Fareed Zaffour
15 أغسطس 2022م ·
جريدة تحت المجهر / أمريكا
14 أغسطس 2022 ·
اليتيم
ذات يوم بمدينة بئر العاتر في شهر سبتمبر من سنة 1976, أين بدأ الخريف يطل علينا بوجهه العابس مع أن نسائمه منعشة تزرع فينا وهج لأمل, جلس طفل يتيم فقير جائع على عتبة محل مغلق بالقرب من محل عمي نصيب الحلاق بالحي العتيق رحمه الله ، يراقب صبية يلعبون بمسدسات فضية من النيكل تطلق رصاصات من نوع (بني بني) وهم يركضون يمنة ويسرة، كفراشات براقصها النسيم ويداعبها شعاع الشمس، بينهم وحولهم معقبات إِلهيّة تحميهم, ضحكاتهم تدغدغ أذنيه وتدمي قلبه، وتفرغ قوته شيئا فشيئا, أحس بألم في قلبه أذابه فانفجرت عيناه بالدموع، توهنت سواعده وتنملت أطرافه وأحس بوحشة صيّرت المكان حوله إلي ظلمة ليس لها انفلاق.
طأطأ رأسه وتنهد تنهيدة أقلقت والده في قبره وزادت من كآبة المكان, عصرته الوحدة ففاض أنفه مفرزا مخاطا كالماء, ضاقت به الدنيا, أحس بقشعريرة التهمت جسده النحيل وأحس بحكة تسري كتيار زاد للحزن شدة.
في الجانب الأخر يقف شخص أمام محل عمي بوعمرة يراقب المشهد ويقرأ التفاصيل بتأثر تمكن من دواخله ، أحس بحرارة دموع اليتيم التي تقاطرت والتقطها الثرى متبركا بقدسيتها وطهارتها. مباشرة أتبع خطاه لا إراديا, دخل المحل وأشترى مسدسا بطلقاته مع حبات حلوى من الكبريس قدمهم لليتيم هدية ثم سار في سبيله خفيفا كسحابة صيف.
فرح الطفل وعادت بسمته من جديد، من فرحته نسي الجوع وتقوت قدماه بعد الوهن, انقشع الظلام وبزغ فجر المروءة يعاكس العتيق وينثر بركاته على المكان ويسجل في صحيفة القيامة أن جبر الخواطر لن يندثر وسيبقى ظله يسامر المكان في كل الفصول. ومن سار بين الناس جابرا للخواطر أدركته العناية ولو كان في جوف المخاطر. عن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان من دعائه: "اللهم اغفر لي وارحمني وأهدني وأجبرني وارزقني"، لهذا فجبر الخواطر من المعاني الرفيعة والأخلاق السامية التي يجب أن نتحلى بها.
بقلم/#بلخيري_محمدالناصر