النحت
توفي غونزاليز عام ١٩٤٢ . ومايول عام ١٩٤٤ و دسبيو عام ١٩٤٦. بينما عاش برانكوزى حتى عام ١٩٥٧ إلا أن نشاطه الخلاق انتهى أثناء الحرب . ثم ان المنحوتات الأكثر كثافة وقوة في التعبير التي نفذها لم تتعد كونها اعادة أعمال بمواد جديدة كان قد أتمها قبل سنوات . أمثلة ذلك أنه كان قد نحت في الخشب تمثال « الديك ، عام ١٩٢٤ . التمثال نفسه من البرونز ١٩٤١ . كما كان قد نحت ( المعجزة) عام ١٩٣٦ من المرمر الصافي وفي عام ١٩٤٣ صنع نسخة منها بالمرمر الرمادي وسماها ( الفقمة ) .
أما النحاتون الآخرون ممن توقفنا عندهم فقد ثابروا على انتاج أعمال جديدة . فهل تركت الحرب آثارها على بعض هذه الأعمال ؟ ان لبشتتز كان قد لجأ عام ١٩٤١ إلى الولايات المتحدة ، وأقام فيها . ولم يعد إلى أوروبا إلا في رحلات نادرة. وقد صنع عام ١٩٤٢ منحوتته اسمها « تيزيه يقتل المينوتور ( وبعد سنة واحدة عاد إلى نحت تمثال ) بروميتيه يصرع العقاب » . ولعلنا على صواب إذا رأينا في هذا الاختيار للمواضيع ، وفي طريقة معالجتها باسلوب مأساوي لاهث للكفاح ضد الوحش النازي. ومن جهة ثانية نجد أن انكسار فرنسا ونزوح الناس أوحت بصورة مباشرة للورنز منحوتته ( الوداع )، ١٩٤١ فترى امرأة عارية ، جالسة القرفصاء بثقل منهارة من الألم . إلا أن مثل هذا العمل يعد من باب الاستثناء . سواء عند لورنز بالذات أم لدى مجمل النحت المعاصر . بعد الحرب شيدت نصب لتمجيد الموتى والشهداء والمنفيين ، ولكن إذا كان بعضها قد عهد بتنفيذ ه إلى فنانين كزادكين وآدام ، وجيلولي ولوبو ، فإن أكثرها يمت إلى التفخيم الأكاديمي ولا مقام مطلقاً له في تاريخ الفن . أما على صعيد الاسلوب ، فنرى لبشيتز يتقدم في الاتجاه الذي سلكه منذ عام ١٩٣٤ . وبتماديه أكثر فأكثر في الفن الباروكي ، أخذ يحفر الكتل حفراً ، ويباعد بين أجزائها ، ويفرغها ، ويلويها ويلصق فوق صفحاتها المقطعة نوراً يتوهج بقلق أمام ظلال كظلال الكهوف والمغاور .
إلى جانب هذا النوع من الفن الباروكي الذي يتفجر من أعماق الغريزة ، يبدو الفن الباروكي لدى زادكين ذا تصنع وتكلف غالباً . أفيكون مرد ذلك إلى أن هذا المثال يعلق أهمية اكثر على الموضوع ؟ أم أنه يريد أن يدخل كثيراً جداً من الأفكار في أعماله الفنية ؟ على كل حال ، قد يحدث في أحيان كثيرة أن العناصر المختلفة التي يدخلها في عمله ، تتراصف أكثر مما تترابط وبعضها مازال يحمل طابع التكعيبية . وهكذا الأمر بالتركيب الفني بأن يكون فخماً زائفاً أكثر منه تعبيرياً.
أما لورنز فلم يغر قط بالتفخيم الزائف ، ولذلك نرى أن المأساة تجد التعبير عنها في منحوتته ( الوداع ) لابوجه متشنج وجسم متلو ، وذراعين تكثران من الحركات ، بل يأتي التعبير عن المأساة بواسطة مجموعة من الأحجام المتينة القوية تتهاوى . ومهما كان اهتمام الفنان بموضوعه كبيراً ، فهو لا ينسى ، ولو لحظة واحدة ، أن وراء التكامل الثابت في فن النحت. وهو تكامل مماثل للتكامل الذي تخلقه الطبيعة عندما تودع بسخاء الطعم والطاقة في الأشياء . . . . وبما أننا ذكرنا الطبيعة ، نقول ان هذا الفنان يدنو منها ، في بعض النواحي ، فالأجسام العارية التي يصنعها لا تكتفي بأن تضع أمام أعيننا أشكالاً قوية ، بل تجعلنا أيضاً نحس باللحم البشري. أما في غير ذلك ، فلا نزال نجد أمامنا مخلوقات وهمية ، خرافية . ولسنا لنعجب إذا كانت إحدى أفضل منحوتاته وأروعها تمثل » عروس البحر ( ١٩٤٥ ) وهي مخلوق اسطوري خرافي من جميع النواحي ، يبدو جسمها اللين ، القوي ، الشديد ، وكأن مياه البحر تتساقط منه . ونفس هذه المنحنيات التي ترسم جوانب هذا الجسد نراها مسيطرة أيضاً على جميع الأعمال الفنية في الفترة الأخيرة . ومع ذلك لانرى في الأجسام أيه رخاوة ولا أي تورم . وإذا كانت الأشكال تبدو منتفخة يخيل إلينا أن ذلك ناتج عن اندفاعة داخلية قوية . والواقع أنها وليدة شهوانية لورنز المليئة بالرجولة . وهي تتجاوب استذاقته للقوة الحساسة ويزيد في متانة القطعة بمجملها تأثير التضاد الذي يبنى عليه تركيب العمل الفني وترتيبه .
هذا التضاد أقل وجوداً عند آرب الذي لايزال كما كان قبل الحرب، يعبر عما يريد بواسطة أشكال أكثر انسياباً وأقل دقة هندسية. فهل تراه يأتي بشيء جديد بالنسبة لانتاجه السابق ؟
انه لم يغير اسلوبه ولكنه زاد من تنويع أعماله الفنية وأخذ يدعم الاحساس بأنها تجسد تطوراً أو نمواً عضوياً ، فتلوي الغصن أو الأفعى و انعطاف خصر بدين ، وانحناءات الكتف ، والانتفاخ اللطيف في الخد أو الذراع .... ذلكم هو ما يحب أن يبرزه لنا ، من بين مزايا الحياة. في التكوين الحلو والنطاق المنشي بمنحوتاته من المرمر أو البرونز . ثم ، يبين لنا في هذه المنحوتات أضواء فكر صاف وأضواء أحلام دافئة ، وقلما نراه يقابل هذه الأضواء بالظلال التي توحي لنا بأشباح الليل آرب كما يسعى برانكوزي إلى تبني صيغة موجزة قطعية بما فيها من تعرية قصوى وهو يؤثر على البيضة ذات الحجم المغلق بذرة الحياة بما في هذه البذرة من امكانات وتحولات مقبلة ... والواقع أن المرء يشعر في الأشكال التي يخلقها سلطان الانبات والقدرة على التعاظم والتقلص وتسري فيها حركة متماوجة . قد تبدو ذات نزوات في حين أنها خاضعة ، كما يبدو ، وبصورة دائمة لاندفاعات منطلقة يسعى من صميم قلب الحياة غير الواعية .
أما غابو وبفستر فيرجعاننا على عكس سابقيهما إلى الحضارة التقنية . وقد ظلت المبادئ الأساسية في فنهما كما كانت قبل عام ١٩٤٠ إلا أن تأليفهما أصبح أكثر تعقيداً وأكبر أبعاداً . وقد يحدث أحياناً أن يدعيا إلى ابداع منحوتات ضخمة كبيرة الحجم يراد أن تضم إلى منشآت هندسية كبيرة . . . ومن أمثلة ذلك أن ( العمود المعبر عن النصر ) الذي صنعه بفستر عام ۱۹٥٥ ، قد أقيم أمام مصانع شركة جنرال موتورز في مدينة ديترويت . كما أن إحدى منحوتات غابو ( ١٩٥٤-١٩٥٧ ) ، أقيمت أمام مخزن بينكورف في روتردام. ومن جهة ثانية ، فإن بفستر يستمر بينما يظل الآخر وفياً للمواد الخفيفة الشفافة بيد أنهما كليهما يجعلان النور يتألق بانعكاسات غنية ، وناعمة أكثر فأكثر .
أما كالدر فيتابع ، من جهته ، صنع ( منحوتاته المتحركة Mobiles ) مجتهداً في زيادة مافيها من حساسية . فالقضبان تصبح وتشعباتها أكثر ، ومفاصلها ألين والصفائح الحديدية التي تحملها تلك .
توفي غونزاليز عام ١٩٤٢ . ومايول عام ١٩٤٤ و دسبيو عام ١٩٤٦. بينما عاش برانكوزى حتى عام ١٩٥٧ إلا أن نشاطه الخلاق انتهى أثناء الحرب . ثم ان المنحوتات الأكثر كثافة وقوة في التعبير التي نفذها لم تتعد كونها اعادة أعمال بمواد جديدة كان قد أتمها قبل سنوات . أمثلة ذلك أنه كان قد نحت في الخشب تمثال « الديك ، عام ١٩٢٤ . التمثال نفسه من البرونز ١٩٤١ . كما كان قد نحت ( المعجزة) عام ١٩٣٦ من المرمر الصافي وفي عام ١٩٤٣ صنع نسخة منها بالمرمر الرمادي وسماها ( الفقمة ) .
أما النحاتون الآخرون ممن توقفنا عندهم فقد ثابروا على انتاج أعمال جديدة . فهل تركت الحرب آثارها على بعض هذه الأعمال ؟ ان لبشتتز كان قد لجأ عام ١٩٤١ إلى الولايات المتحدة ، وأقام فيها . ولم يعد إلى أوروبا إلا في رحلات نادرة. وقد صنع عام ١٩٤٢ منحوتته اسمها « تيزيه يقتل المينوتور ( وبعد سنة واحدة عاد إلى نحت تمثال ) بروميتيه يصرع العقاب » . ولعلنا على صواب إذا رأينا في هذا الاختيار للمواضيع ، وفي طريقة معالجتها باسلوب مأساوي لاهث للكفاح ضد الوحش النازي. ومن جهة ثانية نجد أن انكسار فرنسا ونزوح الناس أوحت بصورة مباشرة للورنز منحوتته ( الوداع )، ١٩٤١ فترى امرأة عارية ، جالسة القرفصاء بثقل منهارة من الألم . إلا أن مثل هذا العمل يعد من باب الاستثناء . سواء عند لورنز بالذات أم لدى مجمل النحت المعاصر . بعد الحرب شيدت نصب لتمجيد الموتى والشهداء والمنفيين ، ولكن إذا كان بعضها قد عهد بتنفيذ ه إلى فنانين كزادكين وآدام ، وجيلولي ولوبو ، فإن أكثرها يمت إلى التفخيم الأكاديمي ولا مقام مطلقاً له في تاريخ الفن . أما على صعيد الاسلوب ، فنرى لبشيتز يتقدم في الاتجاه الذي سلكه منذ عام ١٩٣٤ . وبتماديه أكثر فأكثر في الفن الباروكي ، أخذ يحفر الكتل حفراً ، ويباعد بين أجزائها ، ويفرغها ، ويلويها ويلصق فوق صفحاتها المقطعة نوراً يتوهج بقلق أمام ظلال كظلال الكهوف والمغاور .
إلى جانب هذا النوع من الفن الباروكي الذي يتفجر من أعماق الغريزة ، يبدو الفن الباروكي لدى زادكين ذا تصنع وتكلف غالباً . أفيكون مرد ذلك إلى أن هذا المثال يعلق أهمية اكثر على الموضوع ؟ أم أنه يريد أن يدخل كثيراً جداً من الأفكار في أعماله الفنية ؟ على كل حال ، قد يحدث في أحيان كثيرة أن العناصر المختلفة التي يدخلها في عمله ، تتراصف أكثر مما تترابط وبعضها مازال يحمل طابع التكعيبية . وهكذا الأمر بالتركيب الفني بأن يكون فخماً زائفاً أكثر منه تعبيرياً.
أما لورنز فلم يغر قط بالتفخيم الزائف ، ولذلك نرى أن المأساة تجد التعبير عنها في منحوتته ( الوداع ) لابوجه متشنج وجسم متلو ، وذراعين تكثران من الحركات ، بل يأتي التعبير عن المأساة بواسطة مجموعة من الأحجام المتينة القوية تتهاوى . ومهما كان اهتمام الفنان بموضوعه كبيراً ، فهو لا ينسى ، ولو لحظة واحدة ، أن وراء التكامل الثابت في فن النحت. وهو تكامل مماثل للتكامل الذي تخلقه الطبيعة عندما تودع بسخاء الطعم والطاقة في الأشياء . . . . وبما أننا ذكرنا الطبيعة ، نقول ان هذا الفنان يدنو منها ، في بعض النواحي ، فالأجسام العارية التي يصنعها لا تكتفي بأن تضع أمام أعيننا أشكالاً قوية ، بل تجعلنا أيضاً نحس باللحم البشري. أما في غير ذلك ، فلا نزال نجد أمامنا مخلوقات وهمية ، خرافية . ولسنا لنعجب إذا كانت إحدى أفضل منحوتاته وأروعها تمثل » عروس البحر ( ١٩٤٥ ) وهي مخلوق اسطوري خرافي من جميع النواحي ، يبدو جسمها اللين ، القوي ، الشديد ، وكأن مياه البحر تتساقط منه . ونفس هذه المنحنيات التي ترسم جوانب هذا الجسد نراها مسيطرة أيضاً على جميع الأعمال الفنية في الفترة الأخيرة . ومع ذلك لانرى في الأجسام أيه رخاوة ولا أي تورم . وإذا كانت الأشكال تبدو منتفخة يخيل إلينا أن ذلك ناتج عن اندفاعة داخلية قوية . والواقع أنها وليدة شهوانية لورنز المليئة بالرجولة . وهي تتجاوب استذاقته للقوة الحساسة ويزيد في متانة القطعة بمجملها تأثير التضاد الذي يبنى عليه تركيب العمل الفني وترتيبه .
هذا التضاد أقل وجوداً عند آرب الذي لايزال كما كان قبل الحرب، يعبر عما يريد بواسطة أشكال أكثر انسياباً وأقل دقة هندسية. فهل تراه يأتي بشيء جديد بالنسبة لانتاجه السابق ؟
انه لم يغير اسلوبه ولكنه زاد من تنويع أعماله الفنية وأخذ يدعم الاحساس بأنها تجسد تطوراً أو نمواً عضوياً ، فتلوي الغصن أو الأفعى و انعطاف خصر بدين ، وانحناءات الكتف ، والانتفاخ اللطيف في الخد أو الذراع .... ذلكم هو ما يحب أن يبرزه لنا ، من بين مزايا الحياة. في التكوين الحلو والنطاق المنشي بمنحوتاته من المرمر أو البرونز . ثم ، يبين لنا في هذه المنحوتات أضواء فكر صاف وأضواء أحلام دافئة ، وقلما نراه يقابل هذه الأضواء بالظلال التي توحي لنا بأشباح الليل آرب كما يسعى برانكوزي إلى تبني صيغة موجزة قطعية بما فيها من تعرية قصوى وهو يؤثر على البيضة ذات الحجم المغلق بذرة الحياة بما في هذه البذرة من امكانات وتحولات مقبلة ... والواقع أن المرء يشعر في الأشكال التي يخلقها سلطان الانبات والقدرة على التعاظم والتقلص وتسري فيها حركة متماوجة . قد تبدو ذات نزوات في حين أنها خاضعة ، كما يبدو ، وبصورة دائمة لاندفاعات منطلقة يسعى من صميم قلب الحياة غير الواعية .
أما غابو وبفستر فيرجعاننا على عكس سابقيهما إلى الحضارة التقنية . وقد ظلت المبادئ الأساسية في فنهما كما كانت قبل عام ١٩٤٠ إلا أن تأليفهما أصبح أكثر تعقيداً وأكبر أبعاداً . وقد يحدث أحياناً أن يدعيا إلى ابداع منحوتات ضخمة كبيرة الحجم يراد أن تضم إلى منشآت هندسية كبيرة . . . ومن أمثلة ذلك أن ( العمود المعبر عن النصر ) الذي صنعه بفستر عام ۱۹٥٥ ، قد أقيم أمام مصانع شركة جنرال موتورز في مدينة ديترويت . كما أن إحدى منحوتات غابو ( ١٩٥٤-١٩٥٧ ) ، أقيمت أمام مخزن بينكورف في روتردام. ومن جهة ثانية ، فإن بفستر يستمر بينما يظل الآخر وفياً للمواد الخفيفة الشفافة بيد أنهما كليهما يجعلان النور يتألق بانعكاسات غنية ، وناعمة أكثر فأكثر .
أما كالدر فيتابع ، من جهته ، صنع ( منحوتاته المتحركة Mobiles ) مجتهداً في زيادة مافيها من حساسية . فالقضبان تصبح وتشعباتها أكثر ، ومفاصلها ألين والصفائح الحديدية التي تحملها تلك .
تعليق