الصحة النفسية Psychological health - Santé psychologique 

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الصحة النفسية Psychological health - Santé psychologique 

    الصحة النفسية

    لم يفلح الأولون في تعريف الصحة النفسية، فخلطوا بين مفهوم الصحة النفسية ومظاهرها المختلفة، ومع ذلك يمكن تلخيص اتجاهات الأقدمين والمحدثين بالاتجاهات الآتية وهي:
    ـ الصحة النفسية من حيث الخلو من الأمراض النفسية:
    يرى هذا الاتجاه أن الصحة النفسية تعني «البرء أو الخلو من أعراض المرض النفسي أو العقلي». وأصحاب هذا الاتجاه هم العاملون في ميادين الطب النفسي. ويبدو هذا التعريف أنه محدود وضيق، لاعتماده على حالة السلب أو النفي، ولو اُتُخذ معياراً للحكم على الصحة النفسية لتبين أن من يتمتع بالصحة النفسية هو الشخص الذي لا يعاني من اضطراب واضح، وهو متكيف تماماً ومحقق للكفاية والسعادة وهذا أمر خاطئ أو مستحيل، لأن الخلو من المرض النفسي لايعني قط تمتع الفرد بالصحة النفسية. كما أن هذا التعريف يتناول جانباً واحداً فقط من جوانب الصحة النفسية.
    ـ الصحة النفسية من حيث هي نزوع لتحقيق التوازن:
    ويمثل هذا الاتجاه هيبوقراط وأفلاطون والغزالي الذين يعدون الصحة النفسية حالة نفسية يشعر فيها الفرد بالأمن والطمأنينة عندما يحقق التوازن بين قواه الداخلية والخارجية أو بين مصالحه الفردية ومصالح الجماعة التي يعيش فيها.
    ـ الصحة النفسية من حيث هي علم ومقارنتها بعلم الصحة الجسمية:
    ويعني هذا التعريف التوافق التام بين الوظائف الجسدية المختلفة والقدرة على مواجهة الصعوبات العادية المحيطة بالإنسان، ثم الإحساس الإيجابي بالقوة والنشاط والحيوية.
    ـ الصحة النفسية من حيث هي تكامل الطاقات:
    ويعرِّف هذا الاتجاه الصحة النفسية بأنها حالة الفرد النفسية العامة وتكامل طاقاته المعرفية والعقلية والانفعالية والدافعية، بما يؤدي إلى حسن استثمارها من أجل تحقيق إنسانية الفرد.
    وأخيراً يمكن القول: إن الصحة النفسية هي حالة إيجابية ثابتة نسبياً، توجد عند الفرد في مستوى قيام الوظائف النفسية المختلفة لديه بأداء عملها على نحو متناسق ومتكامل، ضمن وحدة الشخصية، وفي أثناء تفاعلاتها مع الذات ومع الآخر ضمن إطار واقعي.
    معايير الصحة النفسية
    تحدث العلماء عن معايير السواء واللاسواء في الحكم على السلوك من خلال مايلي:
    ـ المعيار الذاتي: ويعني أن كل مَنْ يخالفني في الرأي يعتبر شاذاً، وكل مَنْ يوافقني في الرأي يعتبر سوياً، وهو معيار ذاتي لا يمكن الوثوق في مصداقيته في الحكم على السلوك البشري.
    ـ المعيار الاجتماعي: ويتخذ من مسايرة المعايير الاجتماعية أساساً للحكم على السلوك، سواء أكان سوياً أم غير سوي، فالسلوك السوي هو السلوك المتوافق مع قيم المجتمع وعاداته، أما غير السوي فهو الذي لايتوافق مع تلك العادات والتقاليد الاجتماعية.
    ـ المعيار الإحصائي: وهذا المعيار يتخذ المتوسط أو الشائع مقياساً يمثل الحالة السوية، وبذلك تكون اللاسوية هي الانحراف عن هذا المتوسط زيادة أو نقصاناً، وهذا المعيار لايفرق بين الشخص العبقري والشخص الذي يعاني من التخلف العقلي.
    ـ المعيار المثالي: ويرى هذا المعيار أن الحالة السوية هي المثالية أو الكمال أو ما يقرب منه، واللاسوية هي الانحراف عن المثل الأعلى أو الكمال.
    ـ المعيار النفسي الموضوعي: يوصف السلوك وفقاً لهذا المعيار بالوظيفة التي يؤديها ضمن وحدة الشخصية، إضافة إلى دلالته. فإذا كان السلوك ذا دلالة وظيفية ويعمل بتناسق وانسجام مع مكونات الشخصية أطلق عليه سلوكاً سوياً، أما إذا كانت وظيفته ودلالته لايحكمهما هذا الاتساق أطلق عليه السلوك الشاذ.
    مظاهر الصحة النفسية السوية
    حدد بوتشلر مجموعة من المظاهر للصحة النفسية أطلق عليها مظاهر الشخصية الفعالة، وهي: الثبات والالتزام وضبط الذات والكفاية والإبداعية ووعي الذات.
    أما روجرز فقد حدد مظاهر الصحة النفسية من خلال الشعور بحرية الحركة، وتقبل النفس (الذات) كما هي على طبيعتها، وشعور الفرد بكيانه واستقلاله، وتقبل الآخرين كما هم، من دون النظر إليهم من خلال قيمنا الشخصية، الثقة بالنفس الناتجة من تقبل المشاعر الشخصية.
    وركز بيرز على جوانب أخرى لدى الشخص تدل على مظاهر الصحة النفسية لديه، مثل الحس بالمسؤولية الشخصية، وقدرة الفرد على الاتصال بالبيئة، واحترامه لقدراته ومتطلباته، والنظرة الإيجابية للذات بمنظار كلي.
    ويتفق العلماء، مع اختلاف وجهات النظر، على قواسم مشتركة لتحديد سلوك الشخص الذي يتمتع بصحة نفسية سليمة أهمها:
    الرضا عن النفس والسمو والالتزام والاعتدال والعطاء واحترام ثقافة المجتمع، مع قدر من الاستقلال عنه، والصحة الجسدية.
    ـ تطور الاهتمام بالصحة النفسية
    كان الصينيون القدماء والفراعنة والإغريق يرون أن اختلال الصحة النفسية لدى الفرد يعود إلى حلول الشياطين والأرواح الشريرة في البدن، فاستخدموا السحر والتعاويذ والصلوات في معابدهم لطرد الأرواح الشريرة وعودة الفرد إلى حالة السواء النفسي. إلا أن أبقراط (هيبوقراط) (460ـ377ق.م) كانت له رؤية علمية بعض الشيء تختلف عن الأفكار القديمة، إذ أرجع الأمراض العقلية إلى حال الدماغ، واهتم بتشخيص حالات الماليخوليا والهستيريا وعالجها بأسلوب علمي.
    وفي العصر الروماني ظهرت نزعات إنسانية في تفسير الاضطرابات النفسية بأنها ناتجة من صدمات عاطفية، فاستخدم العلاج البيئي المتمثل في تجهيز أماكن جيدة للعلاج، مع استخدام التدليك وممارسة النشاطات الجماعية وسائلَ لعلاج الاضطرابات النفسية والعقلية.
    أما الاهتمام بالصحة النفسية على النحو المعروف الذي يمارس اليوم فيرجع إلى العصور الوسطى التي شهدت بعض أشكال الرعاية النفسية هنا و هناك، وكانت هذه الإسهامات النواة الأولى للتغيرات اللاحقة فيما بعد، فقد أدرك الأطباء المسلمون أهمية الرعاية الصحية والاجتماعية للإنسان، ونتج من ذلك انتشار دُور الرعاية النفسية في كل من دمشق وبغداد والقاهرة، وكان العلاج بالعمل والموسيقى من الأساليب الشائعة في تلك الأماكن. في حين كانت أوربا في العصور الوسطى تعامل المرضى بأساليب غير إنسانية، عن طريق التعذيب والحرق وما شابه ذلك من الطرائق على اعتبار أن الاضطراب النفسي سببه عصيان الفرد وهرطقته، فسُلِّطت عليه الشياطين والأرواح الشريرة، وظلت أوربا على هذا النمط حتى جاء فيليب بينل(1745ـ1826) Pinel ، الذي طالب بتحرير المرضى النفسيين من قيودهم، وألف كتاباً عن كيفية معاملتهم المعاملة الحسنة.
    وفي عام 1909 تأسست في الولايات المتحدة الأمريكية اللجنة القومية للصحة النفسية، وذلك بعد سنة واحدة من نشر بيرزC.Beers كتاباً بعنوان «عقل يجد نفسه» A Mind That Found Itself وركز فيه على ضرورة نشر الوعي الصحي وتصحيح المفاهيم العالقة في نفوس الناس عن الاضطرابات النفسية، وأكد ضرورة فتح المصحات العقلية وعلاج الأمراض النفسية بطرائق أكثر علمية. وبعد ذلك شهد العالم اتساع حركة رعاية الصحة النفسية وقيام العديد من المدارس الفكرية والجمعيات التي تعنى بها، خصوصاً بعد الحرب العالمية الأولى، فظهرت المدرسة الفرنسية التي كانت تلح على العلاقة الوثيقة بين المرض النفسي واختلال الوظيفة العصبية. وركزت المدارس الألمانية على التفاعل القائم بين العقل والجسم في نشوء الأمراض النفسية. أما المدرسة الإنكليزية فحاولت تأكيد تحسين شروط العناية بالمرضى النفسيين من أجل الوصول إلى مستوى مناسب من الصحة النفسية. كما انتشرت المدارس النفسية في شتى بلدان العالم، كالمدرسة الروسية والمدرسة الأمريكية وغيرها من المدارس التي نشَّطت الأبحاث العلمية في مجال الصحة النفسية للأفراد الذين يعانون من سوء التوافق النفسي، من أجل دعم صحتهم النفسية والمحافظة عليها واستمرارها، ومن هذا الاهتمام بدأت المؤتمرات والجمعيات العلمية تنشط للقيام بدورها في هذا المجال، فعقدت عدة مؤتمرات دولية بهذا الخصوص، كمؤتمر واشنطن عام 1921 ومؤتمر باريس عام 1937. وقد اتسع الاهتمام بالصحة النفسية وجعلت منظمة الصحة العالمية عام 1960 عام الصحة النفسية.
    مايزال الاهتمام بالصحة النفسية في البلاد العربية في حاجة إلى مزيد من الجهد والرعاية والدعم من جميع المؤسسات المجتمعية، وإن بدأت تظهر بوادره المتمثلة في صدور قانون ممارسة العلاج النفسي في مصر عام 1954، ومؤتمر القاهرة الخاص بالصحة النفسية عام 1970، وفي سورية ضمت اللائحة الداخلية لكلية التربية قسماً خاصاً يعنى بالصحة النفسية سمي «قسم الصحة النفسية». كما أحدثت جمعية علمية تهتم بشؤون الصحة النفسية، هي الجمعية السورية للعلوم النفسية والتربوية عام 1996، وليس قرار وزارة التربية الذي تم بموجبه إحداث وظيفة المرشد النفسي في المدارس الإعدادية والثانوية إلا دليلاً صادقاً على الاهتمام بالصحة النفسية لشريحة واسعة من أبناء الوطن، واهتمت القوات المسلحة بهذا الجانب أيضاً، إذ أعدت الإدارة السياسية المناهج المناسبة والدورات المكثفة بهدف المحافظة على الصحة النفسية لدى العسكريين.
    رياض العاسمي
يعمل...
X