سيف بن ذي يَزَن الحِمْيَرِيّ Sayf-Ibn Dhi Yazan ، مَلِكٌ يَمانِيْ

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • سيف بن ذي يَزَن الحِمْيَرِيّ Sayf-Ibn Dhi Yazan ، مَلِكٌ يَمانِيْ

    ذي يزن (سيف )

    Ibn Dhi Yazan (Sayf-) - Ibn Dhi Yazan (Sayf-)

    ذي يَزَن (سَيْف بن -)
    (نحو 110-50ق.هـ/ 516-574م)

    سيف بن ذي يَزَن بن ذي أَصْبَحَ الحِمْيَرِيّ، مَلِكٌ من دُهاة مُلُوك العرب اليَمانِيْن وشُجعانهم ومُحَنَّكِيْهم، ذهب نَفَرٌ إلى أنّ اسمَه كان مَعْدِي كَرِب، رَبِيْبُ بيتٍ عَرِيْق، وسَلِيْلُ أُسْرةٍ تَوارَثَتِ المُلْكَ والسُّؤْددَ كابِرًا عن كابِرٍ حتّى انتهى إليه فكان آخرَهم. وزَعَمَ بعضُهم أنّ أخاه شُرَحْبِيْلَ مَلَكَ بعده ثلاثَةَ أَحْوال. صَنْعانيُّ المولدِ والنّشْأة.
    نَشَأَ تحت وَطْأَةِ حُكم الأَحْباش على اليمن، وشَهِد مَصارِعَ الأَذْواءِ (هم الّذين لا تخلو أسماؤهم من ذي، مِنْ ملوك حِمْيَر) مِنْ رَهْطِه، وعايَن تَوَدُّدَ الأحباش إلى قومه بُغْيَة صَرْفهم عن ديانتهم اليهوديّة، واستمالتهم إلى النّصرانيّة بالتّبشير تارةً، وبالتَّلَطُّف في معاملة الوُجَهاء ذَوِي النّفوذ، وبَسْط اليَدِ بالمال لهم، وإظهار الرِّضا عنهم تاراتٍ، وتَبَصَّرَ سيفٌ في تَفَشِّي النَصرانية غَلَبَةً للأحابيش، وإضعافًا لشَوكة قومه، ولاسيّما بعد أن بنى أَبْرهة الحَبَشِيّ كَنِيسةً بصنعاء سَمّاها القُلَّيْس، لم يُرَ مثلُها في زمانها، خالَها تصْرِفُ أفْئدةَ العرب، الّتي تَهْوِي من كُلّ فَجٍّ عَميقٍ، عن حَجِّ بيت الله العَتيق، وضمن لِمَلِيْكِه النّجاشيّ نَجاح مَرْماه، غير أنّه حِيْلَ بين أَبْرَهَة ومَطْمعه؛ حينئذٍ اقْتَنَصَ سيفٌ هذه السّانحةَ الّتي قد تُمَكِّنه التّخلّص من عدوّه، فاحْتَثَّ بني جِلْدَتِه، وأَلَّبَهم عليهم، وسَلَخ لِذَلك شَطْرًا من شَبِيْبته، حتّى عَبَّأَ للعدوّ ما استطاع من قُوّةٍ ورِباطِ خيلٍ، فاجتمع في يَدِه طائفةٌ مِنَ النّاس يَعُوزُها التّنظيمُ والسّلاح، وهي مُوازَنَةً بعُدَّةِ العَدُوّ وعَتادِه ـ على كَثْرَتِها في عَيْن سيف ـ قِلَّةٌ، تَنُوء بمنازلة الخَصْم بَلْهَ إِخْراجَه أو الإِجْهازَ عليه.
    ولَمَّا أَيِسَ سيفٌ من إجلاء العَدوّ من دون ظَهِيْر قَوِيّ، قَصَدَ قيصرَ الرّوم، ونزل عليه في بَلاطِه بأنطاكية، طاَلِبًا النُّصْرَة والمُؤازرة، قاصًّا عليه ما أصابَ اليمن من الوَيْلات، فأعرض عنه القيصر، ولم يلتفتْ إلى طِلْبَته، وآثَرَ آصِرَةَ الدِّيْنِ الّتي تربطه بالأحباش غاصِبِي أرض اليمن، على إِمْدادِه ونُصْرَته، فَانْكَفَأَ سيفٌ على النُّعْمان بن المنذر يَدِ كِسْرى أنوشَرْوان المَبْسُوطَةِ على الحِيْرة والعراق، وباح له بتَوْقِ اليَمانِيْن إلى الخَلاص من الأَحْباش، وسَرَّهُ بنُكُوصِ القيصر عن عَوْنِه، فاصْطَحَبه النّعمان في وِفادَتِه السّنويّة على كسرى، وأثنى عليه في حضرة كسرى، وحدَّثَه بأَمره، وطلبَ له النُّصْرة ونجاح المَسْعى، فأَجْزَل له كسرى العَطاء، وبعثَ معه نَحْوَ ثمانمئة سَجِيْنٍ، من أَشَدِّ السُّجناء بأسًا، وأَغْلَظِهم قَلْبًا، ممّن كانوا ينتظرون الموت صَبْرًا في سَلاسِلِهم وقُيُودِهم، وأَمَّرَ عليهم شريفًا مِنَ الفرس اسمه وَهْرِز، فساروا معه حتّى ركبوا البحر ومَخَروا عُبابه، فقَذَف بهم على ساحل عَدَن، ودخلوا اليمن من ثَغْرها الجَنوبيّ، فالْتَفَّ حولهم مَنِ اصْطَنَعَ سيفٌ قُبَيْل سَفْرَته، وأقبل عليهم آخرون ممّن وَثِقُوا بالنّصر وآمنوا به، ورأوا بشائرَه عَيانًا، فقاتل سيفٌ ومن معه قتالاً شديدًا، وقُتل مسروق بن أبرهة الحاكم الحبشي، وفَتْحَ سيف صنعاء.
    نَجَم عن هَزِيْمة الأَحْباش في اليمن إِجْلاؤهم عنها، وإِخْراجُهم منها الإِخْراجَةَ الأخيرة، وإِلْحاقُ اليمن سياسيًّا ببلاد فارس، وتَمْلِيْكُ سيفٍ عليها، وجَعْلُه المُتَصَرِّفَ في إِدارةِ شُؤُونها وتَسْيِيْرِ أُمورها، مُتَّخِذًا مَنْ بَقِي مِنْ الأحباش في أرضه خَدَمًا له، إِشْفاقًا عليهم، ورَأْفَةً بهم.
    ولمّا دانَتِ اليمن لسيفٍ بعدَ ظَفَرِه بالأحباش، هَفَتْ إليه نُفُوسُ العرب من كلّ صُقْع، وأَتَتْه وُفُودها وأشرافُها تُهنّئه وتَحْمِد صَنِيْعه، ورَكِبَ الشّعراءُ قوافيهم إليه، وأَفْنَوا جُلّها في مَدْحِه والإشادة ببلائه وظَفَرِه بأعدائه، وكان في الوُفُود وَفْدُ قريش، قَدِموا عليه في قَصْر غُمْدان، وكان في هذا الوَفْد من أشرافهم: عبد المُطَّلِب بن هاشم، وأُمَيّة بن عبد شمس، وأُسْد بن عبد العُزّى، وأبو الصَّلْت، والدُ أُمَيّةَ بن أبي الصَّلْت، صاحبُ المِدْحَةِ العالية في سيف، الّتي مطلعها:
    لِيَطْلُبِ الثَّأْرَ أَمْثَالُ ابْنِ ذِيْ يَزَنٍ
    رَيَّمَ فِي البَحْرِ للأَعْداءِ أَحْوالا
    وفيها يقول:
    فَاشْرَبْ هَنِيْئًا عَلَيْكَ التَّاجُ مُرْتَفِقًا
    فِي رَأْسِ غُمْدانَ دارًا مِنْكَ مِحْلالا
    ثُمَّ اطْلِ بِالمِسْكِ إِذْ شَالَتْ نَعَامَتُهُمْ
    وأَسْبِلِ اليَوْمَ فِي بُرْدَيْكَ إِسْبَالا
    تِلْكَ المَكارِمُ لا قَعْبَانِ مِنْ لَبَنٍ
    شِيْبَا بِمَاءٍ فَعَادَا بَعْدُ أَبْوَالا
    وحين وَقَف الوَفْد بين يديه استأذنوه في الكلام، فأَذِنَ لهم مُغْتَبِطًا، فتَكَلّم عبد المُطَّلِب بكلامٍ عالٍ سُرَّ به سيفٌ واسْتَمْلَحَه، منه قوله: «فأَنت - أَبَيْتَ اللَّعْن - رأَسُ العرب، وربيعُها الّذي به تُخْصِب، ومَلِكُها الّذي له تَنْقاد، وعَمَودُها الّذي عليه العِماد، ومَعْقِلها الّذي إليه يَلْجأ العِباد؛ سَلَفُك خيرُ سَلَف، وأنَت لنا بعدهم خيرُ خَلَف؛ ولن يَهْلِك مَنْ أنت خَلَفُه، ولَنْ يَخْمُل مَنْ أنت سَلَفُه».
    مَكَثَ سيفٌ في المُلْكِ قُرابَةَ رُبْعِ قَرْنٍ حتّى ائْتَمَر به بقايا الأَحْباش، فقتلوه غِيْلَةً بصنعاء؛ فأصبحتِ اليمنُ بعدئذٍ لاحِقَةً بفارسَ، سياسيًّا وإداريًّا، حتّى جاء الإسلام.
    مقبل التام عامر الأحمدي
يعمل...
X