تويت
"الطريق بأصحابه": النباتات والحيوانات والطبيعة سيدة هذه الأرض وملكتها
رباب دبس 6 يوليه 2023
تشكيل
مجد كردية
شارك هذا المقال
حجم الخط
أعادنا الفنان مجد كردية (سورية) في معرضه الاستعادي الأول في بيروت "الطريق بأصحابه"، الذي أقامه في دار جريدة السفير، بين 6 و26 حزيران/ يونيو 2023، إلى الطبيعة الخام، لوحات تحتشد فيها رسوم متنوعة للشجر والثمار والزهور والبحر والسماء والقمر والطيور والحيوانات المائية والبرية الأليفة، ولا نجد في المعرض أي رسم يتعلق بالشخوص البشرية، لا أجساد ولا وجوه ولا أشباهها، سوى ثنائي على هيئة ألعاب ورسوم متحركة، تحمل اسم "فصعون" و"فصعونة" اللذين يشكلان مع العناصر الأخرى عالم المعرض وأجوائه.
المشهد البصري الذي يولّفه كردية في لوحاته، يتكون من كل ما في البحر، وكل ما على اليابسة، كل عنصر يحل مكان عنصر آخر في هذه الطبيعة، من حيث تكوينه ووظيفته ومكان عيشه (سمكة تسبح في بطن فيل)، (زرافة تهاتف عبر شريط طويل فصعونة)، (حمار تحتشد في بطنه طيور)، (فراشة تلازم الفيل وتحط على خرطومه)، (شخصيات بهيئة ألعاب مختلفة الأحجام)، (فيل يلقي خرطومه على زهور من دون أن يكسرها، وعلى السمكة أيضًا من دون أن يؤذيها)، (جديلة شعر فصعونة تغطي ما يوحي بأنها مدينة تتلألأ فيها الأضواء)، (فصعون وفصعونة يقفان على رأس عصفور)، (حلزون في فمه زهرة، وعلى ظهره يقف فصعون وفصعونة)، (قبعة مصنوعة من نصف بطيخة).
عالم طفلي… وأبعاد فلسفية
النظرة الأولى لمعرض كردية تدرجه في خانة الأعمال الموجهة للأطفال، إلا أن الحوارات الملازمة للوحات، من حيث معناها ودلالاتها ووظيفة كل منها، تعكس الفلسفة الخاصة التي تكتنف روح المعرض. فالنباتات والطيور والأسماك والأشجار والزهور والفصاعين، لها أفكار ومواقف من الحب والصبر والعمل والصداقة والحزن، تولف في مجموعها دورة حياة كاملة لا تشبه الحياة التي يعيشها البشر.
البطيخ له رتبة وموقع، ويسمى (ملك البطيخ)، الحوت هو (أستاذ حوت)، يشكل ثنائي فصعون وفصعونة (عصابة)، هناك متطوعون (لسرقة الأحزان)، ظهر الحلزون هو مكان (للقبلات البطيئة)، الفراشة تدعى (آنسة فراشة)، (فيل يقف على شجرة صبار)، (تلة من الزهور تتخذ شكل الفصاعين، في جانب منها يقف فيل وعلى خرطومه فراشة)، (زهور على هيئة فصعون وفصعونة)، (سمك يعيش خارج الماء).
هكذا يكوّن كردية لوحته الخاصة من عناصر الطبيعة التي تتبادل الأدوار في ما بينها بأمان، فلا عصابات إلا لسرقة الأحزان، أما أشواك الصبار فهي غير مؤذية، كما أن الفراشة برقتها وهشاشتها، هي صديقة الفيل، تلازمه ولا تخاف منه، الأسماك تعيش في أماكن مختلفة وليس حصرًا في مياه البحر.
النصوص اللوحات
النصوص والحوارات الموازية للوحات المعرض تشكّل بحد ذاتها لوحة أخرى، هذا ما ذكره كردية في إحدى المقابلات التي أجريت معه عن المعرض: "نحن كائنات لغوية بالدرجة الأولى، ولم أشأ التخلي عن سلاح الكلمة في اللوحة حتى تصل بشكل أفضل (…) والنص في هذه الحالة، لا يأتي كشرح، بل كعمل مواز، كشعر له رمزية تحتاج إلى شرح أكبر من اللوحة".
النصوص المستخدمة في المعرض، منها ما يعود إلى شعراء الحداثة، من بينهم محمود درويش والرحابنة وأحمد فؤاد نجم، ومنها إلى شعراء من عصور أقدم، كالمتنبي وغيره. أيضًا، هناك عدد يسير من المفردات والجمل، تفتقد لسيرورة انتظامها وتكامل معناها، لا سياق انسيابي لها، ولا تشبه اللغة التي يستخدمها البشر، بل هي جمل وحوارات مشاكسة يحتشد فيها عالم من المعاني المواربة، التي تكرس مع عناصر المعرض الأخرى هوية المعرض ومشهديته.
يعكس المشهد البصري السلام والطمأنينة والوداعة، فيما تكتنف الحوارات التي تدور بين عناصر الطبيعة، ما يرمز الى سوريالية المعرض التي تشكل في عمقها مشهدًا آخر متعدد الأبعاد.
(مطلوب متطوعين لسرقة الأحزان)، (لدي حوت من الصبر، ولا أصبر على بعدك)، (أيتها الساحرة كيف تعطين معنى لهذه الحياة الخربوطية)، (تزداد قسوة الحياة حين يقولون لك إنها ليست قاسية لكن أنت الذي لا يبتسم)،(نحتمي بهشاشتك يا وردتي العسل)، (أنا عادي وأحزاني أنيقة)، (أراك فأنجو من الموت)، (جسمك مرفأ)، (هاجرت للقمر فوجدته يتأرجح على خصلاتك).
سوريالية المعرض نجدها أيضًا في الحوارات التي تدور بين عناصر الطبيعة: (- ليه زعلان يا أستاذ حوت؟ ـ واقف بأول الأرض وقلبي بآخرها)، (- كيف أسرق حزنك؟ ـ أسرقي قبلة)، (السمكة منادية: عطشانة شربوني شوية أرض)،(- يا ملكنا يا ملك البطيخ، ما آخر الصبر؟ ـ زهرة الصبر) (- صاير تفكر إغريقي؟ ـ لا، عم فكر إغريكي).
السوريالية التي تطبع روح المعرض، تعكسها أيضًا الحروف التي اختارها كردية بشكل معكوس وناقص، وفي غير أماكنها، مثل إبدال حرف الـ ش بالـ س، وإبدال الألف بالـ ن. ولكل منها دلالات وأبعاد، (جوعانين يا سمش طعمينا شوية ضو)، (عصابة الفراشة المخيفة جدن)، (طالع أزور المستحيل، مبارح كان عندنا، خبرني اليوم إنو مرضان، خايف عليه جدن).
صناع السعادة، شمس وعصافير وضحكات
عناصر المعرض النباتية والحيوانية لها مطبخها أيضًا، وتملك مقادير خاصة لتحضير وجبات (الشوكولاطة) التي هي مصدر سعادة، كما تقدمها فصعون وفصعونة: (ثلاث ملاعق ضو شمس، وثلاث دمعات عصفور سافر وتلات ضحكات من فصعونة).
وصفة السعادة الخاصة، (شمس وطيور وضحك)، إضافة إلى عناصر الطبيعة الأخرى، هي العالم ـ الحلم، الذي يدور في فلكه كردية، عالم ينحاز في لغته وحواراته ومشهديته للسلام والحب، وهو بقدر هذا الانحياز يدعو إلى إقصاء العالم البشع الذي يعيش فيه البشر. فلا وجود لأدوات حادة في معرض "الطريق بأصحابه"، لا سكاكين ولا أسلحة قاتلة، لا سيارات تلوث الطبيعة، ولا نفايات، إنما طبيعة موغلة في صفائها وسلامها المشهدي واللوني، حيث تطغى ألوان البحر والشمس والزهور والسهل على ما عداها من ألوان، وتتدرج من الأزرق والأخضر والناري والوردي والترابي والرمادي، وتشكل مجتمعة روح المعرض وهويته البصرية والمعنوية.
هكذا ينحاز هذا الفنان السوري إلى عالم الخير ليقصي عالم الشر، يبعد عالم الآلة والأسلحة القاتلة ليؤبد عالم الطبيعة، وكأنه بذلك يعيدنا إلى حياتنا الأولى، وجذورنا الأولى، وسلوكنا الأول. وما أدل العالم السوريالي التي يتسم به المعرض سوى مختصر الرسالة التي تركها فصعون وفصعونة إحدى شخصيات الرئيسة التي تشكل عصابة:
"الفصاعين فصعون وفصعونة، فرسان البطيخ، وأعضاء عصابة الفراشة المخيفة جدن، يقفزون بين قصص الحب وأبيات الشعر، يحلمون بسماء طيبة مع طيورها، وبشجرة يجتمع تحتها الأصدقاء، لا يملكون شيئًا ولا يملكون أيدي إلا ليحملوا وردة أو ليسرقوا حزنًا، سرقة الأحزان مهنتهم المفضلة، لذا، انتبهوا جيدًا على أحزانكم وأنتم تمرون أمام اللوحات، وانتبهوا أيضًا إن كنتم تحملون قطعة شوكولاطه".
تشكيل
مجد كردية
شارك هذا المقال
حجم الخط
أعادنا الفنان مجد كردية (سورية) في معرضه الاستعادي الأول في بيروت "الطريق بأصحابه"، الذي أقامه في دار جريدة السفير، بين 6 و26 حزيران/ يونيو 2023، إلى الطبيعة الخام، لوحات تحتشد فيها رسوم متنوعة للشجر والثمار والزهور والبحر والسماء والقمر والطيور والحيوانات المائية والبرية الأليفة، ولا نجد في المعرض أي رسم يتعلق بالشخوص البشرية، لا أجساد ولا وجوه ولا أشباهها، سوى ثنائي على هيئة ألعاب ورسوم متحركة، تحمل اسم "فصعون" و"فصعونة" اللذين يشكلان مع العناصر الأخرى عالم المعرض وأجوائه.
المشهد البصري الذي يولّفه كردية في لوحاته، يتكون من كل ما في البحر، وكل ما على اليابسة، كل عنصر يحل مكان عنصر آخر في هذه الطبيعة، من حيث تكوينه ووظيفته ومكان عيشه (سمكة تسبح في بطن فيل)، (زرافة تهاتف عبر شريط طويل فصعونة)، (حمار تحتشد في بطنه طيور)، (فراشة تلازم الفيل وتحط على خرطومه)، (شخصيات بهيئة ألعاب مختلفة الأحجام)، (فيل يلقي خرطومه على زهور من دون أن يكسرها، وعلى السمكة أيضًا من دون أن يؤذيها)، (جديلة شعر فصعونة تغطي ما يوحي بأنها مدينة تتلألأ فيها الأضواء)، (فصعون وفصعونة يقفان على رأس عصفور)، (حلزون في فمه زهرة، وعلى ظهره يقف فصعون وفصعونة)، (قبعة مصنوعة من نصف بطيخة).
عالم طفلي… وأبعاد فلسفية
النظرة الأولى لمعرض كردية تدرجه في خانة الأعمال الموجهة للأطفال، إلا أن الحوارات الملازمة للوحات، من حيث معناها ودلالاتها ووظيفة كل منها، تعكس الفلسفة الخاصة التي تكتنف روح المعرض. فالنباتات والطيور والأسماك والأشجار والزهور والفصاعين، لها أفكار ومواقف من الحب والصبر والعمل والصداقة والحزن، تولف في مجموعها دورة حياة كاملة لا تشبه الحياة التي يعيشها البشر.
البطيخ له رتبة وموقع، ويسمى (ملك البطيخ)، الحوت هو (أستاذ حوت)، يشكل ثنائي فصعون وفصعونة (عصابة)، هناك متطوعون (لسرقة الأحزان)، ظهر الحلزون هو مكان (للقبلات البطيئة)، الفراشة تدعى (آنسة فراشة)، (فيل يقف على شجرة صبار)، (تلة من الزهور تتخذ شكل الفصاعين، في جانب منها يقف فيل وعلى خرطومه فراشة)، (زهور على هيئة فصعون وفصعونة)، (سمك يعيش خارج الماء).
هكذا يكوّن كردية لوحته الخاصة من عناصر الطبيعة التي تتبادل الأدوار في ما بينها بأمان، فلا عصابات إلا لسرقة الأحزان، أما أشواك الصبار فهي غير مؤذية، كما أن الفراشة برقتها وهشاشتها، هي صديقة الفيل، تلازمه ولا تخاف منه، الأسماك تعيش في أماكن مختلفة وليس حصرًا في مياه البحر.
النصوص اللوحات
النصوص والحوارات الموازية للوحات المعرض تشكّل بحد ذاتها لوحة أخرى، هذا ما ذكره كردية في إحدى المقابلات التي أجريت معه عن المعرض: "نحن كائنات لغوية بالدرجة الأولى، ولم أشأ التخلي عن سلاح الكلمة في اللوحة حتى تصل بشكل أفضل (…) والنص في هذه الحالة، لا يأتي كشرح، بل كعمل مواز، كشعر له رمزية تحتاج إلى شرح أكبر من اللوحة".
النصوص المستخدمة في المعرض، منها ما يعود إلى شعراء الحداثة، من بينهم محمود درويش والرحابنة وأحمد فؤاد نجم، ومنها إلى شعراء من عصور أقدم، كالمتنبي وغيره. أيضًا، هناك عدد يسير من المفردات والجمل، تفتقد لسيرورة انتظامها وتكامل معناها، لا سياق انسيابي لها، ولا تشبه اللغة التي يستخدمها البشر، بل هي جمل وحوارات مشاكسة يحتشد فيها عالم من المعاني المواربة، التي تكرس مع عناصر المعرض الأخرى هوية المعرض ومشهديته.
يعكس المشهد البصري السلام والطمأنينة والوداعة، فيما تكتنف الحوارات التي تدور بين عناصر الطبيعة، ما يرمز الى سوريالية المعرض التي تشكل في عمقها مشهدًا آخر متعدد الأبعاد.
(مطلوب متطوعين لسرقة الأحزان)، (لدي حوت من الصبر، ولا أصبر على بعدك)، (أيتها الساحرة كيف تعطين معنى لهذه الحياة الخربوطية)، (تزداد قسوة الحياة حين يقولون لك إنها ليست قاسية لكن أنت الذي لا يبتسم)،(نحتمي بهشاشتك يا وردتي العسل)، (أنا عادي وأحزاني أنيقة)، (أراك فأنجو من الموت)، (جسمك مرفأ)، (هاجرت للقمر فوجدته يتأرجح على خصلاتك).
سوريالية المعرض نجدها أيضًا في الحوارات التي تدور بين عناصر الطبيعة: (- ليه زعلان يا أستاذ حوت؟ ـ واقف بأول الأرض وقلبي بآخرها)، (- كيف أسرق حزنك؟ ـ أسرقي قبلة)، (السمكة منادية: عطشانة شربوني شوية أرض)،(- يا ملكنا يا ملك البطيخ، ما آخر الصبر؟ ـ زهرة الصبر) (- صاير تفكر إغريقي؟ ـ لا، عم فكر إغريكي).
السوريالية التي تطبع روح المعرض، تعكسها أيضًا الحروف التي اختارها كردية بشكل معكوس وناقص، وفي غير أماكنها، مثل إبدال حرف الـ ش بالـ س، وإبدال الألف بالـ ن. ولكل منها دلالات وأبعاد، (جوعانين يا سمش طعمينا شوية ضو)، (عصابة الفراشة المخيفة جدن)، (طالع أزور المستحيل، مبارح كان عندنا، خبرني اليوم إنو مرضان، خايف عليه جدن).
صناع السعادة، شمس وعصافير وضحكات
عناصر المعرض النباتية والحيوانية لها مطبخها أيضًا، وتملك مقادير خاصة لتحضير وجبات (الشوكولاطة) التي هي مصدر سعادة، كما تقدمها فصعون وفصعونة: (ثلاث ملاعق ضو شمس، وثلاث دمعات عصفور سافر وتلات ضحكات من فصعونة).
وصفة السعادة الخاصة، (شمس وطيور وضحك)، إضافة إلى عناصر الطبيعة الأخرى، هي العالم ـ الحلم، الذي يدور في فلكه كردية، عالم ينحاز في لغته وحواراته ومشهديته للسلام والحب، وهو بقدر هذا الانحياز يدعو إلى إقصاء العالم البشع الذي يعيش فيه البشر. فلا وجود لأدوات حادة في معرض "الطريق بأصحابه"، لا سكاكين ولا أسلحة قاتلة، لا سيارات تلوث الطبيعة، ولا نفايات، إنما طبيعة موغلة في صفائها وسلامها المشهدي واللوني، حيث تطغى ألوان البحر والشمس والزهور والسهل على ما عداها من ألوان، وتتدرج من الأزرق والأخضر والناري والوردي والترابي والرمادي، وتشكل مجتمعة روح المعرض وهويته البصرية والمعنوية.
هكذا ينحاز هذا الفنان السوري إلى عالم الخير ليقصي عالم الشر، يبعد عالم الآلة والأسلحة القاتلة ليؤبد عالم الطبيعة، وكأنه بذلك يعيدنا إلى حياتنا الأولى، وجذورنا الأولى، وسلوكنا الأول. وما أدل العالم السوريالي التي يتسم به المعرض سوى مختصر الرسالة التي تركها فصعون وفصعونة إحدى شخصيات الرئيسة التي تشكل عصابة:
"الفصاعين فصعون وفصعونة، فرسان البطيخ، وأعضاء عصابة الفراشة المخيفة جدن، يقفزون بين قصص الحب وأبيات الشعر، يحلمون بسماء طيبة مع طيورها، وبشجرة يجتمع تحتها الأصدقاء، لا يملكون شيئًا ولا يملكون أيدي إلا ليحملوا وردة أو ليسرقوا حزنًا، سرقة الأحزان مهنتهم المفضلة، لذا، انتبهوا جيدًا على أحزانكم وأنتم تمرون أمام اللوحات، وانتبهوا أيضًا إن كنتم تحملون قطعة شوكولاطه".