الأصم (عبد الرحمن بن كيسان-)
اصم (عبد رحمن كيسان)
Al-Asamm (Abd al-Rahman bin Kayssan-) - Al-Asamm (Abd al-Rahman ben kaïssan-)
الأَصَمّ (عبد الرحمن بن كَيْسان ـ)
(توفي نحو 225هـ/ 840م)
أبو بكر، عبد الرحمن بن كيسان، فقيه معتزلي مفسر. يُذكر عادة في رجال المعتزلة مع أن بعضهم يخرجه منهم، عاش في البصرة وتوفي فيها، وقد خدم في بداية أمره الطبيب أبا الأشعث مَعْمر البصري، وكان معدوداً في جملة غلمانه.
وُصِف الأصم بأنه كان فصيحاً فقيهاً ورعاً، وكان فقيراً شديد الصبر على الفقر، وكان أصحابه يطلبون به نوالاً لدى أولي الأمر فيردهم لإخلاصه لدينه ولا يرى الصحبة القائمة على مصلحة دنيوية. شغل مكانة عالية في البصرة، وكانت له حلقة خاصة به في مسجدها، وله الرئاسة فيها على ثمانين شيخاً يصلّون معه، اتصل بالإباضية[ر] وتأثر برأيهم في مسألة الإمامة والخروج على الإمام الظالم، وقد دعاه أبو حيان التوحيدي لذلك «صاحب الإباضية». ولعله كان يقول الشعر، فقد روى عنه الجاحظ في كتاب الحيوان بعض الأبيات. عالج الأصم في مؤلفاته التي بلغت نحو ثلاثين كتاباً موضوعات متعددة، كالتفسير والفقه والأصول والكلام ومبادئ الاعتزال، والرد على المخالفين من دهرية وملحدة ويهودية ومجوس وزنادقة، ولكن كتبه ضاعت ولم يصل إلينا منها إلا أسماؤها.
ولم يكن يؤمن إلا بما تؤدي إليه الحواس فقد روي عنه قوله « لا أعرف إلا ما شاهدته بحواسي»، وهو بمذهبه الحسي لا يثبت إلا الجسم ذا الأبعاد الثلاثة. وطبق هذا المبدأ على النفس وعلى القرآن، ورأى أن الشيء الوحيد الذي لا يمكن إدراكه بطريق الحواس هو الله. وفي ذلك صون لمبدأ التنزيه الذي يقوم عليه «التوحيد» المعتزلي، وتمهيد للقول بخلق القرآن ونفي الصفات.
يتفق الأصم مع المعتزلة في كثير من المبادئ، وقد كان متضامناً معهم فيما يذهبون إليه فألف الكتب المؤيدة لمذهبهم، ورد على خصومهم، بيد أنه خالفهم في جانب أساسي من تطبيق الأصل الاعتزالي المعروف «بالأمر بالمعروف والنهي» عن المنكر، فكان لا يؤمن باستخدام السيف، على حين ذهب المعتزلة في هذا الأصل إلى جواز تطبيقه بكل الوسائل الممكنة، باللسان واليد والسيف، كيف قدروا على ذلك، ولا يفهم هذا الخلاف بينه وبين المعتزلة إلا بمعرفة آرائه في الإمامة، فهو الوحيد من بين المعتزلة الذي ذهب إلى أن الإمام لا يجب نصبه، وأنه يمكن الاستغناء عنه، وكان يعتقد أن الناس لو كفّوا عن المظالم لاستغنوا عن الإمام، وترتبط الإمامة لديه، إلى حد كبير، بالإجماع، وهو يحلل النزاع الذي حصل حول الإمامة انطلاقاً من هذا المبدأ، لأنه الأصل الذي يتيح إنفاذ الأحكام وإقامة الحدود حتى إن تعطلت الإمامة نفسها، وتغدو الإمامة عنده فرعاً لمبدأ أعم هو الإجماع، وبه تصبح التفصيلات الأخرى، كاستخدام السيف وسواه مشروعة.
كانت للأصم مناظرات مع بعض رجال المعتزلة أمثال العَلاّف (محمد بن الهذيل ـ ت235هـ)، ولم يكن الرجلان على وفاق. كما كانت له مناظرات مع آخرين، فقد اصطدم بهشام بن الحَكَم بسبب موقف الأصَمّ من عليّ وعقيدة التشبيه لدى ابن الحَكَم، واصطدم كذلك بضِرار بن عمرو لخلافهما حول مسألة الأعراض والجواهر. وقد التف حول الأصم عدد كبير من الأتباع، ومن أشهر تلاميذه بشر المريسي وابن علّية (توفيا 218هـ/ 832م)، وكان لابن علّية تأثير واسع في مصر في مجال الفقه. وتأثر أبو علي الجُبّائي (ت303هـ) بآراء الأصم في التفسير حتى إنه لم يكن يذكر في تفسيره سواه، وكان أهم أثر للأصَمّ في تفسير الجّبائي هو مبدأ عدم عزل الآية عن سياقها ضمن السورة، وأنه لا توجد آيات قرآنية تمتنع عن فهم الإنسان لا المتشابه منها ولا المحكم.
بكري علاء الدين
اصم (عبد رحمن كيسان)
Al-Asamm (Abd al-Rahman bin Kayssan-) - Al-Asamm (Abd al-Rahman ben kaïssan-)
الأَصَمّ (عبد الرحمن بن كَيْسان ـ)
(توفي نحو 225هـ/ 840م)
أبو بكر، عبد الرحمن بن كيسان، فقيه معتزلي مفسر. يُذكر عادة في رجال المعتزلة مع أن بعضهم يخرجه منهم، عاش في البصرة وتوفي فيها، وقد خدم في بداية أمره الطبيب أبا الأشعث مَعْمر البصري، وكان معدوداً في جملة غلمانه.
وُصِف الأصم بأنه كان فصيحاً فقيهاً ورعاً، وكان فقيراً شديد الصبر على الفقر، وكان أصحابه يطلبون به نوالاً لدى أولي الأمر فيردهم لإخلاصه لدينه ولا يرى الصحبة القائمة على مصلحة دنيوية. شغل مكانة عالية في البصرة، وكانت له حلقة خاصة به في مسجدها، وله الرئاسة فيها على ثمانين شيخاً يصلّون معه، اتصل بالإباضية[ر] وتأثر برأيهم في مسألة الإمامة والخروج على الإمام الظالم، وقد دعاه أبو حيان التوحيدي لذلك «صاحب الإباضية». ولعله كان يقول الشعر، فقد روى عنه الجاحظ في كتاب الحيوان بعض الأبيات. عالج الأصم في مؤلفاته التي بلغت نحو ثلاثين كتاباً موضوعات متعددة، كالتفسير والفقه والأصول والكلام ومبادئ الاعتزال، والرد على المخالفين من دهرية وملحدة ويهودية ومجوس وزنادقة، ولكن كتبه ضاعت ولم يصل إلينا منها إلا أسماؤها.
ولم يكن يؤمن إلا بما تؤدي إليه الحواس فقد روي عنه قوله « لا أعرف إلا ما شاهدته بحواسي»، وهو بمذهبه الحسي لا يثبت إلا الجسم ذا الأبعاد الثلاثة. وطبق هذا المبدأ على النفس وعلى القرآن، ورأى أن الشيء الوحيد الذي لا يمكن إدراكه بطريق الحواس هو الله. وفي ذلك صون لمبدأ التنزيه الذي يقوم عليه «التوحيد» المعتزلي، وتمهيد للقول بخلق القرآن ونفي الصفات.
يتفق الأصم مع المعتزلة في كثير من المبادئ، وقد كان متضامناً معهم فيما يذهبون إليه فألف الكتب المؤيدة لمذهبهم، ورد على خصومهم، بيد أنه خالفهم في جانب أساسي من تطبيق الأصل الاعتزالي المعروف «بالأمر بالمعروف والنهي» عن المنكر، فكان لا يؤمن باستخدام السيف، على حين ذهب المعتزلة في هذا الأصل إلى جواز تطبيقه بكل الوسائل الممكنة، باللسان واليد والسيف، كيف قدروا على ذلك، ولا يفهم هذا الخلاف بينه وبين المعتزلة إلا بمعرفة آرائه في الإمامة، فهو الوحيد من بين المعتزلة الذي ذهب إلى أن الإمام لا يجب نصبه، وأنه يمكن الاستغناء عنه، وكان يعتقد أن الناس لو كفّوا عن المظالم لاستغنوا عن الإمام، وترتبط الإمامة لديه، إلى حد كبير، بالإجماع، وهو يحلل النزاع الذي حصل حول الإمامة انطلاقاً من هذا المبدأ، لأنه الأصل الذي يتيح إنفاذ الأحكام وإقامة الحدود حتى إن تعطلت الإمامة نفسها، وتغدو الإمامة عنده فرعاً لمبدأ أعم هو الإجماع، وبه تصبح التفصيلات الأخرى، كاستخدام السيف وسواه مشروعة.
كانت للأصم مناظرات مع بعض رجال المعتزلة أمثال العَلاّف (محمد بن الهذيل ـ ت235هـ)، ولم يكن الرجلان على وفاق. كما كانت له مناظرات مع آخرين، فقد اصطدم بهشام بن الحَكَم بسبب موقف الأصَمّ من عليّ وعقيدة التشبيه لدى ابن الحَكَم، واصطدم كذلك بضِرار بن عمرو لخلافهما حول مسألة الأعراض والجواهر. وقد التف حول الأصم عدد كبير من الأتباع، ومن أشهر تلاميذه بشر المريسي وابن علّية (توفيا 218هـ/ 832م)، وكان لابن علّية تأثير واسع في مصر في مجال الفقه. وتأثر أبو علي الجُبّائي (ت303هـ) بآراء الأصم في التفسير حتى إنه لم يكن يذكر في تفسيره سواه، وكان أهم أثر للأصَمّ في تفسير الجّبائي هو مبدأ عدم عزل الآية عن سياقها ضمن السورة، وأنه لا توجد آيات قرآنية تمتنع عن فهم الإنسان لا المتشابه منها ولا المحكم.
بكري علاء الدين