التاريخ بالعربية - Historia En Árabe
يُعرف سبارتاكوس تاريخيّاً بأنّه قائد ثورة تحرير العبيد في العصر الروماني، ورغم أنّ ذلك صحيح بنسبة كبيرة، ألا وأنّه يجدر بنا الإشارة إلى أن تلك الثورة، أو حركة التمرد لم تكُن الأولى من نوعها، فقد شهدت الإمبراطوريّة الرومانيّة العديد من الثورات وحركات التمرّد التي قام بها العبيد ولكن جميعها كانت هينّة ولم تنجح، حيث استطاع عدد قليل من الجنود والعتاد من قمع هذا التمرّد والسيطرة عليه.
يرى بعض المؤرّخون أنّ تِكرار الثورات الضعيفة الغير مُخطّطة كان من الأسباب الرئيسـيّة التي أدّت إلى نجاح تمرّد مجموعة العبيد التي قادها سبارتاكوس فيما بعد، إذ أنّ الرومان تعاملوا معها في البداية بخنوع واستهانة، وذلك بسبب اعتقادهم أنّها مُجرّد زوبعة ستنتهي كما انتهت سابقتها.
تُعرف هذه الحركة بحرب العبيد الثالثة، أو حرب المُصارعين، أو حرب سبارتاكوس، فكلها مُسمّيات تُشير إلى حدث تاريخي واحد، وهو الحلقة الأخيرة من سلسلة تمردات العبيد معروفة تاريخياً باسم (حروب العبيد الرومانيّة)، وقد استمرّت تلك المواجهة لمُدّة ثلاث سنوات، ما بين عاميّ (73 - 71 ق.م)، ومرّت بأكثر من مرحلة مُختلفة ..
المرحلة الأولى عبارة عن مرحلة من حركة تمرّد بدأت بعملية الهروب من داخل المُعسكر الذي كان يُحتجز به العبيد هؤلاء المُصارعين، واستخدم العبيد في هذه المرحلة أدوات المطبخ والأوتاد الخشبيّة، والحجـارة كأسلحة، وتمكّنوا بالفعل بهذه الأدوات من مواجهة مجموعات الحُرّاس، واستطاعوا تخطّي أسوار السجن المُحتجزين بداخله، وبعض المصادر تُشير إلى أنّ سبارتاكوس كان هو العقل المُدبّر لتمرد المُصارعين، بينما مصادر أخرى تؤكّد على إنّه لم يكُن سوى أحد المُشاركين فيه، وأنّ تنصيبه كقائد لمجموعة الهاربين المُقدّر عددهم بحوالي 80 عبداً جاء في وقت لاحق.
المرحلة الثانية أرسلت روما فيها مجموعة مليشيّات عسكرية لمواجهة حركة التمرّد، لكن تمّ في وقت متأخر، بعدما أدركوا إنّها تختلف عن حركات التمرّد السابقة، وأن المتمردين هذه المرة من المُصارعين المُدرّبين، وأنّ تحركاتهم منظمة، وتتم وفقاً لخطط مسبقة، ولا يحاولون الفرار بصورة عشوائيّة كما كانوا يتوقّعون، وخلال تلك الفترة كان قد تولّى سبارتاكوس قيادة مجموعة العبيد، وتمكّن من استقطاب المزيد منهم، حتى وصل تعداد العبيد المُتمرّدين في أنحاء روما قد بلغ 120 ألفاً تقريباً.
أربك سبارتاكوس، والذي أطلق عليه أتباعه في تلك الفترة لقب چنرال حسابات قادة الرومان، وقام بتغير إستراتيجيّة حركات التمرّد، فقد توقّف عن الهرب، وبدأ في الهجوم، فكان يُجّهِز مجموعات من أتباعه، للهجوم على دوريّات رومانية وينقضّ على عساكرهم، ويقتلهم ويحصل منهم على المؤن، والخيول، ومُعدّات التسليح، وبعدما سلّح سبارتاكوس أتباعه بالقدر الكافي، توالت هجماته على القرى الرومانية، وقتال القوات الحامية لها، ونهب خيراتها، لكن المكسب الحقيقي الذي جناه العبيد، هو إنقلاب الرأي العام بروما على القيادات الرومانيّة، كونهم سبب لهم حرجاً كبيراً، وأظهرهم في صورة العاجز عن مواجهة مجموعة من العبيد المُتمرّدين.
المرحلة الثالثة تكمن في اجتماع مجلس الشيوخ الروماني وقراراتهم للحدّ من انتصارات سبارتاكوس المُتكرّرة وأتباعه، وأظهر المجلس مخاوفه من انتصارات المتمرّدين، وأكَّدوا إن استمرار ذلك الوضع قد يؤدّي في النهاية إلى إنهيار الدولة الرومانيّة بالكامل، وقد كان سبارتاكوس قريب بالفعل من تحقيق ذلك، لهذا توقّف قادة روما على التعامل مع الأمر باعتبارها حركة تمرّد، وتعاملوا معها بمنطق الحرب، حيث قاموا بإرسال جيشاً جرّاراً مكون من ثمانية فيالق لمواجهة العبيد ..
دامت الحَـرب بين روما والعبـيد لعِدّة أشـهر دمويّة، بعدها تمكّنت جيوش الرومان من مُـحاصرة سبارتاكوس وأتباعه، وقد ظنوا أنّ الرومان سيُجـبرونهم على الإستسلام، بعد أن قطعوا عنهم المؤن والمدد، لكن القائد سبارتاكوس رفض أن يستسلم لهم، وكذلك رأى من الحكمة ألا يستمر في الحرب بعدما فقد عدد كبير من رجاله، فتخير فيلق القائد كراسوس باعتباره الأضعف والثغرة الوحيدة في حصار الرومان، وركّز كامل قواته عليه، واستغل عُنصر المفاجأة لصالحه ..
وبعد قتال طويل وداميّ مع ذلك الفيلق تمكّن سبارتاكوس ورفاقه من فكّ الحصار والانسحاب من أرض المعركة.
إنتهت هذه الحرب رسميّاً بانسحاب العبيد، وإعلان الرومان عن إستعادتهم السيطرة على كافّة أرجاء البلاد، ولكن حقيقة الأمر أنّ النصر كان حليفاً لمجموعة العبيد، فقد كبدوا روما العُظمى خسائر فادحة، والأهم أنّهم ألهموا آلاف العبيد بكافّة أرجاء البلاد، فتوالت التمرّدات داخل روما، وتعالت الأصوات المُندّدة بسياسة الرومان، مِما مهّد الطريق نحو النهاية الفعليّة لسياسة الرِق، وهذا إنجاز سبارتاكوس الأكبر وأثره الأعظم.