المكتبة منذ 1556، لكن أَركان القصر عارضوا ذلك فتأَجَّل المشروع. عندها أَوعز إِلى بعض مريديه أَن يجمعوا كتباً لتأْسيس المكتبة الملكية التي اقترحوا أَن تكون في سلمنكا لأَنّ فيها جامعة كبرى وتالياً فيها بيئة حاضنة الكتب والثقافة، لكنه أَصرَّ أَن تكون في مجمّع الإِسكوريال.
بدأ تجميع الكتب سنة 1565 وراح العدد يكبر في السنوات التالية حتى بلغ سنة 1576 نحو 4000 عنوان بينها 2000 مخطوطة. وقبل وفاة فيليب الثاني سنة 1598 أوصى بمنحةٍ دائمة للمكتبة كي يأْمن قدرتها على شراء الكتُب باستمرار. وواصل فيليب الثالث (1578-1621) وصية سلَفه، فباتت في القرن السابع عشر أَكبر مكتبة في البلاد.
سنة 1671 نهش حريقٌ كبير معظم أَجنحة الدير والمكتبة، فرمَّد نحو 4000 كتاب في لغات عدّة، وبقيت الكتُب المنقَذَة سنواتٍ طويلة مكدَّسةً في غرفة واحدة حتى سنة 1725 حين تولّى المكتبة الأَب أنطونيو دو سان خوسيه، فأَمضى نحو ربع قرن في الترتيب والفهرسة لنحو 4500 كتاب ومخطوطة.
وبعدما أَضاع الغزو الفرنسي سنة 1808 معظم العناوين من جديد، وتمَّ نقل معظم الكتب إِلى فرنسا، عاد الملك الإِسباني فردينان السابع (1784-1833) فأَمر باستعادة الكتب من فرنسا، إِنما ضاع معظمها بين سرقة وتلف. وسنة 1837 تولَّت إِدارة المكتبة "أَكاديميا التاريخ الملكية" حتى 1875 حين تولّت إِدارتها "مؤَسسة التراث الملكية" فرمَّمَت نحو 5000 كتاب كان أَتلفها الحريق جزئيًّا.
المكتبة اليوم مفتوحة للزوار والسياح كمَعْلَم أَول في إسبانيا. وهي اليوم تحوي الآلاف من العناوين بينها نحو 2000 مجلَّد باللغة العربية بين مخطوط ومطبوع.
6. مكتبة هاشيوجي لدى "جامعة تاما للفنون" في طوكيو
هي ضمن مبنى مفتوح في داخله مع أَعمدة إِسمنتية في هندسة طليعية يقول عنها رئيس الجامعة هيديمي كوندو إِنّها "مكان مثالي للطلَّاب، ليس فقط للأَبحاث والدراسة بل هي مصدر إِيحاء للفنانين".
إِنّها مكتبة أَكاديمية كبرى في حَرَمَين من جامعة تاما للفنون في طوكيو، وهي من قسمَين: الأَول في حرم هاشيوجي (ضاحية من طوكيو)، والآخر في حرَم كامينوجي (حي من مدينة طوكيو الكبرى). والقسْمان مفتوحان للطلَّاب والأَساتذة خصوصاً في شؤُون التربية والتعليم العالي والديكور والتصميم الطباعي والهندسة المعمارية والسينما والتصوير الفوتوغرافي.
في حرَم هاشيوجي نحو 77 أَلف كتاب باليابانية و47 أَلفاً بلغات عالَمية أُخرى، ونحو 1500 دورية في مختلَف اللغات. وما زالت المكتبة تستقبل دوريًّا مجموعات من مختلف الجامعات ومراكز الأَبحاث في العالَم.
في حرَم كامينوجي نحو 48 أَلف كتاب و300 دورية في مختلف لغات العالَم. وهي تنحو إِلى اختصاصات الفنون البصرية من فوتوغرافيا وسينما ومسرح. وفيها المجموعات الكاملة من الشاعر والرسام السوريالي شوزو تاكيغوشي (1903-1979) وفيها نحو 10 آلاف عنوان بين مخطوط ومطبوع، ومجموعة المصور الفوتوغرافي كاتْوِي كيتاسونو (1902-1978) وفيها مئات الملصقات الدادائية والسوريالية. لم تفتَح مكتبة كامينوجي أَبوابها بعدُ للجمهور العام بل تقتصر فقط على طلَّاب الجامعة.