امراض حيوانات
Animal diseases - ااMaladies des animaux
أمراض الحيوانات
يرجع الاهتمام بأمراض الحيوانات animal diseases إلى العصور الغابرة عندما تعرّف الإنسان الحيوانات وارتبط بها من ممارسته السحر واعتناقه الديانات البدائية. وللبحث في أمراض الحيوانات أهمية كبرى في الوقت الحاضر للسببين التاليين: الخسائر الاقتصادية التي تسببها تلك الأمراض، واحتمال انتقال العوامل المرضية المسببة لها إلى الإنسان. والعلوم الطبية البيطرية هي التي تتناول دراسة أمراض الحيوانات ووصفها وعلاجها وإيجاد الوسائل اللازمة للوقاية منها ولمنع انتشارها في الحيوانات الأليفة وحيوانات المزرعة والحيوانات البرية والحيوانات المخبرية المستخدمة في البحوث العلمية.
وإن معالجة هذه الأمراض ومنع انتشارها واستئصالها عند الحيوانات ذات الأهمية الاقتصادية هي من اختصاص المؤسسات الزراعية، أما دراسة الأمراض التي تنتقل من الحيوان إلى الإنسان والتي تدعى بالأمراض المشتركة zoonoses فإنها تدخل ضمن اختصاص المؤسسات الصحية وبرامجها. وتتضافر جهود كل من منظمة الأغذية والزراعة FAO ومنظمة الصحة العالمية WHO، لحل مشكلات النقص العالمي في البروتينات الحيوانية (المتوافرة في اللحوم والألبان والسمك والبيض) الذي يعانيه المجتمع العالمي نتيجة التضخم المستمر في عدد السكان، وخاصة في البلدان النامية.
لمحة تاريخية
تشير الوثائق التاريخية إلى أن الاهتمام بأمراض الحيوانات كان نتيجة حاجة الفلاحين والرعاة إلى الحيوانات. ويبدو أن مهنة معالجة الحيوانات كانت موجودة في كثير من المناطق في آسيا وإفريقية، ويرجع ذلك إلى أكثر من 2000 عام قبل الميلاد. وتشير آثار الفراعنة القدامى إلى الكثير من أمراض الإنسان والحيوانات.
وقد تطور فن مداواة الإنسان والحيوان في وقت واحد، والدليل على ذلك ما كتبه كل من أبقراط Hippocrates وأرسطو Aristotle في وصف بعض الأمراض والطرائق المستخدمة في علاجها. وقد لاحظ علماء الإغريق تشابهاً بين بعض أمراض الحيوانات والأمراض التي تصيب الإنسان، لذلك كانوا يُعلِّمون كلاً من الطب البيطري والبشري في آن واحد. وفي أواخر القرن الرابع قبل الميلاد وفي عهد الاسكندر الكبير، تم إعداد برامج خاصة لدراسة الحيوانات من جوانبها كافة. وتبين الكتابات الطبية الرومانية أن أهم الدراسات المتعلقة بتاريخ الأمراض الطبيعي قد وضعها علماء الزراعة، خصوصاً فيما يتعلق بالحيوانات الأليفة وحيوانات المزرعة. والمثير للاهتمام هو أن الكتابات المبكرة حول علاقة صحة الإنسان بأمراض الحيوانات، كانت تربط بين هذه الأمراض وبين الشعوذة وممارسة الطقوس الدينية. فعلى سبيل المثال يعود سر اهتمام الهندوس بصحة حيواناتهم إلى اعتقادهم الديني بالتناسخ، أي أن الإنسان قد يتحول إلى حيوان بعد موته. ومنذ العصور القديمة وحتى القرن الخامس عشر تقريباً لم يكن هناك تفريق واضح بين معالجة الإنسان ومعالجة الحيوان. فالطبيب المعالج للحيوانات كان في كثير من الأحوال يعالج الإنسان، خصوصاً فيما يتعلق بالولادة وتجبير الكسور. وأدرك الناس فيما بعد أن الممارسة العملية في معالجة الحيوانات غير كافية لممارسة الطب البشري، فتم الانفصال بين طب الإنسان وطب الحيوان.
ومنذ زمن بعيد أدرك الإغريق والرومان أن بعض الأمراض تنتقل من حيوان إلى آخر ضمن القطيع الواحد عن طريق العدوى، لذلك أوجدوا الحجر الصحي للتحكم في مثل هذه الأمراض.
ولقد جمع الرومان والبيزنطيون كل ما كتبه علماء اليونان حول أمراض الحيوانات وأضافوا الكثير إليها. وجاءت العصور الوسطى وأُهمل كل شيء عن هذا الموضوع، وبعد سقوط بيزنطة قام العرب بجمع كل المخطوطات التي تركها الرومان، والتي كانت تعد حتى ذلك الحين في حكم الضائعة. ومن المخطوطات العربية التي كتبها العلماء العرب والمسلمون في إسبانية وإيطالية، استطاع الأوربيون في عصر النهضة استعادة كل المعارف العلمية القديمة، اليونانية منها واللاتينية في الفيزياء والكيمياء والرياضيات وفي الطب البشري والبيطري.
وقد اهتم العرب كثيراً بأمراض الحيوانات وصحتها، ولاسيما أمراض الحصان. وأشهر المؤلفات العربية في هذا الموضوع هو كتاب الفلاحة لمؤلفه أبي زكريا بن العوَّام[ر] الذي عاش في القرن الثاني عشر الميلادي (ت580هـ /1185م). وقد خصص المؤلف خمسة وثلاثين جزءاً من كتابه الزراعي هذا لمناقشة الأمور المتعلقة بتربية الحيوانات وصحتها وأمراضها. وشملت المعلومات معظم الحيوانات الأليفة كالخيول والحمير والبغال والجمال المستخدمة للركوب والعمل، والحيوانات الاقتصادية، كالأبقار والضأن والمعز المنتجة للمواد الغذائية الأولية. ويعد هذا الكتاب نقطة تحول مهمة في تاريخ الطب البيطري، لأنه ضم خلاصة العلوم البيطرية القديمة، اليونانية منها واللاتينية إضافةً إلى ما عرفه علماء الفرس والهند في هذه العلوم. ولم يتمكن أي عالم قبل ابن العوام من أن يخط كتاباً كاملاً شاملاً مثل كتاب الفلاحة. وتكمن أهمية هذا الكتاب في كونه جامعاً للمعلومات الزراعية كافة ومنها العلوم البيطرية.
ولما كان الحصانُ الرفيق الدائم والصديق الوفي للفارس العربي فقد تفوق العرب كثيراً في علومه. وأهم ما كتب قديماً عن الحصان وأمراضه هو ما كتبه أبو بكر بن بدر في كتابه (الناصري). وكان أبو بكر الذي عاش في القرن الثالث عشر الميلادي طبيباً بيطرياً عند سلطان مصر محمد الناصر. وشمل الكتاب كل ما يتعلق بالخيول وأمراضها.
ويعد مرض الطاعون البقري rinderpest من أهم أمراض الحيوانات منذ القرن الخامس الميلادي حتى عهد قريب. وقد تطورت وسائل السيطرة عليه والحد من انتشاره وذلك باستخدام اللقاحات الخاصة به. ونتيجة للخسائر الاقتصادية الفادحة التي أدى إليها انتشار هذا المرض في أوربة، فقد تم افتتاح أول مدرسة لدراسة فن تشخيص أمراض الحيوانات ومداواتها، وهي المدرسة الوطنية البيطرية في مدينة ليون في فرنسة عام 1762م. ومنذ مطلع الأربعينات في القرن العشرين أصبح التوجه العام هو استئصال أمراض الحيوانات وحصرها ومنع انتشارها عوضاً عن معالجتها، وأدى هذا الاتجاه إلى التعمق في البحث العلمي المتخصص، لإيجاد الوسائل الناجعة للحفاظ على الحيوانات، خصوصاً الاقتصادية منها، وتحسين حالتها الصحية وتحسين كفايتها الإنتاجية.
الخصائص العامة لأمراض الحيوانات
وهي تشمل أهمية أمراض الحيوانات وعلاقة البيئة بهذه الأمراض.
1ـ أهمية أمراض الحيوانات: تتناول الخسائر الناجمة عن انتشارها، وعلاقتها بصحة الإنسان ودورها في خدمة البحث العلمي.
أ ـ الخسائر الناجمة عن انتشار أمراض الحيوانات: يعاني أكثر من نصف سكان العالم الجوع اليوم أو يعانون أمراض سوء التغذية، ويموت منهم بضعة آلاف يومياً. وإذا علمنا أن عدد سكان العالم قارَب سبعة مليارات نسمة في عام 2000، فإننا ندرك مدى الحاجة الماسة إلى زيادة أعداد الثروة الحيوانية للحصول على الاحتياجات اللازمة من المنتجات الحيوانية وأهمها اللحوم والألبان ومشتقاتها. وأهم الوسائل التي يجب اتباعها لزيادة هذه الأعداد هو القضاء على أمراض الحيوانات التي تسبب خسائر فادحة للدول النامية خاصةً. وإن معظم المعلومات العلمية المتوافرة عن أمراض الحيوانات هي عن الخنازير والأبقار والضأن والدواجن. أما أمراض الحيوانات الأخرى كالمعز والجواميس والجمال والفيلة واللاما، فالمعلومات عنها شحيحة ـ مع أهميتها الاقتصادية في كثير من بلدان العالم النامي ـ لذا يجب أن تبذل الجهود في هذه المناطق من العالم لدراسة الأمراض التي تصيب مثل هذه الحيوانات وحصرها واستئصالها. ومع تطور الوسائل المختلفة والفعالة للسيطرة على الكثير من أمراض الحيوانات والقضاء عليها فما يزال هناك كميات كبيرة من اللحوم والألبان تفقد سنوياً في أنحاء العالم كافة نتيجة انتشار هذه الأمراض، فالملايين من الأبقار والضأن والمعز والجواميس والجمال وحيوانات الفصيلة الخيلية كالخيول والحمير والبغال إلى جانب أكثر من مليار طير داجن، تُفقد نتيجة إصابتها بالأمراض المختلفة. وتجدر الإشارة إلى أن الخسائر في بعض البلدان النامية، حيث السيطرة على الأمراض واستئصالها ما يزالان في أول عهدهما، تراوح بين 30 و40% من مجمل أعداد الثروة الحيوانية فيها. وإضافة إلى ما سبق، هناك الخسائر الناجمة عن عدم تطبيق الوسائل الحديثة في تربية الحيوان وتغذيته أو عن سوء هذا التطبيق. فعلى سبيل المثال يصل إنتاج رأس البقر الواحد من اللحم إلى نحو 270 كغ وسطياً في بعض الدول المتطورة، في حين لا يصل إلى أكثر من 150 كغ وسطياً في كثير من البلدان الإفريقية النامية. وكذلك الأمر مع دجاج اللحم، فقد يصل وزن الطائر الحي في عمر سبعة أسابيع إلى نحو 2كغ وأكثر في الدول المتطورة، في حين لا يتجاوز وزن الطائر الحي من العمر نفسه 1.5 كغ في كثير من دول العالم النامي.
ب ـ علاقة أمراض الحيوانات بصحة الإنسان: يعاني الإنسان منذ زمن طويل الخدوش والجروح والرضوض والكسور الناجمة عن نقرة ديك، أو عضة كلب، أو رفسة حمار. كما أن كثيراً من الناس يقعون فرائس للمرض، أو الموت في بعض الأحيان، نتيجة تناول بعض اللحوم الفاسدة. وكذلك فقد عرف الإنسان أن عدداً كبيراً من الحيوانات اللافقارية (الحشرات على سبيل المثال) قادر على نقل العوامل المسببة للمرض من إنسان إلى آخر أو من حيوان إلى إنسان. ولمثل هذه الحيوانات دور مهم في نشر الأمراض بين الناس. إن نحو ثلاثة أرباع الأمراض المشتركة بين الإنسان والحيوان لها علاقة مباشرة بالحيوانات الأليفة ومنها القوارض. وقد عرَّفت منظمة الصحة العالمية بالتعاون مع منظمة الأغذية والزراعة العالمية الأمراض المشتركة بأنها الأمراض التي تنتقل انتقالاً طبيعياً بين الفقاريات والإنسان، إلا أن تعريف هذه الأمراض بمعناها الواسع يشتمل، إضافة إلى العدوى التي تصيب الإنسان من الحيوان، على الأمراض التي تنشأ نتيجة لعوامل غير معدية كالذيفانات التي تفرزها الجراثيم وذيفانات الأسماك السامة، وعلى الأمراض المعدية التي يكتسبها الحيوان من الإنسان ثم يعود الحيوان وينقلها مرة أخرى إلى الإنسان.
ومع أن دور الحيوانات الأليفة في نشر معظم الأمراض المشتركة أصبح اليوم معروفاً، فما يزال دور الحيوانات البرية في هذا الأمر موضع الاهتمام.
وإن بعض الأمراض كالحمى الصفراء yellow fever والطاعون plague وكثيراً من الأمراض الأخرى الخطيرة التي تصيب الإنسان، موجودة أصلاً في بيئة الحيوانات البرية، مستقلة تماماً عن الإنسان وبيئته الحضارية. ولهذا الاكتشاف أهمية خاصة، فقد دفع بالباحثين إلى التعمق في دراسة طبيعة الأمراض المنتشرة في البيئة البرية.
والجدول 1 يضم بعض الأمراض المشتركة بين الإنسان والحيوانات والعوامل المسببة لها والحيوانات ذات الصلة بها.
Animal diseases - ااMaladies des animaux
أمراض الحيوانات
يرجع الاهتمام بأمراض الحيوانات animal diseases إلى العصور الغابرة عندما تعرّف الإنسان الحيوانات وارتبط بها من ممارسته السحر واعتناقه الديانات البدائية. وللبحث في أمراض الحيوانات أهمية كبرى في الوقت الحاضر للسببين التاليين: الخسائر الاقتصادية التي تسببها تلك الأمراض، واحتمال انتقال العوامل المرضية المسببة لها إلى الإنسان. والعلوم الطبية البيطرية هي التي تتناول دراسة أمراض الحيوانات ووصفها وعلاجها وإيجاد الوسائل اللازمة للوقاية منها ولمنع انتشارها في الحيوانات الأليفة وحيوانات المزرعة والحيوانات البرية والحيوانات المخبرية المستخدمة في البحوث العلمية.
وإن معالجة هذه الأمراض ومنع انتشارها واستئصالها عند الحيوانات ذات الأهمية الاقتصادية هي من اختصاص المؤسسات الزراعية، أما دراسة الأمراض التي تنتقل من الحيوان إلى الإنسان والتي تدعى بالأمراض المشتركة zoonoses فإنها تدخل ضمن اختصاص المؤسسات الصحية وبرامجها. وتتضافر جهود كل من منظمة الأغذية والزراعة FAO ومنظمة الصحة العالمية WHO، لحل مشكلات النقص العالمي في البروتينات الحيوانية (المتوافرة في اللحوم والألبان والسمك والبيض) الذي يعانيه المجتمع العالمي نتيجة التضخم المستمر في عدد السكان، وخاصة في البلدان النامية.
لمحة تاريخية
تشير الوثائق التاريخية إلى أن الاهتمام بأمراض الحيوانات كان نتيجة حاجة الفلاحين والرعاة إلى الحيوانات. ويبدو أن مهنة معالجة الحيوانات كانت موجودة في كثير من المناطق في آسيا وإفريقية، ويرجع ذلك إلى أكثر من 2000 عام قبل الميلاد. وتشير آثار الفراعنة القدامى إلى الكثير من أمراض الإنسان والحيوانات.
وقد تطور فن مداواة الإنسان والحيوان في وقت واحد، والدليل على ذلك ما كتبه كل من أبقراط Hippocrates وأرسطو Aristotle في وصف بعض الأمراض والطرائق المستخدمة في علاجها. وقد لاحظ علماء الإغريق تشابهاً بين بعض أمراض الحيوانات والأمراض التي تصيب الإنسان، لذلك كانوا يُعلِّمون كلاً من الطب البيطري والبشري في آن واحد. وفي أواخر القرن الرابع قبل الميلاد وفي عهد الاسكندر الكبير، تم إعداد برامج خاصة لدراسة الحيوانات من جوانبها كافة. وتبين الكتابات الطبية الرومانية أن أهم الدراسات المتعلقة بتاريخ الأمراض الطبيعي قد وضعها علماء الزراعة، خصوصاً فيما يتعلق بالحيوانات الأليفة وحيوانات المزرعة. والمثير للاهتمام هو أن الكتابات المبكرة حول علاقة صحة الإنسان بأمراض الحيوانات، كانت تربط بين هذه الأمراض وبين الشعوذة وممارسة الطقوس الدينية. فعلى سبيل المثال يعود سر اهتمام الهندوس بصحة حيواناتهم إلى اعتقادهم الديني بالتناسخ، أي أن الإنسان قد يتحول إلى حيوان بعد موته. ومنذ العصور القديمة وحتى القرن الخامس عشر تقريباً لم يكن هناك تفريق واضح بين معالجة الإنسان ومعالجة الحيوان. فالطبيب المعالج للحيوانات كان في كثير من الأحوال يعالج الإنسان، خصوصاً فيما يتعلق بالولادة وتجبير الكسور. وأدرك الناس فيما بعد أن الممارسة العملية في معالجة الحيوانات غير كافية لممارسة الطب البشري، فتم الانفصال بين طب الإنسان وطب الحيوان.
ومنذ زمن بعيد أدرك الإغريق والرومان أن بعض الأمراض تنتقل من حيوان إلى آخر ضمن القطيع الواحد عن طريق العدوى، لذلك أوجدوا الحجر الصحي للتحكم في مثل هذه الأمراض.
ولقد جمع الرومان والبيزنطيون كل ما كتبه علماء اليونان حول أمراض الحيوانات وأضافوا الكثير إليها. وجاءت العصور الوسطى وأُهمل كل شيء عن هذا الموضوع، وبعد سقوط بيزنطة قام العرب بجمع كل المخطوطات التي تركها الرومان، والتي كانت تعد حتى ذلك الحين في حكم الضائعة. ومن المخطوطات العربية التي كتبها العلماء العرب والمسلمون في إسبانية وإيطالية، استطاع الأوربيون في عصر النهضة استعادة كل المعارف العلمية القديمة، اليونانية منها واللاتينية في الفيزياء والكيمياء والرياضيات وفي الطب البشري والبيطري.
وقد اهتم العرب كثيراً بأمراض الحيوانات وصحتها، ولاسيما أمراض الحصان. وأشهر المؤلفات العربية في هذا الموضوع هو كتاب الفلاحة لمؤلفه أبي زكريا بن العوَّام[ر] الذي عاش في القرن الثاني عشر الميلادي (ت580هـ /1185م). وقد خصص المؤلف خمسة وثلاثين جزءاً من كتابه الزراعي هذا لمناقشة الأمور المتعلقة بتربية الحيوانات وصحتها وأمراضها. وشملت المعلومات معظم الحيوانات الأليفة كالخيول والحمير والبغال والجمال المستخدمة للركوب والعمل، والحيوانات الاقتصادية، كالأبقار والضأن والمعز المنتجة للمواد الغذائية الأولية. ويعد هذا الكتاب نقطة تحول مهمة في تاريخ الطب البيطري، لأنه ضم خلاصة العلوم البيطرية القديمة، اليونانية منها واللاتينية إضافةً إلى ما عرفه علماء الفرس والهند في هذه العلوم. ولم يتمكن أي عالم قبل ابن العوام من أن يخط كتاباً كاملاً شاملاً مثل كتاب الفلاحة. وتكمن أهمية هذا الكتاب في كونه جامعاً للمعلومات الزراعية كافة ومنها العلوم البيطرية.
ولما كان الحصانُ الرفيق الدائم والصديق الوفي للفارس العربي فقد تفوق العرب كثيراً في علومه. وأهم ما كتب قديماً عن الحصان وأمراضه هو ما كتبه أبو بكر بن بدر في كتابه (الناصري). وكان أبو بكر الذي عاش في القرن الثالث عشر الميلادي طبيباً بيطرياً عند سلطان مصر محمد الناصر. وشمل الكتاب كل ما يتعلق بالخيول وأمراضها.
ويعد مرض الطاعون البقري rinderpest من أهم أمراض الحيوانات منذ القرن الخامس الميلادي حتى عهد قريب. وقد تطورت وسائل السيطرة عليه والحد من انتشاره وذلك باستخدام اللقاحات الخاصة به. ونتيجة للخسائر الاقتصادية الفادحة التي أدى إليها انتشار هذا المرض في أوربة، فقد تم افتتاح أول مدرسة لدراسة فن تشخيص أمراض الحيوانات ومداواتها، وهي المدرسة الوطنية البيطرية في مدينة ليون في فرنسة عام 1762م. ومنذ مطلع الأربعينات في القرن العشرين أصبح التوجه العام هو استئصال أمراض الحيوانات وحصرها ومنع انتشارها عوضاً عن معالجتها، وأدى هذا الاتجاه إلى التعمق في البحث العلمي المتخصص، لإيجاد الوسائل الناجعة للحفاظ على الحيوانات، خصوصاً الاقتصادية منها، وتحسين حالتها الصحية وتحسين كفايتها الإنتاجية.
الخصائص العامة لأمراض الحيوانات
وهي تشمل أهمية أمراض الحيوانات وعلاقة البيئة بهذه الأمراض.
1ـ أهمية أمراض الحيوانات: تتناول الخسائر الناجمة عن انتشارها، وعلاقتها بصحة الإنسان ودورها في خدمة البحث العلمي.
أ ـ الخسائر الناجمة عن انتشار أمراض الحيوانات: يعاني أكثر من نصف سكان العالم الجوع اليوم أو يعانون أمراض سوء التغذية، ويموت منهم بضعة آلاف يومياً. وإذا علمنا أن عدد سكان العالم قارَب سبعة مليارات نسمة في عام 2000، فإننا ندرك مدى الحاجة الماسة إلى زيادة أعداد الثروة الحيوانية للحصول على الاحتياجات اللازمة من المنتجات الحيوانية وأهمها اللحوم والألبان ومشتقاتها. وأهم الوسائل التي يجب اتباعها لزيادة هذه الأعداد هو القضاء على أمراض الحيوانات التي تسبب خسائر فادحة للدول النامية خاصةً. وإن معظم المعلومات العلمية المتوافرة عن أمراض الحيوانات هي عن الخنازير والأبقار والضأن والدواجن. أما أمراض الحيوانات الأخرى كالمعز والجواميس والجمال والفيلة واللاما، فالمعلومات عنها شحيحة ـ مع أهميتها الاقتصادية في كثير من بلدان العالم النامي ـ لذا يجب أن تبذل الجهود في هذه المناطق من العالم لدراسة الأمراض التي تصيب مثل هذه الحيوانات وحصرها واستئصالها. ومع تطور الوسائل المختلفة والفعالة للسيطرة على الكثير من أمراض الحيوانات والقضاء عليها فما يزال هناك كميات كبيرة من اللحوم والألبان تفقد سنوياً في أنحاء العالم كافة نتيجة انتشار هذه الأمراض، فالملايين من الأبقار والضأن والمعز والجواميس والجمال وحيوانات الفصيلة الخيلية كالخيول والحمير والبغال إلى جانب أكثر من مليار طير داجن، تُفقد نتيجة إصابتها بالأمراض المختلفة. وتجدر الإشارة إلى أن الخسائر في بعض البلدان النامية، حيث السيطرة على الأمراض واستئصالها ما يزالان في أول عهدهما، تراوح بين 30 و40% من مجمل أعداد الثروة الحيوانية فيها. وإضافة إلى ما سبق، هناك الخسائر الناجمة عن عدم تطبيق الوسائل الحديثة في تربية الحيوان وتغذيته أو عن سوء هذا التطبيق. فعلى سبيل المثال يصل إنتاج رأس البقر الواحد من اللحم إلى نحو 270 كغ وسطياً في بعض الدول المتطورة، في حين لا يصل إلى أكثر من 150 كغ وسطياً في كثير من البلدان الإفريقية النامية. وكذلك الأمر مع دجاج اللحم، فقد يصل وزن الطائر الحي في عمر سبعة أسابيع إلى نحو 2كغ وأكثر في الدول المتطورة، في حين لا يتجاوز وزن الطائر الحي من العمر نفسه 1.5 كغ في كثير من دول العالم النامي.
ب ـ علاقة أمراض الحيوانات بصحة الإنسان: يعاني الإنسان منذ زمن طويل الخدوش والجروح والرضوض والكسور الناجمة عن نقرة ديك، أو عضة كلب، أو رفسة حمار. كما أن كثيراً من الناس يقعون فرائس للمرض، أو الموت في بعض الأحيان، نتيجة تناول بعض اللحوم الفاسدة. وكذلك فقد عرف الإنسان أن عدداً كبيراً من الحيوانات اللافقارية (الحشرات على سبيل المثال) قادر على نقل العوامل المسببة للمرض من إنسان إلى آخر أو من حيوان إلى إنسان. ولمثل هذه الحيوانات دور مهم في نشر الأمراض بين الناس. إن نحو ثلاثة أرباع الأمراض المشتركة بين الإنسان والحيوان لها علاقة مباشرة بالحيوانات الأليفة ومنها القوارض. وقد عرَّفت منظمة الصحة العالمية بالتعاون مع منظمة الأغذية والزراعة العالمية الأمراض المشتركة بأنها الأمراض التي تنتقل انتقالاً طبيعياً بين الفقاريات والإنسان، إلا أن تعريف هذه الأمراض بمعناها الواسع يشتمل، إضافة إلى العدوى التي تصيب الإنسان من الحيوان، على الأمراض التي تنشأ نتيجة لعوامل غير معدية كالذيفانات التي تفرزها الجراثيم وذيفانات الأسماك السامة، وعلى الأمراض المعدية التي يكتسبها الحيوان من الإنسان ثم يعود الحيوان وينقلها مرة أخرى إلى الإنسان.
ومع أن دور الحيوانات الأليفة في نشر معظم الأمراض المشتركة أصبح اليوم معروفاً، فما يزال دور الحيوانات البرية في هذا الأمر موضع الاهتمام.
وإن بعض الأمراض كالحمى الصفراء yellow fever والطاعون plague وكثيراً من الأمراض الأخرى الخطيرة التي تصيب الإنسان، موجودة أصلاً في بيئة الحيوانات البرية، مستقلة تماماً عن الإنسان وبيئته الحضارية. ولهذا الاكتشاف أهمية خاصة، فقد دفع بالباحثين إلى التعمق في دراسة طبيعة الأمراض المنتشرة في البيئة البرية.
والجدول 1 يضم بعض الأمراض المشتركة بين الإنسان والحيوانات والعوامل المسببة لها والحيوانات ذات الصلة بها.
تعليق