ناديا المير محمود
رغم نجاح معظم الأعمال الدرامية والسينمائية التي تضمنت لهجات المناطق التي تم تصويرها فيها. إلا أنها حظيت بانتقادات لا تخلو من المبالغة أحياناً. في استخدام اللهجات والاتهامات بالتنميط والبحث عن الكوميديا انطلاقاً من اللهجات أحياناً. ليبقى مسلسل “ضيعة ضايعة” ومن قبله فيلم “رسائل شفهية” شاهدان حيّان على مدى نجاح تلك الدراما رغم الانتقادات.
لم تكن النسبة التي تتابع نتاج السينما السورية كبيرة، بعيداً عن المهتمين وذوي الاختصاص، وصولاً إلى الدراما الفائزة بالمرتبة الأولى في سلم المتابعات عند المشاهدين، الذين بدورهم اعتادوا على لهجة “بيضاء” اعتمدها أغلب القائمين على الصناعة الدرامية والسينمائية.
واللافت أن سماع لهجة مخالفة لتلك البيضاء بات أقرب للشذوذ، مع نسيان فوارق اللهجات بين المناطق السورية المختلفة.
من جهة أخرى، أصبح لدى البعض رفض لطرح لهجات مناطقهم خلال الأعمال الدرامية كنوع من التعصب، الذي يرى في عرض لهجة معينة اعتداءً وسخرية منها بعكس المراد من ذلك.
لا تقتصر “سوريا” على عاصمتها ومحيطها ولا تحتكر لهجتها أي من المحافظات الـ 14، فالفن لا يعرف التقسيم، ومهمته عرض الواقع بالمتاح من إمكانيات المتوفرة على عكس الظنون السائدة.
لم يمضِ وقت طويل على حادثة فيلم “الخيمة 56” الذي أطيح بفكرته مقابل انتقاد لهجة ممثليه، وتطورت الفكرة عند البعض ليصوبها باتجاه نقطة الضعف في التفكير العربي وهو “شرف المرأة”، فهناك من رآه إهانة لحرائر “حوران”، ولمن يدقق فهو الأبعد عن ذاك الأمر.
يناقش العمل قدرة الزوجين على ممارسة علاقة حميمية في مخيم لا يوفّر لهم مكاناً مستقلاً بعيداً عن مرأى أطفالهم، ولم تكن اللهجة سوى وسيلة لإيصال الفكرة فتحولت إلى أساس لمهاجمة الفيلم.
ليعود للذاكرة الحملة التي قامت على وسائل التواصل الاجتماعي عند عرض مسلسل “الخربة”، “حملة مقاطعة مسلسل الخربة المسيء لبني معروف”، وكأن المسلسل اختصر كافة أهالي “السويداء” لمجرد النطق بلهجتهم،فمن ربط تاريخهم بطريقة لفظ المفردات واللهجة المحكية، بعيداً عن الاستهزاء بالمنطقة ففكرة العمل لم تتجاوز إلا النزاع الحاصل بين عائلتين، في التباهي أي منهما أبناؤها أنجح، وصراع ما بين جيل الشباب وكبارهم حول الأفكار الجديدة التي حاولوا إدخالها.
من جنوب “سوريا” إلى غربها، حيث الساحل السوري، والذي نال حصة كبيرة في الدراما والسينما، وتكفل به أبناؤه بتعريف الناس بلهجته مدينةً وريفاً، والحال للأسف ذاته، فالانتقادات منذ ذاك الوقت ذاتها، حين عرض فيلم “ليالي ابن آوى”، “نجوم الليل” و”رسائل شفهية”، حين تم اعتبارها تشويه لصورة أهل الساحل، أيضاً وحصر التفكير أن اللهجة هي الوطن بتفاصيله، ورمى البعض الأحداث والمضمون وعلق القضية بشماعة “اللهجة”.
لما نراها أنها تضحك الناس، ولا نراها قدرة على التنوع بما يقدمه الفن السوري، ومهارات فردية حيث تمكن الممثل ابن الشام من التحدث بلهجة ابن الساحل.
كلنا لانزال نستمتع بمقالب غوار، ونحاول تقليد لهجته، فلو تكلم “غوار” باللهجة الحمصية أنقول أنه استهزأ بأهلها، أم لأن حين تم عرضه لم يكن أمامنا هذه الفضاءات الرحبة من حرية المتابعة وشن حملات على وسائل التواصل، أو لأننا طورنا أفكارنا بما بتناسب مع أجواء الحرب وغذيناها بما تمليه علينا الأفكار البالية التي مهما حاولنا دفنها ستظهر عند أتفه سبب، وطبعاً ليس القصد هو التعميم وإنما الظاهر للعيان أنهم نسبة لا بأس بها، ممن يحاولون لف الأمور لمعاني مغايرة وإسقاطها على بلاد بواقعها الهش، والمستعد لاستقطاب أي حرب أخرى.
فكل الأمثلة المذكورة سابقاً، لو جردناها من لهجتها ومكان ظهورها، سنراها نحن والشبه بين طقوسها وطقوسنا شبه كامل، فمن منا لم يصدف قسوة ابو كمال في “ليالي ابن آوى” رغم حنانه الداخلي، ومن لم يكن عنده “أبو نايف” في “الخربة” كأي كبير سن بالعائلة يرغب بأن يرى حفيده في أعلى المراتب و يتباهى به أمام الناس وغيرهم.
من باب الإنصاف، من الجائز أن هناك مبالغة ببعض اللهجات والمفردات في الأعمال المعروضة، في المقابل كانت سبباً في إنجاح العمل، فلا يمكننا القول أننا جميعا ندرك لهجات المناطق السورية كافة، والاعتراف أجمل أننا تعلمنا من خلال ما تابعناه كيف يتكلمون في البقاع الأخرى من البلاد. ولكي لا يفهم ما نقوله دفاعاً، فلكل قناعاته ولكن الأمل الابتعاد عن التعميم والتجرد المطلق عند التعامل مع أي مادة فنية.