صبري (أحمد ـ)
(1889ـ 1955م)
أحمد صبري، رسام ومصوّر عربي مصري من جيل الرواد الأوائل في التشكيل المصري المعاصر، وأحد مصوري الوجوه البارزين. ولد وتوفي في القاهرة. التحق بمدرسة الفنون الجميلة في القاهرة عام 1910، وتخرج فيها عام 1914، وكان أول دفعته. سافر إلى باريس على نفقته الخاصة سنة 1919، وعاد إلى مصر في أواخر عام 1921.
وفي عام 1923 عاد مرة أخرى إلى فرنسا في بعثة على نفقة وزارة الأشغال لدراسة فن الزخرفة التي امتدت حتى العام 1925، ثم تابع بعثته على حساب وزارة المعارف العمومية. نالت لوحاته الوسام الذهبي في معرض الفنون بـ (نانت) عام 1926، ونال الجائزة نفسها في معرض 1927. وفي عام 1929نالت لوحته (الراهبة) جائزة الشرف في صالون باريس، حيث رفض بيعها في فرنسا وعاد بها إلى مصر ليُعيَّن مدرساً في مدرسة الفنون الجميلة فور عودته.
أسس عام 1942 قسماً للدراسة الحرة في مدرسة الفنون الجميلة ورأَسه. وفي عام 1946 تولى رئاسة القسم النظامي فيها إلى جانب القسم الحر. وفي عام 1949 أُحيل على المعاش، ثم مُدِّد له إلى نهاية عام 1951. وفي الخامس من آذار عام 1955 أصيب بالشلل نتيجة جلطة دماغية فتوفي في العام ذاته.
عاش الفنان أحمد صبري حياة قلقة في بيت جده وأعمامه في أحياء القاهرة القديمة، إذ فقد أمه وهو في الثانية من عمره، وأباه وهو في الثامنة، وقد انعكست هذه الحياة في أعماله التي شابتها مسحة من الحزن، دفعت حياته إلى نوع من العزلة والانطواء لازماه إلى ما قبل تعرفه النحات الرائد محمود مختار في باريس عام 1919، إبان إنجاز هذا الأخير تمثاله الشهير «نهضة مصر»، وبسبب هذا التعارف، تمكن مختار من إشاعة الأمل و الثقة في نفس الفنان صبري، مما جعله يتطلع إلى المستقبل و يسعى إليه، بروح جديدة طافحة بالآمال العراض، ليس له فحسب، وإنما للفن والفنان في مصر. ومما كرّس هذه الثقة في نفسه، الحفاوة التي أبداها الزعيم المصري سعد زغلول للنحات محمود مختار ولإنجازه المهم نهضة مصر، والتي واكبتها حفاوة مماثلة من قبل الفنانين و النقاد العالميين الذين كانوا في الساحة الباريسية آنذاك. وقد كان لهذه الحفاوة المتميزة أثر كبير في نفس الفنان صبري، إذ سرعان ما طرد اليأس من نفسه، واندفع في الدراسة والإنتاج. غير أن عودته إلى مصر، والواقع غير المرضي الذي كان يعيشه الفن والفنان فيها آنذاك، مقارنة بباريس، أعادوا إلى نفسه حالة الإحباط واليأس، ولاسيما بعد أن عُين رساماً للحشرات بوزارة الزراعة عام 1923.
وفي القاهرة، ارتبط الفنان صبري بصداقة مع الأديب الكبير عباس محمود العقاد الذي رأى في إنتاجه «الأثر الصالح الباقي في فن التصوير المصري»، وخففت هذه الصداقة من يأسه وقنوطه، ودفعته إلى التأقلم مع واقعه موظفاً في وزارة الزراعة في النهار، ورساماً حراً في محترفه مساءً، وذلك قبل أن يعاود دراسة الفن في باريس، ومن ثم العمل مدرساً أكاديمياً للفن في مدرسة الفنون الجميلة بالقاهرة.
عاصر الفنان صبري في أثناء وجوده في باريس مرحلة التمرد التي أفرزت بعض الاتجاهات والمدارس الفنية الحديثة التي وقف منها موقفاً سلبياً، فقد أكد أنه كان يتأملها بعمق وحذر، لكنه لم يقتنع بها، ولم يتبناها أو يشتغل عليها، بل رأى فيها هروباً من البحث وراء القيم الحقيقية العميقة في الفن.
تناول الفنان أحمد صبري في أعماله معظم الموضوعات السائدة في التصوير من طبيعة وطبيعة صامتة وعمارة قديمة ووجوه، وهذه الأخيرة برع فيها؛ إذ عالجها بحرفية فنية بالغة الدقة، ومنها لوحته الشهيرة التي نفذها في باريس «الراهبة» و«وجْه الأديب توفيق الحكيم» ووجه ابنته «عزّة» ووجْه «ويصا واصف» و«عم سرور». ومن لوحاته المهمة «استرخاء ذات الرداء الأزرق» ووجْه زوجته الفرنسية، ثم وجْه زوجته المصرية. ففي هاتين اللوحتين تمكن الفنان من الغوص في دواخل الشخصيتين اللتين كان شديد الالتصاق بهما، وتالياً أظهر هذه الدواخل بكل تلاوينها، في جغرافية الوجه، عبر لمسة ريشة بارعة، رهيفة الألوان، حساسة وخبيرة إلى حد يشعر معها المتلقي أن حواس الفنان وعواطفه اختزلت وتكثفت وتجمّعت في أطراف ريشته، لتنسكب فوق قماش اللوحة، حاملةً إحساساً رفيعاً بالمادة المرسومة. ومع أن غالبية هذه الأعمال كان ينفذها داخل محترفه، إلا أنه كان يتعمد إغراقها بالضوء النقي الساطع، مبتعداً قدر الإمكان، عن الظلال القاتمة الكئيبة الكامدة التي تحملها غالبية اللوحات الأوربية، مما يؤكد تفاعل الفنان أحمد صبري مع بيئته المصرية المشبعة بالضوء والإشراق والدفء. وفي الوقت نفسه، فإن ألوانه الساطعة الرافلة بالضوء والحياة التي حملتها غالبية لوحاته الفنية، جاءت تعبيراً صادقاً عن صراحته الشديدة التي كوَّنت خصوصية بارزة من خصائص شخصيته الهائمة بالنور والألوان وحب وطنه وناسه.
محمود شاهين
(1889ـ 1955م)
أحمد صبري، رسام ومصوّر عربي مصري من جيل الرواد الأوائل في التشكيل المصري المعاصر، وأحد مصوري الوجوه البارزين. ولد وتوفي في القاهرة. التحق بمدرسة الفنون الجميلة في القاهرة عام 1910، وتخرج فيها عام 1914، وكان أول دفعته. سافر إلى باريس على نفقته الخاصة سنة 1919، وعاد إلى مصر في أواخر عام 1921.
وفي عام 1923 عاد مرة أخرى إلى فرنسا في بعثة على نفقة وزارة الأشغال لدراسة فن الزخرفة التي امتدت حتى العام 1925، ثم تابع بعثته على حساب وزارة المعارف العمومية. نالت لوحاته الوسام الذهبي في معرض الفنون بـ (نانت) عام 1926، ونال الجائزة نفسها في معرض 1927. وفي عام 1929نالت لوحته (الراهبة) جائزة الشرف في صالون باريس، حيث رفض بيعها في فرنسا وعاد بها إلى مصر ليُعيَّن مدرساً في مدرسة الفنون الجميلة فور عودته.
أسس عام 1942 قسماً للدراسة الحرة في مدرسة الفنون الجميلة ورأَسه. وفي عام 1946 تولى رئاسة القسم النظامي فيها إلى جانب القسم الحر. وفي عام 1949 أُحيل على المعاش، ثم مُدِّد له إلى نهاية عام 1951. وفي الخامس من آذار عام 1955 أصيب بالشلل نتيجة جلطة دماغية فتوفي في العام ذاته.
عاش الفنان أحمد صبري حياة قلقة في بيت جده وأعمامه في أحياء القاهرة القديمة، إذ فقد أمه وهو في الثانية من عمره، وأباه وهو في الثامنة، وقد انعكست هذه الحياة في أعماله التي شابتها مسحة من الحزن، دفعت حياته إلى نوع من العزلة والانطواء لازماه إلى ما قبل تعرفه النحات الرائد محمود مختار في باريس عام 1919، إبان إنجاز هذا الأخير تمثاله الشهير «نهضة مصر»، وبسبب هذا التعارف، تمكن مختار من إشاعة الأمل و الثقة في نفس الفنان صبري، مما جعله يتطلع إلى المستقبل و يسعى إليه، بروح جديدة طافحة بالآمال العراض، ليس له فحسب، وإنما للفن والفنان في مصر. ومما كرّس هذه الثقة في نفسه، الحفاوة التي أبداها الزعيم المصري سعد زغلول للنحات محمود مختار ولإنجازه المهم نهضة مصر، والتي واكبتها حفاوة مماثلة من قبل الفنانين و النقاد العالميين الذين كانوا في الساحة الباريسية آنذاك. وقد كان لهذه الحفاوة المتميزة أثر كبير في نفس الفنان صبري، إذ سرعان ما طرد اليأس من نفسه، واندفع في الدراسة والإنتاج. غير أن عودته إلى مصر، والواقع غير المرضي الذي كان يعيشه الفن والفنان فيها آنذاك، مقارنة بباريس، أعادوا إلى نفسه حالة الإحباط واليأس، ولاسيما بعد أن عُين رساماً للحشرات بوزارة الزراعة عام 1923.
وفي القاهرة، ارتبط الفنان صبري بصداقة مع الأديب الكبير عباس محمود العقاد الذي رأى في إنتاجه «الأثر الصالح الباقي في فن التصوير المصري»، وخففت هذه الصداقة من يأسه وقنوطه، ودفعته إلى التأقلم مع واقعه موظفاً في وزارة الزراعة في النهار، ورساماً حراً في محترفه مساءً، وذلك قبل أن يعاود دراسة الفن في باريس، ومن ثم العمل مدرساً أكاديمياً للفن في مدرسة الفنون الجميلة بالقاهرة.
عاصر الفنان صبري في أثناء وجوده في باريس مرحلة التمرد التي أفرزت بعض الاتجاهات والمدارس الفنية الحديثة التي وقف منها موقفاً سلبياً، فقد أكد أنه كان يتأملها بعمق وحذر، لكنه لم يقتنع بها، ولم يتبناها أو يشتغل عليها، بل رأى فيها هروباً من البحث وراء القيم الحقيقية العميقة في الفن.
تناول الفنان أحمد صبري في أعماله معظم الموضوعات السائدة في التصوير من طبيعة وطبيعة صامتة وعمارة قديمة ووجوه، وهذه الأخيرة برع فيها؛ إذ عالجها بحرفية فنية بالغة الدقة، ومنها لوحته الشهيرة التي نفذها في باريس «الراهبة» و«وجْه الأديب توفيق الحكيم» ووجه ابنته «عزّة» ووجْه «ويصا واصف» و«عم سرور». ومن لوحاته المهمة «استرخاء ذات الرداء الأزرق» ووجْه زوجته الفرنسية، ثم وجْه زوجته المصرية. ففي هاتين اللوحتين تمكن الفنان من الغوص في دواخل الشخصيتين اللتين كان شديد الالتصاق بهما، وتالياً أظهر هذه الدواخل بكل تلاوينها، في جغرافية الوجه، عبر لمسة ريشة بارعة، رهيفة الألوان، حساسة وخبيرة إلى حد يشعر معها المتلقي أن حواس الفنان وعواطفه اختزلت وتكثفت وتجمّعت في أطراف ريشته، لتنسكب فوق قماش اللوحة، حاملةً إحساساً رفيعاً بالمادة المرسومة. ومع أن غالبية هذه الأعمال كان ينفذها داخل محترفه، إلا أنه كان يتعمد إغراقها بالضوء النقي الساطع، مبتعداً قدر الإمكان، عن الظلال القاتمة الكئيبة الكامدة التي تحملها غالبية اللوحات الأوربية، مما يؤكد تفاعل الفنان أحمد صبري مع بيئته المصرية المشبعة بالضوء والإشراق والدفء. وفي الوقت نفسه، فإن ألوانه الساطعة الرافلة بالضوء والحياة التي حملتها غالبية لوحاته الفنية، جاءت تعبيراً صادقاً عن صراحته الشديدة التي كوَّنت خصوصية بارزة من خصائص شخصيته الهائمة بالنور والألوان وحب وطنه وناسه.
محمود شاهين