الصَّنَوْبري ( أحمد بن محمد ـ)
(نحو270 ـ 334هـ/883 ـ 945م)
أبو بكر أحمد بن محمد بن الحسين الضَّبِّي الحلبي الأنطاكي المعروف بالصنوبري، يعود نسبه إلى قبيلة ضَبَّة، ولُقِّب بالصنوبري لأن جدّه كان يعمل في دار الحكمة لعهد المأمون، فاشترك في مناظرة بين يديه، وأعجب به، فقال له: إنك لصنوبري الشكل، دلالة على ذكائه وحدّة مزاجه، وقد افتخر بهذا اللقب في شعره.
ولد في أنطاكية بعد سنة (270هـ) ونشأ وتربَّى في حلب، حيث تلقى فيها تعليمه، وكانت حلب تزخر بعلماء اللغة والحديث والفقه والفلسفة، فتخرج شاعراً مثقفاً، ملماً بثقافات عصره جميعاً. وكان الصنوبري يرتحل كثيراً إلى الموصل والرقة ودمشق، ولم يدع والياً على موطنه إلا مدحه، ومن هؤلاء: ذِكاء بن عبد الله الأعور والي حلب (295ـ302هـ)، وابنه المظفّر، ووزيره النّفري، وأحمد بن إبراهيم بن كَيغلَغِ القائد المشهور (ت بعد323هـ)، وغيرهم، ثم أصبح أحد شعراء سيف الدولة الحمداني منذ حكم حلب (333هـ/944م) فأعجب به، ومدحه بكثير من قصائده، فاتخذه أميناً لمكتبته، وقد ربط بينهما التشيّع، فديوانه يمتلئ برثاءٍ لآل البيت، وللحسين خاصة، لكنه لم يكن غالياً في تشيعه.
كانت الرّقة موطنه الثاني، ولاسيما في أيام شبابه وإدمانه على اللهو، يؤمّ فيها دير زكَّى، لجمال متنزهاته، ولمِا كان يجاوره من أماكن الصيد واللهو والشراب. وكان للصنوبري علاقات وطيدة بشعراء عصره وعلمائه، وأهمهم المعوج الرّقي، ويقال إنه أستاذه، وقد رثاه لما توفي سنة (307هـ). وكذلك كُشاجم الشاعر، وعلي بن سليمان الأخفش الصغير، العالم اللغوي الشهير.
وبعد حياة طويلة أمضى معظمها في اللهو، أفاق وهو في نحو الستين، متمنياً التوبة والزهد في الدنيا ومتاعها الزائل، معلناً أنه بلغ من الكبر عتيّاً وعليه أن يُقصر عن اللهو، ومما قاله:
ألْقَتْ رداءَ اللهو عن عاتقي
خمسٌ وخمسون واثنتان
وقد عني بأشعاره وهو على قيد الحياة، رواية وجمعاً، عدد من الشعراء، منهم تلميذه أبو العباس الصفري وأبو عمر عثمان بن عبد الله الطرسوسي، وجمع شعره العالم الكبير أبو بكر الصولي في مئتي ورقة، ودخل ديوانه الأندلس على يد مواطنه محمد بن العباس الحلبي، وعنه رواه اللغوي الأندلسي المشهور أبو بكر الزبيدي الإشبيلي.
كان كثير التجوال في البلاد، يألف الرياض النَّضرة والحدائق الملتفة، يميل إلى الغناء والمداعبة، ومعاشرة أهل الأدب، فأكسبه ذلك ظَرْفاً في شمائله، وخفّةً في روحه، وصفاءً في ذهنه، ودقة في خياله، فاستخرج دقائق المعاني، وأتى بالسهل الممتنع في وصفه الرياض والأزهار وغيرها من مباهج الطبيعة، مما دفع مؤرخي الأدب إلى إطلاق اسم (شاعر الرياض) عليه، بل هو صاحب مدرسة في ذلك، يقول:
وصف الرياض كفاني أن أقيمَ على
وصف الطلول، فهل في ذاك من باس؟
وكان يُعنى بصناعة شعره، مكباً على أشعار سابقيه، يقرؤها ويستوعبها، ويتمثل بها كشعر أبي تمام والبحتري وابن المعتز. وكان يكثر من الجناس دون تكلف، ويحشد التشبيهات والصور الفنية مقتدياً بابن المعتز، ويصف الطبيعة مترسماً نهج ابن الرومي.
أما موضوعات شعره فأهمها بعدَ وصف الطبيعة: المديح الذي اتخذه متجراً رابحاً، وعلى الرغم من أن أبا تمام كان مثله الأعلى في قصيدة المديح ونهجها الفني، إلا أنه لم يرقَ إلى منزلته وشعريته، ونفاذ بصيرته. وأجود أماديح الصنوبري ما قاله في الهاشميين.
والرثاء كثير في ديوانه، ولاسيما ما قاله في النبيr وآل البيت. وقد تنوعت معانيه ما بين عزاء وتأبين وندب. ومن رثائه المؤثر ما قاله في ابنته الوحيدة ليلى، التي بكى معها أختها التي ماتت قبلها في الرقة. وكذلك مرثيته في أمه، وهو من أقدم من رثوا أمهاتهم.
وله شعر كثير في الفخر القبلي. وكان كثيراً ما يفخر بالمصطفى وآله، وأبي بكر والفاروق وخلفاء بني العباس.
أما هجاؤه فكان زاخراً بالمعاني الفاحشة، وبالظَّرف أحياناً. وفي ديوانه شعر في العتاب والاستعطاف والغزل بالمؤنث والمذكر. إضافة إلى الخمريات. وكانت خاتمة حياته اللاّهية، أشعاره الزهدية، وفيها تحدث عن الموت وغيره. وقدّم نصائح خُلُقية وسلوكية في الحياة. لكن وصف الطبيعة هو الموضوع الرئيس الذي غلب على شعره فكان أستاذ هذا الموضوع في الشعر العربي.
له ديوان شعر كبير مطبوع بتحقيق إحسان عباس، وتتمة جمعها الشيخ راغب الطباخ وطبعها باسم: الروضيات، وكذلك فعل لطفي الصقال ودرية الخطيب.
أحمد دهمان
(نحو270 ـ 334هـ/883 ـ 945م)
أبو بكر أحمد بن محمد بن الحسين الضَّبِّي الحلبي الأنطاكي المعروف بالصنوبري، يعود نسبه إلى قبيلة ضَبَّة، ولُقِّب بالصنوبري لأن جدّه كان يعمل في دار الحكمة لعهد المأمون، فاشترك في مناظرة بين يديه، وأعجب به، فقال له: إنك لصنوبري الشكل، دلالة على ذكائه وحدّة مزاجه، وقد افتخر بهذا اللقب في شعره.
ولد في أنطاكية بعد سنة (270هـ) ونشأ وتربَّى في حلب، حيث تلقى فيها تعليمه، وكانت حلب تزخر بعلماء اللغة والحديث والفقه والفلسفة، فتخرج شاعراً مثقفاً، ملماً بثقافات عصره جميعاً. وكان الصنوبري يرتحل كثيراً إلى الموصل والرقة ودمشق، ولم يدع والياً على موطنه إلا مدحه، ومن هؤلاء: ذِكاء بن عبد الله الأعور والي حلب (295ـ302هـ)، وابنه المظفّر، ووزيره النّفري، وأحمد بن إبراهيم بن كَيغلَغِ القائد المشهور (ت بعد323هـ)، وغيرهم، ثم أصبح أحد شعراء سيف الدولة الحمداني منذ حكم حلب (333هـ/944م) فأعجب به، ومدحه بكثير من قصائده، فاتخذه أميناً لمكتبته، وقد ربط بينهما التشيّع، فديوانه يمتلئ برثاءٍ لآل البيت، وللحسين خاصة، لكنه لم يكن غالياً في تشيعه.
كانت الرّقة موطنه الثاني، ولاسيما في أيام شبابه وإدمانه على اللهو، يؤمّ فيها دير زكَّى، لجمال متنزهاته، ولمِا كان يجاوره من أماكن الصيد واللهو والشراب. وكان للصنوبري علاقات وطيدة بشعراء عصره وعلمائه، وأهمهم المعوج الرّقي، ويقال إنه أستاذه، وقد رثاه لما توفي سنة (307هـ). وكذلك كُشاجم الشاعر، وعلي بن سليمان الأخفش الصغير، العالم اللغوي الشهير.
وبعد حياة طويلة أمضى معظمها في اللهو، أفاق وهو في نحو الستين، متمنياً التوبة والزهد في الدنيا ومتاعها الزائل، معلناً أنه بلغ من الكبر عتيّاً وعليه أن يُقصر عن اللهو، ومما قاله:
ألْقَتْ رداءَ اللهو عن عاتقي
خمسٌ وخمسون واثنتان
وقد عني بأشعاره وهو على قيد الحياة، رواية وجمعاً، عدد من الشعراء، منهم تلميذه أبو العباس الصفري وأبو عمر عثمان بن عبد الله الطرسوسي، وجمع شعره العالم الكبير أبو بكر الصولي في مئتي ورقة، ودخل ديوانه الأندلس على يد مواطنه محمد بن العباس الحلبي، وعنه رواه اللغوي الأندلسي المشهور أبو بكر الزبيدي الإشبيلي.
كان كثير التجوال في البلاد، يألف الرياض النَّضرة والحدائق الملتفة، يميل إلى الغناء والمداعبة، ومعاشرة أهل الأدب، فأكسبه ذلك ظَرْفاً في شمائله، وخفّةً في روحه، وصفاءً في ذهنه، ودقة في خياله، فاستخرج دقائق المعاني، وأتى بالسهل الممتنع في وصفه الرياض والأزهار وغيرها من مباهج الطبيعة، مما دفع مؤرخي الأدب إلى إطلاق اسم (شاعر الرياض) عليه، بل هو صاحب مدرسة في ذلك، يقول:
وصف الرياض كفاني أن أقيمَ على
وصف الطلول، فهل في ذاك من باس؟
وكان يُعنى بصناعة شعره، مكباً على أشعار سابقيه، يقرؤها ويستوعبها، ويتمثل بها كشعر أبي تمام والبحتري وابن المعتز. وكان يكثر من الجناس دون تكلف، ويحشد التشبيهات والصور الفنية مقتدياً بابن المعتز، ويصف الطبيعة مترسماً نهج ابن الرومي.
أما موضوعات شعره فأهمها بعدَ وصف الطبيعة: المديح الذي اتخذه متجراً رابحاً، وعلى الرغم من أن أبا تمام كان مثله الأعلى في قصيدة المديح ونهجها الفني، إلا أنه لم يرقَ إلى منزلته وشعريته، ونفاذ بصيرته. وأجود أماديح الصنوبري ما قاله في الهاشميين.
والرثاء كثير في ديوانه، ولاسيما ما قاله في النبيr وآل البيت. وقد تنوعت معانيه ما بين عزاء وتأبين وندب. ومن رثائه المؤثر ما قاله في ابنته الوحيدة ليلى، التي بكى معها أختها التي ماتت قبلها في الرقة. وكذلك مرثيته في أمه، وهو من أقدم من رثوا أمهاتهم.
وله شعر كثير في الفخر القبلي. وكان كثيراً ما يفخر بالمصطفى وآله، وأبي بكر والفاروق وخلفاء بني العباس.
أما هجاؤه فكان زاخراً بالمعاني الفاحشة، وبالظَّرف أحياناً. وفي ديوانه شعر في العتاب والاستعطاف والغزل بالمؤنث والمذكر. إضافة إلى الخمريات. وكانت خاتمة حياته اللاّهية، أشعاره الزهدية، وفيها تحدث عن الموت وغيره. وقدّم نصائح خُلُقية وسلوكية في الحياة. لكن وصف الطبيعة هو الموضوع الرئيس الذي غلب على شعره فكان أستاذ هذا الموضوع في الشعر العربي.
له ديوان شعر كبير مطبوع بتحقيق إحسان عباس، وتتمة جمعها الشيخ راغب الطباخ وطبعها باسم: الروضيات، وكذلك فعل لطفي الصقال ودرية الخطيب.
أحمد دهمان