اللاشكلي يلقى إقبالاً كثيراً لدى المصورين. فالباروك في مجموعه وفي مبادئه ، يشهد بالعودة إلى الطبيعة . أو على الأقل ، برغبة شديدة في الاقتداء بها ، عندما تتكاثر بدون أي انتظام. وإذن فالباروك يتعارض مع كل ماهو عقلاني ، وكل ماهو بناء ، وكل ماهو منتظم في عالم اليوم .
وإذا كانت الاتجاهات البنائية تنحسر وتتراجع في النحت كما في التصوير ، فهي لم تتلاشى تماماً ، بل إن إمكانيات جديدة كل الجدة في المذهب البنائي قد جرى اكتشافها على يد شوفر وهو أكثر من جميع سابقيه اهتماماً بأن تكون أعماله قريبة من أعمال المهندسين ولذلك لا يقتصر على استعمال مواد كالفولاذ والدور ألومينيوم والشبه والنحاس المصقول واللدائن . بل يحرص ، بالاضافة إلى ذلك ، على استعمال آخر ما أنتجته فتوحات العلم . وبالفعل إذا كان شوفر قد بدأ حوالى عام ۱۹۵۰ بتجميع القضبان والصفائح بحيث يشكل بها هياكل هندسية تسيطر عليها الزوايا القائمة ( كما الأمر عند مندریان ) ، فسرعان ماقاده حب الديناميكية الفضائية إلى إدخال الحركة في أعماله . ونقصد هنا الحركة الحقيقية ، لا تلك الموحى بها ... وفي عام ١٩٥٦ ، بنى بمعونة أحد المهندسين أول منحوتاته المتحركة ، وهي تتحرك بأوامر واشراف دماغ الكتروني ، وهي في تحركها ، تظهر العناصر التي تتكون منها تحت زاوية متغيرة دائماً . مما يجعل هذه العناصر تفقد فوراً قسماً من انتظامها وصلابتها .
إلا أن شوفر اكتشف بأن في تركيباته قوة تعبيرية أكثر غرابة وذلك عندما يسلط عليها الضوء فتحدث ظلالا متحركة . ولم يلبث أن توصل إلى جعل الظلال تتلون وإذا بآلاته المنظمة تنظيماً دقيقاً تنتج مشاهد لا تعدو أن تكون تحولات مرنة ، سيالة ، لاتلمس ، بل هي خيالية . هذا ومضى شوفر في تحرياته وأبحاثه في مجال ديناميكية الضوء ، وصنع عام ١٩٦٠ جهازاً سماه ( لومينسكوب ) يعرض بواسطته على شاشة كبيرة من البلكسيجلاس أشكالاً ضوئية لها تحولات غير متوقعة إطلاقاً . فتارة يشعر الناظر أنه يشهد مولد الدنيا المبهر ، وطوراً يظن أنه يرى كوارث كونية هائلة ، من مدن تنهار في حرائق جبارة ومن أعاصير تلسع البحر أو تمزق الغيوم . وبالاختصار ، فإن هذا الفن الذي يدخل فيه كل هذه البحوث العلمية ، يؤول أمره إلى أن يضعنا أمام حوادث حياتية غير عقلانية . فإذا بنا نجد الأمر غير المنتظر في عمل فني يسيطر عليه الحساب الدقيق جداً .
وإذا كانت هذه التركيبات المعقدة التي تضيف إليها الموسيقى بعداً إضافياً ، ولا يعقل تصورها إلا في التطور الصناعي في القرن العشرين . فإن منحوتات لار ديرا Lardera » و «جاكوبسن Jacobsen معدنية تنتمي إلى دنيا الحرفيين. وهي بعد منحوتات ساكنة ، بمعنى أن ايقاعاتها مرتبطة بأشكال لاحراك فيها . ولا رديرا مثله مثل كالدر يستعمل صفائح من المعدن ، يقصها ويثقبها بدقة . ويدخلها في الفضاء مثل شفرات الدولاب أو نصلات السكاكين . وترتيب العمل الفني واضح فالشاقولي يتعارض مع الأفقي ويتعارض المنحني مع المستقيم ، والسطح مع التجويف ، ويتعارض الطرف الواضح مع الطرف المسنن ... وواقع الأمر أننا الآن في مجال التجريد الهندسي . الا أن الدقة ليست خشنة في أعمال لارديرا ، فهي تتلائم الخفة والأناقة .
وفي حين كانت منحوتات لارديرا تتطور بصورة عامة في إتجاه الارتفاع وإتجاه العرض بحيث أصبح كل منها يبدي للناظر مشهدين ممتازين ، كانت منحوتات جاكوبسن دائبة على الايحاء للناظر بوجود البعد الثالث . وان السوق والحواجز الرقيقة يلف حول الفراغ رسم ويعانقه ويعطيه هيئة معبرة. وبالاضافة إلى هذه الأعمال الجرداء بل يصنع لنا جاكوبسن أعمالاً أخرى يسميها الدمى وهي عبارة عن تماثيل صغيرة مصنوعة من عناصر متنوعة ، يضفي عليها بروحه المرحة الماهرة جاذبية كبيرة .
ولاشك في أنه يتذكر منحوتة ( رأس الثور ) التي صنعها بيكاسو عام ١٩٤٣ بأن جمع بين مقود الدراجة ، ومقعدها . ومهما يكن من أمر فإن جاكوبسن نفسه لا يحجم قط عن صنع حمار أذناه مشكلتان من ملعقة وشوكة طعام. كما أنه لا يحجم عن استعمال سلسلة صغيرة لكي تمثل شعر انسان. وعن استعمال قطعتين حديديتين مثقوبتين ، ليجعلهما تمثلان العينين. ومن المدهش حقاً ، إن هذا التماثيل الصغيرة لاتثير اهتمامنا فحسب ، وليست مجرد دمى مسلية ، بل أن فيها فوق ذلك ، الرصانة وشيء من الشيطانية مما نلمسه في بعض التماثيل الزنجية . وقد نجح جاكوبسن مؤخراً في تقريب الفارق بين هذه التماثيل الصغيرة وبين المنحوتات الهندسية ، فأصبحت مؤلفاته التجريدية الأخيرة أكثر تعقيداً من ذي قبل ، ولا يخلو ترتيبها من الفكاهة . وفي الوقت نفسه خلق الفنان رسوماً بارزة ذات وجوه تذكرنا بالدمى التي صنعها هو نفسه ، كما تذكرنا بصور الرجال المتخابثين والمثيرين للعطف والذين أبدعهم بول كلي . Paul Klee
وإذا كان جاكوبسن يستعمل الحديد بعض المرات ، فإن الحديد هو المادة الأساسية عند ( روبرت موللر Robert Muller ) وهو يستعمله لكي يجمع بين الأشكال الكبيرة نوعاً ما والتي يكون بعضها حادا كالمناجل أو كسكة المحراث ؟ ، وتكون بعضها مستديرة أو جوفاء كالقساطل ، والخوذ ، أو رفاريف السيارات . وان أعماله الفنية . مجمعات سميكة إن لم نقل أنها كثيفة . وهذه الأعمال المعدنية ترنو غالباً ، إلى أن تزحف على الأرض أو تثقل عليها ، بدلاً من أن تنطلق نحو السماء . وبكل حال تنبعث منها أحاسيس تجعلنا ننسى المعدن بعض النسيان . ولبعض الأحجام شيء يشبه اللحم الانساني، شيء فيه شهوة ، بينما أن البعض الآخر يذكرنا بدروع الحشرات وبأغمدة أجنحتها .
وعندما نرنو بأبصارنا صوب مواطنه جياكوميتي ، نقف على باب عالم آخر . فمنذ عام ١٩٣٥ عاد جياكوميني إلى الكائن البشري وأخذ يصنع رؤوساً ، ريثما يعود ليصنع أجساماً . والأجسام التي عرضها عام ١٩٤٦ أصبحت رقيقة متطاولة حتى لم تعد أكثر من هيكل من خطوط . ثم أن الفراغ لا يحيط بها من كل جانب فحسب بل يضغطها ، بل يمكن أن نقول أنه يتأكلها كالصدأ ، مما نرى من حبب على سطوحها ، والمهم ليس الحجم ، وإنما خيال التمثال ، هو هذه السوق الطويلة طولاً مبالغاً فيه ، والمنتصبة خطوطاً شاقولية ، لتمثل الساقين في وضع جندي متهيء ، أو لتمثل هذه الأذرع المشدودة إلى الجذع المنبطح الهزيل ، والمهم أيضاً في هذا الفن هو الاشارات وهي المشي السريع السائر إلى ملاقاة مغامرة مخيبة . وجماع القول أن هذه الانسانية الضعيفة فيها شيء من العبث ومن الاثارة العاطفية ، وإنها لتبدو وكأنها واقفة على الدوام عند حافة العدم. وعندما مثل جياكوميتي أشخاصاً مستوحياً أخاه دييغو وأمرأته آنيت جاءت الوجوه ومعذبة أحياناً ... وبصورة عامة ، فإن التعبير بمعناه العادي الدارج ، هو أمر عظيم الأهمية بنظر هذا الفنان ، بل هو أعظم أهمية من تحري الأشكال الجديدة ذات قيمة بحد ذاتها. ومعنى هذا أنه لا ينبذ تعبير سابقيه فحسب، بل هو ينبذ أيضاً روح فنهم ، ولم يعد يستهدف الهروب من الواقعية ، وإنما إلى إعطاء الواقعية مظاهر لا يحددها العالم الخارجي ، وإنما تعبر عن احساسه بالحياة .
وإذا كانت الاتجاهات البنائية تنحسر وتتراجع في النحت كما في التصوير ، فهي لم تتلاشى تماماً ، بل إن إمكانيات جديدة كل الجدة في المذهب البنائي قد جرى اكتشافها على يد شوفر وهو أكثر من جميع سابقيه اهتماماً بأن تكون أعماله قريبة من أعمال المهندسين ولذلك لا يقتصر على استعمال مواد كالفولاذ والدور ألومينيوم والشبه والنحاس المصقول واللدائن . بل يحرص ، بالاضافة إلى ذلك ، على استعمال آخر ما أنتجته فتوحات العلم . وبالفعل إذا كان شوفر قد بدأ حوالى عام ۱۹۵۰ بتجميع القضبان والصفائح بحيث يشكل بها هياكل هندسية تسيطر عليها الزوايا القائمة ( كما الأمر عند مندریان ) ، فسرعان ماقاده حب الديناميكية الفضائية إلى إدخال الحركة في أعماله . ونقصد هنا الحركة الحقيقية ، لا تلك الموحى بها ... وفي عام ١٩٥٦ ، بنى بمعونة أحد المهندسين أول منحوتاته المتحركة ، وهي تتحرك بأوامر واشراف دماغ الكتروني ، وهي في تحركها ، تظهر العناصر التي تتكون منها تحت زاوية متغيرة دائماً . مما يجعل هذه العناصر تفقد فوراً قسماً من انتظامها وصلابتها .
إلا أن شوفر اكتشف بأن في تركيباته قوة تعبيرية أكثر غرابة وذلك عندما يسلط عليها الضوء فتحدث ظلالا متحركة . ولم يلبث أن توصل إلى جعل الظلال تتلون وإذا بآلاته المنظمة تنظيماً دقيقاً تنتج مشاهد لا تعدو أن تكون تحولات مرنة ، سيالة ، لاتلمس ، بل هي خيالية . هذا ومضى شوفر في تحرياته وأبحاثه في مجال ديناميكية الضوء ، وصنع عام ١٩٦٠ جهازاً سماه ( لومينسكوب ) يعرض بواسطته على شاشة كبيرة من البلكسيجلاس أشكالاً ضوئية لها تحولات غير متوقعة إطلاقاً . فتارة يشعر الناظر أنه يشهد مولد الدنيا المبهر ، وطوراً يظن أنه يرى كوارث كونية هائلة ، من مدن تنهار في حرائق جبارة ومن أعاصير تلسع البحر أو تمزق الغيوم . وبالاختصار ، فإن هذا الفن الذي يدخل فيه كل هذه البحوث العلمية ، يؤول أمره إلى أن يضعنا أمام حوادث حياتية غير عقلانية . فإذا بنا نجد الأمر غير المنتظر في عمل فني يسيطر عليه الحساب الدقيق جداً .
وإذا كانت هذه التركيبات المعقدة التي تضيف إليها الموسيقى بعداً إضافياً ، ولا يعقل تصورها إلا في التطور الصناعي في القرن العشرين . فإن منحوتات لار ديرا Lardera » و «جاكوبسن Jacobsen معدنية تنتمي إلى دنيا الحرفيين. وهي بعد منحوتات ساكنة ، بمعنى أن ايقاعاتها مرتبطة بأشكال لاحراك فيها . ولا رديرا مثله مثل كالدر يستعمل صفائح من المعدن ، يقصها ويثقبها بدقة . ويدخلها في الفضاء مثل شفرات الدولاب أو نصلات السكاكين . وترتيب العمل الفني واضح فالشاقولي يتعارض مع الأفقي ويتعارض المنحني مع المستقيم ، والسطح مع التجويف ، ويتعارض الطرف الواضح مع الطرف المسنن ... وواقع الأمر أننا الآن في مجال التجريد الهندسي . الا أن الدقة ليست خشنة في أعمال لارديرا ، فهي تتلائم الخفة والأناقة .
وفي حين كانت منحوتات لارديرا تتطور بصورة عامة في إتجاه الارتفاع وإتجاه العرض بحيث أصبح كل منها يبدي للناظر مشهدين ممتازين ، كانت منحوتات جاكوبسن دائبة على الايحاء للناظر بوجود البعد الثالث . وان السوق والحواجز الرقيقة يلف حول الفراغ رسم ويعانقه ويعطيه هيئة معبرة. وبالاضافة إلى هذه الأعمال الجرداء بل يصنع لنا جاكوبسن أعمالاً أخرى يسميها الدمى وهي عبارة عن تماثيل صغيرة مصنوعة من عناصر متنوعة ، يضفي عليها بروحه المرحة الماهرة جاذبية كبيرة .
ولاشك في أنه يتذكر منحوتة ( رأس الثور ) التي صنعها بيكاسو عام ١٩٤٣ بأن جمع بين مقود الدراجة ، ومقعدها . ومهما يكن من أمر فإن جاكوبسن نفسه لا يحجم قط عن صنع حمار أذناه مشكلتان من ملعقة وشوكة طعام. كما أنه لا يحجم عن استعمال سلسلة صغيرة لكي تمثل شعر انسان. وعن استعمال قطعتين حديديتين مثقوبتين ، ليجعلهما تمثلان العينين. ومن المدهش حقاً ، إن هذا التماثيل الصغيرة لاتثير اهتمامنا فحسب ، وليست مجرد دمى مسلية ، بل أن فيها فوق ذلك ، الرصانة وشيء من الشيطانية مما نلمسه في بعض التماثيل الزنجية . وقد نجح جاكوبسن مؤخراً في تقريب الفارق بين هذه التماثيل الصغيرة وبين المنحوتات الهندسية ، فأصبحت مؤلفاته التجريدية الأخيرة أكثر تعقيداً من ذي قبل ، ولا يخلو ترتيبها من الفكاهة . وفي الوقت نفسه خلق الفنان رسوماً بارزة ذات وجوه تذكرنا بالدمى التي صنعها هو نفسه ، كما تذكرنا بصور الرجال المتخابثين والمثيرين للعطف والذين أبدعهم بول كلي . Paul Klee
وإذا كان جاكوبسن يستعمل الحديد بعض المرات ، فإن الحديد هو المادة الأساسية عند ( روبرت موللر Robert Muller ) وهو يستعمله لكي يجمع بين الأشكال الكبيرة نوعاً ما والتي يكون بعضها حادا كالمناجل أو كسكة المحراث ؟ ، وتكون بعضها مستديرة أو جوفاء كالقساطل ، والخوذ ، أو رفاريف السيارات . وان أعماله الفنية . مجمعات سميكة إن لم نقل أنها كثيفة . وهذه الأعمال المعدنية ترنو غالباً ، إلى أن تزحف على الأرض أو تثقل عليها ، بدلاً من أن تنطلق نحو السماء . وبكل حال تنبعث منها أحاسيس تجعلنا ننسى المعدن بعض النسيان . ولبعض الأحجام شيء يشبه اللحم الانساني، شيء فيه شهوة ، بينما أن البعض الآخر يذكرنا بدروع الحشرات وبأغمدة أجنحتها .
وعندما نرنو بأبصارنا صوب مواطنه جياكوميتي ، نقف على باب عالم آخر . فمنذ عام ١٩٣٥ عاد جياكوميني إلى الكائن البشري وأخذ يصنع رؤوساً ، ريثما يعود ليصنع أجساماً . والأجسام التي عرضها عام ١٩٤٦ أصبحت رقيقة متطاولة حتى لم تعد أكثر من هيكل من خطوط . ثم أن الفراغ لا يحيط بها من كل جانب فحسب بل يضغطها ، بل يمكن أن نقول أنه يتأكلها كالصدأ ، مما نرى من حبب على سطوحها ، والمهم ليس الحجم ، وإنما خيال التمثال ، هو هذه السوق الطويلة طولاً مبالغاً فيه ، والمنتصبة خطوطاً شاقولية ، لتمثل الساقين في وضع جندي متهيء ، أو لتمثل هذه الأذرع المشدودة إلى الجذع المنبطح الهزيل ، والمهم أيضاً في هذا الفن هو الاشارات وهي المشي السريع السائر إلى ملاقاة مغامرة مخيبة . وجماع القول أن هذه الانسانية الضعيفة فيها شيء من العبث ومن الاثارة العاطفية ، وإنها لتبدو وكأنها واقفة على الدوام عند حافة العدم. وعندما مثل جياكوميتي أشخاصاً مستوحياً أخاه دييغو وأمرأته آنيت جاءت الوجوه ومعذبة أحياناً ... وبصورة عامة ، فإن التعبير بمعناه العادي الدارج ، هو أمر عظيم الأهمية بنظر هذا الفنان ، بل هو أعظم أهمية من تحري الأشكال الجديدة ذات قيمة بحد ذاتها. ومعنى هذا أنه لا ينبذ تعبير سابقيه فحسب، بل هو ينبذ أيضاً روح فنهم ، ولم يعد يستهدف الهروب من الواقعية ، وإنما إلى إعطاء الواقعية مظاهر لا يحددها العالم الخارجي ، وإنما تعبر عن احساسه بالحياة .
تعليق