فيلمون
(نحو361 ـ 263ق.م)
فيلِمون Philemon بن داموس Damos من كبار شعراء الملهاة الإغريقية في العصر الهلنستي، إذ يأتي في المرتبة الثانية بين شعراء الكوميديا الحديثة New Comedy، كما جاء عند عالم البلاغة الروماني الكبير كوينتليانوس Quintilianus الذي يذكر أن فيلِمون كان الثاني بعد ميناندروس Menandros باتفاق الجميع. موطنه الأصلي مختلف فيه، فبينما تنسبه إحدى الروايات إلى سيراكوزه Syracuse في صقلية، يعدّه سترابون Strabon بين مشاهير الرجال الذين أنجبتهم مدينة سولوي Soloi الكيليكيّة. بنى أمجاده في أثينا، عاصمة الشعر والفلسفة والمسرح آنذاك، حيث تفوق على ميناندروس في شعبيته لدى جمهورها.
فاز فيلِمون لأوّل مرة في المسابقات الديونيسية (التي تقام على شرف الإله ديونيسوس، إله المسرح) عام 327ق.م، واحتلّ المرتبة الثانية بعد ميناندروس في قائمة الشعراء الفائزين، وقد فاز ثلاث مرات بالجائزة الأولى. يروى أنه ذهب إلى البلاط البطلمي وعاش بعض الوقت في الإسكندرية. وفي أثناء سفره بحراً إلى مصر قذفت عاصفة بحرّية قويّة بسفينته إلى شواطئ برقة الليبية حيث وقع في يد ماغاس Magas، حاكم قورينِه Kyrene الذي كان قد هجاه في بعض أشعاره. وتختلف الروايات في طريقة موته، ولكنها تتفق جميعاً في أنه عاش ما يقرب مئة سنة، ومات وهو في غاية النشاط والحيوية.
بلغت أعمال فيلِمون المسرحية سبعاً وتسعين قطعة وصلت منها أسماء أربع وستين مسرحية، ولكن بعضها موضع شك، وتتلاقى في كثير من عناوينها مع مسرحيات معاصره ميناندروس، وتعالج موضوعات مختلفة، لكنها مألوفة في الكوميديا الأتيكية الحديثة. وتتضمّن مسرحياته إشارات وغمزات موجهة لمعاصريه، كما تذكر أسماء بعض الشخصيات المشهورة؛ ففي مسرحيته المسماة «الفلاسفة» Philosphoi يرد ذكر زعيم الفلسفة الرواقيّة زينون Zenon وكذلك اسم الفيلسوف الكلبي كراتيس Krates. وقد عثر على أجزاء متفرقة وشذرات مسرحية كثيرة على أوراق البردي المكتشفة في مصر أتاحت تعرّف بقايا النصوص الأصلية التي اختفت منذ القرن السابع الميلادي، وتكوين صورة مباشرة عن بعض المسرحيات الأخرى خاصة وأن معرفتها ـ حتى القرن العشرين ـ كانت تعتمد على شعراء الكوميديا الرومان وعلى رأسهم بلاوتوس Plautus وتيرينتيوس Terentius الذين تأثروا بها واقتبسوا كثيراً من أعمال الكوميديا الحديثة.
اقتبس بلاوتوس «بتصرّف» ثلاث مسرحيات كوميدية لفيلِمون هي: «ملهاة التاجر» Mercator و«الكنز» Trinummus و«موستِلاريا» (كوميديا الأشباح) Mostellaria، كذلك وصلت مقطوعات فيلِمون وشذراته إلى البرديات عن طريق الاقتباس والاستشهاد؛ إلا أن هذا كله لايسمح بإعطاء تصور واضح عن موهبة فيلِمون الشعرية التي لم يكن يستهان بها حسب أحكام الأجيال اللاحقة. أما أسلوبه اللغوي فكان حسب رأي دِمتريوس الفاليري Demetrios، مبدع مكتبة الاسكندرية، مغايراً لأسلوب ميناندروس إذ يتميز بمقدرته الملموسة على جعل كل شخصية تتحدث باللغة المناسبة لها، وكثيراً ما يلجأ إلى الحوار السريع والقصير لدفع الحدث الدرامي إلى الأمام. كان يهدف بالأساس إلى تسلية الجمهور وإمتاعه إلا أنه لاينسى أن يقدم له درساً في الأخلاق. في مسرح فيلِمون، لايقوم بدور البطولة أشخاص وإنما أنماط تتكرر باستمرار: شخصية الأب القاسي والشيخ الهرم الطيب والابن المتلاف والبطل المغرور والعبد الحاذق والمتملق والطفيلي والعشيقة وبنات الهوى والقوادين. كان يرسم ملامح شخصياته مستلهماً صفات الأفراد الذين يعاصرونه، وهي شخصيات لاتختلف كثيراً عن شخصيات المسرح الكوميدي في العصر الحديث. لقد صور حياة الأثينيين في عصره فاختار بعض الجوانب وسلط عليها الأضواء وبالغ في تصويرها أحياناً واضعاً الجمهور ورغباته دائماً نصب عينيه. كان بارعاً في رسم خيوط الحبكة الدرامية والتنويع فيها بإدخال حوادث فرعية مفاجئة تحاكي الحياة اليومية للأفراد.
كان جمهور أثينا المسرحي يقدّر فيلِمون عالياً، بل ويفضله على الأثيني ميناندروس، فاستمر عرض مسرحياته بعد موته، لكن شعبيته أخذت بالتراجع بعد ذلك ولم يبق من أعماله سوى صدى شهرته الواسعة. وبموت فيلِمون ماتت الكوميديا الأتيكية؛ إلا أنها نهضت من جديد على أيدي الشعراء الرومان، ثم انتقلت إلى المسرح الأوربي الحديث، وكان لها تأثير كبير في الأدباء الفرنسيين وخاصة موليير، وفي الأوربيين عموماً، مثل شكسبير ولِسنغ Lessing الذي ألّف ملهاة برجوازية بعنوان «الكنز» سائراً فيها على خطى فيلِمون.
محمد الزين
(نحو361 ـ 263ق.م)
فيلِمون Philemon بن داموس Damos من كبار شعراء الملهاة الإغريقية في العصر الهلنستي، إذ يأتي في المرتبة الثانية بين شعراء الكوميديا الحديثة New Comedy، كما جاء عند عالم البلاغة الروماني الكبير كوينتليانوس Quintilianus الذي يذكر أن فيلِمون كان الثاني بعد ميناندروس Menandros باتفاق الجميع. موطنه الأصلي مختلف فيه، فبينما تنسبه إحدى الروايات إلى سيراكوزه Syracuse في صقلية، يعدّه سترابون Strabon بين مشاهير الرجال الذين أنجبتهم مدينة سولوي Soloi الكيليكيّة. بنى أمجاده في أثينا، عاصمة الشعر والفلسفة والمسرح آنذاك، حيث تفوق على ميناندروس في شعبيته لدى جمهورها.
فاز فيلِمون لأوّل مرة في المسابقات الديونيسية (التي تقام على شرف الإله ديونيسوس، إله المسرح) عام 327ق.م، واحتلّ المرتبة الثانية بعد ميناندروس في قائمة الشعراء الفائزين، وقد فاز ثلاث مرات بالجائزة الأولى. يروى أنه ذهب إلى البلاط البطلمي وعاش بعض الوقت في الإسكندرية. وفي أثناء سفره بحراً إلى مصر قذفت عاصفة بحرّية قويّة بسفينته إلى شواطئ برقة الليبية حيث وقع في يد ماغاس Magas، حاكم قورينِه Kyrene الذي كان قد هجاه في بعض أشعاره. وتختلف الروايات في طريقة موته، ولكنها تتفق جميعاً في أنه عاش ما يقرب مئة سنة، ومات وهو في غاية النشاط والحيوية.
بلغت أعمال فيلِمون المسرحية سبعاً وتسعين قطعة وصلت منها أسماء أربع وستين مسرحية، ولكن بعضها موضع شك، وتتلاقى في كثير من عناوينها مع مسرحيات معاصره ميناندروس، وتعالج موضوعات مختلفة، لكنها مألوفة في الكوميديا الأتيكية الحديثة. وتتضمّن مسرحياته إشارات وغمزات موجهة لمعاصريه، كما تذكر أسماء بعض الشخصيات المشهورة؛ ففي مسرحيته المسماة «الفلاسفة» Philosphoi يرد ذكر زعيم الفلسفة الرواقيّة زينون Zenon وكذلك اسم الفيلسوف الكلبي كراتيس Krates. وقد عثر على أجزاء متفرقة وشذرات مسرحية كثيرة على أوراق البردي المكتشفة في مصر أتاحت تعرّف بقايا النصوص الأصلية التي اختفت منذ القرن السابع الميلادي، وتكوين صورة مباشرة عن بعض المسرحيات الأخرى خاصة وأن معرفتها ـ حتى القرن العشرين ـ كانت تعتمد على شعراء الكوميديا الرومان وعلى رأسهم بلاوتوس Plautus وتيرينتيوس Terentius الذين تأثروا بها واقتبسوا كثيراً من أعمال الكوميديا الحديثة.
اقتبس بلاوتوس «بتصرّف» ثلاث مسرحيات كوميدية لفيلِمون هي: «ملهاة التاجر» Mercator و«الكنز» Trinummus و«موستِلاريا» (كوميديا الأشباح) Mostellaria، كذلك وصلت مقطوعات فيلِمون وشذراته إلى البرديات عن طريق الاقتباس والاستشهاد؛ إلا أن هذا كله لايسمح بإعطاء تصور واضح عن موهبة فيلِمون الشعرية التي لم يكن يستهان بها حسب أحكام الأجيال اللاحقة. أما أسلوبه اللغوي فكان حسب رأي دِمتريوس الفاليري Demetrios، مبدع مكتبة الاسكندرية، مغايراً لأسلوب ميناندروس إذ يتميز بمقدرته الملموسة على جعل كل شخصية تتحدث باللغة المناسبة لها، وكثيراً ما يلجأ إلى الحوار السريع والقصير لدفع الحدث الدرامي إلى الأمام. كان يهدف بالأساس إلى تسلية الجمهور وإمتاعه إلا أنه لاينسى أن يقدم له درساً في الأخلاق. في مسرح فيلِمون، لايقوم بدور البطولة أشخاص وإنما أنماط تتكرر باستمرار: شخصية الأب القاسي والشيخ الهرم الطيب والابن المتلاف والبطل المغرور والعبد الحاذق والمتملق والطفيلي والعشيقة وبنات الهوى والقوادين. كان يرسم ملامح شخصياته مستلهماً صفات الأفراد الذين يعاصرونه، وهي شخصيات لاتختلف كثيراً عن شخصيات المسرح الكوميدي في العصر الحديث. لقد صور حياة الأثينيين في عصره فاختار بعض الجوانب وسلط عليها الأضواء وبالغ في تصويرها أحياناً واضعاً الجمهور ورغباته دائماً نصب عينيه. كان بارعاً في رسم خيوط الحبكة الدرامية والتنويع فيها بإدخال حوادث فرعية مفاجئة تحاكي الحياة اليومية للأفراد.
كان جمهور أثينا المسرحي يقدّر فيلِمون عالياً، بل ويفضله على الأثيني ميناندروس، فاستمر عرض مسرحياته بعد موته، لكن شعبيته أخذت بالتراجع بعد ذلك ولم يبق من أعماله سوى صدى شهرته الواسعة. وبموت فيلِمون ماتت الكوميديا الأتيكية؛ إلا أنها نهضت من جديد على أيدي الشعراء الرومان، ثم انتقلت إلى المسرح الأوربي الحديث، وكان لها تأثير كبير في الأدباء الفرنسيين وخاصة موليير، وفي الأوربيين عموماً، مثل شكسبير ولِسنغ Lessing الذي ألّف ملهاة برجوازية بعنوان «الكنز» سائراً فيها على خطى فيلِمون.
محمد الزين