أصول المحاسبة
لا تقتصر المحاسبة على الاحتفاظ بقائمة من الأرصدة المدينة والأرصدة الدائنة فقط، فهي لغة الأعمال التجارية، ومن ثم لغة جميع المسائل المالية. وكما تجمع حواسنا المعلومات من البيئة المحيطة لتفسرها أدمغتنا، يترجم المحاسبون التعقيدات المالية إلى معلومات بوسع عامة الناس فهمها. وفي هذه المقالة، سنتتبع تاريخ المحاسبة من العصور القديمة إلى العصر الحديث.
فهم المحاسبة
المحاسبة لغة يعود تاريخها لآلاف السنين، استُخدمت في عدة أنحاء من العالم، ويعود أقدم دليل على هذه اللغة إلى حضارات بلاد الرافدين، فكان السكان حينها أول من احتفظ بسجلات للسلع التي تاجروا بها وحصلوا عليها، وارتبطت هذه الأنشطة بأولى محاولات حفظ السجلات عند المصريين والبابليين القدماء.
واستخدم سكان بلاد الرافدين طرق محاسبة بدائية، سجلوا فيها بالتفصيل المعاملات المتعلقة بالحيوانات والماشية والمحاصيل. أما في الهند، فكتب الفيلسوف والخبير الاقتصادي تشاناكيا كتاب آرثاشسترا في زمن إمبراطورية موريان في القرن الثاني قبل الميلاد تقريبًا، وهو كتاب في مجال السياسة الاقتصادية والاستراتيجية العسكرية، تضمن إرشادات ومعلومات مفصلة حول كيفية حفظ السجلات المحاسبية.
مسؤول الدفاتر
من المحتمل أن المحاسبين قد ظهروا حينما كان المجتمع لا يزال يستخدم نظام المقايضة للتبادل التجاري، أي قبل عام 2000 قبل الميلاد، بدلًا من الاقتصاد النقدي والتجاري، نرى في دفاتر الأستاذ من هذه الفترات سردًا للعمليات التجارية التي أجريت أو اتفاقيات الخدمات المقدمة مع وصف وتواريخ. وكانت هذه المعاملات المحفوظة في دفاتر أستاذ فردية تُعد دليلًا أمام القضاة إذا نشب خلاف ما.
دفاتر الأستاذ الجديدة المعدلة
تطورت الدفاتر تدريجيًا مع توفر العملات وبدء الموردين والباعة بتجميع الثروة المادية. وفي حينها -كما هو الحال الآن- لم يكن فهم التجارة والقدرة على التعامل مع الأرقام متاحًا للجميع، لذلك كان التجار الذين يعانون رهاب الرياضيات يوظفون محاسبين ليحتفظوا بسجلات لما يدينون به ومن يدين لهم.
حتى أواخر القرن الخامس عشر، كانت هذه المعلومات مرتبة بأسلوب سردي مع وجود جميع الأرقام في عمود واحد سواء كانت مدفوعة أو مستحقة. ويسمى هذا مسك الدفاتر بطريقة القيد المفرد.
الراهب الرياضي
كان إجراء الأبحاث العلمية والفلسفية رفيعة المستوى من تقاليد تعليم الرهبان في القرن الخامس عشر، وعمل الراهب الإيطالي لوكا باتشولي على تحديث هيكل مسك الدفاتر المشتركة ووضع الأساس للمحاسبة الحديثة، واشتهر بلقب أب المحاسبة، ونشر كتابًا دراسيًا بعنوان «ملخص في الحساب والهندسة والنسبة والتناسب» في 1494، أظهر فيه فوائد نظام القيد المزدوج لمسك الدفاتر. وكانت الفكرة هي إدراج موارد المنشأة منفصلة ومستقلة عن أي مطالبات على تلك الموارد من المنشآت الأخرى. ويعني ذلك إنشاء أبسط صورة لقائمة الميزانية مع أرصدة مدينة وأرصدة دائنة منفصلة. وقد جعل هذا الابتكار عملية مسك الدفاتر أكثر فعالية، وقدم صورة أوضح عن قوة الشركة. لكن هذا السجل كان متاحًا فقط للمالك إذا وظّف محاسبًا، ولم تكن هذه السجلات متاحة لعامة الناس حينها.
القدوم إلى أمريكا
انتقل مسك الدفاتر إلى الولايات المتحدة مع الاستعمار الأوروبي، ومع أن هذه العملية أُشير إليها أحيانًا باسم المحاسبة، وأن ماسكي الدفاتر كانوا يجرون عمليات إدخال البيانات والحسابات الأساسية لمالكي الأعمال التجارية، فإن الأعمال التجارية المعنية كانت صغيرة بما يكفي ليشارك المالكون شخصيًا بالوضع المالي للشركة دون الحاجة إلى محاسبين محترفين لإنشاء بيانات مالية معقدة أو تحليل التكلفة والفائدة.
السكك الحديدية الأمريكية
يُعد ظهور الشركات وإنشاء خطوط السكك الحديدية في الولايات المتحدة من العوامل التي شكلت القوة الدافعة لتحويل مسك الدفاتر إلى ممارسة محاسبية، وكانت خطوط السكك الحديدية العامل الأقوى، فحتى تصل البضائع إلى وجهتها ستحتاج إلى شبكات توزيع وجداول شحن وتجميع الأجرة وأسعار تنافسية، وأهم من ذلك: طريقة لتقييم كفاءة وفاعلية ما ذُكِر، فدخلت المحاسبة بما تقدمه من بيانات -تقديرات التكاليف والبيانات المالية ونسب التشغيل وتقارير الإنتاج والعديد من المقاييس الأخرى- لتزويد الشركات بما تحتاج لاتخاذ قرارات مدروسة.
تتيح خطوط السكك الحديدية أيضًا نقل المعلومات من مدينة إلى أخرى بسرعة كبيرة، فأمكن تسوية المعاملات التجارية في أيام بدلًا من أشهر. لم يكن الوقت منتظمًا قبل السكك الحديدية، إذ كانت كل بلدة تقرر متى يبدأ اليوم وينتهي بتوافق عام من سكانها، وقد تغير ذلك إلى نظام موحد، إذ أصبح تسليم السلع وتفريغها في محطات معينة في أوقات يمكن توقعها أمرًا ضروريًا.
كان لهذا التوحيد وتقلص المسافات في البلاد بفضل خطوط السكك الحديدية أثرًا في تشجيع الاستثمار ما زاد بدوره من التركيز على المحاسبة. وحتى القرن الثامن عشر كان الاستثمار لعبة المعرفة أو الحظ، إذ استصدر الناس الأسهم في شركات عرفوها من طريق الملاك من معارفهم أو معرفتهم في مجال الصناعة ذاتها، واستثمر آخرون بتهور بناءً على تشجيع الأقارب والأصدقاء. ولم تكن البيانات المالية موجودة لدعم قرار الاستثمار في شركة ما، فكانت هذه المخاطر سببًا لكون الاستثمار متاحًا للأثرياء فقط، فهو رياضة الرجل الغني التي تعادل لعب القمار. ولا تزال هذه الصورة مستمرة اليوم.
القوائم المالية المبكرة
بدأت الشركات بالإبلاغ عن تقاريرها المالية -ميزانية عمومية وبيان الدخل وبيان التدفقات النقدية- لجذب المستثمرين. وكانت هذه الوثائق دليلًا على قدرة أي شركة على تحقيق الربح. ومثلما كان رأس المال الاستثماري سببًا في تحفيز العمليات والأرباح لأغلب الشركات، عمل أيضًا على زيادة الضغوط المفروضة على الإدارة لإرضاء رؤسائها الجدد، أي حملة الأسهم، الذين لم يكن لديهم ثقة كاملة بالإدارة، ما كشف عن الحاجة إلى مراجعات مالية مستقلة لأنشطة الشركة.
ولادة مهنة
أخذ المحاسبون يشكلون بالفعل ضرورة أساسية لاجتذاب المستثمرين، وسرعان ما أصبحوا يشكلون ضرورة أساسية للحفاظ على ثقة المستثمرين أيضًا، ومع تأسيس اللقب المهني «محاسب قانوني» أصبحت المحاسبة مهنة معترف بها سنة 1896، إذ يُمنح اللقب لمن يجتاز اختبارات الدولة ويملك خبرة ثلاث سنوات في هذا المجال، وقد جاء ذلك في الوقت المناسب، وارتفعت معدلات الطلب على المحاسبين بعد أقل من عشرين عامًا، إذ بدأت حكومة الولايات المتحدة بفرض ضريبة على الدخل لأنها كانت تحتاج إلى المال لخوض الحرب.
المحاسبة اليوم
غيرت التكنولوجيا المحاسبة كثيرًا، فمسك الدفاتر مؤتمت اليوم، ومنذ بدء الاحتفاظ بالسجلات في الولايات المتحدة استُخدمت العديد من الأدوات، إذ ساعدت آلة الجمع سنة 1890 المحاسبين الأوائل على حساب المقبوضات والتوفيق السريع بين سجلاتهم، وعندما أصدرت شركة آي بي إم أول حاسوب سنة 1952 كان المحاسبون من أوائل من استخدموه، واليوم، جلبت التكنولوجيا برامج محاسبة مثل كويك بوكس. وتعد هذه التطورات الجديدة أسهل، إذ تساعد المحاسبين على أداء عملهم بسرعة وكفاءة ودقة وسهولة كبيرة.
لا تقتصر المحاسبة على الاحتفاظ بقائمة من الأرصدة المدينة والأرصدة الدائنة فقط، فهي لغة الأعمال التجارية، ومن ثم لغة جميع المسائل المالية. وكما تجمع حواسنا المعلومات من البيئة المحيطة لتفسرها أدمغتنا، يترجم المحاسبون التعقيدات المالية إلى معلومات بوسع عامة الناس فهمها. وفي هذه المقالة، سنتتبع تاريخ المحاسبة من العصور القديمة إلى العصر الحديث.
فهم المحاسبة
المحاسبة لغة يعود تاريخها لآلاف السنين، استُخدمت في عدة أنحاء من العالم، ويعود أقدم دليل على هذه اللغة إلى حضارات بلاد الرافدين، فكان السكان حينها أول من احتفظ بسجلات للسلع التي تاجروا بها وحصلوا عليها، وارتبطت هذه الأنشطة بأولى محاولات حفظ السجلات عند المصريين والبابليين القدماء.
واستخدم سكان بلاد الرافدين طرق محاسبة بدائية، سجلوا فيها بالتفصيل المعاملات المتعلقة بالحيوانات والماشية والمحاصيل. أما في الهند، فكتب الفيلسوف والخبير الاقتصادي تشاناكيا كتاب آرثاشسترا في زمن إمبراطورية موريان في القرن الثاني قبل الميلاد تقريبًا، وهو كتاب في مجال السياسة الاقتصادية والاستراتيجية العسكرية، تضمن إرشادات ومعلومات مفصلة حول كيفية حفظ السجلات المحاسبية.
مسؤول الدفاتر
من المحتمل أن المحاسبين قد ظهروا حينما كان المجتمع لا يزال يستخدم نظام المقايضة للتبادل التجاري، أي قبل عام 2000 قبل الميلاد، بدلًا من الاقتصاد النقدي والتجاري، نرى في دفاتر الأستاذ من هذه الفترات سردًا للعمليات التجارية التي أجريت أو اتفاقيات الخدمات المقدمة مع وصف وتواريخ. وكانت هذه المعاملات المحفوظة في دفاتر أستاذ فردية تُعد دليلًا أمام القضاة إذا نشب خلاف ما.
دفاتر الأستاذ الجديدة المعدلة
تطورت الدفاتر تدريجيًا مع توفر العملات وبدء الموردين والباعة بتجميع الثروة المادية. وفي حينها -كما هو الحال الآن- لم يكن فهم التجارة والقدرة على التعامل مع الأرقام متاحًا للجميع، لذلك كان التجار الذين يعانون رهاب الرياضيات يوظفون محاسبين ليحتفظوا بسجلات لما يدينون به ومن يدين لهم.
حتى أواخر القرن الخامس عشر، كانت هذه المعلومات مرتبة بأسلوب سردي مع وجود جميع الأرقام في عمود واحد سواء كانت مدفوعة أو مستحقة. ويسمى هذا مسك الدفاتر بطريقة القيد المفرد.
الراهب الرياضي
كان إجراء الأبحاث العلمية والفلسفية رفيعة المستوى من تقاليد تعليم الرهبان في القرن الخامس عشر، وعمل الراهب الإيطالي لوكا باتشولي على تحديث هيكل مسك الدفاتر المشتركة ووضع الأساس للمحاسبة الحديثة، واشتهر بلقب أب المحاسبة، ونشر كتابًا دراسيًا بعنوان «ملخص في الحساب والهندسة والنسبة والتناسب» في 1494، أظهر فيه فوائد نظام القيد المزدوج لمسك الدفاتر. وكانت الفكرة هي إدراج موارد المنشأة منفصلة ومستقلة عن أي مطالبات على تلك الموارد من المنشآت الأخرى. ويعني ذلك إنشاء أبسط صورة لقائمة الميزانية مع أرصدة مدينة وأرصدة دائنة منفصلة. وقد جعل هذا الابتكار عملية مسك الدفاتر أكثر فعالية، وقدم صورة أوضح عن قوة الشركة. لكن هذا السجل كان متاحًا فقط للمالك إذا وظّف محاسبًا، ولم تكن هذه السجلات متاحة لعامة الناس حينها.
القدوم إلى أمريكا
انتقل مسك الدفاتر إلى الولايات المتحدة مع الاستعمار الأوروبي، ومع أن هذه العملية أُشير إليها أحيانًا باسم المحاسبة، وأن ماسكي الدفاتر كانوا يجرون عمليات إدخال البيانات والحسابات الأساسية لمالكي الأعمال التجارية، فإن الأعمال التجارية المعنية كانت صغيرة بما يكفي ليشارك المالكون شخصيًا بالوضع المالي للشركة دون الحاجة إلى محاسبين محترفين لإنشاء بيانات مالية معقدة أو تحليل التكلفة والفائدة.
السكك الحديدية الأمريكية
يُعد ظهور الشركات وإنشاء خطوط السكك الحديدية في الولايات المتحدة من العوامل التي شكلت القوة الدافعة لتحويل مسك الدفاتر إلى ممارسة محاسبية، وكانت خطوط السكك الحديدية العامل الأقوى، فحتى تصل البضائع إلى وجهتها ستحتاج إلى شبكات توزيع وجداول شحن وتجميع الأجرة وأسعار تنافسية، وأهم من ذلك: طريقة لتقييم كفاءة وفاعلية ما ذُكِر، فدخلت المحاسبة بما تقدمه من بيانات -تقديرات التكاليف والبيانات المالية ونسب التشغيل وتقارير الإنتاج والعديد من المقاييس الأخرى- لتزويد الشركات بما تحتاج لاتخاذ قرارات مدروسة.
تتيح خطوط السكك الحديدية أيضًا نقل المعلومات من مدينة إلى أخرى بسرعة كبيرة، فأمكن تسوية المعاملات التجارية في أيام بدلًا من أشهر. لم يكن الوقت منتظمًا قبل السكك الحديدية، إذ كانت كل بلدة تقرر متى يبدأ اليوم وينتهي بتوافق عام من سكانها، وقد تغير ذلك إلى نظام موحد، إذ أصبح تسليم السلع وتفريغها في محطات معينة في أوقات يمكن توقعها أمرًا ضروريًا.
كان لهذا التوحيد وتقلص المسافات في البلاد بفضل خطوط السكك الحديدية أثرًا في تشجيع الاستثمار ما زاد بدوره من التركيز على المحاسبة. وحتى القرن الثامن عشر كان الاستثمار لعبة المعرفة أو الحظ، إذ استصدر الناس الأسهم في شركات عرفوها من طريق الملاك من معارفهم أو معرفتهم في مجال الصناعة ذاتها، واستثمر آخرون بتهور بناءً على تشجيع الأقارب والأصدقاء. ولم تكن البيانات المالية موجودة لدعم قرار الاستثمار في شركة ما، فكانت هذه المخاطر سببًا لكون الاستثمار متاحًا للأثرياء فقط، فهو رياضة الرجل الغني التي تعادل لعب القمار. ولا تزال هذه الصورة مستمرة اليوم.
القوائم المالية المبكرة
بدأت الشركات بالإبلاغ عن تقاريرها المالية -ميزانية عمومية وبيان الدخل وبيان التدفقات النقدية- لجذب المستثمرين. وكانت هذه الوثائق دليلًا على قدرة أي شركة على تحقيق الربح. ومثلما كان رأس المال الاستثماري سببًا في تحفيز العمليات والأرباح لأغلب الشركات، عمل أيضًا على زيادة الضغوط المفروضة على الإدارة لإرضاء رؤسائها الجدد، أي حملة الأسهم، الذين لم يكن لديهم ثقة كاملة بالإدارة، ما كشف عن الحاجة إلى مراجعات مالية مستقلة لأنشطة الشركة.
ولادة مهنة
أخذ المحاسبون يشكلون بالفعل ضرورة أساسية لاجتذاب المستثمرين، وسرعان ما أصبحوا يشكلون ضرورة أساسية للحفاظ على ثقة المستثمرين أيضًا، ومع تأسيس اللقب المهني «محاسب قانوني» أصبحت المحاسبة مهنة معترف بها سنة 1896، إذ يُمنح اللقب لمن يجتاز اختبارات الدولة ويملك خبرة ثلاث سنوات في هذا المجال، وقد جاء ذلك في الوقت المناسب، وارتفعت معدلات الطلب على المحاسبين بعد أقل من عشرين عامًا، إذ بدأت حكومة الولايات المتحدة بفرض ضريبة على الدخل لأنها كانت تحتاج إلى المال لخوض الحرب.
المحاسبة اليوم
غيرت التكنولوجيا المحاسبة كثيرًا، فمسك الدفاتر مؤتمت اليوم، ومنذ بدء الاحتفاظ بالسجلات في الولايات المتحدة استُخدمت العديد من الأدوات، إذ ساعدت آلة الجمع سنة 1890 المحاسبين الأوائل على حساب المقبوضات والتوفيق السريع بين سجلاتهم، وعندما أصدرت شركة آي بي إم أول حاسوب سنة 1952 كان المحاسبون من أوائل من استخدموه، واليوم، جلبت التكنولوجيا برامج محاسبة مثل كويك بوكس. وتعد هذه التطورات الجديدة أسهل، إذ تساعد المحاسبين على أداء عملهم بسرعة وكفاءة ودقة وسهولة كبيرة.