صالح بن عبد القدوس Salih ibn Abd al-Qoudous

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • صالح بن عبد القدوس Salih ibn Abd al-Qoudous

    صالح بن عبد القدوس
    (…ـ نحو 160هـ/…ـ نحو 777م)

    صالح بن عبد القدوس، أبو الفضل البصري، مولى بني أسد، شاعر عباسي من العلماء بالكلام، نشأ بالبصرة، وكان يعظ الناس فيها ويقص عليهم القصص والحكمة، اشتهر بشعر الحكمة والأمثال والمواعظ، وعلى الرغم من ذلك اتهم بالزندقة وقتل بها؛ ففي طبقات الشعراء لابن المعتز أنه أُحضر بين يدي الخليفة المهدي فخاطبه الخليفة وأعجب به لغزارة علمه وأدبه وبراعته وحسن فصاحته وبيانه وكثرة حكمته، فأمر بتخلية سبيله، فلما أدار ابن عبد القدوس ظهره للخليفة مغادراً مجلسه ناداه الخليفة، وقال له:ألست القائل:
    والشيخُ لا يَتْركُ أخلاقَهُ
    حتى يُوَارَى في ثرى رِمْسه
    قال: بلى، فأمر به الخليفة فقُتل.
    وأورد ابن المعتز رواية أخرى للخبر نسب فيها المحاورة إلى الخليفة هارون الرشيد، وفي هذه الرواية اتهم الرشيد ابنَ عبد القدوس بالتعريض بالنبيr في شعره، وهو ما أنكره الشاعر وحلف الأيمان مؤكداً كلامه، فكاد الرشيد يعفو عنه، ولكنه تذكر قوله: والشيخ لا يترك.... (البيت) ثم أمر به فضربت عنقه وصلب على جسر بغداد.
    والخبر في روايتيه غامض مجتزأ، ليس فيه ما يستوجب قتل الشاعر، وقد ساقه الشريف المرتضى في أماليه نقلاً عن المبرد بأوضح مما تقدم، قال: «ذكر بعض الرواة أن صالحاً لما نوظر فيما قذف به من الزندقة بحضرة المهدي، قال له المهدي: ألست القائل في حفظك ما أنت عليه:
    ربّ سرّ كتمته فكأني
    أخرس أو ثَنَى لساني خَبْلُ
    ولو اني أبديت للناس علمي
    لم يكن لي في غير حبسي أكْلُ
    قال صالح: فإني أتوب وأرجع، فقال المهدي: هيهات! ألست القائل:
    والشيخ لايترك أخلاقه
    حتى يوارى في ثرى رمسه
    إذا ارعوى عاوده جهله
    كذي الضنى عاد إلى نكسه
    ثم قدّم فقتل، ويقال إن الرشيد صلبه على جسر بغداد.
    ومهما يكن من أمر هذا الخبر، برواياته المختلفة، فإن عبد الله بن المعتز يشك في صحته، وصحة نسبة الزندقة إلى ابن عبد القدوس، وقد قال: «والله أعلم بتحقيق ذلك» ودلّل على شكّه في صحة نسبة الزندقة إليه بقوله: «أما الرجل فله في الزهد في الدنيا والترغيب في الجنّة والحثّ على طاعة الله عزّ وجلّ، والأمر بمحاسن الأخلاق، وذكر الموت والقبر، ما ليس لأحد» وذكر من شعره قوله:
    وليس بِعَجْزِ المرء إخطاؤه الغنى
    ولا باحتيالٍ أدرك المالَ كاسبُهْ
    ولكنه قَبْضُ الإله وبَسْطُه
    فلا ذا يجاريه ولا ذا يغالِبُهْ
    إذا كمّل الرحمن للمرء عَقْلَهُ
    فقد كَمُلَتْ أخلاقُه ومناقِبُهْ
    وقال معقباً: «فيا عجباً كيف يمكن أن يقول زنديق مثل هذا القول! وكيف يكون قائله زنديقاً؟».
    يعدّ شعر الوعظ والحكم والأمثال الذي قاله صالح بن عبد القدوس في أعلى درجات الشعر الذي قيل في هذا الغرض، لكن النقّاد الذين امتدحوه لبراعته في هذه الأغراض، رأوا أنه مقصر في أغراض الشعر الأخرى، والشاعر لا يسير شعره في الآفاق، ولايجري مجرى النوادر، إلا إذا قال شعراً في أغراض مختلفة، قال الجاحظ:«لو أن شعر صالح بن عبد القدوس وسابق البربري، كان مفرقاً في أشعار كثيرة لصارت تلك الأشعار أرفع مما هي عليه بطبقات، ولصار شعرهما نوادر سائرة في الآفاق، ولكن القصيدة إذا كانت كلها أمثالاً لم تَسِرْ ولم تَجْرِ مجرى النوادر. ومتى لم يخرج السامع من شيء إلى شيء لم يكن لذلك عنده موقع».
    ومما يستحسن له قصيدته التي مطلعها:
    المرء يجمع والزمان يفرّق
    ويظل يرقع والخطوب تمزقُ
    ولأنْ يعادي عاقلاً خيرٌ له
    من أن يكون له صديق أحمق
    لو سار ألفُ مدجّجٍ في حاجة
    لم يَقْضِها إلا الذي يترفق
    بقي الذين إذا يقولوا يَكْذِبوا
    ومضى الذين إذا يقولوا يَصْدُقوا
    جمع شعره وحققه عبد الله الخطيب وطبعه ضمن منشورات البصري في بغداد سنة 1967، واستدرك عليه نوري حمودي القيسي في مجلة المورد العراقية في المجلد الذي نشر سنة 1989.
    أحمد نتوف
يعمل...
X