كيف تعمل السوق السوداء؟

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • كيف تعمل السوق السوداء؟

    ما السوق السوداء؟


    السوق السوداء منصة لتبادل السلع والخدمات بطرق غير قانونية، وقد تكون هذه المنصة افتراضيةً أو حقيقية. تُسمى السوق «سوداء» لأن السلع والخدمات المتبادلة فيها غير قانونية بطبيعتها، أو بسبب عدم شرعية عملية التبادل التجاري نفسها، أو للسببين معًا.

    مثلًا يُعد بيع وشراء الأطعمة قانوني تمامًا، إلا في حال كانت المواد بحد ذاتها غير قانونية، مثل بيع كبد الإوز المُسمَّن في ولاية كاليفورنيا، التي يُجرم قانونها تسمين الطيور بغرض بيعها. أما البيرغر فلا غبار على شرعية بيعه، لكن في حال تخلف المطعم عن أداء ضريبة المبيعات المفروضة عليه للحكومة فإنه يُدخِل بيعه في خانة السوق السوداء.
    لماذا توجد الأسواق السوداء؟


    تظهر الأسواق السوداء التي يُطلق عليها أيضًا «أسواق الظل» عند رغبة الأفراد بتبادل سلع وخدمات ممنوعة حكوميًا، أو لتهربهم من دفع الضرائب على المبادلات التجارية سواءً أكانت قانونيةً أم لا. ينشأ نوع آخر من الأسواق السوداء جرَّاء جهل الناس بالقوانين وعدم درايتهم بخرقها، مثل لجوئهم إلى المقايضة بدلًا من التبادل النقدي، وعدم إقرارهم بالقيمة الخاضعة للضريبة في هذه المقايضات، أو عند توظيف مدبرة منزل أو جليسة أطفال دون دفع ضريبة توظيفهم. يؤدي التخلف عن تسجيل التبادلات الاقتصادية في الأسواق السوداء إلى تحريف البيانات الاقتصادية وتشويهها.


    السوق السوداء الناجمة عن قيود التراخيص


    تؤدي التراخيص التي تطلبها الحكومة من أجل السماح بمزاولة كثير من الأعمال إلى لجوء بعض العاملين إلى السوق السوداء، لأنهم لا يريدون أو لا يقدرون على تأمين هذه التراخيص، لما تتطلبه من جُهد ومال.

    مثلًا، الرخصة التي يجب على المرء شراؤها حين يريد تأسيس شركة سيارات أجرة في مدينة نيويورك، قد تكلفه مئات الآلاف من الدولارات، ما يشكِّل رادعًا لمعظم روّاد الأعمال عن دخول هذا المجال، فيختار البعض تشغيل سيارات أجرة دون رخصة، رغم معرفتهم بأن أمرهم سيُكتشف عاجلًا أم آجلًا. مما شجع ظهور هذه الأعمال، إنشاء خدمات مشاركة الركوب مثل أوبر وليفت.
    السوق السوداء الناجمة عن طبيعة العمل


    نجد في بعض الحالات أن المشاركين في السوق السوداء لم يرغبوا في ذلك أصلًا، لكن افتقارهم إلى المؤهلات القانونية وحاجتهم إلى المال دفعتهم إلى هذه الأسواق، لذلك لا يفصحون عن أعمالهم ودخلهم للحكومة.

    تنشأ هذه الحالات مثلًا عند حصول المهاجرين غير الشرعيين على عمل ما، أو في حال توظيف طلاب وافدين من الخارج دون حصولهم على تأشيرة عمل، أو في حالة عمالة الأطفال وخرق قواعد الحد الأدنى لعمر العامل.
    السوق السوداء الناجمة عن القوانين التنظيمية


    تظهر الأسواق السوداء أيضًا في حالة انقطاع بعض المواد نتيجةً لتحديد الحكومة أسعارها، فإذا قررت الحكومة تحديد سعر عبوات الماء بعد حدوث كارثة طبيعية مثلًا، عندها ينفذ مخزون المحلات من هذه المادة سريعًا، ويظهر من يوفر الماء للناس بسعر أعلى لكنه مقبول للعامة، تُعَد هذه السوق الثانوية سوقًا سوداء.

    كذلك تسبب الحكومات ظهور الأسواق السوداء عند تقييد الاقتصاد تقييدًا مبالغًا فيه، تعد كوبا أحد الأمثلة الصارخة على ذلك، إذ سبّب التخطيط المركزي السيئ ونظام التقنين الشيوعي حرمان الناس من أبسط احتياجاتهم مثل زيت الطهي، ما أدى إلى تفشي الأسواق السوداء، إذ أضحت الوسيلة الوحيدة لتأمين احتياجات المواطنين التي لا تلبيها الطرق الشرعية، ولأنها تؤمّن فرصًا للعمل أيضًا.
    السوق السوداء الناجمة عن طبيعة الاقتصاد


    تسبب معدلات البطالة المرتفعة نشوء الأسواق السوداء، فعندما لا يستطيع العمال إيجاد وظائف في الاقتصاد الشرعي يلجؤون إلى الاقتصاد الموازي، تتراوح هذه الأعمال بين بسيطة لا ضير منها مثل إصلاح أحدهم مرحاض جاره مقابل مبلغ نقدي لا يُفصح عنه لهيئة الضرائب، إلى خطيرة جدًا مثل تجارة المخدرات، وفيها يكون عدم الإفصاح عن الدخل جُرمًا آخر يُضاف إلى جرم الاتّجار بمادة محظورة.
    ما الذي يمكن شراؤه من السوق السوداء؟


    بإمكان أي مادة خاضعة لإحدى الحالات المذكورة سابقًا أن تظهر في أسواق الظل، لذلك تحوي هذه الأسواق عددًا كبيرًا من السلع والخدمات.

    عند حديث الناس عن السوق السوداء فهم يميلون عادةً إلى التفكير بأشياء مثل المخدرات أو البَغاء أو تجارة العلامات التجارية المُقلدة، أو بطاقات حضور الأحداث المهمة، لكن توجد أسواق سوداء أخطر رغم محدودية انتشارها حول العالم، منها أسواق تجارة الأعضاء، وأنواع الحيوانات المهددة بالانقراض، وتجارة الأطفال والأسلحة والرِقّ (الاتّجار بالبشر).

    توجد الأسواق السوداء أحيانًا في أماكن لا تخطر على بال، مثلًا يمكن شراء حساب إي باي على الإنترنت واكتساب التصنيف الجيد للبائع صاحب الحساب الأصلي، ويمكن شراء المتابعين على تطبيق إنستغرام بهدف تضخيم شعبية صاحب الحساب.
    بعض حجج المدافعين عن السوق السوداء


    يُدافع البعض عن السوق السوداء بحجة أن المواد المتوافرة فيها ترفع من جودة المعيشة، مثل حالة استخدام الماريجوانا للتخفيف من آلام المرضى الذين لم تُجدِ معهم العقاقير العادية.

    تسُدّ الأسواق السوداء أي نقص في الحاجات الأساسية، كما هو الحال في كوبا أو في أي منطقة تتعرض لكارثة طبيعية، إضافةً إلى أن اقتصاد الظل يوفر فرص عمل للكثير ممن سببت القيود الحكومية الصارمة وارتفاع معدلات البطالة حرمانهم من العمل، فهي بذلك تحميهم من العوز، وتغنيهم عن طلب الإعانة الاجتماعية.

    عمومًا، تكون الحجج المناصرة للسوق السوداء ذاتية، أي أنها تعتمد على الآراء الأخلاقية للشخص، فإذا كنت ترى أن تعاطي المخدرات ليس جريمةً، فقد لا تجد مشكلةً مع سوق العقاقير غير المرخصة، وإن كانت قناعتك أن الضرائب المفروضة كبيرة جدًا، فقد يكون من دواعي سرورك أن تكون قادرًا على استئجار العمال «تحت الطاولة».
    بعض الحجج ضد السوق السوداء


    للسوق السوداء العديد من المساوئ، وفي حين تتفاوت الآراء بشأن بعضها، فإن الكثير من هذه المساوئ مُتفق عليها بوصفها مشكلات خطيرة.

    إن بعض البضائع المتداولة في السوق السوداء مسروقة من السوق المشروعة، ما يعرض رُوّاد الأعمال القانونيين للخسارة. نجد أن البعض لا يمانع شراء حقيبة يد فخمة مسروقة إن كان سعرها مُخفضًا، مبررين ذلك بغلاء أسعار متاجر التجزئة، في حين يُصدم البعض الآخر عند اكتشافهم أن ما ظنوه صفقةً جيدةً هو في واقع الأمر دعم لحلقات الجريمة المنظمة التي تتجاوز جوانبها المظلمة حدود اللصوصية وبيع المسروقات، بل تصل إلى استخدام بعض أنشطة السوق السوداء في تمويل الإرهاب، نظرًا إلى صعوبة تعقب أرباح هذه الأنشطة.

    يُعد العنف مشكلةً أخرى متجذرةً في السوق السوداء، فإن عدم خضوعها لأي قوانين ينفي إمكانية لجوء المشاركين فيها إلى الشرطة الشرعية لحمايتهم حال حدوث سرقة أو أي جريمة أخرى، فمن غير المعقول أن يلجأ مروِّج مخدرات إلى الشرطة ليطلب استعادة بضاعته التي سرقها مروِّج منافس! لكنه قد يطلب من أحد أعوانه قتل اللص واستعادة المسروقات، ما يزيد الأمر تعقيدًا.

    حجة أخرى يسوقها مناهضو السوق السوداء هي زيادة العبء الضريبي على دافعي الضرائب بسبب تهرب الأطراف المشاركة في السوق السوداء من دفع ضرائبهم.
    الخلاصة


    سيستمر وجود السوق السوداء مع استمرار فرض الضرائب والقيود على الأسواق، فالقوانين التي تمنع الناس من بيع وشراء ما يرغبون به، والضرائب التي تُقتطَع من دخلهم الذي يكسبونه من كدّهم ويرون أنهم يستحقونه، دائمًا ما تدفعهم إلى إخفاء نشاطهم الاقتصادي عن هيئات نفاذ القانون والسلطات الضريبية وهيئات التنظيم المختلفة.
يعمل...
X