ابن الأشعث (عبد الرحمن-)
اشعث (عبد رحمن)
Ibn Al-Asha’th (Abdel-Rahman-) - Ibn Al-Acha’th (Abdel-Rahman-)
ابن الأشعث (عبد الرحمن ـ)
(... ـ85هـ/ ... ـ 704م)
عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بن قيس الكندي من أشراف الكوفة والقادة الشجعان. اشترك مع مصعب بن الزبير في قتال المختار بن أبي عبيد الثقفي، وقُتل والده في المعركة التي دارت بين الفريقين في حروراء (موضع بظاهر الكوفة تنسب إليه الحرورية من الخوارج[ر]) سنة 67هـ. وأرسله بشر بن مروان والي الكوفة سنة 72هـ على رأس خمسة آلاف مقاتل مدداً للمهلب بن أبي صفرة في حرب الخوارج الأزارقة، وأمره بعد الانتهاء من غزاته أن ينصرف إلى الريّ. وفي سنة 76هـ، أمر الحجاج بن يوسف الثقفي[ر] ابن الأشعث أن يخرج في طلب شبيب الخارجي وأصحابه فانتخب ستة آلاف من الفرسان وأخرج ستمئة من قومه من كندة وحضرموت، ولكنه عجز عن القضاء على شبيب.
وفي سنة 80هـ وجه الحجاج ابن الأشعث على رأس أربعين ألف مقاتل من الكوفة والبصرة لحرب رُتبيل في سجستان بعد امتناعه عن دفع الخراج، وإيقاعه بالمسلمين الذين كانوا مع والي سجستان عبيد الله بن أبي بَكْرَة. ويقال إن عم عبد الرحمن إسماعيل بن الأشعث نصح الحجاج ألا يرسل عبد الرحمن على رأس ذلك الجيش لأنه يخاف خلافه، فقال الحجاج: «... هو لي أهيَب، وَفِيَّ أرغب من أن يخالف أمري أو يخرج عن طاعتي». وأمضاه على ذلك الجيش، فخرج بهم حتى قدم سجستان، فجمع أهلها وطلب منهم تجهيز أنفسهم والانضمام إلى جيشه لملاقاة عدوهم، وبلغ ذلك رتبيل، فكتب إلى ابن الأشعث يعتذر إليه مما أصاب المسلمين، ويخبره أنه كان لذلك كارهاً، وأنهم ألجؤوه إلى قتالهم، ويسأله الصلح، ويعرض عليه أن يقبل منه الخراج، فلم يجبه ابن الأشعث ولم يقبل عرضه، وأراد أن يبتدع خطة جديدة في القتال تخالف الخطط التي سار عليها أسلافه في غزواتهم السريعة وأن يكون فتحه للمنطقة فتحاً مكيناً، ثابت الأركان تستقر فيه هيبة الدولة، وتدخل البلاد المفتوحة نهائياً في عداد البلاد الطائعة، فكان يضم إليه البلاد منطقة منطقة ويسيطر عليها سيطرة أكيدة ويضع حاميات عسكرية في القلاع والأماكن الخطيرة التي كان يهددها الأعداء، وكلما سقطت في يده منطقة بعث إليها بعامل، وبعث معه الأعوان، ونظم البريد بينها وبين مركز قيادته، حتى يضمن استتباب الأمر له فيها، واستطاع على هذا النحو أن يضم إليه جزءاً كبيراً من البلاد. ثم توقف مدة حتى يعتاد جنده الحياة في تلك البلاد الغريبة الوعرة ويعرفوا مسالكها، وكتب إلى الحجاج يعلمه بما فعل. فاتهمه الحجاج بالضعف والعجز وأجابه «إن كتابك كتاب امرئ يحب الهدنة ويستريح إلى الموادعة، قد صانَعَ عدواً قليلاً ذليلاً، فامض لما أمرتك به من الوغول في أرضهم، والهدم لحصونهم وقتل مقاتلتهم، وإلا فأخوك إسحاق بن محمد أمير الناس».
استشار ابن الأشعث من معه، فلم يروا رأي الحجاج، واتفقوا على نبذ طاعته، وبايعوا عبد الرحمن على مخالفة الحجاج فصالح ابن الأشعث رُتبيل، وأقام عمالاً له في أهم مدن سجستان وعاد بجيشه سنة 81هـ إلى العراق، فكتب الحجاج إلى عبد الملك يخبره الخبر ويسأله أن يمدّه بالمقاتلة. وتوجه الحجاج إلى البصرة حيث التقاه ابن الأشعث على نهر الدجيل في الأهواز، وهزم الحجاج أول الأمر وتراجع حتى نزل الزاوية، وخلّى البصرة لأهل العراق، ثم لم يلبث أن انتصر على ابن الأشعث في معركة «الزاوية» وتمكن من دخول البصرة ثانية، في حين توجه ابن الأشعث إلى الكوفة واستطاع أن يدخلها ويستولي على بيت المال فيها. فلما بلغ الخبر الحجاج توجه بجنده يريد الكوفة وعسكر بدير قُرّة، وانضم إلى ابن الأشعث أهل الكوفة والبصرة والقرّاء وأهل الثغور والمسالح بدير الجماجم فكانوا مئة ألف ممن يأخذون العطاء ومعهم مثلهم من مواليهم. وبلغ ذلك عبد الملك، فأرسل إلى الحجاج مدداً من أشراف أهل الشام والجزيرة في سبعين ألفاً، ودامت الحرب بين الطرفين مئة وثلاثة أيام، وانتهت بهزيمة ابن الأشعث في معركة «دير الجماجم»[ر] سنة 83هـ، ثم هزيمته الفاصلة في «مسكن» في العام نفسه، وتراجع ابن الأشعث إلى السوس، ثم كرمان، حتى وصل إلى كابل مع رجاله فأكرمهم رُتبيل واستبقاهم عنده. إلا أن جماعة من أهل العراق لحقوا بابن الأشعث وأقنعوه بالخروج معهم والعودة إلى القتال، فوافقهم واستولى على بعض المواقع في خراسان. ولما بلغ هراة أحسَّ أنه لن يستطيع الاعتماد عليهم وأنهم سيخذلونه، فقرر الالتجاء ثانية إلى رتبيل إلا أن الحجاج هدد رُتبيل، بغزو بلاده إن لم يسلِّمه ابن الأشعث، ووافق رتبيل شريطة ألاّ تغزى بلاده عشر سنين، وأن يؤدي بعد هذه السنين العشر مئة ألف درهم في كل سنة.
وأدرك ابن الأشعث أنه سيُسلّم إلى عمارة بن تميم اللخمي قائد جيش الحجاج، فتحيّن غفلة من الحرس وألقى بنفسه من فوق القصر فمات واحتز جند رتبيل رأسه وأرسلوه إلى الحجاج سنة 85هـ، وانتهت بموته ثورة كانت من أقسى الأزمات التي واجهتها الدولة الأموية، وتعرض فيها مركز الحجاج لامتحان عسير خرج منه منتصراً.
نجدة خماش
اشعث (عبد رحمن)
Ibn Al-Asha’th (Abdel-Rahman-) - Ibn Al-Acha’th (Abdel-Rahman-)
ابن الأشعث (عبد الرحمن ـ)
(... ـ85هـ/ ... ـ 704م)
عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بن قيس الكندي من أشراف الكوفة والقادة الشجعان. اشترك مع مصعب بن الزبير في قتال المختار بن أبي عبيد الثقفي، وقُتل والده في المعركة التي دارت بين الفريقين في حروراء (موضع بظاهر الكوفة تنسب إليه الحرورية من الخوارج[ر]) سنة 67هـ. وأرسله بشر بن مروان والي الكوفة سنة 72هـ على رأس خمسة آلاف مقاتل مدداً للمهلب بن أبي صفرة في حرب الخوارج الأزارقة، وأمره بعد الانتهاء من غزاته أن ينصرف إلى الريّ. وفي سنة 76هـ، أمر الحجاج بن يوسف الثقفي[ر] ابن الأشعث أن يخرج في طلب شبيب الخارجي وأصحابه فانتخب ستة آلاف من الفرسان وأخرج ستمئة من قومه من كندة وحضرموت، ولكنه عجز عن القضاء على شبيب.
وفي سنة 80هـ وجه الحجاج ابن الأشعث على رأس أربعين ألف مقاتل من الكوفة والبصرة لحرب رُتبيل في سجستان بعد امتناعه عن دفع الخراج، وإيقاعه بالمسلمين الذين كانوا مع والي سجستان عبيد الله بن أبي بَكْرَة. ويقال إن عم عبد الرحمن إسماعيل بن الأشعث نصح الحجاج ألا يرسل عبد الرحمن على رأس ذلك الجيش لأنه يخاف خلافه، فقال الحجاج: «... هو لي أهيَب، وَفِيَّ أرغب من أن يخالف أمري أو يخرج عن طاعتي». وأمضاه على ذلك الجيش، فخرج بهم حتى قدم سجستان، فجمع أهلها وطلب منهم تجهيز أنفسهم والانضمام إلى جيشه لملاقاة عدوهم، وبلغ ذلك رتبيل، فكتب إلى ابن الأشعث يعتذر إليه مما أصاب المسلمين، ويخبره أنه كان لذلك كارهاً، وأنهم ألجؤوه إلى قتالهم، ويسأله الصلح، ويعرض عليه أن يقبل منه الخراج، فلم يجبه ابن الأشعث ولم يقبل عرضه، وأراد أن يبتدع خطة جديدة في القتال تخالف الخطط التي سار عليها أسلافه في غزواتهم السريعة وأن يكون فتحه للمنطقة فتحاً مكيناً، ثابت الأركان تستقر فيه هيبة الدولة، وتدخل البلاد المفتوحة نهائياً في عداد البلاد الطائعة، فكان يضم إليه البلاد منطقة منطقة ويسيطر عليها سيطرة أكيدة ويضع حاميات عسكرية في القلاع والأماكن الخطيرة التي كان يهددها الأعداء، وكلما سقطت في يده منطقة بعث إليها بعامل، وبعث معه الأعوان، ونظم البريد بينها وبين مركز قيادته، حتى يضمن استتباب الأمر له فيها، واستطاع على هذا النحو أن يضم إليه جزءاً كبيراً من البلاد. ثم توقف مدة حتى يعتاد جنده الحياة في تلك البلاد الغريبة الوعرة ويعرفوا مسالكها، وكتب إلى الحجاج يعلمه بما فعل. فاتهمه الحجاج بالضعف والعجز وأجابه «إن كتابك كتاب امرئ يحب الهدنة ويستريح إلى الموادعة، قد صانَعَ عدواً قليلاً ذليلاً، فامض لما أمرتك به من الوغول في أرضهم، والهدم لحصونهم وقتل مقاتلتهم، وإلا فأخوك إسحاق بن محمد أمير الناس».
استشار ابن الأشعث من معه، فلم يروا رأي الحجاج، واتفقوا على نبذ طاعته، وبايعوا عبد الرحمن على مخالفة الحجاج فصالح ابن الأشعث رُتبيل، وأقام عمالاً له في أهم مدن سجستان وعاد بجيشه سنة 81هـ إلى العراق، فكتب الحجاج إلى عبد الملك يخبره الخبر ويسأله أن يمدّه بالمقاتلة. وتوجه الحجاج إلى البصرة حيث التقاه ابن الأشعث على نهر الدجيل في الأهواز، وهزم الحجاج أول الأمر وتراجع حتى نزل الزاوية، وخلّى البصرة لأهل العراق، ثم لم يلبث أن انتصر على ابن الأشعث في معركة «الزاوية» وتمكن من دخول البصرة ثانية، في حين توجه ابن الأشعث إلى الكوفة واستطاع أن يدخلها ويستولي على بيت المال فيها. فلما بلغ الخبر الحجاج توجه بجنده يريد الكوفة وعسكر بدير قُرّة، وانضم إلى ابن الأشعث أهل الكوفة والبصرة والقرّاء وأهل الثغور والمسالح بدير الجماجم فكانوا مئة ألف ممن يأخذون العطاء ومعهم مثلهم من مواليهم. وبلغ ذلك عبد الملك، فأرسل إلى الحجاج مدداً من أشراف أهل الشام والجزيرة في سبعين ألفاً، ودامت الحرب بين الطرفين مئة وثلاثة أيام، وانتهت بهزيمة ابن الأشعث في معركة «دير الجماجم»[ر] سنة 83هـ، ثم هزيمته الفاصلة في «مسكن» في العام نفسه، وتراجع ابن الأشعث إلى السوس، ثم كرمان، حتى وصل إلى كابل مع رجاله فأكرمهم رُتبيل واستبقاهم عنده. إلا أن جماعة من أهل العراق لحقوا بابن الأشعث وأقنعوه بالخروج معهم والعودة إلى القتال، فوافقهم واستولى على بعض المواقع في خراسان. ولما بلغ هراة أحسَّ أنه لن يستطيع الاعتماد عليهم وأنهم سيخذلونه، فقرر الالتجاء ثانية إلى رتبيل إلا أن الحجاج هدد رُتبيل، بغزو بلاده إن لم يسلِّمه ابن الأشعث، ووافق رتبيل شريطة ألاّ تغزى بلاده عشر سنين، وأن يؤدي بعد هذه السنين العشر مئة ألف درهم في كل سنة.
وأدرك ابن الأشعث أنه سيُسلّم إلى عمارة بن تميم اللخمي قائد جيش الحجاج، فتحيّن غفلة من الحرس وألقى بنفسه من فوق القصر فمات واحتز جند رتبيل رأسه وأرسلوه إلى الحجاج سنة 85هـ، وانتهت بموته ثورة كانت من أقسى الأزمات التي واجهتها الدولة الأموية، وتعرض فيها مركز الحجاج لامتحان عسير خرج منه منتصراً.
نجدة خماش