الصدر الشيرازي (محمد بن إبراهيم ـ)
(…ـ 1059هـ/… ـ 1649م)
صدر الدين محمد بن إبراهيم بن يحيى الشيرازي المعروف بـالملا صدر وبـصدر المتألهين، من الفلاسفة الإسلاميين الكبار في القرن الحادي عشر الهجري.
ولد في مدينة شيراز، عاصمة الدولة الصفوية الفارسية في ذلك الوقت، ولاتُعرف السنة التي ولد فيها، فكتب التراجم لم تذكر الكثير عن بداياته ولا عن حياته، وقيل إن والده إبراهيم بن يحيى القوامي كان أحد وزراء ذلك العهد، وكان وحيد والده، والذي وجّهه لطلب العلم منذ صغره، وبعد وفاة والده رحل إلى أصفهان لإتمام دراسته، ودرس فيها على الشيخ بهاء الدين العاملي (953ـ1031هـ)، وبعد وفاة أستاذه البهائي هذا، وفي مراحل دراسته الأخيرة، انقطع إلى دروس فيلسوف عصره السيد الداماد محمد باقر (ت1040هـ)، وقد أنفق جميع ما خلّفه له والده في سبيل تحصيل العلم.
عاش الشيرازي في زمن طغت فيه الروح الإشراقية، والتي كانت من أبرزمميزات مجتمعه، وقد انعكست هذه الظاهرة في نفسه، وبرزت واضحة من بين آرائه وأفكاره ومؤلفاته، وكانت سبباً للحملات الشديدة التي شنّها عليه رجال الدين، الذين كانوا يتلقون منه ردوداً قاسية أيضاً، إذ كان يقول: «إن أكثرهم أشقى من الجهلاء».
وبسبب حملات رجال الدين عليه، عاملته الجماهير بجفاء، ولم يُعط حقه من الاحترام، ولم يقدّر التقدير الذي يستحقّه، لذا اعتزل الناس سنوات طويلة بسبب ذلك الجفاء، ولم يلق التقدير إلا بعد موته، كمعظم العباقرة والمفكّرين العظام.
ويبدو أنه مرّ خلال حياته بمراحل ثلاث:
الأولى: مرحلة التلمذة والدراسة وتتبّع آراء الفلاسفة والمتكلّمين.
الثانية: مرحلة العزلة وانقطاعه إلى العبادة والتفكير، قضاها في بعض الجبال النائية.
الثالثة: مرحلة التأليف وتسجيل آرائه وأفكاره، وكان أكثرها على الطريقة الإشراقية والكشفية.
وهذه المراحل الثلاث التي مرّ بها الشيرازي، تذكّر بالمراحل التي مرّ بها الغزالي (ت505هـ) فالتشابه بينهما واضح في مداخل حياتهما، وطريقة تفكيرهما، وكثير من أحوالهما أيضاً، ويظهر من آرائه التي أوردها في مؤلفاته،أنه كان منسجماً إلى حد بعيد مع آراء محيي الدين ابن عربي (ت 638هـ).
اختلف في مكان وفاة الصدر الشيرازي إذ قيل إنه توفي في البصرة وهو متوجه إلى الحج، وقيل بل وهو راجع من الحج، وقيل إنه توفي في شيراز، وذلك في عصر الشاه عباس الثاني الصفوي.
كانت للشيرازي جولات فكرية تناولت مواضيع كثيرة، ومن بين الأفكار البارزة التي طرحها، نستطيع أن نحدد نظريتين بارزتين هامتين جداً أثارتا حواراً فكرياً كبيراً، وكانتا سبب هجوم رجال الدين عليه،وهاتان النظريتان هما :
1ـ الأولى نظرية «وحدة الوجود» ويمكن تلخيصها تحت عنوان كبير وكما ورد على لسانه، بـ «موجودات متعدّدة متكثّرة في الخارج،ولها حقيقة عينية واحدة، فالوجود واحد والموجود متعدّد». وقد ألّبت هذه النظرية عليه العلماء والفقهاء ورجال الدين بعامة، فحملوا عليه حملات شديدة، بل لعنوه سراً وعلانية، وأثاروا عليه الناس، وكان هذا سبب عزلته، ومع هذه الحملات فقد اعتقد بصحّتها كثيرون من الفلاسفة،وحاول تلاميذه تقريبها من الجماهير، ولكن دون جدوى.
2ـ النظرية الثانية هي نظرية «الحركة الجوهرية» وكانت أيضاً ذات شأن كبير، وقد وضع فيها رسالة أسماها «رسالة الحركة الجوهرية». وتعدّدت تفاسير هذه النظرية، فذهب بعضهم إلى أنها الأساس لمبدأ التحوّل والتطوّر، ولنظرية النشوء والإرتقاء التي قال بها (دارون) بعد نحو مئتي عام، وأراد أن يتخذها برهاناً على إثبات الصانع، ودليلاً على حدوث العالم، وذهب آخرون في تفسيرها، إلى أن الحركة الجوهرية هي الحركة الذاتية التي تتمتع بها ذرات المادة، التي تتحرك على نفسها وعلى نواتها في نظام منسّق، وتتألف منها مجموعة كالمجموعة الشمسية، تسير بسرعة فائقة، وهي بسبب سرعتها العظيمة، نراها ثابتة في حسنا،وتكون هذه النظرية بهذا التفسير، هي البداية للنظريات الحديثة في «الذّرة».
إضافة إلى هاتين النظريتين فقد تناول الشيرازي في كتبه ورسائله موضوعات فكرية كثيرة، يُذكر منها بإيجاز:
ـ ما يتعلق بمعرفة المبدأ الأول وصفاته وآثاره، والذي هو جانب كبير من الفلسفة بمعناها الشامل.
ـ معرفة الصراط المستقيم، ودرجات الصعود إليه تعالى، وكيفية السلوك إليه، وهوعلم النفس الذي هو جزء من العلم الطبيعي.
ـ معرفة المعاد، وأحوال الواصلين إليه تعالى وإلى دار رحمته.
ـ معرفة المبعوثين من عند الله تعالى لدعوة الخلق، ولنجاة النفس، كالأنبياء والأوصياء وحتى الأولياء عنده.
ـ ذكر أقوال المفكرين الجاحدين وكشف فضائحهم.
ـ ماجاء في أثناء بحوثه عرضاً.
وأما مؤلفاته فهي كثيرة وأهمها: «الأسفار الأربعة» ولقي هذا المؤلف اهتماماً كبيراً من الفلاسفة والمفكرين، ويتألف من أربعة أسفار أو أربعة مجلدات، وتتضمن مايأتي:
1ـ الأمور العامة: وهي في النظر إلى طبيعة الوجود وعوارضه الذاتية.
2ـ العلم الطبيعي.
3ـ العلم الإلهي، أو المعرفة الربوبية والحكمة الإلهية.
4- علم النفس من مبدأ تكوّنها إلى آخر مقاماتها، وهو( المعاد ).
ومن كتبه أيضاً «المبدأ والمعاد» وهو في فنّين أو قسمين: قسم في الربوبيات، وقسم في علم النفس. وينهج في مؤلفه هذا نهجه في الأسفار الأربعة، وذلك في الجمع بين مسلكي أهل البحث وأهل العرفان، و«الشواهد الربوبية في المناهج السلوكية» وهو كتاب مختصر على طريقته العرفانية، وفيه خلاصة آرائه في المسائل الفلسفية، وهو يصلح لتدريس المبتدئين في الفلسفة، ويقال إنه كان آخر مؤلفاته، و: «أسرار الآيات وأنوار البيّنات» وهو في معرفة أسرار آيات الله تعالى وصنائعه على الطريقة العرفانية، مع تطبيق الآيات القرآنية على أكثر بحوثه، و«تفسير القرآن الكريم» ويشتمل على تفسير عدد من سور القرآن الكريم وآياته، وهو غير تام، ويبدو أنه ألّفه وفي نيّته إتمام تفسير كامل للقرآن الكريم، ولكن القدر لم يمهله، و«شرح الهداية الأثيرية» وقد نهج فيه منهج الفلسفة المشّائية، وطريقة أهل البحث والمنطق، و«شرح الهيّات الشفاء» وهو غير تام، وقد شرح فيه كتاب «الشفاء» لابن سينا، وله عدد آخر من المؤلّفات والرسائل التي تناولت مسائل فكرية كثيرة يربو عددها على العشرين.
عبدو محمد
(…ـ 1059هـ/… ـ 1649م)
صدر الدين محمد بن إبراهيم بن يحيى الشيرازي المعروف بـالملا صدر وبـصدر المتألهين، من الفلاسفة الإسلاميين الكبار في القرن الحادي عشر الهجري.
ولد في مدينة شيراز، عاصمة الدولة الصفوية الفارسية في ذلك الوقت، ولاتُعرف السنة التي ولد فيها، فكتب التراجم لم تذكر الكثير عن بداياته ولا عن حياته، وقيل إن والده إبراهيم بن يحيى القوامي كان أحد وزراء ذلك العهد، وكان وحيد والده، والذي وجّهه لطلب العلم منذ صغره، وبعد وفاة والده رحل إلى أصفهان لإتمام دراسته، ودرس فيها على الشيخ بهاء الدين العاملي (953ـ1031هـ)، وبعد وفاة أستاذه البهائي هذا، وفي مراحل دراسته الأخيرة، انقطع إلى دروس فيلسوف عصره السيد الداماد محمد باقر (ت1040هـ)، وقد أنفق جميع ما خلّفه له والده في سبيل تحصيل العلم.
عاش الشيرازي في زمن طغت فيه الروح الإشراقية، والتي كانت من أبرزمميزات مجتمعه، وقد انعكست هذه الظاهرة في نفسه، وبرزت واضحة من بين آرائه وأفكاره ومؤلفاته، وكانت سبباً للحملات الشديدة التي شنّها عليه رجال الدين، الذين كانوا يتلقون منه ردوداً قاسية أيضاً، إذ كان يقول: «إن أكثرهم أشقى من الجهلاء».
وبسبب حملات رجال الدين عليه، عاملته الجماهير بجفاء، ولم يُعط حقه من الاحترام، ولم يقدّر التقدير الذي يستحقّه، لذا اعتزل الناس سنوات طويلة بسبب ذلك الجفاء، ولم يلق التقدير إلا بعد موته، كمعظم العباقرة والمفكّرين العظام.
ويبدو أنه مرّ خلال حياته بمراحل ثلاث:
الأولى: مرحلة التلمذة والدراسة وتتبّع آراء الفلاسفة والمتكلّمين.
الثانية: مرحلة العزلة وانقطاعه إلى العبادة والتفكير، قضاها في بعض الجبال النائية.
الثالثة: مرحلة التأليف وتسجيل آرائه وأفكاره، وكان أكثرها على الطريقة الإشراقية والكشفية.
وهذه المراحل الثلاث التي مرّ بها الشيرازي، تذكّر بالمراحل التي مرّ بها الغزالي (ت505هـ) فالتشابه بينهما واضح في مداخل حياتهما، وطريقة تفكيرهما، وكثير من أحوالهما أيضاً، ويظهر من آرائه التي أوردها في مؤلفاته،أنه كان منسجماً إلى حد بعيد مع آراء محيي الدين ابن عربي (ت 638هـ).
اختلف في مكان وفاة الصدر الشيرازي إذ قيل إنه توفي في البصرة وهو متوجه إلى الحج، وقيل بل وهو راجع من الحج، وقيل إنه توفي في شيراز، وذلك في عصر الشاه عباس الثاني الصفوي.
كانت للشيرازي جولات فكرية تناولت مواضيع كثيرة، ومن بين الأفكار البارزة التي طرحها، نستطيع أن نحدد نظريتين بارزتين هامتين جداً أثارتا حواراً فكرياً كبيراً، وكانتا سبب هجوم رجال الدين عليه،وهاتان النظريتان هما :
1ـ الأولى نظرية «وحدة الوجود» ويمكن تلخيصها تحت عنوان كبير وكما ورد على لسانه، بـ «موجودات متعدّدة متكثّرة في الخارج،ولها حقيقة عينية واحدة، فالوجود واحد والموجود متعدّد». وقد ألّبت هذه النظرية عليه العلماء والفقهاء ورجال الدين بعامة، فحملوا عليه حملات شديدة، بل لعنوه سراً وعلانية، وأثاروا عليه الناس، وكان هذا سبب عزلته، ومع هذه الحملات فقد اعتقد بصحّتها كثيرون من الفلاسفة،وحاول تلاميذه تقريبها من الجماهير، ولكن دون جدوى.
2ـ النظرية الثانية هي نظرية «الحركة الجوهرية» وكانت أيضاً ذات شأن كبير، وقد وضع فيها رسالة أسماها «رسالة الحركة الجوهرية». وتعدّدت تفاسير هذه النظرية، فذهب بعضهم إلى أنها الأساس لمبدأ التحوّل والتطوّر، ولنظرية النشوء والإرتقاء التي قال بها (دارون) بعد نحو مئتي عام، وأراد أن يتخذها برهاناً على إثبات الصانع، ودليلاً على حدوث العالم، وذهب آخرون في تفسيرها، إلى أن الحركة الجوهرية هي الحركة الذاتية التي تتمتع بها ذرات المادة، التي تتحرك على نفسها وعلى نواتها في نظام منسّق، وتتألف منها مجموعة كالمجموعة الشمسية، تسير بسرعة فائقة، وهي بسبب سرعتها العظيمة، نراها ثابتة في حسنا،وتكون هذه النظرية بهذا التفسير، هي البداية للنظريات الحديثة في «الذّرة».
إضافة إلى هاتين النظريتين فقد تناول الشيرازي في كتبه ورسائله موضوعات فكرية كثيرة، يُذكر منها بإيجاز:
ـ ما يتعلق بمعرفة المبدأ الأول وصفاته وآثاره، والذي هو جانب كبير من الفلسفة بمعناها الشامل.
ـ معرفة الصراط المستقيم، ودرجات الصعود إليه تعالى، وكيفية السلوك إليه، وهوعلم النفس الذي هو جزء من العلم الطبيعي.
ـ معرفة المعاد، وأحوال الواصلين إليه تعالى وإلى دار رحمته.
ـ معرفة المبعوثين من عند الله تعالى لدعوة الخلق، ولنجاة النفس، كالأنبياء والأوصياء وحتى الأولياء عنده.
ـ ذكر أقوال المفكرين الجاحدين وكشف فضائحهم.
ـ ماجاء في أثناء بحوثه عرضاً.
وأما مؤلفاته فهي كثيرة وأهمها: «الأسفار الأربعة» ولقي هذا المؤلف اهتماماً كبيراً من الفلاسفة والمفكرين، ويتألف من أربعة أسفار أو أربعة مجلدات، وتتضمن مايأتي:
1ـ الأمور العامة: وهي في النظر إلى طبيعة الوجود وعوارضه الذاتية.
2ـ العلم الطبيعي.
3ـ العلم الإلهي، أو المعرفة الربوبية والحكمة الإلهية.
4- علم النفس من مبدأ تكوّنها إلى آخر مقاماتها، وهو( المعاد ).
ومن كتبه أيضاً «المبدأ والمعاد» وهو في فنّين أو قسمين: قسم في الربوبيات، وقسم في علم النفس. وينهج في مؤلفه هذا نهجه في الأسفار الأربعة، وذلك في الجمع بين مسلكي أهل البحث وأهل العرفان، و«الشواهد الربوبية في المناهج السلوكية» وهو كتاب مختصر على طريقته العرفانية، وفيه خلاصة آرائه في المسائل الفلسفية، وهو يصلح لتدريس المبتدئين في الفلسفة، ويقال إنه كان آخر مؤلفاته، و: «أسرار الآيات وأنوار البيّنات» وهو في معرفة أسرار آيات الله تعالى وصنائعه على الطريقة العرفانية، مع تطبيق الآيات القرآنية على أكثر بحوثه، و«تفسير القرآن الكريم» ويشتمل على تفسير عدد من سور القرآن الكريم وآياته، وهو غير تام، ويبدو أنه ألّفه وفي نيّته إتمام تفسير كامل للقرآن الكريم، ولكن القدر لم يمهله، و«شرح الهداية الأثيرية» وقد نهج فيه منهج الفلسفة المشّائية، وطريقة أهل البحث والمنطق، و«شرح الهيّات الشفاء» وهو غير تام، وقد شرح فيه كتاب «الشفاء» لابن سينا، وله عدد آخر من المؤلّفات والرسائل التي تناولت مسائل فكرية كثيرة يربو عددها على العشرين.
عبدو محمد